صحيفة السوسنة الأردنية

السوسنة

في ساعات الفجر الأولى من هذا اليوم، دوّت أصوات الانفجارات في سماء الشرق الأوسط، بعد أن شنّت إسرائيل ضربة جوية مركزة ضد أهداف إيرانية، شملت منشآت نووية وعسكرية حساسة في قلب إيران. الرد الإيراني لم يتأخر، إذ أطلقت طهران عشرات الطائرات المسيّرة، في تصعيد غير مسبوق بين طرفين لطالما احتفظا بساحة الصراع مفتوحة دون اشتعال شامل.

تصعيد خطير.. وتحول في قواعد الاشتباك

الضربة الإسرائيلية، التي أعلن عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تأتي ضمن رؤية استراتيجية أعلن أنها بدأت بالتبلور منذ ستة أشهر. إلا أن الجديد في هذا المشهد هو الانتقال من التهديدات المتبادلة والضربات بالوكالة، إلى المواجهة المباشرة بين قوتين إقليميتين، تتجاوز حساباتهما حدود العواصم وتتقاطع مصالحهما مع قوى دولية كبرى.

ما حدث لا يمكن فصله عن التحولات الجيوسياسية الكبرى الجارية في الإقليم، بدءاً من التقارب الصيني-الإيراني، مروراً بتراجع الدور الأمريكي المباشر، وصولاً إلى تموضع قوى جديدة تعيد ترتيب أوراق الشرق الأوسط.

الأردن.. صلابة في الحياد وحزم في السيادة

وسط هذا المشهد المشتعل، يقف الأردن على حافة الأزمة، لكنه يرفض أن يكون جزءاً من اللعبة. أُغلقت الأجواء الأردنية بالكامل منذ ساعات، وصدرت توجيهات رسمية صارمة بمنع أي طرف من استخدام المجال الجوي الأردني، لا للعبور ولا للهجوم، في رسالة واضحة بأن عمان لا تقبل أن تكون مسرحاً لصراعات الآخرين.

جلالة الملك عبد الله الثاني، وخلال اتصال مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبّر عن القلق العميق من تصاعد المواجهة، محذّراً من تداعياتها على أمن الإقليم واستقراره، ومؤكداً أن الأردن لن يسمح بتهديد أمنه أو زعزعة استقراره، وأن حماية المواطنين تظل الأولوية القصوى.

الموقف الأردني.. عقلانية تقي الوطن كلفة المغامرة

ما يُحسب للأردن في هذا الظرف الاستثنائي هو تمسّكه بسياسة "الحياد النشط"، وامتناعه عن الانخراط في أي محور عسكري، مع الحفاظ على سيادته كاملة، واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات عسكرية واستخباراتية لتأمين جبهته الداخلية. الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد المومني، شدد على أن الأراضي الأردنية لن تكون منطلقًا لأي عملية عسكرية، ولن تُسمح باختراقها لا من إسرائيل ولا من إيران.

القوات المسلحة الأردنية: جاهزون لأي طارئ

المؤسسة العسكرية الأردنية أكدت بدورها أنها في أعلى درجات الجاهزية، وترصد تطورات الوضع لحظة بلحظة، مستعدة للتعامل مع أي خرق للأجواء أو تهديد مباشر. ويأتي ذلك في إطار سياسة الردع الذكي، الذي يجمع بين الصرامة والسيادة، وبين الانضباط السياسي والحرص على عدم التصعيد.

دعوة للتوحد.. وحماية الجبهة الداخلية

المشهد الحالي يفرض على جميع شعوب المنطقة، لا سيما الشعوب العربية، الوقوف صفاً واحداً في وجه التصعيد والانجرار خلف مشروعات خارجية لا تعبأ باستقرار الإقليم. من هنا، يشكّل الموقف الأردني اليوم مثالاً في الاتزان السياسي والحكمة السيادية، ما يستدعي الالتفاف الشعبي حول القيادة الهاشمية والجيش العربي، وتجنب الشائعات التي تروّجها منصات مشبوهة.

تحولات جيوسياسية.. وإعادة رسم خرائط النفوذ

إن استمرار هذا التصعيد بين إسرائيل وإيران سيعني بالضرورة انزلاق المنطقة إلى صراع مفتوح متعدد الجبهات. فكل المؤشرات توحي بأننا أمام تحول جيوسياسي كبير، لن يكون تأثيره محصورًا في حدود إيران أو إسرائيل، بل سيطال أمن الخليج، وأسعار الطاقة، وتوازنات القوى الدولية، مما يفتح الباب أمام تدخلات عالمية جديدة.

الأردن ليس ساحة ولن يكون

في هذا الوقت المفصلي، يُثبت الأردن مرة جديدة أنه الرقم الصعب في معادلة الأمن الإقليمي. بقيادته الهاشمية الحكيمة، وجيشه الملتزم بحماية الأرض والعرض، ومؤسساته السيادية التي تعمل بأقصى طاقتها، يواصل الأردن بث رسائل واضحة إلى كل الأطراف: لن نكون طرفًا في أي حرب، ولكننا لن نتهاون في حماية أمننا.

وإذا كانت العواصم تشتعل، فإن عمان صامدة، برؤية وطنية لا تحيد عن مبادئها. وفي خضم الانفجار الإقليمي، تبقى دعوة الأردن هي الأصدق: "دعونا نحمي أوطاننا.. ولنمنع اشتعال الشرق من جديد".