تاريخ الاردن وعشائره / الحلقة الحادية عشرة .. اوضاع العشائر والاردن في مطلع الاحتلال التركي

mainThumb

03-01-2010 12:00 AM

توضيح من المؤلف - د . احمد عويدي العبادي

يبدو ان المتابعين لكتابنا هذا بداوا يتفهمون الغرض منه واهميته للاجيال المستقبلة والحاضرة وانصاف الاجيال الغابرة , وانه بات ضرورة وطنية لربط اواصر واوصال التاريخ والاردنيين في نسيج واحد عبر حلقات واحداث التاريخ نفسه . ففي البداية كان كل قاريء يريد المعلومات مكتملة ومبالغ فيها من المدح عن عشيرته , وكانوا يعتقدون انه كتاب في الانساب وانه كتاب بلا رسالة وطنية وفكرية , وانما كسائر الكتب من الروايات الشعبية التي قد توافق او تخالف الحقيقة والتي لاعلاقة لها بالتجذر الوطني ولا بالقضة والهوية الوطنية الاردنية .

ومع تعاقب الحلقات ادرك الجميع انه كتاب في التاريخ والفكر والجغرافيا السياسية وعلم الاجتماع والتحليل , ورسم الاطار الوطني لبلورة الهوية الوطنية والكيان الوطني والاجتماعي والسياسي الاردني وليس في الانساب او الفراغ او التقوقع او الانزواء تحت مظلة وعباءة لاعلاقة لها بالاردن , وانه كتاب يغطي وجود وحركات وانجازات وتضحيات وتحركات العشائر الاردنية على الارض الاردنية وما جاورها , عبر خمسة الاف سنة الى عام 1910 م . انه كتاب من نوع اخر وليس مجرد كتاب يسرد الاحداث , بل يقف عندها ويحللها ويعطي رايه فيها , ضمن انسيابية سهلة وتناغم , في اطار السهل الممتنع .

لقد كانت الثقافة والمناهج التي تلقنتها الاجيال الاردنية المعاصرة ومنهم جيلي ومن بعدنا , تركز على انعدام الهوية الاردنية التاريخية وانعدام التجذر في تراب الوطن الاردني ,وانعدام وجود الكيان الوطني والسياسي والاجتماعي الاردني عبر حقب التاريخ الى سنوات قريبة , وتركز ضمنا اننا نحن الاردنيين غرباء وطارئون على الاردن كاي طاريء اخر , واننا لم نصل اليه ولم نستقر فيه الا حديثا , واننا مجرد عربان وبدوان تبحث عن الماء والكلا وتقاتل بعضها بعضا من اجله , بل واننا لانستحق هذا الوطن الجميل , واننا عابرون ووافدون كما هو حال عبور موجات الهواء او موجات المنخفضات الجوية التي تنقشع بعد انتهاء ميقاتها وقد لاتلقي مافي حمولتها في ارض الله الاردنية .

وقد عانينا ولا زلنا من سياسة وثقافة واعلام التغريب على تاريخنا الحقيقي وهويتنا الحقيقية , الى درجة ان الكثير عندما قرأوا الحلقات في البداية كانوا يسخرون مما نكتب على انه نمط من القصة والخيال والهذيان والتخبيص , ولحسن الحظ ان ظهرت نتائج حفريات في البتراء ووادي موسى هذه الايام , تم نشرها بالصحف المحلية تبرهن على دقة معلوماتنا : ان الانباط عرب وان الاردن لم يكن خاليا من السكان حتى زمن الاضطهاد العبادسي , لان من نزح بقي له بقايا واقارب في البلاد , وانهم وزعوا ادوارهم بين غاد ورائح ومقيم ومتحرك , وانهم غيروا الاسماء طلبا للسلامة ضمن سياستهم في الصراع من اجل البقاء وطلبا لللسلامة من سيف الاضطهاد والبطش العباسي والصليبي وحتى الايوبي .وقد شرحنا ذلك مفصلا فيما سبق كل في مقامه .

. وبعد مرور عدد من الحلقات المنشورة سابقا, والمتابعة الحثيثة لسرد التاريخ شعرت بوجود عمل منظم في التعليقات للاساءة الى تاريخناوعشائرنا والاساءة الى شخصي لضرب مصداقيتي ومصداقية تاريخنا الاردني , وتقزيم عملنا وتبخيسه وبالتالي القول للعالم انه لايوجد اردن ولا يوجد اردنيون , وهنا اشترطت لمتابعة نشر الحلقات في المواقع الالطتورنية الاردنية ان يتم حجب التعليقات , ومن كانت لديه معلومة موثقة فنرحب به على بريدنا الخاص المذكور حذاء اسمنا في كل حلقة .

وبالفعل وجدت تجاوبا من الكثيرين الخيرين الجادين والمتفهمين لرسالتنا في هذا الكتاب الذي راسلوني بين استفسار عن حدث او عشيرة , او توصيل معلومة موثقة معلومة مما اثرى البحث وصوب عددا من الاختلالات قبل نشرها والحمد لله , اما التعليقات على المواقع فتاتي عادة بدون اسم وبالتالي لااستطيع اعتمادها ولا حتى احترامها.

لكل شعب تاريخ ولكل وطن تاريخ ولكل هوية وثقافة تاريخ , ومن لا تاريخ له لاهوية ولا قضية ولا وطن له شعبا كان ام وطنا ومن لم يتم تدوين تاريخه ولو بعد حين فلا تاريخ له ايضا , بل يذهب نسيا منسيا . فالاردن ليس مقتطعا من الاقطار الاخرى كما يرى الجهلاء واصحب مدرسة التجني ,ليقولوا انه كشكول غير متجانس من الارض والشعب , بل وغير متماسك وغير موحد لانهم هم انفسهم كشكول غير متجانس وطاريء وبالتالي يرموننا بالداء الذي منه يعانون .

والحقيقة هي عكس ما يقوله هؤلاء في ان كثيرا من اراضيه بما يزيد كثيرا عن مساحته الحالية مقتطعة ومضمومة الى الاقطار الاخرى المجاورة . كما ان العشائر الاردنية ليست نسيجا هجينا او تكوينات غير متناغمة كما تقول مدرسة التجني والوبال , بل نسيج متجذر متجانس , وتم التحاق الاجزاء منهم والفروع بالاصول التي بقيت في البلاد بعد الاحتلالات والاختلالات المتعاقبة , وبخاصة ضمن عصور الاضطهاد العباسي والاحتلال الصليبي والقمع التركي . ولا شك ان هؤلاء التبخيسيين لايسرهم سماع وقراءة ذلك , بل ويسؤهم ان يكتبه اردني يحظى بثقة الاردنيين , ومصداقيته ليست موضوع نقاش ولا طعن عندهم .

ولكن غياب التثقيف الوطني المعاصر للتاريخ الوطني جعل حتى ابن العشيرة العريقة لايصدق ان لعشيرته تاريخ مجيد ومحترم وعميق بالاردن , فكيف به سيصدق ان للعشائر الاخرى مثل هذا التاريخ ؟ . وعلت الدهشة كثيرا من الناس : كيف يمكن لاردني ان يكتب تاريخ الاردن وعشائره , لان التثقيف التغريبي المتتالي يتحدث عن غيرنا انهم هم وحدهم القادرون على كتابة تاريخنا وهم وحدهم الذين بنوا الاردن واشادوه واننا لادور لنا في ذلك في اية مرحلة من مراحل التاريخ الى الان , وهم في الحقيقة اذا ماكتبوه فانهم يهدمونه ويشوهونه وينسفون شرعيتنا وهويتنا وقضيتنا وتاريخنا ونسيجنا الاجتماعي , لانهم لا يريدون ان يكون لهذا الوطن اهل , اقول اهل , اقول اهل , وهناك بون شاسع بين ان تقول للوطن اهل وان تقول للوطن شعب ,وان تقول للوطن رعاة يرعونه , وان تقول في الوطن رعية تبحث عن راعي , وفارق بين ان تقول اردني , وان تقول مواطن اردني , وفارق بين من يحمل الوطن وهم الوطن , ومن يحمل الرقم الوطني ويحمل همه الشخصي وحده .

من هنا فان تاريخ الاردن المكتوب سابقا بخس الاردنيين حقهم وهمشهم وكأنهم غير موجودين وجعلنا ارقاما اقل حتى من عددنا الحقيقى بعشرات المرات ليقال ان هذا الوطن لا اهل له No Man,s Land . وحتى مؤرخي صلاح الدين تحدثوا عن العشائر الاردنية باسم المتطوعين , رغم ان الاردنيين كانوا اكثر عددا من الجيش النظامي الذي جاء معه وكانوا السند والوقود والزوادة , كما ان المؤرخين نسبوا حطين الى صلاح الدين , ونسبوا عين جالوت الى قطز , وفي الوقت الذي لانبخسهما حقهما كقائدين في المعركتين , فاننا بالمقابل لايجوز ان نبخس الاردنيين حقهم ودورهم في هاتين المعركتين ولو جاء هذا التكريم متاخرا , وهما معركتان اردنيتان بامتياز وتميز .

ورغم الحملة الظالمة ضد شخصي , كما هي ضد الاردنيين , وضد الهوية الوطنية الا انني تابعت اداء الرسالة والحمد لله وبفضله , وكرست وقتي لاقول للاردنيين انكم ابناء واحفاد المجاهدين والفاتحين والقادة والمقاومين , ولستم ابناء واحفاد المقاولين تحت اي ظرف , وانكم احفاد الابرار , ولستم احفاد الفجار والتجار تحت اي عنوان , وانكم اصحاب وطن مقدس وكريم وهوية وقضية وشعب عظيم حقا ولستم تائهين او باحثين عن وطن او هوية , وانكم كنتم اقدر شعب في التاريخ في ابتداع عناصر البقاء والصراع من اجل البقاء ولستم اقدر الشعوب على الهزيمة . وانكم كنتم اقدر الشعوب على الاحتفاظ بالكرامة والانفة ولستم اقدر الشعوب للاحتفاظ بالمال , وانكم تموتون وتبذلون حياتكم دون اعراضكم ولستم ممن يضحي بكرامته من اجل حياته ومن اجل المال .

ولم يكن المال يوما في حسابات شعبنا العظيم بل الشرف والشرف وحده ( الناموس ولا الفلوس ) , وانكم لستم طارئين على هذا البلد وان اجدادكم عندما حضروا من المناطق المجاورة كانت هذه اراضي اردنية حتى عام 1910 , وبعضها حتى عام 1916 , وبعضها حتى عام 1921 , وبعضها عاد الى حضن الوطن عام 1924 , وبالتالي فانهم حضروا من ارض اردنية الى ارض اردنية , وليسوا طارئين ولا غرباء , وانهم تحركوا الى ارض اردنية وعادوا اليها اذا ماتجاوزوا الى خارج اطار الكيان الوطني الاردني لاسباب مختلفة كما بينا عبر الكتاب .

اذن الناس الذين التحقوا من الاطراف ومما يسمى مناطق الجوار الان , قد جاءوا من الارض الاردنية وليسوا غرباء عليها والى اقاربهم وليسوا طارئين على الوطن والقرابة . وان القبائل الحالية هي امتداد للقبائل الاردنية التاريخية من الادوميين والعمونيين والمؤابيين والحشبوسيين والباشانيين والانباط , والغساسنة وقضاعة والازد وجذام وبلي وبني كلب وبني بلقين وبني كندة وقريش وبني عاملة . فاحفاد هؤلاء لازالوا على الارض الاردنية وهم جزء منها تاريخيا ووطنيا وثقافيا ودما ولحما وجهادا وهوية وقضية . ولكن التسميات كانت تتغير بتغير الازمنة والامكنة والظروف من اجل البقاء . انه صراعهم من اجل البقاء ونجحوا به ايما نجاح .

من هنا نحن نكتب بقناعة وعقيدة سياسية عن شعب متجذر عريق موحد ولم يتبعثر الا بسبب انقطاع حبل الامن والصراع من اجل البقاء ولقمة العيش , وكان رغم تبعثره يحافظ على خيط التراحم والتواصل , وكان سرعان مايلتئم ويتحد مرة اخرى بسهولة وسرعة في احضان الوطن الرؤم , اذا ماتوفرت له عتاصر الوحدة واولها الادارة المركزية والقيادة , او زوال الخطر المحدق بالاردن , او قدوم الخطر الذي يوحدهم لمجابهته , وسوف يتوحد بوجود الفكر الوطني لبدء مرحلة تاريخية جديدة تتحدث عن هوية الوطن وليس عن لا شيء .

ان اي شعب لا يمكن له ان يستمر ويستقر بدون توفر عناصر البقاء فيه وتغلبها على عناصر الفناء , ويبني ويشيد ويتحول الى قوة عظيمة اذا توفر له المفكر والفكر الذي يلائم هوية وميول وحقيقة وتاريخ هذا الشعب . وانه بدون وحدة الشعب حول فكر معين لايمكن له ان يستمر كشعب وهوية وقضية , واذا مااستمر فانه يكون كشظايا ومناطق وفئات ربما تصل ان يقاتل بعضها بعضا .فالوحدة حول الرمز والفكر اساس مهم في الحياة والاستمرار والاستقرار والافتخار .

ولو عدنا بالذاكرة الى العرب في الجاهلية فاننا نجد لكل قبيلة صنما تعبده وتشتريه او تنحته او تصنعه ( من تمر ) , والسبب والهدف لم يكونا لعبادة هذا الحجر او التمر او ما الى ذلك فحسب , وانما لتحقيق وحدة القبيلة واستقلاليتها , وانها ليست تابعة لاية قبيلة اخرى , وحتى عبادة الصنم المحلي هي نمط من وحدة القبيلة واستقلالها وانفتها , ان هذا معبودهم الذي يجلب النصر لهم وحدهم , ويعتزون به انه من ابتكارهم ونابع من ذاتهم ومعبر روحي عن رؤاهم , والحقيقة انه كان الرمز الذي يوحدهم , وفي وحدتهم يكمن النصر وليس في صنمهم . اذن كانت مهمة الصنم هي توحيد القبيلة وباتحادها تقوى وتنتصر , لذلك كانت القبيلة تتعصب لصنمها باعتباره يصنع لها النصر على الاعداء رغم ان وحدتهاهي التي تصنع لها نصرها وربما يكون نصرها في تشتت اعدائها . وكان لكل قبيلة شاعر وهو مفكر القبيلة الذي يضع لها مكانا ومكانة بين القبائل والتاريخ تحت الشمس , وهو بمثابة المفكر في العصر الحديث للشعب والامة .

من هنا فانه لا بد لكل شعب من رمز وفكر وقيادة وادارة مركزية وتدوين لتاريخه , والا فانه مهما بلغ من الامكانات فانه شعب معرض للفناء . واذا كانت العشائر الاردنية استطاعت العيش والابداع والصراع من اجل البقاء في غياب تكافؤ الفرص لابنائها في الحياة , وفي غياب المقومات الهامة للحياة, فكيف بها ستكون اذا توفرت هذه المقومات ؟ , انها ستصنع المعجزات وتصنع التاريخ مرة اخرى, ولكن لابد ان ينتبه هذا الشعب الاردني العظيم ان صنع التاريخ وحده لايعني شيئا بدون كتابة التاريخ . فقد صنعوا التاريخ في الفتوحات الاسلامية ومعارك حطين وعين جالوت وتحرير الاقصى وفلسطين وطرد التتار , ومع هذا تم اهمالهم واهمال دورهم في صنع التاريخ لانهم لم يكتبوه , لكن من كتبه اسنده لغيرهم او لنفسه او لشعبه , وكما نقول دائما : ان التاريخ لمن يكتبه لا لمن يصنعه , اما انا فاصنع التاريخ واكتبه والحمد لله رب العالمين .والوطن لايبنى بالجدران وانما بالانسان ,واذا اقتصر على العمران بدون الانسان سميت هذه اثار او خرائب , فما هي اهمية وقيمة الوطن اذا كانت عمرانه لغير اهله ؟ , او كان شعبه من غير اهله ؟ , او ان اهله اقتنعوا نتيجة سياسات التغريب المحكمة المبرمجة الممنهجة انهم غرباء عليه ؟ او انهم لاهوية لهم ولا قضية ؟.

وبغياب ثقافة الجهاد وثقافة التجذر صار الانتماء واحترام الذات امرا معيبا ومن ثقافة العيب في سياسات التغريب والتخريب السائدة والتي يعاني منها كل وطني وصاحب كرامة , فاننا نجد ان بعض الاشخاص يعتبرون انفسهم صنائع غيرهم , وان مصلحتهم هي بالتبعية وليس بالوطنية والندية , وبالانبطاحية وليس بعلو الهمة المحترمة . من هنا فانك اذا مادعيت الى وليمة او حفلة حضر عدد المدعوون مائة بالمائة واحيانا يزيد عددا , واذا نظرت اليهم رايتهم كانهم خشب مسندة تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم , لانه يعجبك قولهم ولباسهم , وتقول حينها ان الاردن مليء بالرجال من اصحاب الالقاب والمراتب والمناصب . حتى اذا مااردتهم في ضيق او محنة او موقف سياسي وطني , فاذا قطعان الوبال هذه تولي فرارا وهي تحسب كل صيحة عليها , واذا الارض خالية منهم فلا تجد احدا .

هذه ثقافة الذل والجبن التي تمت تربيتهم عليها عبر السنين ومن خلال الوظيفة واللهاث وراء المصالح الشخصية , الى درجة استمراء العبودية على الرجولة , وهذه حقيقة للاسف الشديد . لذلك يمكن القول انك اذا اردت الرجال في مغانم ووليمة جاءك من تعتقد انهم رجال لاتلهيم تجارة ولا بيع عن الدفاع عن الوطن , واذا احتجتهم في ملمة او ضائقة لاتجد منهم احدا , واكرر القول : لاتجد منهم احدا , وتجدهم في الولائم والمناسبات ودعوات الاذلال رجال تلهيهم وتجذبهم المئادب والحفلات عما سواها من المكرمات .

ان الوطن لا يعمر بهؤلاء الذين تشربوا في دمائهم الذل والعبودية والرخص والخساسة , وحب الدنيا كما تشرب بنو اسرائيل محبة العجل وعبادته , وبالتالي فان الاجيال الجديدة عندما ترى مثل هذه القطعان الوبالية ( من الوبال ) , فان هذه الاجيال الجديدة تندب حظها وحظ الوطن , وتدرك حينها انه لايوجد في البلاد من يقول كلمة يدفع ثمنها .من هنا لابد من التفريق بين الذكور وموظفي الدولة وابناء الدولة , والرجال واعلى منهم رجال الوطن . فانه لايصل الشخص الى مرتبة رجل الوطن الا ضمن مواصفات خاصة فصلناها في كتابنا معارك برلمانية / الجزء الاول .

من هنا فنحن نعاني من قضية اردنية حقيقة داخلية سببها ومن قوامها مثل هذه المجموعات الضالة وطنيا . بل ان ثقافة الكيان الوطني مغيبة لديهم تماما ويسخرون منها , وان اي حديث عن الوطن واهله مرتبط عندهم بقيود محددة ومعطيات لايجوز تخطيها ابدا . من هنا فان الاحتلال لايعني احتلال الوطن فحسب , وانما ايضا يعني فيما يعنيه احتلال القرار واحتلال الذات , وتحويل الاردنيين الى اجراء بدل ان يكونوا شركاء , ورعية بدل ان يكونوا اصحاب قرار , وارقاما وهمية بدل ان تكون ارقاما صعبة , وان يتم حرمانهم من السيادة والقيادة والسياسة , وان تعطى هذه لغيرهم . مثل هذه الامور تشكل قضية اردنية حقيقة لابد من التعامل معها وحلها بجدية وطنية . وان دور هذا الكتاب ان ينبه الى هذه القضية وعمقها التاريخي , وان تكون متداولة بين ايدي الجميع , والا تكون طلسما مقتصرا تمتمته على فئة من الناس . نحن الاردنيون قادرون , ان فهمنا حقيقتنا وحقيقة الاخرين , ان نحقق الكثير من الانجازات الوطنية اولها ان ندرك جميعنا ان لنا هوية وقضية , وان نقول للعالم نحن موجودون ولسنا نكرات ولا طارئين كما يحلو للبعض ان يحاول اقناعنا واقناع الاخرين .

ولو استعرضنا الاردنيين من الجيل الحالي من الشباب والكهول لوجدنا كل واحد منهم لديه قصة وقضية وافكارا وفهما للحقيقة وحلولا لكل ماتعانيه البلاد , ووجدنا كل واحد يقطر حكمة وشجاعة في التفكير , لكنه لايملك ادنى مقومات الشجاعة للتعبير العلني عما يقول او يفكر به , لانه يختم كلامه دائما بقوله : ( خلينا ساكتين ) , وايضا : ( حط راسك بين هالروس وقول ياقطاع الروس ), وايضا ( اللي يرفع راسه راسه طاير ) ,وايضا ( بدنا نعيش ) وايضا ( خليها تجي من غيري وخليها تقع براس غيري ) . وجوابي ببساطة على هؤلاء هو : لو اننا جمعنا هذه الحكمة الفردية وحولناها الى بيت حكمة جماعية لوجدنا نخبة رائعة وتشكلت لدينا جماعة ضغط هائل pressure group, لان اي كيان سياسي في الدنيا لايتعامل مع الضعفاء , وانما يتعامل مع الاقوياء ويحترمهم ويسمعهم ويلبي طلباتهم , ويستخدم الافراد والضعفاء لضرب الاقوياء كافراد , لكنه يقف اجلالا لاي جماعة قوية متماسكة او فكر قوي له اتباع يؤمنون به ويدافعون عنه .

ولكن المشكلة ان هؤلاء الذين يقولون عن انفسهم انهم نخبة ( بغض النظر ان كانت سياسية او عشائرية او اقتصادية او ادارية او اجتماعية او علمية او حتى لهاثية / من اللهاث ) وهم في الغالب نخبة وهمية او نخبة كالزبد الذي يذهب جفاء , متناحرون متفرقون ويتربص كل منهم بالاخر الدوائر ليرقى على ظهره كما رقى الكثيرون على ظهري شخصيا , ولكن ظهري صار الان املسا يطيح بكل من يحاول الصعود اليه ويلقي بهذا المتلسق في قمامة التاريخ . ان مثل هذه التسلقية تعني ان جهد هؤلاء يخلو من العمل الجماعي المنظم وينعدم العقل الجماعي والتفكير الجماعي والابداع الجماعي والانجاز الجماعي ,وبالتالي ينعدم تحقيق الفكر الوطني , ويغيب التنظيم الوطني العام ويغيب الضغط على السلطات السياسية وادواتها , وهذه قضية .

فالشعور بالقصور والتهميش والاستغفال والاستخدام لدى الاردنيين , اقول الشعور بهذه الامور كلها , موجود لدى الجميع , والكل يعرف الحقيقة , ولكن تقوقع الجميع ضمن الفردية والابتعاد عن العمل الجماعي المنظم , وانعدام الاريحية جعل كل واحد عبارة عن خرزة , او حبات عقد فارط . فالخرزات اذا تجمعت سميت مسبحة واذا انفرطت سميت كل واحدة منها حبة او خرزة وشتان بين التسميتين والاهميتين والوظيفتين .

وكذلك عقد الجيد من اللؤلؤ اذا انفرط لم يعد له القيمة التي كانت له وهو ملتئم . فالاردنيون اذا ما التاموا وتنظموا تحولوا الى قوة هائلة تماما كما هي الذرات اذا ما التامت في قنبلة تصبح ذرية وقوية ملايين اضعاف اضعاف طاقة الذرات المنفردة اذا جمعناها بدون اتحادها . فالجهود الفردية اذا التامت صارت اضعاف جهد الشخص وحده حتى ولو جمعنا جهود الافراد جميعا فانها لاتساوي الا جزءا يسيرا مما لو كانت هذه الجهود ضمن اتحاد الجهود المنظمة وتكاتفها . فالشخص المنظم اهم واقوى من مائة رجل واذا صار اثنان منظمان صاروا اقوى من الف شخص . اما صاحب الفكر فهم الاقوى والاهم في كل مجتمع عبر التاريخ , لانه المهندس الذي يرسم الاطار الوطني للشعب ومسيرته , وهو المنارة التي تهتدي اليها السفن اذا ارادت الرسو في الميناء في ليلة ظلماء .

اذا كان الرجال او الاشخاص في هذا العصر الذي وضحت فيه الامور وصار تداول الاخبار والثقافة والفكر سهلا وسريعا ومتيسرا , لم يتوصلوا الى قيادة وطنية , بل ان اية قيادة كانت تظهر في الاردن سابقا كانت تجد الحسد والعراقيل من اقاربها بالدرجة الاولى , والشواهد مليئة بذلك ولا نريد ذكرها , فكيف نلوم الجيل الحاضر وحدها ؟ ولكن الاجيال الحاضرة اولى باللوم منها لمن سبق من الاجيال لانها الاولى ان تعتبر وتتجنب اخطاء الماضي , ذلك ان مرحلة الشعور وتبلور الفكر قد اصبحت واضحة في ذهن كل اردني من الجيل الحاضر , ولكن هذا الفكر لم يتحول الى تنظيم جماعي ولا الى حراك جماعي ولا الى مطلب جماعي .اي ان الاجيال الجاهلة والمتعلمة تتساوى في ذلك.

وبذلك نجد ان القبائل الاردنية القديمة بقيت موجودة في الاردن عبر مراحل التاريخ , منذ زمن سيدنا شعيب وقبله وقبل الميلاد وبعده وقبل وزمن الفتوحات الاسلامية حتى مجيء الاتراك والانتداب البريطاني , واستمرت بعدها الى الان مع تغيير الاسماء والمواقع للظروف والاسباب التي ذكرناها اعلاه .وبذلك استمرة جذام وقضاعة وبلي والازد ولخم ( الغنيمات/ ابو الغنم ) وكندة وبني كلب والادوميون والانباط والعمونيون والمؤابيون وطيء والغساسنة ( مسلمون ونصارى ) وبني عاملة ( العواملة ) وبلقين ( البلقاوية ) وحمير , وقريش ( الرفاعية والزعبية والصمادية والمومنية والملكاوية والربابعة والكيلانية والقادرية وبني كنانة وعائلات اخرى دخلت في العشائر الاردنية وصارت منها مثل الحارثي في بني عباد ) , اقول استمرت واستقرت وتحركت واعادت توزيع نفسها على الارض الاردنية وخرجت من البلاد لاسباب بيناها في حينه , وعادت لاسباب بيناها في حينه .وقد بينا تفصيلات هذه العشائر بالمسميات الاردنية الحديثة عند الحديث عن العشائر الاردنية في سياق الكتاب سابقا ولاحقا .

وان اية قبيلة من هؤلاء نجدها تمتد على ارض الوطن من شمالة الى جنوبه ومن غربه الى شرقه , ونحن بدورنا وضحنا ذلك لزيادة اللحمة والتواد والتراحم واصلاح ذات البين بين ابناء الاردن العزيز وابناء كل قبيلة ومنطقة على الاقل , واننا اناس من هذا البلد منذ اقدم العصور ولسنا عليه طارئون كما تحاول السياسة والكتاب الاخرون تبيانه وتزوير التاريخ ضد وجودنا وهويتنا وقضيتنا الوطنية الاردنية . ومن خلال ذلك يجد كل اردني اينما كان في البلاد ان له اقارب في كل بقعة في الاردن , وبالتالي فان الاردني لا يليق به الا ان يكون وطنيا بطبعه لانه اذا تعصب للوسط مثلا فان له امتداد في الشمال والجنوب والغور والصحراء , وكذلك لو تعصب للجنوب فان اقاربه في الوسط والشمال والغور والصحراء , والامر نفسه اذا ما تعصب للشمال فان اقاربه وجذوره في الجنوب والوسط والغور والصحراء . فالاردنيون من بعضهم ولا خيار لهم الا ان يكونوا وطنيين متحابين مترابطين غير متعصبين وانما منتمين ( من الانتماء ) , وفي كل بقعة توجد قبور وعظام الاجداد لكل اردني فوق الارض الاردنية برمتها في مرحلة من مراحل التاريخ ,اينما كان هذا الاردني .

اذن فالاردني لا يليق به الا ان يكون وطنيا يحب ابناء الاردن جميعهم ولا يليق به الا ان ينتمي لتراب الاردن كله لان كل بقعة كانت مسرحا لاجداده من قبل . وانه لا يليق بالاردني الا ان يحب ويحترم كل ثرى الاردن . ولا يليق به الا ان يحب الاردنيين جميعا وهي المرحلة التي افخر انني وصلتها والحمد لله . وان اعادة اللحمة وصلة الارحام هي احدى غايات الكتاب من جملة غايات اخرى . وسوف تدرك الاجيال الاردنية القادمة اهمية وعمق الكتاب على مدى قرون قادمة طويلة ان شاء الله , كما سيدركه كل اردني يؤمن بالكيان الوطني والاجتماعي الاردني . وانا على يقين انه سيصبح منهجا الزاميا في المدارس والجامعات ولو بعد حين ان شاء الله . اما مثلث الغم ( الغرباء والمرتزقة والمقاطيع غ. م . م . ) فسوف يدركون تاثير هذا الكتاب واهميته ورسالته بعد حين من الدهر . اما مراكز الدراسات الاستراتيحية والسياسية الاجنبية فسوف تغير سياساتها تجاه الاردن والاردنيين ولو بعد حين , بعد دراسة واستيعاب اهمية هذا الكتاب . ونسال الله ان تتحقق ان شاء الله تعالى .

تاريخ الاردن وعشائره / الحلقة الحادية عشرة

بقلم المؤرخ والمفكر : د . احمدعويدي العبادي عضو النواب الاردني سابقا لمرتين

اوضاع العشائر والاردن في مطلع الاحتلال التركي حتى نهاية القرن الثامن عشر

واوضاع الامارات في الوسط والجنوب

ومحتويات الكتاب السنوي التركي عن العشائر الاردنية

واوضاع النواحي في شمال الاردن

تعداد النفوس للعشائر الاردنية في نهاية القرن 19

وما أن غابت شمس المماليك وخيّ?Zم ظلام الأتراك حتى ازدادت الأوضاع سوءا على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي وصار الجوع والخوف مطرقة لا يسلم منها إلا القليل من الرؤوس , وان سلم فانما يكون ذلك لوقت قصير ولم يسلم منها احد بشكل مستمر .ومع هذا ازدهرت زراعة الزيتون والفواكه في الشمال، وتوسعت زراعة الحنطة لخصوبة التربة وتوفر الأمطار ولطول استقرار الناس في الارض وقلة الغزوات , ذلك ان العشائر في الشمال والوسط والجنوب كانت امتدادا لبعضها بعضا , وبالتالي لايمكن لها ان تغزو بعضها وبينها مابينها من صلة الارحام التي كانت لازالت معروفة لدى سائر الاطراف , والكل يخشى ان تجتاح البلاد احتلالات جديدة وبالتالي لايجوز ان تكون هناك عداوات وغزوات بين الاردنيين ,وان العلاقة يجب ان تكون ودية بينهم ليجابهوا اي احتلال او عدوان خارجي , هذا فضلا عن حالة الاكتفاء الناجمة عن الاستقرار الذي اوجدته العشائر الاردنية كنتيجة حتمية لعملية من عمليات الصراع من اجل البقاء . وتعايش الأردنيون مع الأوضاع الجديدة في بداية الحكم العثماني على النحو التالي:

(1) إمارات هشّة في الجنوب والوسط ، كان منح لقب أمير لاي من شيوخ العربان بالاردن في تلك الفترة وما بعدها وقبلها هبة ومكرمة من الغرباء وليس فرزا او فرضا من ابناء البلاد , انه منحة من الايوبيون او المماليك ليقوم ( من يسمونه الامير ) بخدمتهم هم , ويسيطر على عربانه وهو يزهو بهذا اللقب شامخا بانفه على من سواه ممن هم حوله من عربانه وسائر العربان الاخرين , ويكون عين الدولة عليهم , كما شاهدنا في فحوى شروط وبنود تكليف ابن مهدي بالامارة من قبل السلطان الظاهر بيبرس .وما هذا الامير في حقيقته إلا شيخ همّه الارتقاء على عشيرته وسائر العشائر , وتحقيق الذات في ان يكون مقدما على من سواه , وان ياتيه المال وهو يتكرم به كيف يشاء , او يختزنه كيف يشاء , وهو صاحب اليد العليا على من سواه من حوله , وهو باللغة العصرية تابع للسلطة وخادم لها مقابل ان تتحول الناس من حوله ومن التابعين له الى خدم لشخصه الكريم .

كان الشيخ او الامير الذي يتظاهر بحماية وخدمة الناس ( وقد يكون كذلك احيانا ) , انما كان في حقيقته يعمل على مايمكن تسميته في عصرنا الحاضر : ( استعباد الناس من حوله وانتهاك حقوق الانسان التي لم تكن موجودة اصلا ) والناس يخضعون له من اجل لقمة عيشهم من جهة , وبحجة حماية هذا الانسان البسيط من سطوة الدولة الداعمة لهذا الشيخ من جهة اخرى , إلى درجة أن بعض الامراء العربانيين امروا بربط رجل مع ثور أخر تحت نير الحراثة ؟ , ليحرث الأرض جنبا الى جنب مع الثور , لأن هذا المسكين الفقير الغلبان لم يستطع جلب ثورين سخرة بل جلب ثورا واحدا , بينما كان من يسمى الامير قد امر بجلب ثورين . هل يوجد اكثر امتهان لكرامة الانسان من هذاالامتهان ؟ هل ان هذا الامير رجل سوي او محترم ؟ هل ينظر للرجال من رعيته اكثرمما ينظر الى لبقر والخراف ؟ اليس هذا منتهى الطغيان والجبروت ؟

وامراء عربانيون اخرون يجبرون المسكين أو الضعيف أن يسير على الشوك حافيا عقابا له أمام البقية من قومه ( في سمع وجمع / بسكون الميم في الكلمتين ) لأرهابهم واذلالهم وابنائهم ونسائهم جميعا , ولكي يخضعوا لسلطة هذا الشيخ خشية ان يتعرض اي منهم لهذا الموقف . فالمثل يقول اضرب الارنب يتادب السبع / الاسد . ويسلم ( بتشديد اللام ) هؤلاء الامراء الكرتونيين اخرين من المتمردين على الاوامر المشيخية, اقول يسلمونهم للسلطات الحكومية الاحتلالية الطاغية , او يرسلونهم الى الجندية خارج البلاد والاهل ويخوضون المعارك , وربما يلاقون حتفهم خارج حدود الوطن من اجل قضية لاعلاقة لهم بها , بل لا ناقة لهم بها ولا جملا , او يبقوا هناك ويصيروا من اهل تلك البلاد الغريبة عليهم , وكم فقدنا من الشباب والرجال بهذه الطرق وصاروا الان خارج اطار العروبة والاردنية . لذا فلا غرو ولا عجب ان تجد اردنيين في بقاع الله الواسعة يقولون ان اجدادهم من الاردن اصلا وانهم الان من جنسيات واعراق ولغات اخرى . فان الزمن وتعاقب الاجيال يؤدي الى انفصالهم عن عروبتهم واردنيتهم ان كانوا في بلاد الاعاجم , وعن اردنيتهم ان استقروا في اي من الديار العربية .

لذا فلا خيار للبدوي الاردني العادي ( وكل عشائرنا الاردنية كانت في مرحلة البداوة اصلا ) الا الرضوخ لهؤلاء الامراء ضمن مبدأ (حاكمك لالكمك ) اي من يحكمك يستطيع توجيه الضربات واللكمات اليك ولا تستطيع الرد او الانتقام , وان فعلت لقيت عقابا مضاعفا قد يودي بحياتك ويهين كرامتك . وترسخ المثل الاردني ( الدولة سيفها ضافي وقتيلها هافي ) مرة ومرات عبر الاجيال والحقب , وهو الذي توارثوه من قبل كما قلنا .كان لقب : امير يعطي هيبة وهمية لهؤلاء الذين يفعلون كل شيء لارضاء المماليك في القاهرة او لاسيادهم الولاة في دمشق او عمالهم في الكرك , من اجل الحصول على هذا اللقب واستمراره . وقد صار اسم / لقب الامير غشاوة على ابصارهم وبصائرهم من اجل التحكم بالعربان والخضوع للسلطان , وربما بيع الاوطان من اجل البقاء او استعادة هذا اللقب , ولنا بما فعله ابن عقبة في ايغار صدر السلطان شعبان بن خليل على هدم قلعة الشوبك حجر حجرا دليلا على مانقول

وانتشر الرعب والخوف لدى العربان الاردنيين بين سندان اتلدولة ومطرقة الامراء الوهميين , فمن يقول كلمة فانه سيجد العقاب من اميره او شيخه الذي هو من دمه ولحمه , فكيف سيكون العقاب من السلطات الاجنبية والاعجمية في القاهرة او دمشق التي سيساق اليها منكود الطالع المسكين بالاغلال والاذلال من مقامه الى حيث السجن والعقاب وربما جز الرقاب ؟ فبقي كل واحد مقموعا ضمن عشيرته , وكل عشيرة مقموعة ضمن ديرتها , وكل شيخ ضمن دائرته التي حددتها الدولة له وهي في القاهرة او دمشق او الاستانة , حتى صار القمع والقهر والخضوع والخنوع ثقافة وسياسة ممنهجة ومبرمجة وجزء من الاليات الرسمية واتباع السلطة واذنابها زسياطها , للاسف الشديد , وصار عند بعض هؤلاء الامراء الوهميين جزءا من الجينات المتوارثة التي تحولت الى عقدة الشيخة او الامارة , وهو يعتبر ان مثل هذا اللقب كاف لفرض احترامه على الناس , ولكن الاحداث برهنت ان مثل هذا الوهم لم يعمر ( بتشديد وكسر الميم ) طويلا .

ومع هذا ظهرت حالات تمرد فيها امراء وشيوخ على الدولة في نزوعهم نحو الاستقلال والاستئثار بالضرائب المجموعة من الناس ممن هم حولهم , او توقا للحصول على مزيد من المال ,او الاستقلال , او لمجرد التمرد , او لاقامة امارة مكان امارة , ولم نجد برهانا على انها كانت تمردات لاقامة كيان وطني اردني ,وان كان بعضها ارهاصات لفكرة الكيان السياسي على جزء من الارض الاردنية , وهي في جميع الحالات لرفض الاحتلال التركي والتعسف الذي مارسه ابراهيم باشا في منتصف القرن التاسع عشر . حدث مثل هذه التمردات من قبل ابن مهدي والغزاوي وابن عدوان وابن زبن وابو تايه ضد السلطات التركية , وتمرد الشيخ ابراهيم الصرايرة الغساني ضد ابراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر الالباني , ومن قبلهم قبيلة بني عوف وعشائر عباد ضد صلاح الدين , وبن حيار الطائي ضد المماليك , وثورة العبابيد والكرك ضد الاتراك التي كانتا في سنة واحدة وهي عام 1910 , ولكن ذلك حدث في حالات ذات اسباب عشائرية او الكرامة المحلية ومنها لاانقطاع المال والمخصصات او محاولة الحرمان منها , فعند المال في الاردن يكرم الانسان او يهان , فالمال هو البلسم وهو الذي يملا الافواه فتصمت عن الكلام , او يغيب فتنطلق الالسنة بما لايليق من القول , ويملا البطون فلا تعود عصافيرها تزقزق , وتنغمد السيوف في جرابها وتنغرس الرماح في الرمال , وتحل الابتسامة مكان العبوس .اما ثورة الكرك وثورة عباد فهما مختلفتان تماما عن سائر الثورات السابقة وكانتا ارهاصا للثورة والحركة الوطنية الاردنية ومقدمة لها التي بدات عام 1916 من بعد .

وبهذه الطريقة , وفي ظل هذه الظروف عجز الشعب الأردني ,وعجزت العشائر الاردنية عن فرز قيادة وطنية عامة مقنعة للناس , او ان تطيع لها الناس ,وانما قيادات ومشيخات محلية / ديرة , وصلت بالسيف اوالكرم اوالمال او دعم الدولة او الغدر والبوق , او باي منها او بعدد منها او بها جميعا , واحيانا من خلال التخلص من شيخ ظالم كما هو حال مذبحة العمرو على ايدي الكركية ومذبحة المهداوية على ايدي العدوان والفحيصية , وفي الاغلب فان هؤلاء الامراء جميعا صغيرا وكبيرا من صنائع السلطات في القاهرة او دمشق , ولم يكونوا من فرز الشعب ولا برضى الناس . ومع هذا كانوا يشكلون دوائر محدودة ليس الا , ذهبت هباء منثورا من أول ثورة ضدهم كما حدث للمهداوي والعمرو في الوسط والجنوب ( وكلاهما جذامي ) .

وفي الوقت الذي استطاع هؤلاء حماية أنفسهم من الغزوات الخارجية، بسبب استخدامهم لاولاد الناس المساكين دروعا بشرية للدفاع عن هؤلاء الشيوخ او مايسمى بالامراء مع عدم الانتقاص من شجاعتهم , فان اوضاع هذه الزعامات الداخلية كانت هشة وواهنة كبيت العنكبوت من الداخل , ولا مقومات عندهم لا شخصية ولا مالية ولا فكرا وطنيا بل عنجهية عشائرية وجهلا اودى بالتالي الى انتهاء وتبخر ثقافة الكيان الوطني من عقول الناس , بل وغيابه تماما , وبالتالي الى تبخر وانتهاء زعاماتهم وكراسيهم والقابهم في اول زوبعة غشيت هذه البيوت من انقلاب الرعية على هذا الشيخ او مايسمى الامير او ذاك .

ولو انهم توحدوا معا ووحدوا مكونات هذه الامارات وهي العشائر , او شكلوا مجلسا جماعيا يمكنه ان يطور مع الزمن صيغة للتفاهم في اقامة كيان اردني وسلطة مركزية , ولو انهم تجاوزوا الفرقة التي ابتدعوها لضمان بقائهم في المشيخات , لاسسوا لاتحاد امارات وكيان سياسي اردني ضمن الكيان الوطني الاردني , حينها لابد ان يتحقق توحد البلاد والعباد معا ويكون لهم جميعا هيبة حقيقة وليست وهمية , وحينها لكانت البلاد تنعم بالامن بدل الغزوات , ولكن فوات التاريخ لايمكن اعادته اطلاقا . ولو اسسوا اتحاد امارات لاستطاعت مع الزمن ايجاد سلطة مركزية وهوية وطنية بدل الهوية العشائرية او هوية الاقليم او الديرة او المدينة وحدها التي هي جزء من الوطن وليست الوطن كله . ولاستطاعوا ان يعيدوا سائر الاردنيين الى ارض الوطن بدل كونهم الان من رعايا البلدان الاخرى , ولو حدث هذا لكان الاردن زاخرا باهله ولا حاجة له لاي وافد من غير ابنائه , ولكن التاريخ كاليسف والوقت ان لم تقطعه قطعك , وهو كالاسد ان لم تقتله قتلك , وان لم تكتبه انت كتبه عنك عدوك .

ولكن توحيد وتوحد الاردنيين لم يكن من مصلحة المشيخات ولا السلطات في القاهرة ودمشق , لايطمشيات بسياسة : ( فرق تسد ). فالشعب الاردني اذا ماتوحد فانه يتحول الى مارد وتتحول الرماح المفردة الى رماح مجتمعة تستعصي على التكسير . كان السلاطين والولاة في كل من الاستانة ودمشق ومصر يخشون من وحدة الاردن ارضا وشعبا وهوية وقضية وكيان سياسي وكيان وطني , ويخشون من ظهور اية قيادة اردنية واعدة لديها فكر وطني , لكي لاتظهر فيها دعوة انفصال عن االدولة وتشجع القيادات السياسية والوطنية في مصر والشام لتحذو حذوها , فالاردن بوابة مصر وجزيرة العرب وفلسطين وسوريا وبلاد الرافدين , وكانت النتيجة ان هذه السلطات اهملت الاردن ولكن عينها كانت تراقبه لكي لاتظهر به قيادات وزعامات قادرة على توحيد الوطن والشعب معا / اي توحيد الكيانين الوطني والسياسي او تطالب بحدود الاردن ضمن كيانه الوطني الذي يشمل مناطق اوسع بكثير مما هو عليه الان , او زمن الادارة العثمانية .

وكما راينا قامت في الشمال زعامات النواحي , ماعدا امارة بني الاعسر القضاعية وامارة الزيداني الازدية وامارة الغزاوية القضاعية كما اشرنا اليهم سابقا وكان كل منهم نواة لاقامة كيان سياسي اردني على ارض الكيان الوطني الاردني , ولكن الاتراك كانوا لهم بالمرصاد , للاسباب التي ذكرناها اعلاه وهي خوف قوى الاحتلال من توحيد ارض الاردن وتوحيد اهل الاردن ضمن شعب واحد وهوية واحدة وقضية واحدة , وما عدا ذلك كان لكل ناحية زعامة , وعادة ماتكون هذه الزعامة من اشرس واشجع عشيرة في الناحية , لان البقاء كان فيها للاقوى .

واما السبب باقامة الامارتين في الوسط والجنوب من الاردن , فهو أن الوسط والجنوب أقرب إلى البداوة والبادية والصحراء من الشمال , وبالتالي اقرب الى طبيعة الشعب الاردني البدوية وشبه البدوية . ومن ثم فانهم لابد لهم من ضابط يضبطهم من الداخل وهو اقل كلفة على الادارة في القاهرة ودمشق من ارسال الحملات والجنود والمعدات الى هذه الديار الصعبة . ثم ان اهل الديرتين عندهم قلاع الشوبك والكرك في الجنوب , والسلط في الوسط ,واللواتي يمكن لاي منها ان تكون مركزا للتمرد والعصيان , وبالتالي فان الافضل احتواء اهالي هذه القلاع , وايجاد امارات ذات حكم ذاتي ان جاز التعبير .

اماالشمال فقد انشئت به ايضا امارة لبني عوف وهي امارة الغزاوية في العصر التركي استمرارا لما كانت عليه قبل الاتراك , واتخذت من عجلون وقلعة بني عوف قاعدة لها . ومن ثم امارة الزيداني / الزيادنة في تبنة وكان يشرف عليها اولاد ظاهر العمر الزيداني والي عكا التي كانت جزءا من الاردن .

كما أن موارد الجنوب والوسط صارت أكثر شُحّا من موارد الشمال. من هنا تحرك الكثير من أبناء الجنوب نحو الشمال والتحقوا باقاربهم الذي سبقوهم بالاستقرار في الشمال ولم يعودوا الى الجنوب والوسط بعد معركتي حطين وعين جالوت وتحرير الاقصى وفلسطين وطرد التتار , وتوالت الالتحاقات في فترات سابقة للعهد العثماني واثناء العصر العثماني ايضا وتحركت عشائر جديدة من الطفيلة والكرك مثل الشطناوية والكراسنة وكلاهما من العوران من الحميديين من بني كلب من الطفيلة واستقروا في قرى الشمال , وبني كلب قبيلة اردنية عريقة وقديمة في البلاد وكانت اكثر القبائل ايثارا لدى بني امية وهم اخوال يزيد بن معاوية واهل ميسون الكلبية , وقد ذكرت في كتابي العشائر الاردنية ( الارض والانسان والتاريخ) تفاصيل عن شجرة الشطناوية ونشرت وثائق المراسلة بينهم وبين العوران في الطفيلة وانهم من نفس الفرع الكريم وهم العوران وفيهم زعامة الطفيلة ويتناوبونها مع المحيسن الادوميين .

ولا ننسى أن القرن ونصف من العهد المملوكي الاخير شبيه إلى حد كبير بالعهد العثماني وقاعدة استمرار له بكل سلبياته ومئاسيه ، فصار جنوب الاردن عامل طرد سكاني بعد ان كان مخزن تزويد سكاني للجهاد وتحرير الاردن ، وصار الشمال عامل جذب لهم وصارت الحركة على الارض الاردنية طوليا من الجنوب الى الوسط والشمال , والسبب الرئيس هو توفر الامن وسبل العيش في الشمال اكثر منه في الجنوب والوسط في حينه . كما ان الشمال كان اقرب الى الادارة في كل من دمشق ونابلس وبالتالي فان اي اضطهاد لهم او غزو عليهم يجعلهم اقرب الى مراكز الدولة ونجدتها مما هو الحال في الجنوب والوسط , وذلك يعني انهم اقرب الى الامن والامان والحماية ودعم الدولة وحمايتها من المعتدين ..

وقد كانت الأردن في العهد العثماني والمملوكي الثاني مسرحاً للتغييرات الداخلية وتنقلات العشائر وتحركاتها ومن ثم استقرارها وذلك يقوم على ثلاثة عناصر هي :

1== الماء لغايات الشرب وارواء المواشي وممارسة الزراعة , فاذا ماتوفر منه الكثير الدائم لري الارض قامت الزراعة واستقرت العشائر البدوية وانشئت القرى على انقاض القرى السابقة ذات الجذور الضاربة في الاعماق , وتحول ابناء هذه العشائر الى مزارعين ثم الى فلاحين , وبقي ابناء عمهم اخرون في بداوتهم , وبينما الف الجزء المستقر حياة الزراعة والفلاحة , بقي ابن عمه واخوه على بداوته وبقي يعتبر كلمة وصف الشخص انه : فلاح امرا منفرا , وهذا موروث ثقافي منذ زمن الجاهلية والامويين الى منتصف القرن العشرين , وقد اختفى هذا النفور ولا يقال بمعناه السابق الا في حلات محدودة , لذا فان البدو الاردنيين يستخدمون كلمة مزارعين اذا كان الفلاح ( المزارع بدويا ) وحتى الاتحاد العام للفلاحين يطلق عليه في الاردن : اتحاد المزارعين , لان ذلك يتفق مع الموروث الثقافي الاردني , ولان كلمة فلاح مرتبطة بموروث ثقافي تعني السلبية , وحتى العشائر القوية في الشمال تستخدم اسمها وتقول لمن هم من غيرها : الفلاحين , مثل : الزعبية والفلاحين , والعبيدات والفلاحين , والروسان والفلاحين وما الى ذلك , وهذا اصطلاح موروث ضمن الذاكرة الجماعيةوالثقافة الجماعية للاردنيين , ولكنه صار من ذكريات الماضي ومن نوادر الماضي , فنحن جميعا اردنيون وافضلنا هو اتقانا ومن قدم ويقدم للاردن والاردنيين من التضحيات والانجازات . اما الزراعة فكانت منها المروية ومنها البعلية , وكانت تكفي حاجاتهم في شبه اكتفاء ذاتي

وما دام الشيء بالشيء يذكر فان عشيرة الروسان وهي اصلا بدوية من الخزاعلة من بني حسن التي استقرت في الشمال بعد معارك حطين وعين جالوت والتحرير هيمنت على اراضي زراعية واسعة في قرى بني كنانة , وبنى احد شيوخهم وهو فالح اغا باشا الروسان في العهد العثماني قصرا في ام قيس الذي تحول الى متحف. كان القصر ملكا للشيخ فالح باشا الروسان الذي كان حاكما للمنطقة من قبل الوالي العثماني و كان معه خاتم العثمانيين , و في سنة 1970 استملكته الحكومة الاردنية و تم تحويله الى متحف . كان فالح باشا رجلا مهما في ذلك العصر وصاحب املاك واقطاعات هائلة وجلب حجارة قصره من طبرية وهذا يدل على ثرائه وسطوته واهميته . ويدل ان هذا البدوي تحول الى حياة الاستقرار في مراحل مبكرة , وانه اثرها وفضلها على حياة التنقل التي كانت سائدة لدى اقاربه / بني حسن انذاك .ويوجد في ام قيس الان 36 لاعشيرة منها عشيرة الروسان التي تتنتشر في قرى اخرى اهمها قرية سما الروسان

2== الكلا والغذاء : اماالكلا فهو للمواشي وهي عماد حياة القبائل المتنقلة وشبه المستقرة , لذلك نجد ان القرى قامت بالقرب من الاراضي الخصبة التي يتوفر فيها الانتاج الزراعي والكلاء كلاهما على حد سواء , فضلا عن توفر الامن والحماية ولو بشكل محدود , وهذا مانجده في مناطق الشمال الاردني . وليس صحيحا ان حركة العشائر الاردنية كانت مقصورة للبحث عن الماء والكلاء , بل ايضا عن الماء والكلا والطعام والامن والحماية وحماية الاردن ,كل هذه معا . وان عشائر الشمال كانت بدوية اصلا قبل استقرارها , فلما وجدت سبل الاستقرار فضلته على الترحال .بل ان العشائرالاردنية برمتها كانت بدوية في مراحل عدة من حياتها عبر القرون .

والحديث عن البداوة هنا لايعني التنقل وحده , بل يعني ثقافة متوارثة وقيما وعادات وتقاليد اردنية , كلها بالنسبة لنا بدوية . وكل اردني يعتز بالبداوة لانها جزء من ثقافة وتاريخ الاردن وحياته الاجتماعية فيما مضى .

3== الامن والحماية : قد يتوفر الماء والكلا والطعام ولكن اذا انعدم الامن والحماية فان الناس كانوا يتحركون ويضربون في الارض بحثا عن ذلك . وفي هذا الاطار نجد الاندماج والانفصال بين العشائر الواحدة والمتعددة لغايات الامن والحماية , حسب المثل الاردني القديم ( احمي راسك ) والمقصود الحماية العامة للشخص نفسه ومن ثم للمجموعة .

وبناءا عليه تصرفت العشائر الاردنية ضمن الصراع من اجل البقاء :

== بالهجرة والنزوح الى اماكن داخل او خارج الاردن يتوفر فيها قسط اوفر من الامن والحماية , من المكان الذي يغادرونه , كما سبق وشرحنا .

== بالانضواء تحت اسم قبيلة اخرى قوية لغايات الحماية , من خلال الموالاة / اي الدخول في هذه العشيرة واخذ اسمها بدل الاسم القديم او اضافة الجديد الى القديم , فتصبح القرى او العشائر جزءا من هذه القبيلة الكبيرة او ضمن الاخوة او دفع الخاوة لها . المهم تحقيق الامن والحماية لها من الاخطار من القبائل الاخرى . ومن المعروف ان دفع الخاوة alkhawah او وجود الخوة alkhuwwah

* التعليقات محجوبة بناء على رغبة الكاتب ومن كانت لديه معلومة موثقة ان يرسلها الى بريده الالكتروني : Oweidi2005@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد