> أولا .. نسأل .. هل سبق أن نفذ موظفو الخدمة المدنية في السودان أو بعضهم عصيانا مدنيا ..؟ بمعنى إنهم امتنعوا عن الذهاب إلى العمل لاسقاط الحكومة لأنها فشلت في ادارة العملية الاقتصادية بصورة تجنب المواطن غلاء المعيشة و العلاج و المأوى و الترفيه .؟
> نعم .. سبق أن اعتصم الموظفون لاسقاط حكومة نميري .. و حينها فشل جهاز الأمن تماما في معالجة العصيان المدني .. فزاد احتقان الشارع. هل تدرون أن نميري رغم طيبته و أصالته و زهده كان يترأس حكومة شرسة لا ترحم من يفكر في عصيان مدني أو يتظاهر .؟ من شهدوا تلك الايام يعلمون ماذا كان مصير من يعارض الحكومة بالمجاهرة و يحرض عليها . لكن حدث العصيان المدني . . وسقطت الحكومة .. و اجريت انتخابات بصورة سريعة بعد حل جهاز الامن .. و تهيأت الاجواء السياسية لتدبير ثلاثة انقلابات عسكرية على الأقل .. منها ما نجح في 30 يونيو 1989م ..بقيادة البشير. و ندم بعد ذلك الكثير على حل جهاز الأمن الذي أسسه الرائد مامون عوض أبوزيد .. قبل أن يؤسس اجهزة مخابرات و أمن في بعض الدول مثل ليبيا و الامارات . و هذا يعني أن الكثير جدا يريد ذهاب هذه الحكومة و استبقاء جهاز الأمن و المخابرات الوطني .. حال ينجح العصيان المدني الثاني . العصيان المدني الأول نجح و اسقط الحكومة .. لكن لماذا نحتاج مرة أخرى إلى ( عصيان مدني )هل هو مسلسل طويل تأتي فيه حلقة جديدة عقب كل فشل في عهد ديمقراطي مرض لكل القوى السياسية ما عدا التمرد .؟
> تجريب المجرب مشكلة .. و مشكلة السودان ليست وجود حكومة معينة .. فالقاسم المشترك بين كل الحكومات هو المشكلة .. القاسم المشترك بينها هو التخلف الشديد في ادارة العملية الاقتصادية .
> ثانيا .. لن ينجح هذه المرة العصيان المدني كما نجح أيام نميري .. لأن الحكومة هذي هي حكومة حزب ضخم . . حزب بدائرتين .. دائرة داخل دائرة .. دائرة الحركة الاسلامية و دائرة خارجية حولها هي المؤتمر الوطني .
> فإن النسبة الاكبر في الخدمة المدنية هم اعضاء المؤتمر الوطني .. و هم وحدهم يمكن أن يسيروا اعمال الدولة .. التي يسير جزء كبير منها بالمال العام المجنب غير الخاضع للمراجعة العامة .
> و إذا كان نميري قد اعد كتيبة استراتيجية بسبب عصيانات متوقعة من عمال السكة الحديد المتشيوعين حينها.. فإن حكومة الحركة الاسلامية هذي لها آلاف الكتائب الاستراتيجية بصورة مختلفة طبعا .
> فموضوع العصيان المدني أصلا كان متوقعا طبعا لكنها عالجته تماما بصورة استباقية وقائية .. عالجته بفكرة انشاء وعاء تنظيمي أوسع من الحركة الاسلامية .. كان هو المؤتمر الوطني بإسمه البراق هذا الذي اختاره عثمان خالد مضوي . و هل تذكرون افادة غندور وزير الخارجية برقم عضوية المؤتمر الوطني ..؟ الرجل كان يصحح ما رآه رقما خطأ بطريقة فكاهية ..حينما قال بأن هناك من يقول عدد أعضاء حزب المؤتمر الوطني 6 مليون .. و نقول هذا ليس الرقم الصحيح . فالصحيح هو عشرة ملايين عضوا . إذن يمكن أن يستفيد غندور و من يعتقد مثله من فشل العصيان المدني هذه المرة بخلاف آخر ايام حكم نميري ..في اثبات صحة العشرة ملايين. و عشرة ملايين عضوا ليسوا جميعهم اسلاميين .. بل هم عضوية المؤتمر الوطني .. ما يعني أن اغلب موظفي الخدمة المدنية موالون للمؤتمر الوطني سواء سبق عملهم في المؤسسات الحكومية انضمامهم إلى الحزب الحاكم أو العكس .
> فالنتيجة هي إذن حتمية فشل العصيان المدني الذي تحمس له المقيمون بالخارج عبر الاسافير و على رأسهم امثال الصادق المهدي و نصرالدين المهدي و التوم هجو.
> ثالثا .. لعلنا هذه الايام نحتاج إلى تسجيل صوتي من تراجي مصطفى باعتبارها من المقيمين في الخارج الذين عرفوا بئر اللعبة السياسية و غطاءها . و اتخيل أن تبني تراجي حديثها على أن مرحلة ما بعد الحوار الوطني تغني عن المعارضة التحريضية بالمعارضة الحسابية في اطار الحوار. و الحوار الوطني في حد ذاته لعل قيمته الاعلى هي دعوة الحكومة للسياسيين و المتمردين ليحاسبوها بجرد الحساب السياسي .
> هذا يمكن أن يأتي بنتيجة عظيمة .. لكن العصيان .. فيروس سياسي خطر قامت الحكومة منذ البداية بالوقاية الكاملة منه .. فقد استفادت من اصابة حكومة نميري به . و اهم عناصر الوقاية هو الانفتاح السياسي .. و اعطاء الزاد السياسي للجيران حتى لو لم يكف بيت الحركة الاسلامية .
> فقط يمكن أن تقول حتى الآن الحزب الحاكم الوعاء المفتوح الجامع تديره الاقلية الاسلامية بداخله .أي أن نائب رئيس الحزب للشؤن التنظيمية مازال يختار من الاسلاميين . فهل بعد ابراهيم محمود سيأتي عضوا في موقعه من خارج الحركة الاسلامية.؟ اخشى أن يكون عبدالرحمن الصادق المهدي .
غدا نلتقي بإذن الله.