البقرة الحلوب وسلال التين

mainThumb

15-07-2009 12:00 AM

اول مرة, سمعت فيها اعلانا حكوميا بالحرب على الفساد, كان في مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء الراحل وصفي التل عندما وصف الفاسدين باسلوبه المعروف بانهم لا يرون في الاردن الا مزرعة وبقرة حلوبا.. الذين لا يربطهم بالوطن سوى جيوبهم ومنافعهم الشخصية.

طبعا, خلال العقود الاربعة الماضية تغيرت اشكال ومضامين البيانات الحكومية حول محاربة الفساد. لكن ما يميّز ما قاله وصفي عن الباقين انه اشار الى الفاسدين وليس الى الفساد بينما بقيت الشعارات الرسمية في مكافحة الفساد من غير مضمون. لقد كان دائما هناك حديث رسمي عن الفساد لكن لم يحدث ان وقف فاسد خلف القضبان.

يرحم ايام زمان, فلم يعد الفساد مقتصرا على مزرعة وبقرة حلوب ولم نكن نشاهد ونسمع من فنون الفساد كما نشاهد ونسمع. حتى انه يمكن وصف حال الفاسدين بالمثل القائل هجين وطب في سلة تين انهم لا يشبعون ولا يُح?Zرّمون اي شيء, والمصيبة انك ترى الواحد اذا جاءت عينيك بعينيه مفنقر ونافش كتافه ويهز قفاه مثل عارضة على المسرح.

ايام زمان ايضا, اثناء فترة الاحكام العرفية, كان الكُتاب عندما يتناولون القضايا الحساسة يستخدمون كلمة يعض كثيرا, مما أطلق على كتابات بعينها, بأنها كتابات بعضية فالمُنت?Zق?Zد مجهول سواء كان وزارة او وزير, مؤسسة أو مسؤول. لكن بعد فضل اهل معان على الصحافة وحرية التعبير اثر هبة نيسان عام ,1989 توارت الكتابة البعضية الغامضة وانحلت عقدة لسان الجميع واصبح النقد فالتا من عقاله لقد كانت مرحلة نال فيها من يستحق من نقد وخصام, بينما ظلم آخرون ابرياء, ذهبوا ضحية الموجة والفلتان في الحريات.

في السنوات الاخيرة من العقد الماضي, رشّدت الصحافة نفسها وتقدمت المهنية و (المسؤولية) في المؤسسات الصحافية والاعلامية. والسبب, لا يعود فقط الى نضوج تجربة الحريات الصحافية, انما ايضا لانتشار القناعة بان البلاد تتقدم على صعيد دولة القانون وبالتالي فان لا نجاة لفاسد ولا مكاسب لمن يستغل منصبه ونفوذه لتحقيق منافع شخصية, جميعاً, اسندنا ظهورنا الى القانون واغمضنا عيوننا على أوهام الطمأنينة.

غير ان الرياح لم تجر كما تشتهي السفن, واذا بنا نعيش فترة نرى فيها تنمية ونموا في الفساد حتى اصبحت الوظيفة الميري الحكومية كنز سليمان المفقود, وعشنا وشفنا اشخاص بطونهم جربا وكأنهم رأوا في هذا الوطن سلة تين, لم يراعوا إلاّ ولا ذمة فأقبلوا على التهام ما تصل اليه ايديهم ودهاؤهم حتى اصابتهم التخمة غير عابئين او مكترثين بما يشي بفسادهم, ما كانوا عليه من حال متواضع وبما اصبحوا فيه من علالي وقصور ومزارع وارصدة وبيوت مليونية, ولو ان اجدادهم ملكوا مناجم الذهب لما ورثوا عُشر ما جمعوه في زمن الابقار الحلوبة وسلال التين!!

مرّت 30 عاما من 1989 الى 2009 نشأت فيها احزاب وجرت انتخابات بعد اخرى, واقيمت اذاعات خاصة, وانتشرت مكاتب تمويل اجنبي بزعم الدفاع عن حرية وحقوق الاردنيين والاردنيات وانشئت هيئة لمكافحة الفساد, وديوان لاغاثة المظلومين. مع كل هذا, هناك عودة متزايدة في الصحافة ووسائل الاعلام الى الكتابة البعضية لان القانون لم يفعل شيئا الا ملاحقة الحرية الصحافية بينما مواسم الفساد في غلال دائم.0العرب اليوم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد