دور الاردن وعشائره في دعم سلطة المماليك والنصر في عين جالوت 1260 م
تاليف د . احمد عويدي العبادي
توضيح من المؤلف
ان للتاريخ اهمية لاتقل عن اهمية اي علم من العلوم الاساس التي يحتاجها الناس والافراد والدول والحكام , وهو مهم في فهم الشعوب والاسر والقيادات , وقد صار مهما في علم السياسة في العصر الحديث ,حيث ان التاريخ يعيد نفسه بالنسبة للشعوب والمجموعات في كثير من الحالات . كما ان الكثير من الدول تقوم مما تقوم عليه في شرعيتها على التاريخ والمطالبات او الادعاءات التاريخية . من هنا فالتاريخ مهم في الشرعية السياسية والاجتماعية للدولة والشعب والهوية والثقافة والمصير المشترك , فالدولة او البلاد ذات التاريخ المتجذر ليست كتلك التي تم استحداثها في غمرة من الظروف او غفوة من الزمن.
من هنا فان التاريخ بالنسبة لنا في الاردن يشكل لبنة اساس في شرعية وجود وطننا ككيان وشعب وهوية وثقافة وواقع ومستقبل امام انفسنا واما الاخرين وامام المخططات , وقد عملنا ماوسعنا الجهد دراسة كتب التاريخ والاستماع للروايات ومطالعة الوثائق واعادة دراستها بمنظور اكثر نضجا وحكمة وشمولية ودقة مما كان الامر عليه لدى الكثير من الدارسين ومنها دراساتنا نحن في هذا الاطار , ووجدنا ان الشعب الاردني ليس اشتاتا ولا اعداء ولا من بلدان مختلفة بل شعب عريق عميق تالف وتحالف وتمازج عبر التاريخ والاحداث حتى شكل هوية حقيقية اجتماعية وسياسية وتاريخية وثقافية خاصة به
و رغم ماتعرض له شعب الاردن وموقع الاردن للغزوات والاحتلال وصراع الدول وجيوشها والى التصحر واهمال الدولة في القاهرة او دمشق او بغداد او الاستانة لهذه البقعة , وتعرضت ايضا للزلازل والامراض المعدية والازبئة الفتاكة مثل الطاعون والكوليرا والجدري , وتعرضت للفياضانات , وكل ذلك ادى الى الاذى الذي لحق بالبلاد والعباد .
وقد حاولت جهدي اعادة قراءاة التاريخ الاردني وعشائره مرة اخرى , بنظرة تبرهن على شرعية وجودنا وتجذرنا في وطننا واننا اسرة واحدة , او اسرا متناغمة , وان حالات التناحر والتنافر التي كانت تحدث انما كانت وليدة الظروف وغياب الدولة والامن والصراع من اجل البقاء وانها لم تكن ابدية لا في وئامها ولا في خصامها , وان الاردنيين اخترعوا من وسائل وعناصر البقاء ونسيان الاحقاد والثارات وتطييب الخواطر , اقول ابتدعوا من هذه ماساعدهم على الاستمرار والبقاء والعيش في اسوا الظروف وفي نقيضها احسن الظروف . ومن هذه المصطلحات اقوالهم : ( اللحى من هاللحى نظاف ) عندما تتم تسوية الامور بين طرفين متخاصمين وبينهم حقوق مدعاة او حقيقية كل على الاخر , وينتهوا بحل هذه المنازعات ضمن صيغة معينة ثم يقولون : ( اللحى من هاللحى نظاف ) . اي ان القوم اصبحوا بنعمة الله اخوانا وان القلوب صارت نظيفة من الحقد , وان الجميع نظيف وسالم كل منهم من ان يكون له او عليه حق . فالكل نظيف ويبداون صفحة جديدة .
ومنها قولهم ( حفار ودفان على ماغبا وبان ) وهو ياتي في حالة العفو العام بين العشائر المتخاصمة , اي انه لم يعد لاحد عند الاخر شيء , وهو ياتي بعد تحقيق مبدا ( اللحى من هالحى نظاف ) التي تعني التسوية الفردية والمجموعة كل على انفراد , ثم تاتي مرحلة الحفار والدفان لتعني العفو العام عن كل ماظهر وعن كل مايمكن ان يظهر فيما بعد بين القبيلتين او الخصمين العامين . فهو اذن عفو عشائري عام عن الجرائم المعلومة والمجهولة التي بقيت خلف المقاصة ( بتشديد الصاد ) بين الاطراف . وكانت هذه وسيلة من وسائل سبل العيش والاستقرار والاستمرار وتجاوز المحن والفرقة واعادة التحام والتئام الناس مرة اخرى . والعودة الى خط الحد المقبول الذي لايرى اي منهم نفسه على الاخر , وانما يعودون تالى نقطة التوازن , وفيها صار لكل واحد رايه وتسامحه لان التسامح عندهم هو اعلى واغلى ثمن يمكن للمتضرر ان يحصل عليه .
ونقطة اخرى من اهتمام الاردنيين بالتاريخ واهميته في شرعية وجود العشيرة او عرب الديرة او اهل الوطن انهم يعبرون عن ذلك ياصطلاحات كثيرة منها :
( نحن هنا من ثمدا وثمود وقومة العمود )اي انهم بالاردن منذ عرب ثمود وهم قوم صالح وهذا يبين ان مدائن صالح كانت جزءا من ديارهم وبالتالي من الاردن وانهم قدماء ومن بقايا قوم ثمود عشيرة وزمنا . واما قومة العمود فهم تعبير عن الاصطلاح القراني الكريم ( ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ) وبالتالي فهم ( اي الاردنيين قدماء في هذا البلد منذ ان قامت ارم ذات العماد ومنذ كانت قوم ثمود وهو قوم صالح ومنهم تفرع قوم شعيب ( جذام ) والصفويون ( اهل الجبل الحاليين ) في شمال الاردن / ارض الحرة / البادية الشمالية . وقولهم ايضا ( القبور جذور ) وهو مثل اردني قديم يعطي اهمية للشرعية التاريخية فيقولون هذا قبر ابوي وجدي او ( هذي قبور اجدادنا وربوع بلادنا ) ليتحدثوا عن عمق وجودهم في الاردن . وظهر اصطلاح سياسي حديث وهي : ان عظام اجدادنا تباع فوسفات في الاردن كدليل على الشرعية التاريخية .
وهناك اصطلاح اردني قديم للتمييز بين المتجذر بالديرة / الوطن , وغير المتجذر به, باكثر من اصطلاح فيقول احدهم في الخصومات مع الاخرين :( انا قراري ماانا فراري ) والقراري هو الشخص القديم المتجذر في البلاد وذلك يعني الاهمية الكبيرة للشرعية التاريخية عند الاردنيين . واما الفراري فهو وصف للعشائر العابرة او للجماعلت التي وصلت توا الى الديار وبالتالي فانه في عرف العشائر الاردنية لايجوز ان يجلو القراري لصالح الفراري اذا استوجب فعله الجلاء ( اي اذا كان فعله مع الفراري ) . وحتى اصطلاح ( اولاد البلد ) هو تعبير عن الشرعية التاريخية عند العشائر الاردنية .
من هنا اهتمينا بالتاريخ الحقيقي على النهج الاردني والطريقة الاردنية , لان الحديث عن عشائرنا وشعبنا من غير ابناء البلاد قد لايعطي النتيجة المرجوة . قمثلا نجد ان مؤرخي فترات الصليبيين والايوبيين والمماليك وحتى العثمايين لم ينصفوا الاردنيين في كتاباتهم ولم يهتموا باسماء العشائر الاردنية ولا بقوائم الشيوخ الا لماما , كما ان ذكرهم للاسماء جاء مليئا بالاخطاء والتناقضات احيانا وذكر الافخاذ الصغيرة علىانها كبيرة والعكس ايضا , او حتى عدم ذكرها اطلاقا .لذا فان كتابة التاريخ الاردني اعتمادا على المصادر بدون اعادة صياغتها وتصحيحها وترميمها تصبح كمن ياكل لحما نيئا وينسى ضرورة طبخه وترتيب موائد مختلفة منه . ومن الاقوال التي تبين اهمية التاريخ وشرعيته قولهم : هذي ارض جدودنا , وعند حديثهم عن تملك الارض يقولون ( مقاسم عشائرية )اي ان هذه الديار للعشائر وان لكل عشيرة واجهة من الارض تعتير ملكا عاما ومشاعا لهم , وانهم حصلوا عليها عبر الاباء والاجداد مما يعني اهمية التاريخ بالنسبة لهم . وايضا : ( ملك جد ) اي ان هذه الارض وصلت اليه عبر الاجيال من الاباء والاجداد وانه من اهل البلاد الاصليين وانه يرث الارض بمفهومين : الاول هو الشرعية التاريخية اي انها جاءت اليه من ابائه واجداده , والثاني انها ملكه هو انه واياها عاشوا التاريخ المشترك وما تطلبه الامر من الدفاع عناه والتضحية من اجلها والاستحواذ على سند التسجيل لها / اي تملكها .
من هنا فان الشرعية التاريخية امر مهم في عرف الاردنيين ومفاهيمهم , ونحن نريد من خلال الاستفادة من المعلومات التاريخية والموروث الشعبي والروايات والوثائق وتحليلاتنا الشخصية ان نعيد كتابة تاريخ الاردن بمفوهم اردني ينسجم مع حقيقة شعبنا ومفاهيمه التي اسيء فهمها عبر التاريخ , واصطلاحاتنا وثقافتنا وسلوكيتنا التي اسيء استيعابها وفهمها ايضا . نحن نفهمها جيدا , وكما يختلف الادباء في شرح القصائد والنصوص ويختلف المؤرخون في تحليل الاحداث , فمن حقنا ان نختلف مع الاخرين اذا كانت رؤاهم لنا ولتاريخنا لاتتفق مع طبيعتنا وفهمنا وخصوصيتنا . ومنها ان التاريخ بالنسبة لنا اساس من اسس شرعيتنا .
واذا لم يكتب الاخرون المنصفون تاريخنا فلا يجوز ان نتقاعس وننتظر من يتكرم علينا بكتاباته , ونتحدث عن امجاد حقيقة كانت ام وهمية ولا ندونها , لانها تبقى سرابا وخرابا اذا لم ندونها تساوت جميعا بالقيمة / اي الاهمال والنسيان . من هنا اطلقت مقولتي التي صارت معروفة للجميع : ( ان التاريخ لمن يكتبه لا لمن يصنعه) . فهناك من يسرق التاريخ والذين اطلقت عليهم مصطلح ( سراق التاريخ / بتشديد الراء وضم السين -- اي الذي ينسبون التاريخ الى الى انفسهم بالتدوين او الرواية ويكون الفعل والصناعة الحقيقة للتاريخ قد تمت من قبل غيرهم . فهم يعرفون ان هذه الروايات ستكون جزءا من التراث الشعبي وبالتالي جزءا من التاريخ ويرجونه لانفسهم وليس لاحد سواهم . وعند التدوين الامين المقنع تتحو ل الرواية الى تاريخ ويعود المجد الى اصحابه وليس الى سراقه( بضم السين وتشديد الراء ) . فانا شخصيا استفيد عند كتابتي للتاريخ من كل كلمة متوارثة ومن كل اسم وتغيير الاسم ومن كل رواية شعبية وتاريخية تقع تحت يدي او تنتهي الى مسامعي , ثم اهضم الموضوع برمته وافهمه جيدا واقوم بصياغته ضمن نظرية معينة ورسالة معينة , فالشعوب لها رسالة ولها ثقافة وهذه تاتي عبر السنين وليس في يوم او يومين , وبالتالي فان ذلك كله مفيد لي في كتابة التاريخ .
والنقطة الاخرى ان الكثيرين يروون انهم جاءوا من المكان الفلاني ولا يتحدثون عن المكان الذي سبقه , اما انا فانني اعتقد ان هناك اسبابا عامة واخرى خاصة لحركات الشعوب والقبائل والجماعات , قد يكون من ضمنها صفقات سياسية بالترحيل او التوطين او الاضطهاد , وبالتالي فان وجود غالبية عشائر شمال الاردن هي اصلا من جنوب الاردن يدل على ان هذه العشائر شاركت في معارك حطين وعين جالوت وانها استقرت في الشمال لتكون في جبهة من جبهات ارض الرباط وهي الاردن . وانها كانت ضمن اتفاق عام شعبي ورسمي من اصحاب السلطة والسلطان انذاك . لذا فنحن نكتب تاريخنا بصدق المحب وليس بعقلية الكاره , وننظر الى النصف المليء من الكاس وليس الى النصف الفارغ , وننظر الى الصبح اذا تنفس وليس الى ظلمات البحر اذا ادلجت , والى الليل اذا سجى وليس الى حلكته وظلامه. فان في تاريخ شعبنا من النور والحبور والسرور وما يرفع الراس عاليا مايجعلنا نتجاهل الحالات المظلمة , لاننا نعدف الى البناء وليس الى الهدم , والى ابراز الهوية والثقافة وليس الى طمس الهوية وعدم الاعتراف بالثقافة والهوية
ولا ادري لماذا يعتبر الحديث عن الاردن ضربا من العنصرية وعن غيره ضرب من الوطنية , والسبب هو ان الاجيال شبت وربت وهي لاتعرف تاريخا مكتوبا للادنيين والعشائر الاردنية ولم يبرز كاتب لبلورة الهوية الثقافية الوطنية بما يعزز بعدنا القومي , بل كان البعد القومي على حساب انكار الهوية الاردنية والشخصية الوطنية , وصار الحديث عن الاردن يثير تساؤلا : هل هناك اردن ؟ وهذا للاسف نسمعه من ابناء الوطن وغيرهم ,. كما ان الكثير ممن صار في المسئولية يتحدث عن الوطن والشان العام حتى اذا مااطيح به دعا بالويل والثبور وعظائم الامور انه لايوجد وطن ولا شعب ابدا . وفي الحقيقة ان مالحقني من اذى وتشكيك لم يغير موالاتي لبلدي ومحبتي لكل من يحب الاردن . انني اعتبر ان اي تاريخ مشرف لاي اردني هو تاريخي انا كشخص وكاردني
فمثلا : على كل اردني ان يعتز بالمجاهد الشيخ مفلح كايد العبيدات اول شهيد على ارض فلسطين ضد الصهاينة . فالشيخ كايد عندما ذهب للجهاد انما سار مسيرة ابائه في مقاومة الصليبيين ومقاومة التتار , وهو يعود الى اجداده الادوميين الذين كانوا اول من قاتل ضد بني اسرائيل قبل ثلاثة الاف وخمسمائة سنة على ارض الاردن دفاعا عن الاردن . والزعيم الوطني سليمان السودي الروسان لم يكن زعيما وطنيا طارئا على الوطنية بل حفيد اجداده الكركيين ( من الكرك ) وكان جدهم على راس كتيبة من المتطوعين المجاهدين الاردنيين لخوض معركة حطين , وكان مقر كتيبته قبل تحركهم الى المعركة ومشاركتهم , اقول كان مقره وكتيبته في بيت اراس ثم بعد مشاركتهم في المعركة عادوا ليسموا قريتهم الجديدة سما لانهم كانوا في قمة سماء الزهو والمجد بالنصر ثم سموها سما الروسان . وتحول من ابو راس اي انه راس الكتيبة المجاهدة وساكن في بيت راس الى الروسان . وبعدها حدث لاحفاده من المواقف التي (طلعوا فيها راس / اي النصر ) , ويعتقد ان الاسم جاء من هذه الحالات الحديثة وفي الحقيقة انه جاءهم من معركة حطين كما قلنا ومن راس الكتيبة ومن بيت اراس جميعا ..
وسياتي الحديث عن هذه العشائر فيما بعد , وعن دورها الوطني حيث شاركت العشائر المسلمة والنصرانية في معركة حطين واستقرت في الشمال ضمن خطة عسكرية اردنية ايوبية لحماية الجبهة الاردنية , وبقوا فيها وفي حوران الى يومنا هذا . ووصفي التل ووالده عرار وهما مفخرة لكل اردني جزؤ ايضا من تاريخنا الاردني , بل جزء مشرف , وعشيرتهم التل / التلول ) الذين هم بقايا العمونيين الحقيقيين الذين قاتلوا ودافعوا عن الاردن اكثر من 13 قرنا وهربوا الى الجنوب من اضطهاد العباسيين ثم عادوا الى قلعة عمان قلعة ابائهم واجدادهم ثم شاركوا في حطين وعين جالوت ثم استقروا في اربد وذهب اقاربهم الى الشام ثم عادوا الى اربد وهم عشيرة ابو غنيمة. فهؤلاء لم تاتي وطنيتهم من فراغ بل لها عمقها التاريخي وشرعيتها التاريخية في ربوع الاردن . بل ان هذه العشائر الاردنية جزء من تاريخنا الوطني المشرف ولهم باعهم في الدفاع عن الاردن عبر الاف السنين . وبالتالي لايجوز ان نتحدث فقط عن سنين معدودة او قرن او قرنين ولهذه العشائر بشكل عام في البلاد 35 قرنا . والامثلة تطول على عشائر خرزة اربد جميعها التي شاركت في حطين وعين جالوت وظلت مرابطة في الشمال للدفاع عن الاردن وسنجد التفاصيل كاملة عن اسماء هذه العشائر في حلقات قادمة ان شاء الله . ومن الامثلة ايضا عشيرة المحافظة الذين جاءوا من الكرك وشاركوا في حطين وعين جالوت وقاموما التتار وبقي منهم جزء في ارض الرباط في الشمال وقسم عاد الى الكرك واخر ذهب الى فلسطين ؟
ضربت هذه الامثلة لبيان طريقة دراستنا للعشائر الاردنية وانها هي تاريخ الاردن وان تاريخ الاردن هو العشائر الاردنية , ومن يقل غير ذلك فانه لايتحدث عن الاردنيين , وانما عن اردن خيالي في ذهنه وليس في واقعنا ووطننا.
ظهور السلاطين المماليك في مصر 1250 م ودور الاردن والاردنيين في دعمهم
تعود قصة المماليك أنهم كانوا من خدم وحراس ومرافقي الملوك الأيوبيين اشتروهم بالمال وهم من أصول تركية وتركمانية وقوقازية، تربوا تربية عسكرية , وعلى الإخلاص لسادتهم، وهم مثل نظام الجيش الإنكشاري الذي اتخذته السلطات العثمانية فيما بعد، فلا أحد منهم (المماليك) يعرف اسم أبيه، لكنه يعرف العرق الذي جاء منه، وقد تعلموا العربية واعتنقوا الإسلام وتدربوا على الفروسية، فجمعوا بين الأدب والفروسية والطاعة واعتناق الدين ( ولا اقول التدين او التقوى ) ، ولكنهم متعطشون لإراقة الدماء، ويغدرون ببعضهم بعضا وبغيرهم , لا تمسكهم كلمة الشرف، ولا يهمهم النكوث بالعهد والوعد. فالمملوك بطبعه يتربى على الحقد الدفين ضد الاخرين وتراوده نفسه ان يطيح بسيده ليجلس مكانه على عرشه . لايهمهم مايقال عنهم لانهم مماليك / اي عبيد ولكن بلون غير اسود وانما بلون الشعوب الاسيوية .
المماليك خرجوا من رحم الأيوبيين وتدربوا في مدرستهم في الاختلاف والتناحر والتنافر، وتشربوا التشرذم والشطط وعدم الثقة بالاخرين , والغدر , وإدراك أهمية الكرك والشوبك وسائر ديار شرق الأردن والاردنيين في السيطرة والتوازن والصراع بين بلاد الشام وبلاد مصر، وبلاد فلسطين وجزيرة العرب والعراق .
وقد مر المماليك بمرحلة الحيرة والتردد، إذ انقسموا على بعضهم ثم على أسيادهم في مصر، فتفرقوا في الأردن وفلسطين ولحقوا بالشام ثم بالكرك، وكلما وجدوا رفضاً من طرف باعوا أنفسهم للطرف المعادي له، كانوا يعرضون انغسهم في سوق النخاسة السياسية لمن يدفع لهم اكثر , او يعطيهم امتيازات اكثر , ويقومون بجميع المهمات القذرة لاسيادهم , إلى أن استقر قرارهم على أيدي شجرة الدر التي هي جارية ايضا ، وهي زوجة آخر ملك أيوبي لمصر، وهي التي انهت حكم الايوبيين وأسست سلطان المماليك في التاريخ الإسلامي، وبنت لهم المجد والعز وادخلتهم في المعادلات والتاريخ , ولكنهم غدروها وقتلوها شر قتلة وهي ولية نعمتهم , ولقيت حتفها على أيديهم كما قلنا قتلا بالصرامي والالقاء بجثتها من فوق اسوار القلعة .
وقد حقق المماليك (الذين خرجوا من الرحم الأيوبي كما قلنا) أول نصر على أسيادهم الأيوبيين، عندما وقعت المعركة بين الطرفين ، وقاد الأيوبيين ملك الشام الناصر يوسف، وقاد المماليك المعز أيبك واشتعل إوار المعركة قرب العباسية يوم الخميس 10 ذو القعدة 648هـ/ 2 شباط 1251م حيث كانت المعركة سجالاً انهزمت قوات مصر المملوكية في البداية، ولكن المعز أيبك الملك المملوك وجد أن مصيره ومستقبله مرتبطة بصموده وشجاعته، فعاد جيشه إليه بعد الفرار وألحق بالأيوبيين خسارة فادحة وهزيمة منكرة، فهرب الملك الناصر يوسف الايوبي إلى دمشق، ولم تشترك إمارة الكرك في المعركة. بل بقيت على الحياد على طريقة الاردنيين بعدم التدخل في الصراع المجاور لان اي تدخل يؤدي بهم الى الخسارة . والاردنيون لايستطيعن ان يخسروا اصلا , وليس من احد يستحق ان يخسروا من اجله من خارج الاردن لا المماليك ولا الايوبيين .
وهنا تحالف المماليك مع الفرنجة ضد الأيوبيين، وكان ملك فرنسا في عكا حيث وقف يرقب الأحداث ينتظر انتهاء الطرفين واضعاف بعضهم بعضا ومن ثم يقوم بالانقضاض عليهم وعلى فلسطين وبيت المقدس، وتدخل الخليفة العباسي لوضع اتفاق بين الأيوبيين والمماليك، وبموجب ذلك صارت فلسطين لأول مرة، أقول لأول مرة في التاريخ ( بموجب هذا الاتفاق ) تمتد من البحر إلى النهر، وكان ذلك في صفر 651هـ، نيسان 1253م، وأن تسمى هذه كلها فلسطين وأن تكون تابعة للمصريين، وبذلك فقدت إمارة شرق الأردن الكركية من اراضيها كلا من : ضفتي النهر وأريحا وبيسان وطبرية وحطين وعين جالوت التي ستكون موقع المعركة الفاصلة بين المماليك والتتار فيما بعد . وليس غريبا ان يحدث ذلك لان الحقد العباسي المتوارث جعل الخليفة يجرد الاردن من قسم هام وخصب من اراضيها ليعطيها لفاسطين , ولكن هذه الاراضي عادت الى الاردن فيما بعد _اي بعد ان سقطت الخلافة العباسية في بغداد
حدث الصراع بين السلطان المملوك المعز أيبك التركماني ( زوج شجرة الدر ) من جهة , وبقية المماليك برئاسة بيبرس وقلاوون من جهة اخرى ، اللذين ومن معهم من المماليك غادروا إلى الأردن في الغور والبلقاء والكرك، ثم التحقوا بملك دمشق الايوبي الذي حاول مرة أخرى امتلاك مصر، لكن الصلح وقع بينه وبين المعز، مما أغضب قطيع المماليك الذين يقودهم بيبرس وقلاوون حيث غادروا إلى الشوبك وأخرجوا الملك المغيث الايوبي من السجن ونصّبوه على الشوك والكرك، وصاروا ينفخون في رأس المغيث أن يستعيد ملك الايوبيين في مصر وسوريا والاردن وفلسطين , وان يحتل مصر ويقضي على المملوك التركماني عزالدين ايبك , وأن إمارة الكرك الأردنية يجب أن تؤدي هذه المهمة كما ادت مهمة تحرير القدس من الصليبيين زمن الملك الناصر داود الايوبي ، وبعد موت شجرة الدر تولى ابنها من المعز أيبك مملكة مصر، يساعده الأمير قطز (أحد المماليك)، بينما بقي بيبرس وقلاوون في الأردن.
امارة شرق الاردن زمن المماليك 1257 م
قام المماليك في الأردن (برئاسة بيبرس وقلاوون) بإعلان إمارة شرق الأردن عام 655هـ، 1257م برئاسة الملك المغيث الايوبي . حيث صار بيبرس قائد حرس الملك المغيث , وقام بيبرس على راس الجيش الاردني بالاستيلاء على القدس وفصلها عن التبعية الى مصر وخطب على منابرها للملك المغيث أمير شرق الأردن، وهو لقب ( امير شرق الاردن ) يطلقه لأول مرة في تاريخ الأردن 1257م، وقام بيبرس بقيادة قوات إمارة شرق الأردن لمواجهة القوات المصرية بقيادة قطز نائب سلطان مصر، انتهت بهزيمة الجيش الأردني ومقتل العديد من المماليك، وهزيمة بيبرس إلى الكرك، وبذلك فشلت المحاولة الأولى لإمارة شرق الأردن في التغلب على مصر واستعادة السلطة الأيوبية، وثبت أن الأردن دائماً هي بوابة الصراع لحكام مصر. وانهزمت قوات المغيث الأردنية في محاولة أخرى بعد عام من هذه الهزيمة لاحتلال مصر وذلك في أيار عام 1258م، 14 ربيع الآخر عام 656هـ.
وبذلك تكرس الوجود المملوكي في مصر، وصار الوجود الأيوبي بالأردن والشام مهددا بالاقتلاع والتلاشي , إلا أن الجيوش التترية الغازية هي التي قلبت موازين القوى والتحالفات , حيث اجتاحت بغداد وأسقطت الخلافة، وقتلت الخليفة العباسي بعد خيانة وزيري الخليفة من الشيعة، وكان السقوط في 14 صفر 656هـ، 20 شباط 1258م، أما بيبرس فدخل في خدمة الملك المغيث في الكرك وتجول في سائر أنحاء الأردن وعرفها وعاين أهميتها الاستراتيجية وعرف أهلها وطريقة التعامل معهم، وصار قائدا للجيش الاردني , وصارت له علاقات ودية مع العشائر، مما اسدى له خدمة جليلة فيما بعد، وكانت معه زوجته التي يقال أن الملك المغيث اعتدى عليها أثناء غياب بيبرس، فذخرها بيبرس له، واسرها في نفسه , وانتقم منه فيما بعد وتم قتل المغيث بالأحذية على أيدي زوجة بيبرس المعتدى عليها وجواريها انتقاماً لشرفها المثلوم من المغيث في قلعة الكرك، والله أعلم. كان قدر البلاد بايدي الزعران والولدان والمماليك , ومع هذا ناى الاردنيون بانفسهم عن الصراع ( خبي راسك عند مصاكل الدول ) وكذلك كان .
وليس هذا مكان التفاصيل المملة للسلطان المملوك بيبرس الذي كان يريد الانتقام من الأيوبيين ومن السلطان المملوك قطز، وأن يتبوأ هو سلطان مصر والشام معاً، وأن يوحد العالم الإسلامي أمام أخطار الصليبيين والتتار معاً، وأرسل المغيث الايوبي ولده على راس وفد من شيوخ العشائر الاردنية إلى هولاكو التتري لأخذ الأمان لإمارة شرق الأردن وليس لغيرها لان سلامة شرق الاردن ستعني تامين مقر للايوبيين ومركز انطلاق للتحرير ولو بعد حين ، وقد كان ابن المغيث شاباً وسيماً بلباسه الاردني البدوي المميز مع سيفه وجدائله البدوية التي يتميز بها اهل الاردن ( جدائل الشعر وجدائل السيف ) , وصارت فيما بعد من لباس البادية الاردنية في القرن العشرين وما بعده . وعندما لمحته الخاتون زوجة هولاكو التتري اعجبت به وبوسامته ولباسه فارادت امتحان عقله ان كان متفقا مع هيئته , فسألته أسئلة أجابها بما يسرها , بلهجته البدوية الاردنية وزادت به شغفا وحبا , وصارت كلمته عندها ملباة جدا , وانطبق عليها شعر البدوية التي تقول مخاطبة اخاها عندمااستغرب اعجابها باحد الفرسان :
لي نفس مثل نفوسكم يوم تختار
والنفس يملكها الغلا والمودة
، فطلبت الخاتون من زوجها المجرم هولاكو ترك إمارة شرق الأردن للملك المغيث وأن يعود إليه ابنه سالما غانما دونما اذى , ومعه وفده الاردني بعد اكرامهم واحترامهم , وبالفعل فإن التتار لم يتجاوزوا جرش في اكتساحهم للأردن في البداية ولكنهم لايمسكهم عهد ولا شرف ولا قول لانهم لايعرفون الشرف والكرامة والعهد والوعد فهم امة متوحشة لايكادون يفقهون قولا ، ( ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا ) وان تركوا الاردنيين جنوب جرش بدون أذى اكراما للوفد الاردني والتزاما لكلمة الخاتون التي لم تستمر طويلا ، وبذلك سلمت إمارة شرق الأردن في البداية من التنكيل والقتل الذي اصاب سوريا وبغداد ، ما عدا ما أصاب الجزء الشمالي منها ، ولا شك أن رعاية الله وعنايته بها وبأهلها كانت عظيمة وكريمة منه سبحانه على الدوام. وهنا لابد من القول ان العشائر الاردنية التي كانت رحلت بعد حطين الى الشمال والاغوار وغرب الاردن عادت ثانية الى جنوب الاردن هروبا من التتار من جهة ولان الجنوب صار امنا بعكس بقية الاماكن في الشمال والوسط . وهذا يبين ان حركة العشائر الاردنية كانت طولية على مدى سلسلة الجبال الشرقية الاردنية وليس عرضية كما يتصور البعض .
وهنا لا بد من الوقوف هنيهة، حول نقطة تاريخية هامة، وهي أن عنوان ومكان وسكان إمارة شرق الأردن ليست وليدة سايكس بيكو كما يحلو للبعض القول، بل أنها كانت منذ زمن الصليبيين ( زمن ارناط ) والأيوبيين ( امارة الاردن التي تشمل ضفتي النهر والبادية والجنوب والشمال ) , وكان مركزها الكرك وتضم شرق الأردن من العقبة إلى الهضبة، ومن الجوف ودومة الجندل ووادي السرحان إلى غربي أريحا، وكانت تضم شرق الأردن الحالي حتى تبوك، وتيماء، والعلا والغور بضفتيه وبيسان وطبرية وحطين ( وفيها المعركة العظيمة ضد الصليبيين ) وعين جالوت ( وهي مكان معركة المسلمين ضد التتار ) والجولان وحوران وبصرى اسكي شام، وكانت في العصرين الراشدي والأموي والعباسي الأول تضم أيضاً عكا وصور حتى نهر الليطاني .
وقد رأينا كيف أن بارونية الكرك في زمن رينالد/ أرناط وزوجته وزوجها السابق همفري كانت تضم شرق الأردن الحالي والغور بضفتيه ونهر الأردن وطبرية وبيسان وأريحا , وبين حين وآخر تضم نابلس والخليل. وهو الأمر الذي استمر زمن الملك المعظم عيسى الأيوبي، وولده الملك الناصر داود بن عيسى، ثم زمن المغيث وقائد قواته المملوك الظاهر بيبرس الذي صار قائدا للجيش الاردني عند المغيث الايوبي , والذي صار فيما بعد أحد أمراء المماليك ثم احد سلاطينهم المهمين .
بقيت إمارة شرق الأردن تلعب دورها الهام والاستراتيجي بين مصر التي يحكمها المماليك , والشام التي يحكمها الايوبيون ، ثم مع التتار الذين جاءوا واكتسحوا البلاد الشامية وقد منح هولاكو بناء على تدخل من زوجته الخاتون أمانا لإمارة شرق الأردن وملكها المغيث وولده الذي قابل الخاتون كما ذكرنا اعلاه . وقد امرت الخاتون وهولاكو بارسال قوات معه من التتار لحماية هذا الشاب الذكي الوسيم الشجاع في طريق عودته إلى الكرك ومن معه من شيوخ العشائر الاردنية .
وبسبب التتار ووحشيتهم وهجومهم الخاطف المكثف عادة , وانعدام الرحمة من قلوبهم , دبّ الرعب في قلوب الناس في الشام فتفرّقوا في البلاد يبحثون عن الأمان وهرب الملك الناصر يوسف الأيوبي من دمشق عاصمة ملكه وترك شعبه يواجه مصيره مع التتار، فمنهم من هاجر إلى مصر، ومنهم من هلك في الطريق، ومنهم من اتخذ من إمارة شرق الأردن ملاذاً آمناً، ومنهم من قضى نحبه , كما أن الملك الناصر يوسف أرسل أولاده وحريمه إلى الكرك طلباً للأمن والأمان، وتفرق جيش الناصر من حوله لأنه أظهر جبنه ونذالته وعدم اهتمامه بشعبه، وإنما بنفسه وأسرته وامواله التي نهبها من الشعب فقط .
أمام هذا الخطر الداهم، قام المملوك قطز نائب ملك مصر بالانقلاب على سيده المملوك الملك المنصور بن المعز أيبك، واعتقله وأمه شجرة الدر ، ونصّ?Zب من نفسه سلطانا على مصر، وكان أول عمل قام به بعد ذلك هو قتل رسل هولاكو الذين جاءوا يطلبون إليه تسليم مصر للتنار بدون قتال ، وعلقهم على أبواب القاهرة وأعلن الجهاد الإسلامي المقدس ضد التتار. وكان تصرفا حكيما منه وان كان لايخلو من المجازفة والمغامرة لكنه قدر الله سبحانه .
وهنا طلب الأمير بيبرس قائد قوات إمارة شرق الأردن من السلطان الجديد قطز السماح له ولعدد من قطاعات القوات الاردنية من ابناء العشائر الاردنية الدخول إلى مصر ومعه جيشه وأعوانه من المماليك , لينالوا شرف المشاركة في الجهاد ضد التتار وتحت قيادة السلطان قطز , فسمح له السلطان قطز الذي فرح بوصول بيبرس ورفاقه المماليك برفقة جزء من جيشه الأردني. وبذلك فان الجيش الاردني وهم ابناء العشائر الاردنية وجدوا انفسهم مرة اخرى امام شرف عظيم وجديد وهو الجهاد ضد التتار , وبدون دخول الجيش الاردني فان الامور تبقى ناقصة والمعركة غير مضمونة .لذلك رحب السلطان قطز بدخول القوات الاردنية وقائدها بيبرس , وهو يعرف شجاعة الاردنيين واخلاصهم وصدقهم وثباتهم في ساحات الوغى .
تقدم التتار إلى دمشق واحتلوها وخربوها ونهبوها وعاثوا فيها فساداً وقتلاً ونهبا واغتصاباً، ثم إلى فلسطين فاحتلوا جزءاً كبيراً منها، وهو الجزء التابع لإمارة شرق الأردن، ولم يتقيدوا بعهود هولاكو والخاتون التي قطعوها لابناء الاردن , حيث اجتاحوا الجزء الشمالي لإمارة شرق الأردن في الأردن وفلسطين , وعملوا فيها قتلا ونهبا واغتصابا وتمثيلا ووحشية لم يعرفها تاريخ البشرية الا مارواه العهد القديم عن اليهود في قتلهم لسائر الشعوب الاخرى . لقد اصبح اسم التتار مرتبطا بالهمجية والوحشية والقذارة والرعب والقتل والارهاب وكل ماهو سيء .
احتلوا الخليل ونابلس ووصلوا غزة غرباً، بينما حاصروا عجلون واحتلوا قلعة السلط وقلعة زيزياء والقسطل في وسط الاردن . فما كان من العشائر الاردنية جميعها الا ان اجتمعت على بركة ماء زيزياء في ضيافة قبيلة بني جذام ( بني صخر وبني عباد وبني عجرمة وبني حميدة ) وذلك عام 1260 ميلادية , وقررت هذه العشائر مجتمعة بلسان واحد الدفاع عن الارض والدين والعرض , وشن الحرب واعلان الجهاد ضد التتار حتى اخر رجل واخر قطرة دم من الاردنيين , والاستعداد للالتحاق بسلطان المماليك للمشاركة في معركة عين جالوت , وان يكونوا على اهبة الاستعداد ( طواريء ) . وشكلوا كتائب من المتطوعين والاستشهاديين , حتى صارت هذه المعركة وقبلها حطين عناوين وطنية جهادية للعشائر الاردنية واتحادها وبسالتها ووطنيتها ومن ثم اعادة مرابطتها في سائر مواقع الجبهة الاردنية من الجولان وحوران الى النقب في جنوب الاردن . وسوف نرى فيما بعد (ان شاء الله ) كيف توزعت هذه العشائر الاردنية المشاركة في المعركتين من عشائر مسلمة ونصرانية , مما يثبت ان الدين لايحول دون تلبية نداء الواجب الوطني عند الاردنيين . فقد قاتل النصراني ضد النصراني والمسلم ضد المسلم جنبا الى جنب ضد القوات والجيوش المحتلة والغازية . وكان الاردنيون صفا واحدا كانهم بنيان مرصوص , وعلى كاتب التاريخ ان يفهم هذه الخصوصية الاردنية
ثم تنادت العشائر الاردنية جميعها مرة اخرى من الجنوب الى الشمال الى البادية الى الغور , واجتمعت في ام قيس ايضا وقررت ان تقاتل ضد التتار بدون هوادة ولا تراجع فاما الموت واما الحياة . وبذلك صارت ام قيس عنوانا اخر من عناوين الاردن الذي يتفاءلون به اذا التقوا فيه , لان ذلك يعني نصرهم باذن الله , وصار القائد الذي معه قوات اردنية يعرف ان معه رجالا لايعرفون الهزيمة ولا الدنية والا الخيانة ولا التراجع في القتال , وهم قوم يصبرون عند اللقاء , ويجابهون الاعداء ومخلصون للاصدقاء .
توافد أمراء البيت الأيوبي في بلاد الشام الذين ذهبت ممالكهم، وهم عاطلون عن العمل يعيشون امجادا سادت ثم بادت , ومعهم ما بقي لهم من الجيوش والتحقوا بالسلطان قطز الذي رحب بهم وضمهم إلى جيشه وسار على رأس قواته المصرية والأردنية والشامية نحو فلسطين، حتى وصلوا غزة، واتصل بالفرنجة في عكا وحذرهم من أن أي تدخل أو غدر منهم ضده فإنه سيترك قتال التتار ويقاتلهم حتى يخرجهم من البلاد فعاهدوه على الإنجيل ألا يتدخلوا : لا معه ولا عليه كما طلب. وبذلك صار الاسياد سابقا وهم الايوبيون تحت امرة مماليكهم , فالايام دول وتداول , فسبحان الله العظيم .
تقدمت الجيوش الإسلامية يقودها بيبرس ( قائد الجيش الأردني ) الذي تحول إلى قائد للجيوش العربية الإسلامية , يدعمه الاردنيون ويعتبرونه واحدا منهم ( من عاش مع القوم اربعين يوم صار منهم ) , وتوافدت العشائر الاردنية بعد اجتماعين الاول في زيزياء والثاني في ام قيس (كما قلنا ) وساروا بقضهم وقضيضهم من العلا الى حوران ومن تيماء والجوف الى اريحا , وقد عاهدوا الله على الموت والشهادة وصاروا باعداد ربما تفقو اعداد الجيوش النظامية مع قطز , وتاهبوا للمعركة والقتال بين فرسان ومشاة ورماة ومسعفين وصانعي طعام للمجاهدين .
والتقت القوات العربية ومعهم العشائر الاردنية التي كانت شاركت في معركة حطين من قبل ( ولا داعي لاعادة الاسماء ومن اراد معرفتها فليعد الى قائمة اسماء هذه العشائر التي شاركت في معركة حطين المذكورة في الحلقة السابقة ) , اقول التقوا بالتتار في جزء من الارض الاردنية انذاك وهي عين جالوت في معركة ضارية يوم الجمعة المبارك 25 رمضان 658هـ، 3 أيلول 1260م، واستبسلت القوات العربية والإسلامية والعشائر الاردنية استبسالا منقطع النظير , وقتلوا كتبغا Katibgha قائد قوات التتار، فانهزم باقي التتار ولحق بهم ابناء العشائر الاردنية والجيش الاسلامي وذبحوهم شر ذبحة . وكتب الله النصر للإسلام، وانحسر المد التتري عن الاردن وفلسطين ومصر والحمد لله. وبذلك نجد ان حطين كانت معركة اردنية بامتياز مكانا وعدة ورجالا , وكذلك كانت ايضا عين جالوت معركة اردنية بامتياز مكانا ورجالا ومتطوعين ودعما بالطعام والماء والميرة واللحوم والسلاح والمشجعين والاسعافات والزغاريد من النشميات الاردنيات . فالاجداد والجدات لهذه العشائر قدشاركوا في المعركتين ولهم الفخر التاريخي في ذلك ويثبت ان الشعب العشائر الاردنية هي رمز من رموز المقاومة والاستبسال , وهم عادة يعملون ذلك يتالف وليس بتناحر وتنافر .
وقد شاركت بقية القوات الأردنية الاحتياطية ايضا في معركة عين جالوت حيث أرسلها الملك المغيث، وبعد النصر طلب المغيث من قطز أن يقرّه على إمارة شرق الأردن، فترك له الكرك والشوبك وأخذ منه السلط والخليل والبلقاء (أي عمان). ولكن وكما قلنا فان المماليك تعلموا الغدر وتربوا عليه , وهذا مانجده فيما فعله بيبرس الذي قتل السلطان قطز غدرا وغيلة للاسف الشديد بعد معركة عين جالوت , وصار بيبرس سلطان مصر، حيث انتقم بعدها بالحيلة والغدر والدهاء من سيده الذي احتواه واواه بعد ان كان بيبرس شريدا طريدا , اقول انتقم من سيده السابق الملك المغيث الايوبي ملك الاردن في حينه , وامر بيبرس بقتل المغيث بالصرامي انتقاماً لشرفه لأن المغيث كما تقول كتب التاريخ أساء لشرف بيبرس في زوجته كما سبق وذكرنا , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله أعلم. لقد تعلم بيبرس من الاردن اشياء طيبة ومشرفة كثيرة الا ان الغدر الذي اتصف به ليس من المدرسة الاردنية وانما من المدرسة الايوبية والاعجمية والمملوكية .
كانت عادة الإجارة ( قبول حماية المستجير ) عند العشائر الأردنية أمراً مقدساً، ولا خيار للقبيلة إلا أن تجير المستجير حتى ولو دفعت الثمن غالياً، قتلاً ونهباً وسبياً واعتداء عليها من قبل المطالب للمستجير، وكانت منطقة البلقاء تعج بالقبائل في هذه الفترة. فابناء الشمال هربوا اليها من التتار , وابناء الجنوب جاءوا اليها لدعم بعضهم بعضا , وابناء الاردن من الغرب جاءوا فرارا من بطش التتار ايضا , فالتتار قد ضغطوا على العراق وأسقطوا الخلافة العباسية التي كانت اصلا اسقطت الاردن من حساباتها , وأحرقوا بغداد وأغرقوا الكتب والمؤلفات، فهربت كثير من القبائل باتجاه الأردن وجزيرة العرب،منها من كان اصلا اردنيا هرب من الصليبيين ومنها من كان غير اسمه من قبل وذهب الى العراق للتخلص من البطش العباسي باسم جديد . وقد عادوا الى الاردن لأنها ملاذ أمن من هذا الخطر التتري المتوحش، ولم تكن الشام آمنة لاجتياح السرطان التتري لهذا القطر، وهروب القبائل الرحل أيضاً إلى الأردن. وصارت الاردن هي نقطة تجمع القبائل النازحة اليها والعائدة الى رحابها , وزاد عدد سكانها والتامت العشائر الاردنية بعد طول فراق مع ابنائهم الذين لم ياتوا زمن معركة حطين , واعيد بناء العشائر الاردنية ولم شملها مرة اخرى . وهكذا وضمن الصراع من اجل البقاء نجد الاردنيين قادرون على التكيف مع الظروف والمستجدات بذكاء ودهاء .
هنا تبرز أهمية الأردن كملاذ آمن عبر التاريخ منذ زمن التوراة الى يومنا هذا ، وهنا تبرز أهمية وقوفها على بوابة جزيرة العرب، لتصبح محطة عبور أو استقرار للقادمين من الخطر عليهم في الشام وفلسطين، وهنا تبرز اهميتها كبوابة للعراق والخليج العربي والبحر الاحمر , وهي الدرع الواقي لمن حوها وهي ايضا باب النار لمن يعاديها . وهذا ما حدث أيام التتار، حيث صارت الأردن موئلاً للنازحين من كل حدب وصوب، أضعاف ما حدث لها في أعوام 1948، 1967، 1991م، بل إن الملك الناصر يوسف ملك دمشق قد لجأ إليها، واحتمى بقبائل جذام : بني صخر والعجارمة والحمايدة، وبني عباد ، وكانوا في مناطق البلقاء حول ينابيع المياه وتجمعاتها , حول : بركة زيزياء، بركة الموقر، بركة القسطل , سيل عمان، سيل حسبان، سيل الزرقاء، سيل الوالة, ينابيع وادي السير وناعور والعدسية وماحص ووادي الشتاء ووادي شعيب ونهر الزرقاء وسيل عراق الامير . كانت زعامة بني صخر في هذه الفترة قد انتقلت من البواسل ( خضير ) الى ابن زهير / الجبور والذي بقي في زعامة القبيلة الى وقت متاخر عندما اانتقلت الزعامة منه الى الخرشان كما سياتي ان شاء الله .
كانت قبائل جذام يلتئمون معاً للدفاع عن أنفسهم في الشدائد ، أو لمؤازرة بعضهم بعضاً، او لحماية المستجير بهم او باي منهم , وكان منهم ابن مهدي وهو والعبابيد والعجارمة كلهم ابناء عم من بطن واحد من جذام هو بطن طريف . وبن مهدي سيأتي ذكره في زمن المماليك والذي أعطوه إمارة البلقاء، بدلاً من نافع العجرمي، وكان نافع العجرمي زعيم جذام في هذه الفترة (وقت اجتياح التتار) ، وأشار إليه ابن بطوطة في رحلاته فيما بعد، وكان يسمى الأمير، وهو لقب كان يطلق على زعيم القبيلة بدلاً من كلمة الشيخ، فيقال الأمير الشيخ الى الان .
ولا زال اقتران اللقبين ( الشيخ والامير ) معاً يستخدم لدى مشيخات الخليج العربي، فيقال سمو الشيخ فلان، أو جلالة الشيخ فلان، فكلمة سمو تطلق للأمير، وجلالة تطلق للملك، ولكن كلمة الشيخ تقابل كلمة الشريف في النسب عند العرب، فيقال جلالة الشريف فلان، وسمو الأمير الشريف فلان، وسيادة الشريف فلان، إذن كلمة أمير كانت تأتي من الأمرة وصاحب الأمر، وهو شيخ قبلها وبعدها، وأنه اذا فقد الولاية عاد إلى لقبه الأساس الذي لم يفارقه وهو شيخ.
أمام الخطر التتري التأمت قبيلة جذام كما قلنا وهي التي لازالت اكبر واقوى قبيلة اردنية عبر تاريخ الاردن الطويل منذ زمن سيدنا النبي شعيب الى الان ( مطلع القرن الحادي والعشرين )ورغم نزوح الكثير من القبائل الى الاردن في هذا الوضع المتردي امنيا الا ان جذام ( بمكوناتها ) بقيت أكبر واقوى قبيلة في الأردن، وقد صارت البلاد خالية من الإدارة إلى الشمال من وادي الموجب، أي في زيزياء، ومادبا وعمان والسلط وعجلون، واقتصرت إمارة شرق الاردن سياسيا واداريا ولا اقول جغرافيا او تاريخيا على الكرك ، وتقلّصت امارة الكرك ايضا إلى الجنوب من وادي الموجب، واجتاح التتار البلاد، وعجزت الخلافة، ومملكة دمشق عن مجابهتهم، فكيف بقبيلة وحدها الوقوف في وجوههم.
كانت خطة العشائر الاردنية وعلى راسها جذام واضحة , وهي الانتقال إلى أطراف الصحراء في مناطق عمان وزيزياء والوالة وحسبان والموقر وصوفة ودوارة ( الاجفور الحالي ) وبريقع ( شمال الجفور ) ، والحرة ( مناطق اهل الجبل الان ) فإن أحسّوا بالخطر وقدوم القوات التترية، رحلوا إلى أعماق الصحراء وهم على أعتابها، وهي في متناول أيديهم، وإن زال الخطر انتشروا في ديار البلقاء من غور الأردن إلى الصحراء. وكانت هذه خطة عسكرية اتبعها آباؤهم وأجدادهم منذ أيام الوثنية، فعندما تسقط الحواجز الطبيعية من جبال وأشجار وحجارة، وعندما ينتهي مفعول القلاع حصاراً أو احتلالاً أو هدماً، وعندما تعجز الجيوش او تنعدم للدفاع عن الحياض , فإن الحاجز الطبيعي والقلعة الطبيعية هي الصحراء، يدخلون فيها إلى أن يزول الخطر. وهذا نمط من الصراع من اجل البقاء .
وهنا لا بد من التذكير بنظريتنا التي كررناها كثيراً في كتاباتنا عن العشائر الأردنية، وهو أن الأردن ممر ومستقر، وأن القبائل إذا شعرت بالخطر تفرقت ذات اليمين وذات الشمال خارج الاردن او داخله , وبخاصة إذا ماعجزت عن استيعاب الخطر أو مقاومته أو التفاهم معه، حتى إذا مازال بعد سنوات أو جيل أو أجيال عادت هذه القبائل إلى أماكنها وكل منها الى ديرتها او الديرة التي ارتحل من بقي منهم في الاردن ، وتكون أحياناً قد التحقت بقبائل أخرى قوية خارج الاردن لغايات الحماية مثل عنزة وشمّر وحرب وطي وغيرها. وعندما يعودون الى عشائرهم يقال انهم من عنزة او من شمر او طي او نجد او فلسطين او مصر , وهم في الحقيقة من ابناء العشائر الاردنية وعادوا اليها عند زوال الخطر عن الاردن او هروبا من وقوع خطر على العشيرة النازحة في مكان نزوحها .
أمام المد التتري المتوحش الذي يقتل وينهب ويُسبي ويغتصب، ولا يعرف رحمة، تجمعت القبائل الأردنية، وبخاصة جذام من مكوناتها المذكورة أعلاه، ووجد الملك الناصر يوسف أن يذهب إلى أكبر وأقوى تجمع عشائري في إمارة شرق الأردن، فكان هذا في البلقاء أي حول عمان وزيزياء، حيث السهول والمراعي الخصبة والمياه الوفيرة، فدخل في جذام فأجاروه وحموه، إلا أن مرافقه وخادمه المدعو حسين الكردي دلّ التتار عليه، فتحركت جيوش الوحوش الهمجية التي لا تعرف إلا إراقة الدماء، وهاجمت القبائل الأردنية ، وركزت هجومها على جذام وقتلوا خلقاً كثيراً من رجال وفرسان جذام واغتصبوا النساء الجذاميات، وسبوا من نسائهم، ولكن جذام رفضت تسليم الملك الناصر يوسف لأنهم إن فعلوا كان ذلك عليهم عارا إلى يوم القيامة، واستطاعت جذام أن تنتقم لنفسها، وهم أهل البلاد والأدرى بشعابها، فأغاروا على خيول التتار وهي في المراعي وساقوها إلى الصحراء، وثاروا لأنفسهم بقتل الفرسان التتار الذين فقدوا خيولهم، وهربت جذام والخيول المنهوبة، والنساء والأطفال إلى أعماق الصحراء بعيدا عن متنازل ايدي التتار الهمجيين .
تحرك المدد التتري نحو جذام وهو يشعر أنه أهين لأول مرة أن تتمكن قبيلة بدوية من قتل اعداد كثيرة من قطعان الوحوش الضالة المسعورة ونهب خيولهم، والثأر منهم ، وتخليص النساء الجذاميات الاردنيات السبايا تحت جناح الليل. وتحركت قطعان وحوش تترية أخرى لتحلق بهذه القبيلة، لكنهم لم يدركوا منهم أحداً، وأدركوا الملك الناصر يوسف الذي أثر البقاء في زيزياء على التحول إلى البداوة والتحرك مع البدو، معتقداً أن القطعان التترية الضالة لن تلحق به ولكنها أدركته وألقت القبض عليه وحملته بالأغلال والإذلال إلى قلعة بني عوف في عجلون التي استولى عليها التتار بعد أن استسلمت حاميتها التي تعرضت للإبادة، أما قبيلة بني عوف العجلونية فقد تفرقت رجالا ونساءا واطفالا وشيوخا في الغابات واستعصى أمرها على التتار وسلموا من سيف الهمجية التترية. ومن سوء حظ جذام ان منطقتهم التي داهمهم فيها الهمج التتار كانت مفتوحة فهي بادية ولم يتمكنوا من الافلات الا تحت جنح الليل كما قلنا توا . واما الزيادنة ( الازد سابقا ) وهم عشائر قرى جرش الغربية الذين كانوا شاركوا في معركة حطين فقد لجأوا الى الغابات من حولهم ولم يدركهم المغول ايضا كما هو شان ابناء عجلون , والزيادنة كانوا بطنا من الازد وغيروا اسمهم من الازد الى الزيادنة للتخلص من البطش العباسي وبقاياهم لازالوا في قرى جرش وهم سكانها باسماء متعددة , ومنهم من نزح الى السلط وصار من عشائرها مثل الجزازية , وذلك بعد العودة من معركة حطين وعين جالوت .
وبذلك نرى أن الصحراء كانت ملاذاً للقبائل الاردنية وبخاصة القبائل المجاورة لها، مثل جذام . أما القبائل الأردنية الأخرى من مسلمة ونصرانية والتي توفرت في ديرتها غابات فقد لجات الى الغابات كما قلنا ، حيث يتعذر الدخول إليهم او معرفة وجودهم فيها ، وكذلك كان شأنهم عندما دخل التتار، فسلّمهم الله، وإن ما حدث من قتل وشبه ابادة لقبيلة جذام على ايدي التتار إنما كان بسبب أنهم في منطقة عارية من الغابات .
وان دل هذا فانما يدل على ان اباءنا واجدادنا رووا تراب الاردن بدمائهم منذ زمن الوثنية الى الان وعبر مراحل التاريخ كله , وهذا يبين سبب محاولة الاردنيين عدم الدخول في المواجهة لخطورة ذلك . لذا برز مثل اردني يقول ( غيب قد ماتقدر تغيب ولن وقعت صير رجل طيب / بتشديد الياء في جميع الكلمات ماعدا ياء صير ) , والى الذين يقولون ان هذه البلاد كانت خالية من اهلها او انها لااهل لها , فقد وضعنا الدليل الحقيقي بين يدي التاريخ والعقلاء , واما الجهلاء فانهم صم بكم عمي فهم لايفقهون , ويكفاهم جهلهم . وقد قرانا في التعليقات ان الاردنيين ليسوا الا بدو رحل جاءوا قبل سنوات او عشرات السنيتن الى البلاد , وان هذه البلاد ليس لها اهل . وان مثل هؤلاء انما يرددون ابواق الصهيونية الحاقدة والمخططات الاستعمارية والتوسعية . واكرر القول انه حاقد وجاحد وجاهل في التاريخ .
والسؤال لماذا جيء بالملك الناصر يوسف إلى عجلون، وكيف فهم الوحوش التتار لغة البشر؟ السبب أن عجلون كانت معززة بحامية اردنية قوية من بني عوف ومن جنود الملك الناصر نفسه ، وفيها أموال وجواري للملك الناصر، ويريد التتار السيطرة على القلعة وما فيها بسرعة، وإلا فعليهم أن يحاصروها، وقد يستغرق ذلك وقتاً طويلاً، وهم وحوش ضارية لا تهدأ في مكان، ولا تستقر في أرض، بل تجوب الديار للقتل والسطو والنهب ليس إلا، وبالفعل جيء بالناصر وأعطى أمراً لحامية عجلون بالاستسلام فأبادوها التتار ابادة كاملة قتلا وتمثيلا ، وأخرجوا جواري الملك الناصر وهن عراة كيوم ولدتهن أمهاتهن، حافيات كسيرات حسيرات، ثم هدموا شرفات القلعة وخربوها وأحرقوها ونهبوا الاموال وكل شيء ثم غادروا المكان .
ولم يسلم في عجلون إلا عشائرها وهم بنو عوف والمومنية والصمادية وعشائر خيط اللبن والفريحات والرشدان والعنانبة وغيرهم من العشائر الصغيرة كما سياتي مفصلا فيما بعد ان شاء الله , لتفرقهم في الغابات، أما قلعة بني عوف فقد صارت قلعة للأشباح خاوية على عروشها، والجثث متناثرة للطير والوحوش، أما الملك الناصر، وبعد أن أمر باستسلام الحامية والقلعة، وحدث لها ما حدث، فإنه كان لا زال أمام مشوار طويل جداً من المهانة والاذلال ، وهو سوقه مهاناً مغلولاً إلى هولاكو، وبقي أسيراً هناك ، إلى أن تجرع الوحوش التتار الهزيمة في عين جالوت، وهنا قتله هولاكو انتقاماً لأول إهانة حقيقية لحقت بهولاكو على ايدي العرب المسلمين ، وهو الطاغية السفاح المتوحش الذي لم تلحقه قبلها أية إهانة إلا ما كان من جذام في البلقاء كما قلنا ثم في عين جالوت . ولم تكن المنية من نصيب الملك الناصر يوسف فحسب ، وانما ايضا كانت الحوض الذي شرب منها مرافقه الخائن حسين الكردي الذي دل عليه وهو في جوار جذام وتحمل ذلك الخائن الكردي اوزار جميع الارواح التي تم ازهاقها والاعراض التي تم انتهاكها . وكان نصيبه ومصيره ( حسين الكردي ) ان شنقه السلطان قطز في دمشق بعد طرد التتار من بلاد الشام برمتها.
أما قبائل الأردن الأخرى وهي تحديداً الجناح الجذامي في ديار الكرك والشوبك، والأنباط والغساسنة، والأدوميين من مسلمين ونصارى، فقد ثارت ثائرتهم لما فعله التتار في بلاد المسلمين بعامة، ولما اقترفوه من جرائم السبي والاغتصاب والقتل بحق جذام بخاصة وحرقهم لقلعة بني عوف في عجلون ونهبهم لها، وقتلهم للحامية بعد أن أعطوهم الأمان، فوجدت هذه القبائل أنه لا أمان للتتار، وأنهم أشد خطراً ونكاية من الشيطان والوحوش وأعداء المسيح، وأنه لا يمكن التفاهم معهم أو الوقوف مكتوفي الأيدي أمامهم، لأنهم إن وصلوا الكرك أبادوا وخربوا وحرقوا وسبوا واغتصبوا كل شيء أمامهم.
ورغم أن هولاكو وزوجه أعطوا الأمان لإمارة شرق الأردن لابن الملك المغيث، كما قلنا إلا أنهم فعلوا ما فعلوا بعجلون والسلط وجذام، مما ألقى الرعب في قلوب الأردنيين في ديار الكرك والشوبك، فاجتمعت عشائر الجنوب المسلمون منهم واالنصارى عند اضرحة الصحابة الشهداء الكرام في مؤتة وتباحثوا بالامر واستلهموا رسالة شهداء معركة مؤتة , وتعاهدوا على الجهاد والموت والدفاع عن الدين والوطن والعرض والارواح . وكانت خطة هذه العشائر تقوم على ما يلي:
1. التجمع على سيف الصحراء حتى إذا ما شعروا بالخطر دخلوا إليها مثلما فعلت جذام مما يتعذر على الوحوش الضارية التترية اللحاق بهم.
2. فتح باب التطوع للجهاد، وتشكيل فرقة أردنية كركية للجهاد في سبيل الله , وفرق استشهادية والالتحاق بالسلطان بيبرس الذي كان قائداً لجيش إمارة شرق الأردن، وتربطه علاقات معرفة شخصية بهذه القبائل، وصار الآن قائداً عاماً للجيش العربي الإسلامي لمواجهة التتار، وبالفعل شاركت فرقة أردنية وحاربت حرب وجود واستماتة فإما النصر أو الشهادة، وكان هذا الجيش الأردني يتكون من المسلمين والنصارى معا .
3. بث العيون في الشمال والغرب لمعرفة تحركات التتار، فإن اقتربوا تحركت العيون لأخبار الناس ليتحركوا إلى الصحراء والاختفاء فيها للحماية.
4. نسيان الخلافات المحلية لأن الخطر الداهم لا يبقي ولا يذر مسلماً ولا نصرانياً، قوياً ولا ضعيفاً، ولا امرأة ولا طفلاً، ولا شجراً ولا حيواناً، إنهم غضب من الله على الناس لتعود إلى دينها.
كانت قبائل الأدوميين في تلك الديار آنذاك من بني حسن (الأن في البلقاء) وأجداد السعوديين (الآن في بصيرا)، والشوابكة (الآن في الشوبك وحول عمان)، وأجداد الطراونة (الآن الطراونة في قرى مؤاب الكرك وعمان والزرقاء ومختلف الديار الأردنية) , والمحيسن ( الكلالدة ومن لف لفهم / الان في الطفيلة ) , اقول كانت منازل الأدوميين في الطفيلة ووادي موسى وكانوا يمتدون في نجعاتهم إلى العلا في شمال جزيرة العرب التي كانت حتى نهاية القرن التاسع عشر جزءاً من الأردن، ومن ممتلكات العشائر الأردنية. وقد شاركوا في معركة حطين وعاد منهم الى الجنوب من عاد وبقي من بقي في ارض الرباط في وسط وشمال الاردن وفلسطين .
وكانت قبائل الغساسنة تتألف من نصارى الكرك برمتهم إذ أنهم غساسنة، ومن العشائر الإسلامية الغسانية مثل الضمور وغيرهم كثير، وكانت قبيلة الأنباط تتألف من الحويطات وبني عطية وبني ليث وكانوا بهذا الاسم الذي لا زال إلى الآن وكانت منازلهم في جبال الشراة وحول معان وأذرح والجرباء، والحسا. ومن عشائر الكرك التي اشتركت في معركتي حطين وعين جالوت عشيرة الخصاونة الذين كانوا غيروا اسمهم من الغساونة الى الخصاونة هروبا من الاضطهاد العباسي من قبل , ثم تحركوا بعد المعركتين الى شمال الاردن واستقروا في جبال عجلون وسهول اربد وبعضهم ذهب الى قرى جنوب دمشق / كان ذلك بعد مشاركتهم في حطين وعين جالوت , والان اسمهم الخصاونة وهم عشيرة معروفة وكبيرة من عشائر شمال الاردن . ومن العشائر التي شاركت في المعركتين من عشائر الكرك ثم عادت الى الشمال : عشيرة عاشور ومنهم من بقي في فلسطين بعد المعركتين وهم الان من عشائر منطقة اربد .
أما جذام الجناح الجنوبي، فهم بقية بني حميدة، والحجايا، وبني حماد الذين كانوا في وادي بن حماد بالكرك وهاجروا إلى الشمال وهم في دير أبي سعيد الآن وزعامتهم في آل الشريدة / ابن رباع . ، ومن جذام جزء من ابن مهدي الذي ذكرت بعض المصادر خطئاً أنه من قضاعة وهم من بطن طريف من جذام , وبني عقبة ( العمرو ) وعشائر معان الجذامية من نسل ابي فروة الجذامي . وكانت قبائل الطفيلة من الكلالدة ( المحيسن ) والجوابرة والعبيديين والحميدات آنذاك موجودة على خارطة العشائر وقت قدوم التتار. اجتمعت هذه القبائل جميعا عند اضرحة الصحابة الشهداء في مؤتة . وتبادلوا الخطابات والكلمات وشرحوا الخطر والنتيجة المترتبة على الصمت وان ماحدث في بغداد ودمشق درس عظيم يجب الا يحدث بالاردن تحت اي ظرف وباي ثمن ابدا . واظهر الفرسان الاردنيون مهاراتهم في سهل مؤتة وسط زغاريد النشميات الاردنيات , وكانوا جميعا في ضيافة بني عقبة / العمرو / جذام .
نسيت هذه القبائل ما بينها من مشاحنات (ولا أقول عداوات)، وتجاوزا ماكان لديهم من فلسفة العشائر الأردنية بعدم التورط في صراع الدول من حولهم، ووجدت أن التتار لا يريدون الحكم، وتغيير الحكام، بل يريدون إبادة الشعب والحكام معاً، لذا فإن السكوت يعني القبول بالإبادة بدم بارد. وهكذا تطلب الأمر من القبائل الأردنية أن يكون لديها الحزم والعزم في الدفاع عن الأعراض والأرواح، ولا يكون ذلك إلا من خلال التكاتف والتسلح، والتأهب للقتال من بيت إلى بيت، وأيضاً بإرسال جيش اردني ومتطوعين إلى المعركة الفاصلة في عين جالوت التي كانت في 25 رمضان عام 658، 3/9/1260، أي بعد سقوط الخلافة بسنتين، وكان النصر للمسلمين والحمد لله رب العالمين.
لا يوجد أردني له جذور عشائرية أردنية في الأردن عند حرب التتار واجتياحهم قبل سبعة قرون ونصف إلا وله الحق أن يعتز ويفتخر بعروبته وأردنيته، لأنه لم يتوانى أردني ذكراً كان ام أنثى , طفلاً كان ام رجلاً، مسلماً كان ام نصرانياً، شيخاً كان ام راهباً، بدويا كان ام مزارعا , شمالا وجنوبا ووسطا وشرقا وغربا وبادية وحاضرة , أقول لم يتوانى أحد من الأردنيين جميعاً في طول البلاد وعرضها عن التكاتف والاتحاد ومحاربة التتار، والاستعداد لقتالهم، وقد ظهرت الوحدة الأردنية جليّة بما لم يظهر مثلها لا من قبل ولا من بعد حتى الان ، إذ بكت ابنة رم من حرق قلعة بني عوف في عجلون، ورفعت أصوات الله أكبر من مآذن الكرك وسائر المئاذن ، وقرعت أجراس الكنائس في كل كنيسة اردنية ، حزناً على ما جرى من اغتصاب وسبي النساء الجذاميات، ثم رفعت أصوات الآذان وأجراس الكنائس فرحاً بفك السبايا ونهب الخيول وقتل الوحوش التتار الذين فقدوا خيولهم. ودعا شيوخ المساجد للمجاهدين ودعا الرهبان للمجاهدين ايضا . كان تكاتفا وتفجيرا للطاقات الاردنية . كانوا يدا واحدة ويد الله مع الجماعة .
كانت وحدة أردنية حقيقية لإمارة شرق الأردن التي أعلنت رسمياً من قبل الظاهر بيبرس في عام 1257م، 655هـ، حيث خطبوا على منبر الأقصى لأمير شرق الأردن للملك المغيث الأيوبي بن العادل بن الملك الكامل (الهامل). وبالفعل تحقق النصر في المعركة، وتحقق الموقف الأردني، وهذا يقودنا إلى أن الأردنيين يتقنون لعبة التعامل مع الأنظمة والدول والحكام والقوى العسكرية والاحتلال، فعندما يكون الخطر على الحاكم يبرز المثل: اللي ياخذ أمي هو عمي alli yakhudh ummi hu ammi، whom he marries my mother becomes my uncle، وعندما يكون الخطر عليهم كشعب حينها يبرز المثل: يا روح ما بعدك روح defend our soul by all possible means e available means (yaruh mabaadik ruh)،
، وأيضاً اليد دون الحلق ، to lose hand (to be cut) less than than to lose head (by cutting throat)
I.e.when having no choice I can accept cutting my hand instead of cutting my head.
كان الملك المغيث أمير شرق الأردن يطمع بالاحتفاظ بإمارته بحدودها التي كانت قبل معركة عين جالوت (3/10/1260م)، وهي شرق الأردن والغور وبيسان وطبريا ونابلس والخليل وأريحا وما حول القدس، ولكن السلطان قطز وهو أحد مماليك الأيوبيين، وكان مملوكاً عند المغيث ووالد المغيث، وجد أن الدنيا تغيرت، وأدرك أن الجيش الأردني الذي دعمه في عين جالوت قد حقق الفائدة للمسلمين بالنصر على التتار، وللأردنيين بدخولهم التاريخ، وحصولهم على شرف الجهاد في سبيل الله، ونظر قطز أيضاً إلى أن وحدة الجبهة الأردنية كانت أمرا?Z ضرورياً وتلقائياً للحماية الداخلية للسلطنة في حالة الاجتياح التتري، وأن الملك المغيث كان عاجزاً عن حماية جذام البلقاء أمام النهب والسلب والقتل والسبي والاغتصاب. وبرهن عجزه وبالتالي فانه لايستحق العرش الاردني .
لا شك أن قطز الذي عاش مملوكاً، ولكنه تربى في بلاط الملوك تربية عسكرية صارمة، ولديه أهداف واضحة، أنه حقق نصراً على الوحوش التترية الضالة عجزت أمامها الخلافة العباسية الإسلامية الشرعية، وعجز عنها ملوك بني أيوب في الشام، وعجزت عنها إمارة شرق الأردن التي كانت تضم الأردن من الهضبة إلى العقبة، وتضم بقية فلسطين التي كانت غير خاضعة للاحتلال الصليبي، ولم يستطع المغيث أن يعمل شيئاً بل إن قبيلة جذام كانت الأولى في تاريخ العرب جميعهم الذين استطاعوا الثأر من قطعان الوحوش التترية.وهذه تسجل لهم عند كل مؤرخ منصف للحقيقة
كان التتري يجمع الناس في بعض المناطق (خارج الأردن) ويعطيهم أمراً بالبقاء جلوساً حتى يأتي بالسيف ويقتلهم واحداً واحداً، أما الأردنيين فقد تأهبوا للولوج إلى الصحراء، وأرسلوا جيشهم، للحرب في عين جالوت التي كانت جزءاً من إمارة شرق الأردن آنذاك وشكل الأردنيون قوات حرس وطني ( مايسمى بالجيش الشعبي الان ) خاص بهم للدفاع عن الحلة والمحلّة أي البيوت والنساء والأطفال والديار كل في ديرته وقريته فضلا عن الجيش العام ..
إذن لم يكن للملك المغيث أي دور، سوى أنه كان في قلعة الكرك يعيش مع جواريه، وينتظر النتائج، فكتب إلى قطز ( وكان بالشام ) أن يترك له إمارة شرق الأردن كما كانت. إلا أن قطز كان أمام خيارين:
1. أنه لا يستطيع التخلص من الأمراء الأيوبيين دفعة واحدة لأن ذلك سيؤدي إلى وجود فراغ سياسي قد يساعد التتار في إعادة الكرة للاحتلال وإعادة الاعتبار لانفسهم وقد يتحالفون مع امراء البيت الايوبي ويدمرون احلام قطز في ارساء السلطنة والحكم وتوحيد البلاد ، لذا أراد أن يقلص من أراضي أمراء بني أيوب ويقلم أظافرهم رويداً رويداً في بلاد الشام، وأن يجعلهم في إمارات كل واحد يهمه نفسه ولا يثور مع الآخر، بل ويشكل خطراً على الآخر، أما مصر فهي موحدة تحت قيادة قطز. إذن كان قطز سلطاناً لمصر الموحدة، وكان الأيوبيون أمراء وملوك في الشام الممزقة، والتي لم تفق بعد من هول الصدمة والكارثة التترية عليهم.وكانت الاردن عبارة عن شعب قوي موحد وملك ضعيف ( المغيث ) يستجدي مماليكه ( قطز ) الذين صاروا اسيادا له .
وبناء عليه اقتطع أكثر من نصف إمارة شرق الأردن من وادي الموجب شمالاً بما فيه السلط وعجلون وبلدانهما، والأغوار ونابلس والخليل، وصارت جزءاً منفصلاً عن الشام وعن الأردن، وذلك لتكون هناك منطقة فجوة عازلة ما بين الملك المغيث في الكرك وملوك بني أيوب في حمص وحماة والبلاد الشرقية، أما دمشق فصارت تابعة لمصر وتحت إشراف قطز مباشرة .
أمر قطز أن تقتصر إمارة الكرك على الجزء الجنوبي من شرق الأردن لتضم الكرك والشوبك، وبذلك حُرِم المغيث من موارد ومساحات وشعب وقوة، وصار عبارة عن عامل صغير ضعيف تحت أوامر أحد مماليك أبيه وجده، السلطان قطز , وصار ( المغيث ) محاصراً من كل جهة، فلا يمكنه الاتصال بالفرنجة لأن حدوده معهم قد تقلصت وصارت الخليل ونابلس والأغوار وبيسان منفصلة عنهم , ولا يمكنه الاتصال بمصر لأنها صارت تدين بالكامل للسلطان قطز وبيبرس لما حققوه من نصر للعرب والمسلمين. ولا يمكنه الاتصال بملوك بني أيوب بالشام لأن كل واحد منهم حريص على ما بين يديه، وحريص أن يتصرف بما يرضي السلطان قطز كي لا ينزع منه عرشه، كما أن هناك مناطق فاصلة بين إمارة المغيث في الكرك وإمارات بني أيوب في حمص وحماة وحلب الا وهي اراضي وسط الاردن وشماله .
2. الخيار الثاني: أنه إما أن يسلِّم قطز السلطة على طبق من ذهب لأحد أسياده السابقين من بني أيوب، أو أن يحشرهم كل في ولايته مسلوب القرار والصلاحيات والارادة ، ويؤسس (أي قطز) لسلطان قوي له ولأولاده من بعده، مركزه مصر، وتتبعه بلاد الشام، وحينها يجب التخلص من الأيوبيين على مراحل، لأنه لكل زمان دولة ورجال، وهذا زمان المماليك، ورجاله المماليك ويكفي بني أيوب ثمانين عاماً في السلطة والملك، فقد أدوا دورهم، وجاءهم مماليكهم ليحلّوا محلّهم . فالدنيا دول وتداول
وقد استفاد قطز من أخطاء صلاح الدين، وهو أنه ( قطز ) استثمر الفوز وحقق وحدة سوريا ومصر تحت سلطانه، وأراد أن ينهب سلطان البيت الأيوبي بهدوء وبسرعة في آن واحد، لأنهم نقطة الخلاف الشريرة التي ستحول دون تحرير فلسطين من أعداء المسيح . إذن لا بد من القضاء على بني أيوب بتقليص ممالكهم، وتركهم على ما بقي منها، ثم توحيد الشعوب العربية في مصر والأردن وفلسطين وسوريا، ثم الانقضاض على الصليبيين، وهذا واضح بالنسبة لي ضمن مخططه الذي يبدو أنه كان متفقاً عليه مع نائبه وقائد جيشه بيبرس ( قبل ان يغدر به ) الذي كانت الأردن طالع خير وسعد عليه ( على بيبرس ) ، حيث انطلق منها بعد حياة حافلة بالتشريد في حينه.
كان الأمراء الأيوبيون الذين بقوا في إماراتهم قد أبلوا بلاءً حسناً في قتال التتار في عين جالوت تحت قيادة قطز، وكان لا بد من المكافأة بالطريقة التي قلناها، ليظهر قطز أنه رجل كريم وتهمه مصلحة العرب والمسلمين، وأنه لم يعاقب من حارب الوحوش التترية، بل كافاهم، ولكن ذلك كان لميقات معلوم ضمن مخطط للاقتلاع كما قلنا.
لقد غابت شمس الأيوبيين، أو لنقل بكلمة أكثر دقة صارت أيلةً للغروب او حتى للسقوط ، وبدأ نجمهم يخبو أمام سطوع نجم المماليك الذي بدا بقوة . لقد بدأ المماليك أقوياء بانتصارهم على التتار، وما كان ذلك ليتحقق على أيدي الأيوبيين وذلك لتفرق كلمتهم وتناحرهم وتنافرهم، ومابينهم من ثارات للبقاء كل في إمارته، ومن بينهم المغيث في الكرك كما سيأتي فيما بعد، كما راسل بعضهم الصليبيين لتسليمهم بيت المقدس لقاء دعم هذا الأمير أو ذاك أن يحتل إمارة الآخر، أو أن يبقى في إمارته. لقد صدق فيهم المثل الاردني ( ومصدره السلط : شيخة اولاد وحكم اكراد ) والمثل الاردني ومصدره بني عباد ( شيخة عجيان وهداد جديان ) فعلا كانوا اولادا ( عجيان ) . والجديان مفردها جدي وهو صغير العنز الذكر , وكلا المثلين قيلا في الايوبيين في حينه وبقي تداولهما عبر التاريخ فيما بعد ( الاول مثل سلطي والثاني مثل عبادي )
وبمعنى آخر وصل الأمراء الأيوبيون إلى مرحلة مقززة، يمكن وصفهم بالأولاد العبثيين , اهل سفاهة ينفر الناس منهم , حيث لا حرمة عندهم للإسلام والأعراض والدماء والاوطان ، ولا يهتمون بالشرف والكرامة والأخلاق والعهود والوعود، بل هم كل واحد أن يكون ملكاً على أكبر مساحة من الأرض ولو كانت بحجم الحاكورة البيتية , وأن يتأمر واحدهم على أخيه وابنه وأبيه، إلى درجة صاروا ألعوبة وأضحوكة، وصار الناس ينتظرون زوالهم بفارغ الصبر. وصار الأيوبيون يفرضون الضرائب، ويقتلون هنا وهناك، وقد أدرك قطز وبيبرس أن الوقت قد حان لزوال الأيوبيين ومجيء المماليك وكذلك كان , فسبحان الله رب العرش العظيم. وانتهى الايوبيون الى غير رجعة والى الابد , واذلهم الله بان جعلهم مماليك تحت امرة من كانوا مماليكهم من قبل :
أما وقد أفلت شمس بني أيوب، فإن ذلك أمر يسترعي الانتباه والتوقف للتحليل ما أمكن لنا ذلك، عن سبب زوالهم واندثارهم.
بادئ ذي بدء، نجد أن أية دولة لتوحيد العرب والمسلمين، لم تأت إلا بعد أن وصلت البلاد والعباد إلى حظيظ الحطام والركام، وصار التناحر والتنافر والتآمر هو السمة العامة للساسة والحكام، وتحولت إلى ملوك طوائف، كل واحد ضد الجميع، والجميع ضد كل واحد، وكل منهم يستعين بالأعداء ضد الأقرباء، هذا ما كان عليه حال مصر والشام قبل مجيء صلاح الدين الأيوبي، (وقد سئم الناس / الشعب) هذه الحالة، لأنه لم يعد واحدهم آمناً في سربة، ولا على ماله وعرضه، وبالتالي فإن البحث عن دولة قوية موحدة يصبح هدف كل فرد من أفراد الشعب، ولكنه هدف مرفوض من الحكام، اللهم إلا إذا كانت هذه الوحدة برئاسته، وهذا ما عانت منه الأمة العربية عبر تاريخها ولا زالت تعانيه الى الان.
كان صلاح الدين رجلاً مغموراً ومحظوظا في الان نفسه , قدّمه عمّه شيركوه إلى سلطان دمشق، وأثبت إخلاصه وشجاعته وحكمته، فذهب إلى مصر وارتقى إلى مستوى الرجل الأول فيها، ثم وحد الشام ومصر بعد جهود حقيقة وسنوات طويلة استخدم فيها اللطف والعنف والحوار والنار، والجدال والقتال، حتى شاء الله له أن يقود النصر على الصليبيين في معركة حطين بغور الأردن، ومن هناك دخل التاريخ العربي والفرنجي، وصار رمزاً للأمة العربية الإسلامية وأكبر بكثير من الأصوات التي تحاول تحجيمه وتقزيمه ضمن عرق معين أو مكان محدد.
هذا شأن العظماء يبدأون من أسرتهم ثم إلى عشيرتهم وبلدهم ثم يتحولون إلى ملك عام للأمة، ويتجاوزون العرق والمكان والزمان والقومية أو الوطنية فلم يعد كردياً وإن كان ولد وتربى في ديار الأكراد، ولم يعد عراقياً ولا شامياً ولا مصرياً، بل صار رمزاً عربياً مسلماً يعتز به كل عربي ومسلم ابد الدهر والتاريخ , رغم اخطائه كلها .
سعى صلاح الدين لتحقيق أربعة أهداف:
1. ترسيخ حكم بني أيوب وقد نجح في ذلك وأن غرس بذور الشقاق ضمن بنود الاتفاق , اي ان عناصر الفناء كانت تسير جنبا الى جنب مع عناصر البقاء في اسرته وسياسته .
2. توحيد الأمة العربية لمجابهة الأخطار ولتصبح البلاد مملكته والأمة رعيتة وقد نجح في ذلك، وأحبه الناس لقناعتهم بإخلاصه وصدقه وانتمائه لدينه الإسلامي، وعروبته لأنه صار زعيم العرب، ولا يستطيع أن يكون إلا عربياً، حتى ولو كان عرقه من غير العرب، فالعروبة هي باللسان وكرسي الحكم؛ أكثر مما هي بالدم والعرق، والعروبة ثقافة حضارية تستوعب العربي وغير العربي في بوتقة الدولة، وكلهم يصبح عربياً، وقد نجح في توحيد الأمة تحت قيادته.
3. ترسيخ الحكم الوراثي لذريته، وهو هدف لم ينجح به نجاحاً قوياً، فقد كان يخشى من أخيه العادل لدهائه وذكائه، وحذّر أولاده منه، ومع هذا آلت الأمور إلى العادل وأولاده، وفي هذا الهدف كان مقتل بني أيوب، وفيه كانت نهايتهم.
4.أن صلاح الدين قد أطلق على أولاده لقب ملك، وصار هذا دارجاً على البيت الأيوبي، حيث لم تكن لهم ألقاب أمراء او سلاطين أو شيوخ أو غير ذلك، بل ألقاب الملوك، فكل طفل يولد يدعى: الملك فلان، ويعطى اسماً طويلاً يتكون من ثلاثة مقاطع ونيف: الملك سيف الدين... الناصر... شرف الدين.... وبذلك أفقدوا هيبة هذا اللقب، وصارت كلمة ملك كلمة مبتذلة إذ يحمله الجاهل والعاقل والأب والابن والحفيد، ويحمل هذا اللقب ايضا : ابن المرأة وابن الجارية والمهووس والمتعوس وصار من الصعب التمييز بينهم فكلهم ملوك مع القاب وهم عبارة عن اوهام ونكرات واكثرهم اوهام وعبثيون .وبهذا اللقب صار من حق كل واحد أن يدعي العرش لنفسه، فازدادت المؤامرات، وظهرت العادة المتكررة التي لا تنقطع في محالفة الصليبيين ضد الأخ والابن وابن العم، وللحفاظ على كلمة ملك، ولإيجاد مملكة لهذا اللقب. فكل ملك يحتاج إلى مملكة ومساحات من الأرض ورعية كبيرة من الشعب، وجيش ومماليك وجواري وميزانية وحاشية وتنفيذ الرغبات وعندما لا يجد هذا الطفل أو الشاب مملكة له، تامر على ابيه واخيه وبن عمه ليصير ملكا بدلا منه , وصارت المقولة عند من لم يصبح ملكاً حقيقياً على أرض ورعية أقول صارت المقولة: ملك بلا مملكة، وملك بلا شعب، ملك بلا دولة، ملك بلا جيش، وصارت المقولة: ملوك لمملكة واحدة، مملكة بعدة رؤوس أو بعدة ملوك، وصار البلاط مرتعاً للمؤامرات وعاثت النساء فسادا ومؤامرات بين الاخ واخيه والابن وابيه , وتحولوا الى مجتمع متناحر متنافر ومجتمع كراهية ، وصارت الألقاب هكذا الملك... فلان ( امير كذا ) ، فلا تدري أحياناً هل هو أمير أم ملك؟ والحقيقة أنه ليس هذا ولا ذاك، بل تحول كل واحد منهم إلى مشروع مؤامرة، ومشروع جشع ليس إلا ومشروع خيانة ومشروع عالة على الامة العربية تحديدا .
5.إن وجود ألقاب الملوك على الجميع، كان قاتلاً، وأكثر منه سوءاً أو لا يقل عنه أذى هو أن صلاح الدين لم يجعل وراثة العرش بشخص معين من أولاده، وإبقاء البلاد موحّدة، والتي لم يوحّدها إلا بعد جهد جهيد، بل أعاد تقسيم البلاد مرة اخرى عندما قسّ?Zمها إلى ثلاث ممالك: مصر والشام، والأردن ومعها البلاد الشرقية، وبذلك عادت التجزئة إلى ما كانت عليه، وصارت جهوده كمن يحرث البحر، فصار كل ملك من أولاده يريد القضاء على الآخرين لتحقيق: التوحيد الذي كان، توحيد الأرض، وتوحيد العرش وتوحيد الناس .
ولو أن صلاح الدين كرس نظام الوراثة في شخص محدد مثلما كان الأمويون والعباسيون، لبقيت الدولة موحدة، وصار الأمراء ولاة يتبعون الملك الكبير، وكان يجب انتزاع لقب الملك من الأولاد والأحفاد، وإعطائهم تسميات أخرى، مثل الأمير أو الشيخ وأن يقتصر لقب ملك على من يجلس على العرش، إذ لا يعقل أن يكون بنو أيوب جميعهم ملوكاً، وبقية الناس رعاعاً. وهذه من اخطاء صلاح الدين القاتلة التي دفع العرب والمسلمون ثمنها طويلا فيما بعد .
وقد دفع الشعب ثمن هذا الصراع، وضاعت القدس مرتان ضمن صفقات المؤامرة مع أعداء المسيح من ملك أيوبي ضد أخيه وابن عمه، أو ابن أخيه، كما وضّحنا وشرحنا كل شيء في حينه، وأن اقتسام البلدان بين ابنائه واخيه اللدود ( العادل ) أعاد الصراع مريراً مرة أخرى بين الاخ واخيه والابن وابيه ، وبالتالي كان هذا خطئاً قاتلاً يخلو من الحكمة وبعد النظر من صلاح الدين في عرفنا الحاضر.
كان يتعذر وحدة مصر والشام بدون الأردن باعتبارها حلقة الوصل بينهما، وباعتبار فلسطين مهددة من بقايا الصليبيين الذين كانوا يحتلون الساحل وبعض المناطق الداخلية في فلسطين. وكانت الأردن هدفاً صعب المنال، وصارت تتحكم بملوك مصر والشام كليهما على حدّ سواء، واستفادت الأردن من هذه الأوضاع واستقرت وازدهرت ونمت، واستغل أهلها هذا الصراع ونأوا بأنفسهم عنه وعاشوا في بحبوحة من العيش، وصارت ديارهم ممراً للقوافل التجارية بين سوريا ومصر وفلسطين (حيث الصليبيين).
6.وجود المماليك، حيث كان كل ملك يستخدم قطعاناً من المماليك من الشباب الذين يشتريهم من آسيا، ويقومون على خدمته والإخلاص له، يدافعون عنه في المعارك، ويحيطونه عندما يتعامل مع الناس، ويحرسونه في منامه ومقامه وشرابه وطعامه، يشكلون درعابشريا له , وهؤلاء تدرّبوا تدريباً عسكرياً متفوّقاً لغايات حماية الملوك الأيوبيين، بحيث أنهم عندما برزوا كانوا يتفوقون على اسيادهم وعلى العنصر العربي في مهارات القتال وإدارة شؤون الدولة، لأنهم عاشوا في أكناف الملوك منذ نعومة أظفارهم.
وبالتزامن مع المماليك كانت هناك الجواري، وبذلك نجد أن التزاوج بين ملوك (أبناء) بني أيوب والعرب كان نادراً أو شبه معدوم، وكانوا يتزاوجون من بعضهم أي من الأكراد، ومن الجواري الاعجميات اللواتي يشترونهن من سوق السبايا والنخاسة، فوقعوا فيما وقع به خلفاء بني العباس ( حيث أنجبت الجواري أولاداً تناحروا مع بعضهم ومع أولاد العربيات فاستعانوا بالفرس والأتراك والروم والتتار ليتغلب كل على الآخر وضعفت الخلافة العباسية ) . وكذلك الحال مع الايوبيين فضاع ملكهم وتحولوا الى موظفين عند مماليكهم .
والأمر نفسه انطبق على بني أيوب، وكانوا سيستمرون مدة أطول لو أنهم استخدموا العنصر العربي في خدمتهم، لكنهم كانوا يخشون العرب أن تتوق أنفسهم لاستعادة الحكم من الأكراد/ بني أيوب، هذا باعتبار صلاح الدين كردي، حسبما تقول الروايات دون أن يكون هناك اي دليل على ذلك. لكنه في شؤون الزواج والألقاب ووراثة الملك كان يتصرف كشخص غير عربي، بل يتصرف كاعجمي يكره العرب ويحتقرهم في اعماقه , ولا يظهر ذلك الا من اعماله دون ان تكون عليه ادلة من اقواله . ويريد أن يقول، بل قالها بلغة الصمت أن بني أيوب (وإن شئت قلت الأكراد) ملوك، وأن العرب رعية أو رعاع واتباع ومقاتلين وان الاعاجم مماليك . للاسف هذه هي اللغة الصامتة والرسالة التي نفهمها عن صلاج الدين . وكنا نتمنى ان يرتقي الى مستوى السلطنة على العرب وفي بلاد عربية , ولكن الامر كان كما قلنا وخسرت اسرته الملك خسارة مهينة . بل انه في تعامله مع الاردنيين والفلسطينيين قد خالف الشريعة الاسلامية والاخلاق الاسلامية فقطع الاشجار المثمرة وحرق بيوت الناس وزروعهم وخرب القرى العربية في القطرين , وهو مالم يفعله في قرى الاكراد وما لم يفعله الصليبيون , ويدل على حقده على العرب وتاثره بالفكر العباسي بحقده على الاردنيين , ولكنه اقتنع بخطأءه فيما بعد ووجد ان تقييمه للاردنيين كان ظالما وفي غير محله .
كان هذا سبباً من أسباب انتهاء أسرته، فهو حاكم غير عربي على بلاد عربية . ونظر إليه الناس أنه سلطان العرب والمسلمين، إلا أن تصرفه المنزلي كان مغايراً تماماً، وكانت السيطرة للجواري والنساء الأعجميات والسوقيات ، فلم يكن ملك من بني أيوب ذا خؤولة مع قبيلة عربية أو أسرة عربية أبداً، ولم أعثر في تاريخهم على شيء من هذا ابدا
كانت النتيجة كارثية، فإن أول من بدأ الانقلاب على بني أيوب وإزالة ملكهم هي شجرة الدر، وهي جارية ارتقت لما هي عليه من الجمال والذكاء والدهاء إلى مستوى زوجة لآخر ملك أيوبي في مصر واسمه طويل الألقاب، ومات وأخفت موته حتى رتبت الأمور لها، ثم تزوجت من المملوك المعز أيبك الذي صار سلطان مصر، ثم قتلته وأعطت لولده منها أن يكون ملكاً، ثم جاء قطز وسجن هذا الملك ابن شجرة الدر من عزالدين ايبك ، وقتل شجرة الدر بالصرامي ( ضربا من الجاريات ) وألقاها من فوق أسوار القلعة، وبذلك انتهى بنو أيوب في مصر، وبدأ حكم مماليكهم من هناك، فقد خاف بنو أيوب من العرب الذين دانوا لهم، ووثقوا بالمماليك والجواري الذين سلبوا منهم ملكهم والذين ساموا بني أيوب إذلالاً، أكثر مما سام بنو أيوب هؤلاء المماليك عندما كانوا خداماً عند بني أيوب، ().
7.فشل صلاح الدين في استثمار الفوز، بعد معركة حطين, ولم يتابع التحرير ولم يقتل الفرنجة ولم بهدم القلاع التي سمح لهم بالمكوث فيها , كما سبق وشرحنا مما عزز الوجود الصليبي بمزيد من قطعان الجنود واسراب الغربان من أعداء المسيح الذين جاءوا من أوروبا، وأدى بهم الأمر إلى احتلال دمياط، والتفكير باحتلال مصر، ثم استلام القدس على طبق من ذهب من الملك الهامل (الكامل) بن العادل أي ابن شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي. وبقي أعداء المسيح شوكة في خاصرة الدولة العربية، وإن شئت في خاصرة ملوك بني أيوب، ولكن هؤلاء الملوك كانوا يرتاحون لاستمرار الصليبيين في فلسطين ليكونوا عوناً لهم ضد بعضهم بعضاً، حتى قام الجيش الأردني بقيادة الملك الناصر داود ملك شرق الأردن في حينه وحرر الاردنيون القدس التحرير الثاني ونجح فيه أيما نجاح.
8.ظهور التتار: وقد عجز بنو أيوب عن مجابهة سيل الوحوش التترية، وعجزوا عن الوحدة في وجه هذا الخطر، وعجزوا عن حماية رعيتهم أو وعجزوا عن عمل خطة طوارئ حربية موحدة، بل إن ملك دمشق هرب إلى الأردن، ولجا الى قبيلة جذام ( بني صخر وعباد وبني حميدة وبني عجرمة ) وتحولت الأردن إلى مقر للنازحين من العراق وسوريا وفلسطين طلباً للأمن والأمان من بطش الوحوش التتار. ولكن المماليك تصدوا لهذا الخطر، والتف الشعب العربي في كل من مصر والأردن وسوريا حولهم، وكتب الله لهم النصر، وللتتار الخذلان. وبذلك فقد الناس بقايا الثقة في بني أيوب، وتبددت الأمال فيهم، وحلّ محلّهم المماليك بقوّة تتفق مع درء الخطر وتوحيد الأمة.
لقد رغب الشعب في تغيير بني أيوب، ورغب في التخلص من قطعان الملوك الايوبيين العاطلين عن العمل , او الباحثين عن عمل ، وهو يرى أن الأيوبي يولد ملكاً، والعربي يولد راعياً ورعية ، وهذا أمر لا يتفق مع عدالة الإسلام، ولا مع كرامة العربي، وبذلك حمل بنو أيوب عناصر الفناء قوية إلى جانب عناصر البقاء، وساروا بقوة الدفع التي وضعها صلاح الدين، والتي كانت تتباطأ سنة تلو الأخرى , إلى أن انتهت أكذوبة الألقاب الملكية لمن يستحق ولمن لا يستحق , والى ان انتهت اكذوبة الدولة الايوبية بعد صلاح الدين وباستثاء صلاح الدين . وكان العرب أكثر من دفع اثمان هذه الألقاب،وهذه الاكذوبة الايوبية . وكان بنو أيوب ثاني من خرج من الباب إلى غير رجعة، أما الشعب فقد بقي وصار يتعامل مع حكام جدد اسمهم المماليك.
9.العمر الطبيعي للدول، أن الله سبحانه جعل الأيام متداولة بين الناس، فقد أوتي بنو أيوب الملك، واستمروا فيه حوالي ثمانين سنة، وهم ليسوا من بيت الزعامة ولا من بيت الملك، ولكنه تقدير إلهي من الله سبحانه، وكما يهرم الأفراد، كذلك فإن الأسر والشعوب والعائلات الحاكمة لها أوقات طفولة وشباب وكهولة، ومرحلة ترد فيها الى أرذل العمر. وبذلك رد الله ملك بني أيوب إلى أرذل المُلْك وارذل القيمة , اقول ارذل الملك واراذل الملوك ، وجاء بالمماليك ليحكموا أكثر من مائتي عام إلى أن تغلب عليهم السلطان سليم الأول العثماني في عام 1517م.
وفي رأينا أن وجود الإمارة الأردنية قد أطال من عمر بني أيوب في الملك، وأطال الصراع أيضاً، لأن الاردن وكانت عاصمتها الكرك كانت ملاذاً آمناً لكل من يحدق به الخطر في مصر أو في الشام ، ثم يستأنف نشاطه السياسي والعسكري من هناك مرة أخرى، ويستعيد ملكه في مصر أو في الشام، بل إن اتصالهم بالخليفة ببغداد، كان أكثر ما ينطلق من الأردن، من الكرك، وفي الأردن انتهى الملك الناصر يوسف بالقبض عليه من التتار وإرساله إلى قلعة بني عوف في عجلون ثم هولاكو التتري حيث قتله عندما فقد معركته في عين جالوت الاردنية أمام المسلمين والعرب بقيادة قطز وبيبرس.
وهذه شجرة الأيوبيين وملوكهم (رسمة)
موقف الصليبيون على حياد حيال الصراع بين المسلمين والتتار لعدة أسباب:
1. أولها أن قطز حذرهم من أن أي تدخل سيجعله يبدأ بقتالهم هم، وإن صمتوا فلا يؤذيهم.
2. كما أن الصليبيين كانوا يريدون تدمير القوة الإسلامية على أيدي التتار ليخلو لهم الجو ويعقدوا اتفاقية مع التتار لاقتسام بلاد العرب من النيل إلى الفرات، ويتعزز الوجود الصليبي والتتري في هذه البلاد، وتتلاشى عروبتها وإسلامها في آن واحد. وهذاهدف صليبي هام ورئيس .
3. إن الصليبيين قد تحولوا إلى أناس همهم الراحة والمتعة، فقد قضت أجيال المحاربين الصليبيين الحاقدين، وظهرت أجيال أحبت فلسطين والشرق والبلاد العربية، ورغبت أن تكون جزءاً منها، ولم يعد الحرب باسم الصليب يعني هذا الجيل الرابع أو الخامس من أعداء المسيح في بلادنا، لذا فإنهم صاروا يهربون من القتال، مما سهّل تطهير البلاد منهم زمن قطز وبيبرس، بعد سنوات من دحر التتار.
4. صار للصليبيين مصالح من مستوطنات ومزارع وتجارة وعلاقات وبالتالي صارت الحرب بالنسبة لهم مكلفة لكل فرد فيهم، وليس فيها أية مكاسب لأنها تثير العرب والمسلمين عليهم، وتدمر إنجازاتهم وامتيازاتهم التي بنوها عبر الأجيال السابقة، وهم جاهزون لأخذ الأشياء بالمفاوضات، أما الحرب فلم يعودوا يميلون إليها.
5. إن أمة العرب أمة مقاتلة، وأن الحرب بالنسبة للمسلمين جهاد في سبيل الله يقود إلى الجنة، أما بالنسبة للصليبيين فلا مكسب لهم دنيوي ولا أخروي من الحرب، بل هم حريصون على الحياة وليس على غير الحياة.
6. إن العربي إذا قاتل فإنه يريد الثأر لكرامته، وتحرير بلاده وإرادته واستعادة كرامته، أما الصليبي فإنه إن قاتل قد يفقد هذه كلها.وهو ليس في وطنه لكي يدافع عنه اصلا .
7. إن العربي يقاتل في أرضه التي هي جزء منه، وهو جزء منها، أما الصليبي فيحاول أن يكون جزءاً من هذه البلاد، ولا يريد تذكير العربي أن الفرنجة غرباء محتلون يجب تحرير البلاد منهم.
وبناء على ذلك كله لم يكن لدى الفرنجة ميل للقتال، بل للتجارة والمال والمتعة وإبقاء الحال على ما هو عليه، وترحيل المشكلة للأجيال القادمة ليحلها الزمن والتزاوج والتمازج.ان الله سبحانه يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير انه على كل شيء قدير .
هناك بريق خاص لكرسي السلطنة والسلطة يؤثر تأثيراً سحرياً وعجيباً على الإنسان وقد عبّ?Zر المعتمد بن عباد عن ذلك (وكان ملك أشبيلية ثم سجنه يوسف بن تاشفين في سجن أغمات بالمغرب)، بقوله:
من بات بعدك في ملك يُسِر به
فإنما بات بالأحلام مغروراً
وقول العرب قديماً: الملك عقيم لا يعرف أباً ولا أخاً،
وقول الشاعر أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس:
لكل شيء إذا ما تمّ?Z نقصان
فلا يُغ?Zرُّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سرّ?Zه زمن ساءته أزمان
والمقولة العربية: لو دامت لغيرك ما آلت إليك.
وإن ما ورد في القرآن الكريم من كلام ربِّ العزّة هو القول الفصل أن الملك بيد الله، يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء.( قُلِ اللّ?Zهُمّ?Z م?Zالِك?Z الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْك?Z م?Zنْ ت?Zش?Zاءُ و?Zت?Zنْزِعُ الْمُلْك?Z مِمّ?Zنْ ت?Zش?Zاءُ و?Zتُعِزُّ م?Zنْ ت?Zش?Zاءُ و?Zتُذِلُّ م?Zنْ ت?Zش?Zاءُ بِي?Zدِك?Z الْخ?Zيْرُ إِنّ?Zك?Z ع?Zل?Zى كُلِّ ش?Zيْءٍ ق?Zدِيرٌ (26))صدق الله العظيم سورة ال عمران .
كان سلاطين بني أيوب يشعرون بالزهوّ والغطرسة على العرب وسائر الشعوب والرعايا , وهم يحيطون أنفسهم بالمماليك الذين اشتروهم من أواسط آسيا، من بقاع مختلفة، مهمتهم حراسة السلاطين وخدمتهم والسير بين يديهم، والدفاع عنهم في المعارك. وبمعنى آخر كانوا خدماً، ودروعاً بشرية لهؤلاء السلاطين أو الملوك . وقد تعلّم هؤلاء المماليك أساليب الحكم، وفقده من يفترض بهم انهم اهل الحكم ( الايوبيون ) وعرفوا أدقّ أسرار الملك ( بضم الميم ) وتلك المتعلقة بالملوك ونسائهم وبناتهم وأولادهم، وعرفوا كيف يتعاملون معهم جيِّداً، وكيف يشعلون الخلافات والتناحر والتنافر بين مكونات هذا البيت الايوبي الطاريء على الملك , وكان أقصى خلاف علني قد يقع، انما كان ما بين قطعان المماليك، إذ كانوا يغضبون لغضب سيِّدهم، ويرضون لرضائه، وعلى استعداد لقتل من شاء من الناس.
لم يكن لهؤلاء المماليك أباً أو أمّاً،وكانت قلوبهم لاتعرف الرحمة ولا الحنان , ولا يعرف اي منهم اسم ابيه او اسم امه , بل يأخذ كل منهم اسم سيِّده الملك ويتزوج بامر الملك من الجواري اللواتي كانت القصور تعجّ بهن، ويصبح أولاده ضمن مماليك هذا الملك، وبمعنى آخر، كان لكل ملك ايوبي من الاطفال الى الرجال مزرعة تفريخ للمماليك هم خاصّته، وموضع ثقته، ولم يخطر ببال أي ملك أيوبي وكل بني ايوب كانوا يحملون القاب الملوك , أن هؤلاء سينقلبون على أسيادهم، ومن ثم ينتزع الله لهم الملك من بني أيوب، وهذه سنّة الحياة. كان الايوبيون حريصون على ابعاد العنصر العربي عن الحكم بمقدار حرصهم على استخدام المماليك .
لقد تدرّب هؤلاء المماليك على نمط جديد من الحياة ضمن الأطر التالية: التدريب العسكري المحترف، لأن احتراف وشجاعة المملوك كانت تجعله أكثر إيثاراً عند سيِّده، ويصبح مسؤولاً عن رتل أو قطيع آخر من المماليك، كما أنهم تعلموا الثقافة العربية وهي السائدة، ولغة الدولة وسياسة الدولة في حينه بغض النظر عن عرق الحاكم وأصله ومنطقته، ومن لا يتقن العربية، ويحسن قراءة القرآن لا يستطيع أن يحكم الدولة في حينه . فالعربية هي الرسمية والإسلام هو الدين، والمخاطبات كلها بالعربية، وكذلك الحديث الخاص والعام لدى الحاكم والمحكوم.
لقد استطاع المماليك ومن خلال تجوالهم مع ملوكهم، أو ذهابهم في غزوات هنا وهناك، أو رحلات صيد أو أداء مهمات للملك في بعثة إلى مكان ما أو مجموعة ما، أقول استطاعوا أن يعرفوا أربعة أمور:
1. أن يعرفوا الأرض والأقطار وأهميتها وخصوبتها أو جدبها.
2. أن يعرفوا الناس والعشائر، ومكامن القوة والضعف، وطريقة التعامل مع هؤلاء الناس، وطريقة إرضائهم، فوجدوا أن أكثر الشعوب نقاء في حينه، وصدقاً في الطاعة للسلطان أو الوالي، هم الشعب الأردني.
3. أن يعرفوا القلاع والطرق الحربية والتجارية، وأفضل الطرق للوصول إلى الهدف بدون أن يكتشف العدو ذلك.
4. مراكز القوى العسكرية والاقتصادية والامنية .
وإذا كان متقناً للعربية ويدين بالإسلام، وثقافته عربية إسلامية، ويعرف الأقطار والطرق والقلاع والناس، فإن ذلك كله يمهِّد ويسهِّل لهم الوصول إلى السلطة. وإذا تكلل هذا بمعرفة نقاط القوة العسكرية والمدنية والامنية ، صارت الأمور أيسر عليهم، وقد تعلّم هؤلاء المماليك أشياء يمتاز بها العرب على سائر الأمم الأخرى وهي:
أ. الكرامة، ذلك أنه لا توجد كلمة الكرامة في أي لغة في الدنيا إلا بالعربية، ونحن نعرف أن اللغة وسيلة من وسائل تعبير الأمة عن ثقافتها واخلاقها .
ب. العِرض (بكسر العين وسكون الراء) وهي كلمة تشمل مبادئ ومفاهيم لا توجد لدى الأمم الأخرى الا عند العرب ، ولا توجد في أية لغة بمعناها هذا الا في اللغة العربية , لذلك نجد أن الظاهر بيبرس قد انتقم من الملك المغيث لأن هذا أساء إلى عرض بيبرس عندما كانت زوجة بيبرس في قلعة الكرك، وكان بيبرس قائداً للجيش الأردني ـ إمارة شرق الأردن آنذاك ـ وذخرها له حتى أمسك به وقتله شرّ قتلة بالقباقيب (حذاء الخشب) من قبل الزوجة المعتدى عليها وجواريها حتى مات أسوأ ميتة، مات بالصرامي (مفردها صرماية) مع العذر للقارئ باستخدام كلمة غير مهذبة ولكن تصرفاً منافياً للشرف الاسلامي والاردني يستدعي عقوبة تنافي المتعارف عليه ايضا ، حتى سًمِّي قتيل الصرامي. ولا شك ان بيبرس تعلم هذا من الاردن لانه تدرب وعاش فيها ردحا من حياته .
ج. المكتومية: وأكثر من طبق المكتومية الملك الظاهر بيبرس ونجح في ذلك نجاحاً كبيراً، وساعده على السيطرة على المملكة العربية الإسلامية التي ضمت مصر والشام والأردن وفلسطين موحدة أرضاً وشعباً وجيشاً ضمن فرق أو جيوش كل في مكانه، ويتحرك للمكان الآخر حسب الحاجة.
د. النجاح في أداء الأدوار والمهمات، نحن نفرِّق بين الدور وهو أمر شامل وواسع ويكون في وقت طويل، وبين المهمات وهي التي يقوم بها شخص أو مجموعة في لحظة معينة أو غزوة أو ما إلى ذلك.
ويجب أن نعترف أن السلاطين المماليك كانوا من أنجح الحكام في التاريخ العربي والإسلامي في إدارة الدولة والتفرغ لخدمة الناس والأوطان والدين والقومية العربية، ويجب أن نعترف أن المماليك حافظوا على قوميتنا العربية، ولغتنا العربية وديننا الإسلامي الحنيف أكثر من السلاطين الأيوبيين أضعافاً مضاعفة، وأكثر من ملوك الطوائف العرب في الأندلس في المراحل المتاخرة , أو في العصر الحديث في الوطن العربي الكبير.
ورغم أنني معروف بالانحياز إلى عقيدتي الإسلامية، وقوميتي العربية، فإنني أعترف كمؤرخ أنني أقف إجلالاً واحتراماً وتبجيلاً للسلاطين المماليك جميعهم , لانهم كانوا عرباً أكثر من العرب، ومسلمين أكثر من المسلمين، ومخلصين لبلادنا وشعوبنا إلى درجة لا يستطيع أن يطعن بهم إلا من لا يتقي الله أو من لا يفهم التاريخ . وأن كلامي هذا يندرج بوضوح على السلاطين المماليك من أيبك إلى قطز إلى بيبرس وأولاده إلى قلاوون وأولاده، وبرقوق رحمهم الله جميعا .
ثم بدأت الأمور تختلف شأنها بذلك شأن أية دولة في الدنيا لها عمر محدود يبدأ طفلاً قوياً ثم رجلاً ثم كهلاً ثم شيبة ثم يرد إلى أرذل العمر.
يتبع الحلقة الثامنة
الدفاع المدني يحذّر من خطر أعقاب السجائر قرب الأعشاب الجافة
لاغارد: تعزيز اليورو يتطلب اقتصاداً أوروبياً كفؤاً
لافروف يهنئ الهلال السعودي خلال لقائه بن فرحان
نشطاء مادلين يقاضون نتنياهو أمام الجنائية الدولية
ثعبان يؤخر إقلاع طائرة في ملبورن .. فيديو
بريطانيا تعتقل 1965 شخصا بقضايا مخدرات
انخفاض مبيعات أبل والهواتف الأجنبية في الصين
رشا بلال عن شخصية روبي: جريئة ومعقدة
وفد سوري يزور محطة الباص السريع في عمّان .. صور
الموصل والغراف يصعدان إلى دوري الأضواء
ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية في المملكة المتحدة
مدعوون للامتحان التنافسي في مؤسسات حكومية .. أسماء
مهم للأردنيين الراغبين بالسفر براً عبر السعودية
مرشحون للتقدم للإختبار التنافسي لإشغال وظيفة معلم
مطالبون بتسديد أموال مترتبة عليهم لخزينة الدولة .. أسماء
تعيين أول سيدة برتبة متصرف في الداخلية .. من هي
محاميان: منع الطلبة من الامتحانات تجاوز أكاديمي خطير
توجه حكومي لخفض جمارك السيارات المستوردة
حبس وغرامة تصل لـ 500 دينار لمرتكب هذه المخالفة
الحكومة ترفع أسعار المحروقات بنوعيه البنزين والديزل .. تفاصيل
انخفاض جديد على أسعار الذهب محلياً السبت
استئناف النقل البري بين أوروبا والأردن بعد انقطاع دام 14 عامًا
انسحاب منتخب الأردن يثير غضب الإعلام العبري .. تفاصيل
غدًا .. تشغيل خطي نقل عمّان إربد وجرش رسمياً