الأسماء الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي

mainThumb

02-11-2025 10:52 AM

في العصرٍ الذي أصبحت فيه المنصات الرقمية مثل فيسبوك، إنستغرام، إكس (تويتر سابقًا)، وتيك توك جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية، لم يعد الحضور الرقمي مجرد وسيلة للتسلية أو التواصل، بل تحوّل إلى مساحة تمثل جانبًا من الهوية الشخصية والاجتماعية والمهنية. ومع هذا التحول، برزت ظاهرة لافتة: استخدام الأسماء الوهمية أو المستعارة. ظاهرة قد تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها في العمق تعكس قضايا أوسع تتعلق بالخصوصية، والأمان، والهوية، وحتى الحرية الفكرية والاجتماعية.
أكثر الدوافع شيوعًا لاستخدام الأسماء المستعارة هو حماية الخصوصية. فمع تزايد اختراقات البيانات وعمليات التتبع الإعلاني، بات كثير من المستخدمين يشعرون بأنهم مكشوفون أكثر مما ينبغي. الاسم المستعار هنا يصبح جدار حماية رمزي، وسيلة لتقليل احتمالية المراقبة أو المضايقة أو استغلال المعلومات الشخصية. البعض يفعل ذلك خوفًا من التنمر الإلكتروني أو من الأشخاص الفضوليين الذين يتتبعون حياتهم، والبعض الآخر بدافع الغموض المقصود، لفرض حدود على ما يشاركه مع الآخرين.
من جهة أخرى، هناك من يستخدمون الأسماء الوهمية بدافع الفصل بين الحياة المهنية والشخصية. فالمعلم، والطبيب، والموظف الحكومي، وحتى الصحفي أو الناشط الاجتماعي، قد يختار اسمًا مختلفًا على الإنترنت لتجنّب التداخل بين عمله العام وحياته الخاصة. بهذه الطريقة يحافظ على مسافة آمنة من طلابه أو عملائه أو جمهوره، خصوصًا في عصرٍ أصبحت فيه المعلومة الشخصية تصل بضغطة زر.
وهناك من يختار اسمًا مستعارًا للهروب من الماضي أو لإعادة تعريف ذاته. فالأشخاص الذين مرّوا بتجارب صعبة، مثل علاقات مؤذية أو خلافات عائلية أو تغييرات جذرية في حياتهم، يجدون في الاسم الجديد فرصة لبدء صفحة بيضاء، دون أن تطاردهم هوياتهم القديمة أو أحكام الآخرين.
لكن ليست كل الأسماء المستعارة وسيلة دفاعية. بالنسبة للبعض، هي مساحة للإبداع والتعبير. الفنانون والكتاب وصنّاع المحتوى يستخدمون أسماء فنية تعكس أسلوبهم أو رسالتهم. حتى المستخدم العادي قد يبتكر اسمًا يعبر عن رؤيته أو انتمائه أو حسه الفكاهي. المنصات هنا تصبح مسرحًا لتجريب الهويات، وليس مجرد بطاقة تعريف رقمية.
كما أن هناك بُعدًا ثقافيًا واجتماعيًا في هذه الظاهرة. ففي بعض البيئات، يُنظر إلى الظهور بالاسم الحقيقي على الإنترنت كمخاطرة، سواء بسبب الرقابة السياسية أو الحساسية الاجتماعية أو حتى الخوف من الأحكام العائلية. لذلك، يصبح الاسم الوهمي وسيلة للحماية أو لممارسة حرية التعبير دون خوف من العواقب.
ولا يمكن إغفال البعد التقني والتجاري، إذ يخشى كثيرون من تتبّع سلوكهم عبر الإعلانات أو بيع بياناتهم الشخصية. فالهوية المستعارة تمنحهم بعض الخصوصية في عالمٍ رقمي يتحول فيه كل نقر إلى فرصة تسويقية.
في النهاية، استخدام الأسماء الوهمية ليس مجرد خيار عابر، بل انعكاس لتحديات أعمق يعيشها الإنسان المعاصر: كيف نحافظ على هويتنا وأماننا وخصوصيتنا في فضاءٍ لا ينسى؟ وبين الاسم الحقيقي والاسم المستعار، يعيش الكثيرون صراعًا يوميًا بين الرغبة في الظهور والخوف من الانكشاف — بين من هم في الواقع، ومن يسمح لهم العالم الرقمي أن يكونوا.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد