ما هي الخلفيات التي تحدث عنها البخيت حول تشكل الأردني ؟

mainThumb

14-08-2017 08:36 PM

عمان - السوسنة - استضاف منتدى الفكر العربي، مساء الاثنين 14/8/2017، رئيس الوزراء الأسبق د. معروف البخيت، الذي قدم محاضرة بعنوان "محطات من تطور الشخصية الوطنية الأردنية"، دعا فيها إلى تأكيد ركائز هذه الشخصية وصورتها في الثقافة وبناء الشخصية الوطنية التي تأسست على الانفتاح والتواصل والتنوير، كما أكد أهمية تعرف الجيل الجديد على تضحيات الآباء والأجداد الذين بنوا وطناً بثقافة الأمل والاستثمار بالإنسان. أدار اللقاء وقدمه الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمّور. 
 
وقال د. معروف البخيت في محاضرته: إن هناك ثلاث خلفيات أثرت بشكل مباشر في تشكّل الشخصية الأردنية المعاصرة، وإن فهم هذه الشخصية ورسم ملامحها المستقبلية يتطلبان التوقف عند هذه الخلفيات، وفي مقدمتها البنية الاجتماعية الأردنية والتقاليد الثقافية الاجتماعية المستندة على احترام البُنى الاجتماعية القرابية وعلى رأسها العشائر، بمفهومها الاجتماعي والقيمي النبيل، القائم على الكرم والبذل والتكافل الاجتماعي، وليس بمفهومها ووظائفها السياسية.
 
وأضاف د. البخيت أن نمو المجتمع الأردني ونضجه وتطوره خلال أكثر من قرن ونصف القرن جاء في ظل ما سمّاه "حالة طوارىء تاريخية" لم تتوقف بدءاً من الصراع والنضال ضد الهيمنة العثمانية إلى النضال للتخلص من الانتداب البريطاني، وصولاً الى الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ثم الصراعات المحيطة التي لم تتوقف. وهذه الحالة من الطوارئ أوجدت حالة أخرى من الترقب والاستعداد الدائم، وتركت آثارها على شخصية الأردني ومزاجه وطريقة تفكيره وآلية اتخاذه للقرارات والمواقف، فكرست الشخصية الجادة المستعدة والمتنبهة دوماً، والقادرة على المبادرة والتضحية في الوقت نفسه.
 
وأشار د. البخيت إلى أن المجتمع الأردني بنى دولته ومؤسساته في ظلّ حالة من الندرة؛ أي بموارد محدودة وظروف صعبة، ما جعل الأردنيين خبراء في إدارة الندرة والتكيّف مع هذه الحالة في إدارة الموارد الطبيعية والمياه والطاقة وغيرها، وهي الحالة أيضاً التي أوجدت لديهم القدرة والمراس على التكيف مع ظروف مختلفة.
 
ووصف د. البخيت الشخصية الأردنية بأنها بنّاءة بالرغم من واقع الندرة، مشيراً إلى ملامح من تطور التعليم والرعاية الصحية والمياه وسائر الخدمات خلال العقد الأول من نشأة الدولة الأردنية الحديثة أو إمارة شرقي الأردن منذ عام 1921، ما يوضح حجم النقلة النوعية ومستواها في القطاعات الأساسية، والانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة مؤسسية، تأسست عليها تالياً نهضة الأردن واستقلاله.
 
وأوضح د. البخيت أن لشخصية المغفور له الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، الدورَ الكبير في تحديد صورة وملامح الدولة الأردنية، وتعزيز قيم الاعتدال والوسطية والانفتاح، وهو ما ميّز القيادة الهاشمية على مر العصور، فكان الملوك الهاشميون، دوماً، يتمثلون رسالة الثورة العربية الكبرى، وقادوا مسيرة شاقة للبناء والنهضة وتأسيس الدولة الحديثة، ودافعوا عن المنجزات وعن استقلال الإرادة الوطنية، وتحملوا الكثير وقدموا التضحيات الجليلة. وهذه الحالة من الانسجام بين القيادة والشعب، ومع استمرارية التواصل، والاندفاع نحو الإصلاح الدائم والتنمية؛ تركت أثراً مهماً في تطور الشخصية الوطنية الأردنية، وفي سلوكها السياسي؛ سواءً أكانت داخل الحكم أم المعارضة.
 
وأكد د. البخيت أن الأداء الديمقراطي، بصرف النظر عن مسمّاه أو شكله أو مستوى نضجه، كان ملفتاً في الحالة الاردنية، ومنذ ما قبل تأسيس الإمارة. ويمكن القول إن النزعة نحو الديمقراطية والشراكة، ورفض الاستئثار والاستبداد، هي نزعة أصيلة في الشخصية الوطنية الاردنية. وقد تعامل الاردنيون مع الأحداث السياسية الكبرى، التي ألمّت بالمنطقة، بمنطق من التشارك والحوار والنقاش العام على قاعدة التمثيل، ابتداء من مؤتمر «أم قيس» الشهير (2 أيلول 1920م)، مرورا بالتشكيل البسيط في طبيعته، الكبير في دلالاته، للحكومات المحلية الثلاث، التي سبقت قيام الدولة الحديثة، وإعلان إمارة شرق الاردن عام 1921، حيث اتجه الأردنيون نحو التمثيل النيابي مبكرا. بل، لقد ناضل الاردنيون، في عشرينيات القرن المنصرم، في سبيل قيام مجالس نيابية، تمثل فئات المجتمع كافة، وتحاسب الحكومات وتراقبها، حتى في ظل وجود الانتداب البريطاني.
 
وأشار في هذا الصدد إلى أن وزارة المرحوم حسن خالد أبو الهدى الثالثة (تألفت بتاريخ 17/11/1929)؛ تشكلت من ست حقائب وزارية، شغل ثلاثةً منها أعضاءٌ من المجلس النيابي (هم: علاء الدين طوقان، عودة القسوس وسعيد المفتي)، ما يعني أن نصف عدد الوزراء كان من النواب؛ فيما كانت الحكومة كلها حكومة مسؤولةً أمام مجلس النواب (أطلق عليه في حينه اسم المجلس التشريعي)، وهي تجربة مبكرة جداً على الصعيد الإقليمي كله لتأليف الوزارات البرلمانية. وقال: إن هذا الشكل من التعبير الديمقراطي الحضاري المتقدم ربما يكون أول شكل ناضج ومنجز للديمقراطية، على مستوى الإقليم، خصوصاً، إذا ما اخذنا بعين الاعتبار، استمرارية التجربة، وعدم انقطاعها، (كما حدث تالياً في مصر أو العراق، مع نهاية العهد الملكي الدستوري فيهما، وانتقالهما إلى تجارب أخرى، ابتعدت عن النمط البرلماني الملكي الدستوري).
 
وبالانتقال إلى عهد الاستقلال، وبشكل خاص، مع خمسينات القرن المنصرم، حقق الأردنيون إنجازاً مهماً واستثنائيا، مع قيام حكومة المرحوم سليمان النابلسي (29/ 10/ 1956- 10/ 4/ 1957)، بوصفها حكومة استكملت كافة شروط ومواصفات الحكومة البرلمانية. وقد تكون هذه الحكومة بالذات، هي أول، وربما أيضاً، آخر حكومة يشهدها الإقليم العربي كله، تقوم على أساس مواصفات برلمانية حزبية ديمقراطية كاملة، مما يُسجّل للأردن، بقيادته ومؤسساته وأحزابه المعارضة، فضل السبق، وعياً وإنجازاً وتطوراً ديموقراطياً.
 
كما أشار د. البخيت إلى أن مؤسستين ساهمتا في استكمال نضوج الشخصية الأردنية المعاصرة خلال العقود الماضية، وهما: المؤسسة العسكرية الأردنية التي أعادت انتاج الشخصية الأردنية وأطّرتها وطنياً، والمؤسسة التعليمية الأردنية التي عملت على عملية إعادة انتاج موازية للشخصية الأردنية ولكنها معرفية وتأهلية.
 
وفي إطار قراءته لعناصر تكوين الشخصية الأردنية تاريخياً، أكد د. البخيت على ضرورة التمييز بين التاريخ الحافز والتاريخ العبء، موضحاً أن قوة الدولة من زاوية القوة الناعمة تعد التاريخ المركزي للدولة مصدراً أساسياً لقوتها، لأنه أحد الأسس المرجعية لتشكل الشخصية الوطنية.
 
وأضاف أن الأردن ينتمي جغرافياً وثقافياً لمنظومة بلاد الشام، إلا أنه أيضاً متداخل ومشتبك جغرافياً وديموغرافياً مع الجزيرة العربية ومصر. وأن الأرض الأردنية كانت على الدوام حاضرة وفاعلة في مجريات التاريخ، وشكلت نقطة التقاء للجماعات والمعتقدات والثقافات، مما أثر في تشكيل الشخصية الأردنية.
 
وقال: إن المجتمع الأردني تشكّل من مسلمين ومسيحيين التحموا معاً في شخصية واحدة ومنظومة متكاملة، وكانوا دائماً نموذجاً للتآخي. وقام المسيحيون الأردنيون بدور كبير ورائد في مجال التعليم ومكافحة الأمية، ولاحقاً في مجال جمع وحماية التراث، وخلال عهد الإمارة كانوا رواداً في الإدارة العامة وفي المعارضة الحزبية، والصحافة والإعلام، وفي التأسيس للمدنية الأردنية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد