التكبير أيام العيد

mainThumb

16-07-2022 12:50 AM

عبد اللطيف مهيوب العسلي
ما المعنى الذي نستوحيه من التكبير ؟
الله أكبر من أن يوصف أو يكيف أو يقيد أو يقدر أو يجسم ،أو يجور أو يظلم .*
الله اكبر من كل شيء في تصوراتنا فندرك هذه الحقائق فالله له ذات وله صفات ، وتكبر عن الشبيه فلا مشابه ، وتعالى عن التجسيم والثنية والتثليث واتصف بنعت الكبرياء فلا يعلم له أندادا ولا أكفاء ،لا من أهل الأرض ولا من أهل السماء   ،ليس كمثله شيئ  ، ولا كفعله فعل  ،تكبر من أن تحصره العيون لا تدركه الأبصار وصفا وهو يدرك الأبصار لطفا ،الله أكبر : عن كل ما تذكره العُبَّاد من محاسن  معانيه ،وعن كل ما تناساه الغافلون من أوصاف مبانيه ،
الله أكبر : فلا يضره قول الملحدون كما لا يزيده وصف الواصفون   ،الله  أكبر من أن يوصف ،والله أكبر من يهضم أو ينقص 
فإن كنا من المتقين بإمكاننا ان نتقوى بالله ونستعين به ،لكن لا ندعي أن الله فوضنا في ملكه فالله أكبر ،ولا نعطي صفة لأحد من المخلوقين لا تصلح إلا لله مهما وصل به الحال ، تتساوى تحت قهر عظمته وكبريائه ،الذرة بالفيل ،والبعوضة بإسرافيل ، فكل عظيم تحت قهره حقير وكل كبير تحت كبريائه صغير.
٢
...
الله أكبر ،الله أكبر ،الله أكبر
لا إله إلا الله الحمد لله على نعمة الاسلام ،وعلى ما اولانا من بهيمة الأنعم .) 
كان - يا سادة - هناك معركة كبرى بين الحق والباطل ،
كان هناك التحدي الكبير مع الشيطان أن هذ المخلوق الإنسان سيصل إلى أعلى معاليه ،وكان التحدي بالرسول صلى الله عليه وسلم ، والذي لم يسبق أن إبليس أشتد غضبه  من يوم  آدم  كغضبه من ظهور هذا الدين، بل أن التحدي البارز هو بظهور النبأ العظيم  قال تعالى :
 ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)....الى أخر السورة قوله تعالى (  إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) ص }
الله أكبر 
نتذكر  كيف كان حال تلك القرية التي كتب لها ان تظل خاملة رزحا من الزمن ،وإذا بها  تصبح أم القرى والعاصمة المقدسة للمسلمين أراد لها إبليس أن تبقى خاملة بين جبلين لا يسمع لها ذكر 
وأراد الله أن تكون أم القرى وعاصمة التوحيد  
نتذكر كيف جمع الشيطان اولياءه وهو الذي أقسم بعزة ربه ليغوينهم أجمعين ...
فرد  الله عليه بتحد أكبر  ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) 
أما من اتبعك منهم فإن الله استغنى وتكبر عمن تولى وكفر قال :
( قال اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) الاسراء .
فصدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ..
نتذكر كيف بدأ بدعوته كالمفرد العلم وليس معه سوى ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) العلق )
لقد ولد - هو بأبي وامي - يتيما  لم يكن له أب ينصره ولا قبيلة او اسرة اتفق معهما لتناصره ، ،ولم يكن معه جيشا ،ولا  مالا ،ولا ضياعا . 
قال لهم  جئت اتلو عليكم  القرآن و أعلمكم الكتب والحكمة وازكيكم بمكارم الأخلاق 
قال لهم : افسحوا لي المجال لأنشر هذا الخير للبشرية كلها فإن ما جئت به لم يأت بشر بمثله ،ولا ينبغي أن يأتي أحد بعدي بمثله . أنزله الذي يعلم الغيب في السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال الرعد .
فما أرسلت به ليس لقبيلة بعينها ،أو لأمة دون أمة ، او لشعب دون شعب ، او قطر  دون قطر ،ولا لجيل دون جيل إنه للبشرية جميعا  للعالمين ،للناس كافة ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا....158 ) الأعراف  .
الله أكبر :
نتذكر  حين تكبروا عليه قومه  فقالوا  له : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ..) الاسراء ) 
قالوا ائت بالله نناظره قال : تكبر الله عن المناظرة 
 قالوا : نشاهده قال : الله أكبر من أن يحصر 
 
٣
الله أكبر : ،تجلت معانيها في سورة الكوثر.   (( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) )  
 سعت قريش بكل الوسائل إلى الإساءة إلى الله - كما هو شأن الملحدين اليوم -   وصفت الله بأوصاف دنيئة  فجعلت الملائكة بنات الله ،وجعلت له شريكا في أطهر الأماكن ،وعبدوا معه غيره في أعظم بيت جعلها الله رمزا للتوحيد أقروا بان الله الخالق ولكنهم لم يعظموه ولم يكبروه 
ولم يقدروا الله حق قدره إذ قالوا ما انزل على بشر من شيء ،ولا قدروه قدره حين استبعدوا من حسابهم نصر الله لرسوله واظهار دينه
فكان النحر مقرونا بالتكبير شكراً لله على هذا النصر الكبير الذي تحقق في فتح مكة وشكراً لله على هذا الشرف العظيم الذي ناله محمد صلى الله عليه وسلم من ربه الذي لم يعطه احداً من العالمين ولا حتى موسى الذي لم يستطع ان يطبق التوراة على بني اسرائيل ورفض قومه ان يدخلوا الارض المقدسة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اظهره الله وحقق له ما دعا اليه وهو مازال حياً ، ولذلك ترك لنا معلمين اساسيين الاول ان القرآن اكتمل والثاني ان الله طهر مكة من أي عبادة لغير الله ( فصلِّ لربك وانحر ) فكان النحر لهذا السبب وقد كان ذلك بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم امراً عظيماً راهن عليه منذ بداية الدعوة وقد كان المشركون والمنافقون يشككون الناس في تحققه ولكنه تحقق ولم يكن احد يتوقع وقد جاء في سورة الحج هذه التفاصيل . ٢
 
 ٤
الله أكبر : شكرا لله وتعظيما لشعائر الله (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
الله أكبر ردا على كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ،إن أنسب رد على المستهزئين بآيات الله ورسوله في هذ الزمن أن نقول لهم ( الله أكبر ) مما تصفون ومما تفترون إن هذ الدين وهذه المناسبة التي تتجلى فيها معاني العبودية والبر والتقوى ،وتعظيم شعائر الله هي أعظم رد ،والحال أبلغ من المقال ...
5
الله أكبر : شكرا لله وحمدا على اكتمال الدين وتمام النعمة 
الله أكبر اكتمل الدين وحقق الله وعده لرسوله الكريم ..أذن الله لرسول رب العالمين يخطب في صعيد عرفة ليقرر الحقوق الإنسانية للأجيال القادمة 
 ها هو صلى الله عليه وسلم ،على صعيد عرفة الطاهر - بعد عمره المبارك الذي هو قسم من أعظم القسم وما أقسم الله بعمر أحد إلا أنه أقسم بعمره ( لعمرك  )  - وقد وأنصتت الدنيا لتسمع قوله وأنصت الحجر والقفر والمدر إلى الكلمة المودعة ينطق بها فم الحبيب صلى الله عليه وسلم بعد أن أنِست به الدنيا كلها ثلاثة وستين عاما وها هو اليوم يلمح بالرحيل بعد أن قام بأمر ربه وغرس الأرض بغراس الإيمان والسلام .
ويا ما أعظمها من سعادة !؟‎
سعادة رسول الله بشبابه الذي أبلاه وعمره الذي أمضاه وذلك حينما ينظر ثمرة الجهد الذي بذله أصوتا ترتفع وتعج بتوحيد الله وجباها تعنوا ساجدة لدين الله وقلوبا خافقة تجيش بحب الله .ألا ما سعد حبيب الله إذ ذاك بذكرى ما لقيه من ظمأ الهواجر وشتات السفر في القفر وعذاب السخرية والإيذاء في سبيل الله.  2
ها هو يبلغ أمته ومن خلالهم الأجيال القادمة التي ستنبتها مسيرته المباركة ،إلى العالم جميعا شرقه وغربه شماله وجنوبه، يبلغهم القرار النهائي 
 
( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) 
ومن ذلك اليوم المعظم والحج الأكبر  ،والأفواج البشرية كالسيل المتدفق لا تنقطع 
تلهج ألسنتها بالتلبية ملبية والتكبير  وحق لعرفة أن تكبر وتعظم 
الله أكبر : نصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب واحده ،الله أكبر فلا نعبد إلا إياه فهو معبودنا  الأكبر ،والحمد لله على نعمة الإسلام وعلى ما اولنا من بهيمة الأنعام وعلى ما هدانا وعلمنا من الآيات والأحكام ...
وكل عام والأمة العربية والإسلامية بخير وعافية وسلامة وامن وأمان وإيمان وأبعد الله عن بلادنا وبلدان المسلمين المحن والفتن والحروب والاقتتال اللهم اتمم لحجاج بيتك حجهم واعدهم بسلمة وقبول إنك سميع مجيب وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا في كل وقت وحين .
...
الهامش :
*التوحيد الأعظم للشيخ أحمد ابن علوان ( سبحانك كبير أنت ) 
١ بصائر من سورة الكوثر البروفيسور سيف العسلي بتصرف . 
٢  دنيا الوطن خطبة الوداع وحقوق الإنسان.( ٢) للكاتب 
تاريخ النشر : 2017-08-27‎ 

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد