فيلم اسرائيلي يثير أزمة

mainThumb

07-04-2010 07:04 AM

فلسطين  - السوسنة – من عبد الرحمن قدوره - تجاوزت التحركات المصرية ضد التطبيع العلاقة بين مصر وإسرائيل، لتمس علاقة مصر بدول أخرى، هذا ما كشفته مؤخراً الضجة التي أثيرت حول الأزمة الدبلوماسية بين مصر وفرنسا، بسبب عرض فيلم سينمائي بعنوان "شبه طبيعي" للمخرجة الإسرائيلية كيرين بن رفائيل، التي عملت لفترة في جيش الدفاع الإسرائيلي، وهو الفيلم الذي كان من المقرر عرضه في مهرجان سينمائي ينظمه المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، إلا أن عددا من أعضاء لجنة التحكيم بالمهرجان اعترضوا على عرض الفيلم، بعد أن كشف عنه المخرج أحمد عاطف، وهدّد بالانسحاب من لجنة التحكيم في حال مشاركة الفيلم الإسرائيلي، الذي اعتبره نوعاً من التطبيع السينمائي، وتضامن معه عدد من الفنانين مثل آسر ياسين والمخرجة كاملة أبو ذكري اللذين أعلنا أيضا الانسحاب من لجنة التحكيم.


كان انسحاب أعضاء اللجنة بمثابة ورقة ضغط على الجهة المنظمة للمهرجان، وبعد مشاورات بينها وبين وزارة الخارجية الفرنسية تقرر رفع الفيلم من قائمة الأعمال  المشاركة في المهرجان، وقوبل هذا القرار بترحيب كبير من قبل الفنانين المصريين، الذين كان انسحابهم علامة استفهام كبيرة امتدت لتقف أمام طبيعة عمل المراكز الثقافية الأجنبية في مصر عموماً، فمن المعروف أن هذه المراكز تقوم بنشاط ثقافي كبير، وتحظى باحترام غالبية المثقفين المصريين، إلا أنها من جهة أخرى تظل في قفص الاتهام بالنسبة لعدد من المثقفين، الذين يتهمونها أحيانا بأنها تمثل غزوا ثقافيا أو اختراقا للثقافة المصرية، وتحاول تمرير قيم ثقافية خاصة بالمجتمعات الغربية، وغير مرحب بها في المجتمع المصري.


قرار سحب الفيلم من المهرجان لم يمر بسلام، إذ أثار ردود أفعال عنيفة في أروقة وزارة الخارجية الفرنسية، بحسب ما أوردته شبكة "بي بي سي" ما يؤكد مدى نفوذ اللوبي الصهيوني داخل دوائر صنع القرار في الدول الغربية، وخاصة في فرنسا، وصدور القرار النهائي بإلغاء المهرجان كله، الذي كان مقررا عقده في 8 أبريل الجاري، وهو نوع من لي الذراع واستعراض القوة التي يمثلها اللوبي الصهيوني في كافة المجالات بالدول الغربية، خاصة فيما يتعلق بالشأن الثقافي، ومن السهل الربط بين أسباب هذا القرار بإلغاء إقامة المهرجان في القاهرة، وبين الهجمة الصهيونية التي انطلقت من فرنسا ضد وزير الثقافة المصري فاروق حسني، أثناء انتخابات اليونسكو العام الماضي، وكان يقف وراءها عدد من الكتاب والمثقفين اليهود، أو من المنحازين للحركة الصهيونية، وعادة ما تكون التهمة الموجّهة للعرب في هذا السياق هي "معاداة السامية".


قبل قرار إلغاء المهرجان برمته، دار سجال إعلامي بين وزارة الخارجية الفرنسية ونظيرتها المصرية، واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية قرار الفنانين المصريين شخصياً ويجب أن يُحترم، وأنه ليس من حق الجانب الفرنسي إجبار الفنانين المصريين على اتخاذ موقف بعينه، فالمشاركة من عدمها حق أصيل لهم، انطلاقا من رؤيتهم وتوجهاتهم، لكن يبقى القرار الصادم الذي اتخذته الخارجية الفرنسية دليلا على الانحياز الكامل لرؤية أحادية الجانب، تستند إلى الضغط الصهيوني لتمرير التطبيع الثقافي، وعدم احترام لرغبة ورؤية المثقفين أو الفنانين الذين اعترضوا على مشاركة الفيلم الإسرائيلي في المهرجان.


قرار إلغاء المهرجان يحمل رسالة حادة وشديدة اللهجة موجّهة من فرنسا إلى مصر، والدول العربية التي يوجد بها إجماع شعبي على رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني، ورفض كافة وسائل التطبيع معه، مفادها  أنه يجب أن تقبلوا وجهة نظرنا في الاعتراف بوجود إسرائيل ككيان طبيعي، وفقا لسياسة فرض الأمر الواقع، ولي الذراع، أو اختبار مدى قوة الطرفين، لترجّح في النهاية كفة إسرائيل وفقا لقوة اللوبي الصهيوني الذي يدعمها في المحافل الدولية، وتحديدا في فرنسا.


المشكلة الحقيقية أن الأمر لم يتوقف عند سياقه الثقافي أو الفني، بل امتد بسرعة كبيرة إلى الدوائر السياسية، ما يهدد بتصاعد الأمر ليفتح ملفات أخرى، حول طبيعة الدور الذي تقوم به المراكز الثقافية الأجنبية في مصر، وفقا لمواقف دولها من القضايا الكبرى التي تهم المصريين، ليصبح هذا المهرجان مجرد حدث أو بداية لخطوات أخرى، ربما يتخذها الوسط الفني أو الثقافي في مواجهة محاولات التطبيع، وفي الوقت نفسه بداية لتقييم جديد للدور الثقافي الذي تلعبه المراكز الثقافية الأجنبية، وما إذا كان هذا الدور نوعا من التواصل والتفاعل الثقافي، أم أنه يدخل في إطار الغزو الثقافي للمجتمعات العربية.


عادة ما يكون المجال الثقافي هو حائط الصد الأخير أمام محاولات اختراق المجتمعات، إلا أن السينما بالتحديد أثبتت في الفترة الأخيرة أنها حائط الدفاع  ضد التطبيع، أو محاولة فرض وجود الكيان الصهيوني والاعتراف به على الساحة العربية، وهو ما اتضح من خلال عدة أحداث، كان من ضمنها موقف المخرج يسري نصر الله وعدد من المخرجين العرب من الاحتفالية التي نظمها مهرجان تورنتو السينمائي في كندا لإسرائيل، ويأتي الموقف الأخير المتعلق بمهرجان المركز الثقافي الفرنسي ليثبت هذا الأمر، ويؤكد على طبيعة الموقف الشعبي، والنخبوي على السواء، الرافض للتطبيع مع إسرائيل، أو إقامة علاقات معها من أي نوع، على عكس المواقف الرسمية .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد