عمان - السوسنة - على صعيد شرق الأردن، كانت الخطوة الأولى تأسيس بلدية اربد عام 1880م مركز قضاء عجلون العثماني، التابع للواء حوران، ولاية دمشق، والذي يعتبر في العهد العثمانئ الأكثر غنى وسكاناً في منطقة شرقي الأردن.
.
ولما كانت اربد مركز قضاء عجلون العثماني في تلك الفترة، تتبع جغرافيًّا وسياسيًّا وإداريًّا إلى ولاية سورية العثمانية، وأصدر الصدر الأعظم والي سورية أحمد حمدي باشا فرمانًا عام 1880م شكّل بموجبه أوّل قومسيون أو مجلس بلديّ في شرق الأردن، وعيّن بموجب الفرمان الشيخ محمد الحمود الخصاونه رئيسا للبلدية، و“قومسيون”، كلمة مأخوذة عن الفرنسيّة Commission وتعني “تكليف جهّة ما للقيام بعمل محدّد”.
.
جرى لاحقا انتخاب الشيخ محمد الحمود الخصاونه رئيسا لبلدية عبر الأنتخابات في 13 ذي الحجة 1300هـ الموافق 16 تشرين أول 1883م، حيث رأس أول مجلس بلدي منتخب استمر منذ عام 1883م وحتى عام 1890م، تلاه سعيد الشراري من عام 1891م حتى 1897م. وكان المجلس مركباً من وجاهات اربد وعائلاتها البارزة، حيث كانت تعقد اجتماعات أسبوعية
.
وحمل عهد بلدية اربد الى شرقي الأردن اولى المؤسسات الادارية الواضحة المعالم التي ستؤسس لممارسة فريق من الأردنيين للنظم الادارية والمالية والقضائية والتمثيلية في جو من شبه الروح الاستقلالية في ظل الدولة العثمانية، وكان لنجاح التجربة البلديّة في اربد، أن شجّع والي سورية العمل على تاسيس بلديان أخرى في شرق الردن سنأتي عليها لاحقا
.
■ وصف مبنى بلديّة اربد القديم ومهام المجلس البلدي
بحسب موقع بليدة اربد كان موقع البلدية في الحارة الفوقا ملك الحاج المغربي على طريق القلعة وبئر قاسم حجازي، وقد تألف المجلس البلدي منذ بداية تأسيسه من رئيس وثلاثة أعضاء وكاتب . واستمر على هذه الشاكلة حتى عام 1306ه /1891م حيث أضيف جاويش عسكري.
وكانت مهام المجلس البلدي في العهد العثماني الإشراف على الأمور التالية:
1) جميع إنشاءات الأبنية في البلدة
2) المصالح المتعلقة بالمياه
3) إزالة خطر البنية الخربة وهدمها
4) تسهيل عملية المرور والنقل في المدينة
5) العمل على نظافة المدينة
6) الإشراف على المقاييس والأوزان والأسعار ومنع التلاعب بها
7) المخالفات.
وكانت إيرادات البلدية تتآلف من الرسوم والمبالغ التي تخصصها لها الحكومة ومن حاصلات المخالفات والغرامات , ورسوم قيد الإيجار , والإعانات والهبات..
.
إلا أن المهام كانت أوسع وأشمل كم سترى بعد قليل.
.
أما موارد البلديّة من الرسوم تجبى بواسطة أشخاص معتبرين وذوي ملاءة ماليّة. فكان المجلس البلديّ يرسل في آخر شهر من السنة مناديًا إلى الأسواق والأماكن العامّة لدعوة الراغبين لضمان تلك الرسوم عن السنة التالية. وبالمقابل كان على البلديّة واجبات الاهتمام بأمن المواطنين، وتعيين النواطير، وتأمين المياه إلى المنازل والأماكن العامّة، وإنارة الشوارع، ونظافة الطرقات.
.
■ نشأة البلديات الأردنية في العهد العثماني
يعود نشأة البلديات في الاردن الى ما قبل تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، إذْ بلغ عدد المجالس البلدية في الاردن عام 1920 عشرة مجالس بلدية. وكان مجلس بلدية اربد اول واقدم هذه المجالس في الاردن وقد تأسس عام 1880، تلاه تأسيس بلدية الكرك عام 1884 بلدية السلط عام 1893 وبلدية معان عام 1905، ثم بلدية عمان عام 1909، وبلدية جرش عام 1910 وبلدية مأدبا 1912 وبلدية سحاب 1912 وبلدية الطفيلة 1914 وبلدية عجلون عام 1920.
.
■ تأسيس البلديات الأردنية في عهد الامارة
اما في عهد الامارة فقد تم تأسيس خمس بلديات هي: بلدية الرمثا عام 1943 وبلدية الحصن 1943 وبلدية المفرق 1944 وبلدية عنجرة 1945 وبلدية كفرنجة 1945.
.
■ تأسيس البلديات في عهد المملكة
ازداد في عهد المملكة عدد البلديات الاردنية اكثر من عشرين ضعفا في فترة لا تتجاوز خمسة عقود، إذْ ازداد عدد البلديات من 15 بلدية عام 1950 الى 328 عام 2000 وكذلك بلغ مجموع المجالس القروية عام 1996 حوالي 354 مجلسا قرويا، وقد توزعت هذه المجالس البلدية على المحافظات والاقاليم التنموية في الاردن.
وحاليا بحسب وزارة الشؤون البلدية ان عدد المجالس المحلية يصل 357، تشكل 82 بلدية رئيسية، و 18 بلدية كمنطقة واحدة، دون تقسيم، ليصل عدد البلديات الى 100.
.
■ وظائف ومهام البلديات والمجالس البلدية الأردنية بموجب "قانون البلديات العثماني"
يعتبر " قانون البلديات" لعام 1877م، الأساس التنظيمي لتركيبة المجالس البلدية والبلديات في العهد العثماني، وقد منح هذا القانون البلديات صلاحيات تنفيذية متعددة الجوانب، وأوكل إليها مهام خدمية واسعة جميعها تصب في مجرى حياة السكان داخل حدود منطقة البلدية؛ ولكنه بالمقابل شدد على وجوب عدم تجاوز مصروفات البلدية الذاتية عُشر وارداتها، مما يؤكد أن السلطة المركزية أرادات ضمان الاكتفاء الذاتي للبلديات، وإغلاق المجال أمام توقع إمدادها بمساعدة مالية.
.
يتشكل المجلس البلدي من ستة إلى اثني عشر عضواً تبعاً لحجم المدينة وعدد سكانها على أن يتم انتخابهم بشكل مباشر كل أربعة أعوام ، وفيما عدا تفرغ رئيس البلدية ، فان عمل بقية الأعضاء يكون طوعياً ذا صبغة فخرية، ولعدم الأثقال عليهم يتم استبدال نصف هؤلاء الأعضاء مرة كل عامين ضماناً لاستمرارية العمل، ويشترط في العضو أن يكون من ذوي الأملاك، ومن التبعية العثمانية، وخدمة الأعضاء فخرية فلا يتقاضون رواتب، ويعتبر مهندس البلدية وطبيبها أعضاء استشاريين في المجلس البلدي؛ أما رئيس البلدية فيعين تعييناً من قبل الدولة، ويكون موظفاً أي ذا معاش من حاصلات البلدية، وعلى الرغم أن القانون لم ينص على وجوب أن يكون رئيس البلدية من بين الأعضاء المنتخبين، إلا أن رئيس البلدية كان في كثير من الأحيان يعين من بين الأعضاء المنتخبين للمجلس وليس من خارج المجلس.
.
وتضمن قانون البلديات العثماني على شرح مفصل وبيانات وافية لوظائف الإدارة البلدية العمومية جاء في أهم موادها، أنه يترتب لكل مدينة وقصبة والقصبة هي البلدة ، وهي أكبر من القرية وأصغر من المدينة، فقد كان يطلق سبيل المثال على البلدة القديمة في غزة "القصبة" أن يكون لها مجلس بلدي ، وأن المدن الكبرى تنقسم بحسب موقعها واتساعها إلى دوائر بمعرفة مجلس إدارة تلك المدن ، وكل دائرة يبلغ عدد نفوسها أربعين ألف نسمة يترتب لها مجلس بلدي ؛ كما تضمن شرحاً مستفيضاً لوظائف البلدية ، وأهمها: المناظرة على الأبنية والإنشاءات ، وتوسيع وتنظيم الطرق ، وهدم الأبنية الآيلة للسقوط ، وتزيين البلدية وتنويرها ، والقيام بأعمال النظافة ، وتوفير المياه ، وقيد وتحرير النفوس الموجودة مع مواليدها ووفياتها ، والمحافظة على الساحات والجنائن العمومية،وترتيب أماكن البيع والشراء ، وتنظيم وتحديد قيمة النقل داخل حدود البلدية، والنظارة على جميع أماكن تجمع الناس ومحلات النزهة والأسواق العمومية، والفحص على فلائك الميناء ومكانتها، وترتيب عدد ركابها وتحقيق أحوال ملاحيها وفحص المكاييل والمقاييس والأوزان والاعتناء بأن يكون الخبز نظيفاً كامل النضج تام الوزن، وأن لا يكون دقيقه فاسداً ،ونظافة الأفران ودكاكين الطباخين ، ومراقبة بيع اللحوم والتأكد من سلامة الحيوانات قبل ذبحها، والاعتناء بالسلخانات والمعامل القابلة للتعفن ، ومنع بيع المأكولات التي تضر بالصحة ، وإجراء جميع الوسائل لحفظ الصحة العمومية، وترتيب المستشفيات ومآوي للغرباء، ومواضع إصلاح ، وتجهيز التكفين للمتوفين الغرباء ، ومراقبة مواضع الألعاب للتأكد من عدم ظهور حركات مغايرة للآداب العمومية، واستيفاء جميع الواردات وصرفها في الاحتياجات البلدية أو منع أرباب الاحتكار وملاحظة أمور الأصناف، وما شاكل ذلك من الأمور والمواد النافعة.
.
كما شمل القانون أيضاً على بيانٍ حول كيفية تشكيل وترتيب المجالس البلدية من حيث عدد الأعضاء، وفترة الولاية المقررة لكل مجلس، والوظائف المعاونة للمجلس، وآليات عمل وشروط انعقاد الجلسات وغير ذلك من التفاصيل المتعلقة بالمجالس البلدية، وبياناً حول كيفية انتخاب أعضاء المجالس سواء من حيث شروط الواجب توافرها في الناخبين أو المرشحين وموعد الانتخاب وآليات الترشيح والانتخاب والاعتراض ومهام لجان الانتخابات، وشرح حول واردات البلدية من الرسوم والضرائب والإيجارات وآليات جمعها وآليات استرداد الديون والخيارات القانونية المتاحة للبلدية لاسترداد ديونها وحقوقها المالية وعمل موازنة توضح الواردات والمصروفات السنوية للبلدية، وبياناً حول وظائف المجالس البلدية ووظائف رؤسائها، ووظائف كاتبي ومهندسي المجالس، ومأموري قلم الأملاك والنفوس في المجالس البلدية، ومأموري القونطراتو وهم مأمورو التعهدات والوثائق وهي مقتبسة من كلمة contract باللغة الانجليزية، وكذلك وظائف أمين الصندوق في المجالس البلدية ، وبياناً حول الجمعية البلدية التي تتألف من مجلس الإدارة المحلي، والمجلس البلدي ، وبيان حول أعمالها ووظائفها؛ وتضمن القانون كذلك بياناً مفصلاً حول جاويشية البلدية، وبياناً لوظائفهم من حيث شروط تعيينهم والمهام الملقاة على عاتقهم، وصلاحياتهم، وضوابط عملهم؛ أما الفصل الثامن فقد تضمن بياناً مفصلاً حول الأعمال الممنوعة من جهة القيام بها من طرف الأهالي؛ وجاء في الفصل الذي يليه بياناً مفصلاً حول الأحوال اللازم إجراؤها من جهة البلدية؛ أما الفصل العاشر والأخير فقد تضمن بياناً مفصلاً حول المجازاة التي تتخذ بحق المخالفين لأنظمة وقوانين البلدية.
ولتنظيم عملية جباية الرسوم من قبل البلديات وتحديد قيمتها أصدرت السلطات العثمانية عام 1914م قانوناً خاصاً برسوم البلديات أطلق عليه "قانون رسوم البلديات" تناول تعريف أنواع الرسوم المختلفة المقرر جبايتها من قبل البلديات وتحديد قيمة كل رسم من هذه الرسوم ، تضمن بياناً حول الرسوم المتعلقة بالأموال غير المنقولة والتي تشمل: الرسم المنضم على الويركو، ورسم الأبنية، ورسم الكازينات ومحلات بيع المسكرات، ورسم الألعاب والملاهي، ورسم المظلات والبسطات، رسم التبخير الصحي، وبياناً حول الرسوم المتعلقة بالأموال المنقولة، والتي تشمل الرسم المنضم على ويركو التمتع، ورسم الدلالة، والرسم على المواد المشتعلة ورسم الآلات التجارية، ورسم دلالة الحيوانات، ورسم المراكب التجارية، ورسم الذبيحة، ورسم تبسيط الباعة المتجولين، ورسم دمغة الموازين، ورسم القبان والكيالة، ورسم الكلاب، ورسم اللوحات والآرمات، وبياناً حول الرسوم التي تتعلق بالأشخاص والتي تشمل: رسم بدلات الطرق، حصة البلدية من أرباح الشركات. إن المتتبع لأنظمة وقوانين البلديات التي عُمل بها في الأردن في أعقاب انهيار الدولة العثمانية سواء في عهد الانتداب البريطاني أو بعد ذلك يجد أن قانون البلديات العثماني ظل لوقت طويل المرجعية الأساسية لعمل البلديات، وان بدأت تدخل عليه شيئاً فشيئاً تعديلات أو قوانين جديدة لتتلاءم مع طبيعة كل مرحلة ولتتناسب مع مصالح وأهداف الجهة صاحبة السيادة في الأردن.
.
يتضح من استعراض قانون البلديات العثماني كذلك أن المجالس البلدية في الأردن آنذاك كانت تقوم بوظائف أكبر بكثير مما تقوم به البلديات في العهود التي تلتها، حيث تولت البلديات القيام بأعمال تقوم بها حالياً دوائر الأمن العام، والأحوال المدنية، والتربية والتعليم، والصحة، والزراعة، والمواصلات، والتنمية، والرفاه الاجتماعي، وأن هذا القانون منح البلديات صلاحيات تنفيذية متعددة الجوانب وأوكل إليها مهام خدمية واسعة.
.
يتبع الجزء 3
................................................................................
◄الصورة: الشيخ محمد الحمود الخصاونة شيخ مشايخ بني عبيد، والصدر الأعظم أحمد حمدي باشا الذي عين صدرا أعظم في 11 كانون الثاني / يناير 187، ووالي سورية العثماني (سورية وشرق الأردن وفلسطين ولبنان) مرتين في عهد السلطان عبد العزيز الأول (من 1872 إلى 1874م)، وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1878 - 1884م)
◄ المصادر والمراجع
■ د. محمود العناقرة:، من الرعيل الاول: محمد الحمود الخصاونة أول رئيس لبلدية اربد
■ الباحث المؤرخ محمود سعد عبيدات، مشاهير في التاريخ الأردني
■ د. هند أبو الشعر، تاريخ شرق الأردن في العهد العثماني
■ د. ناصر محمود الصوير، تاريخ ونشأة البلديات الفلسطينية
■ جوزف نعمه، “دير القمر، "عاصمة لبنان القديم”
■ عبدالله الملاح، البلديات في متصرفية جبل لبنان 1861- 191
■ د. محمد مراد، كاتب واستاذ جامعي، لبنان
■ د. طالب محمود قرة أحمد، صيدا في الحقبة العثمانية
■ عدنان البخيت، جان بول باسكوال، بلاد شرقي الأردن في مطلع العهد العثماني
■ محمد فريد، تاريخ الدولة العلية العثمانية
■ وكالة الأناضول للأنباء
اقرأ ايضاء :