بين الإجماع والتحفظ ماذا يكشف قرار مجلس الأمن 2807

بين الإجماع والتحفظ ماذا يكشف قرار مجلس الأمن 2807

22-12-2025 02:06 PM

في السنوية العاشرة لتبني القرار (2250) الذي تبناه الاردن في العام 2015، تعود أجندة الشباب والسلام والأمن من جديد إلى الواجهة الدولية باعتبارها أحد أهم التحولات المفاهيمية التي شهدتها منظومة الأمم المتحدة خلال العقد الماضي. فبعد سنوات من النقاشات وبناء الأطر النظرية، أصبحت الحاجة ملحة للانتقال نحو مرحلة جديدة يكون فيها الشباب عنصرا قياديا لا مجرد فئة مستهدفة بالبرامج. وفي مقالي السابق حول مرور عشر سنوات على تبني الأجندة، أشرت إلى أن العالم انتقل خلال العقد الماضي من مرحلة الاحتفاء بالشباب إلى إدراك أن حضورهم في عمليات السلام لم يعد خيارا سياسيا أو قيمة رمزية، بل ضرورة يفرضها واقع عالمي مضطرب تتسارع فيه الحروب وتزداد حدته، فيما تتراجع قدرة المؤسسات التقليدية على الاستجابة للتحولات. لقد أصبح واضحا أن المسار الجديد للأجندة يجب أن يبنى على إعادة تعريف دور الشباب من موقع المشاركة إلى موقع القيادة المسؤولة، وأن يتحول صوتهم من مجرد مدخلات استشارية إلى عنصر بنيوي في عمليات بناء السلام وإعادة الإعمار.
ويأتي قرار مجلس الأمن 2807 (2025)، الذي اعتمد بالإجماع، ليعكس هذا التحول بوضوح، فهو لا يكتفي بإعادة التأكيد على أهمية إشراك الشباب، بل يتبنى لغة جديدة ترتقي بمستوى التوقعات من المشاركة إلى القيادة الشبابية الكاملة والفعالة والآمنة. كما يربط الأجندة بالبنية المؤسسية للأمم المتحدة من خلال تشجيع التعاون بين مجلس الأمن ومكتب الأمم المتحدة للشباب، بما يضمن أن يصبح الاهتمام بالشباب جزءا من الهيكل الدائم في منظومة السلام والأمن وليس مبادرة عابرة. ويعد هذا التحول مهما لأنه يعالج أحد أبرز التحديات التي واجهت الأجندة خلال العقد الأول، والمتمثل في ضعف المأسسة وغياب آليات المتابعة والالتزام.
وتبرز أهمية القرار (2807) أيضا في دفعه الدول لاعتماد أو تعزيز خطط عمل وطنية لأجندة الشباب والسلام والأمن. فمع أن الأجندة أصبحت من أكثر البرامج حضورا في الخطاب الأممي، إلا أن التقدم على المستوى الوطني كان محدودا للغاية، إذ لا تتجاوز الخطط الوطنية حتى العام 2025 أثنى عشر خطة فقط، وهو رقم يعكس حجم الفجوة بين الالتزام الدولي والتبني الوطني، ويؤكد الحاجة لانتقال الأجندة من إطارها الدولي الواسع إلى مستوى السياسات العامة الوطنية والخطط التنفيذية.
ولا يمكن قراءة القرار (2807) دون التوقف عند الموقف الروسي الذي حمل في ثناياه رسائل سياسية مهمة. فروسيا، التي حذرت من الإفراط في تناول مواضيع عامة ضمن أعمال مجلس الأمن، عبرت عن تحفظ واضح تجاه توسيع جدول أعمال المجلس في ظل أزمة مالية وضغط على أولوياته الأمنية التقليدية. ورغم ذلك، لم تعترض على القرار، مما يشير إلى تسوية سياسية متوازنة تمكنت خلالها الدول الأعضاء من صياغة نص يحترم حساسيات الأطراف المختلفة دون أن يفقد جوهره. فقبول روسيا بالنص النهائي، رغم تحفظاتها، يكشف أن قرار (2807) صيغ بعناية لتجنب أي التزامات مالية جديدة أو توسيع لصلاحيات المجلس، وفي ذلك دلالة مهمة على أن الإجماع لم يكن نتيجة اتفاق كامل على مضمون الأجندة، بل رغبة في عدم تعطيل مسارها مع الإبقاء على سقوف محددة لدور المجلس فيها.
هذا الإجماع، رغم التباينات، يحمل بدوره دلالة سياسية إضافية، فهو يشير إلى أن أجندة الشباب والسلام والأمن باتت جزءا من الحد الأدنى المشترك داخل مجلس الأمن، وأنها لم تعد موضوعا خلافيا رغم اختلاف المواقف حول مدى الطموح أو آليات التنفيذ. ومع اعتماد القرار (2807)، تصبح الأجندة تحت مظلة الشرعية السياسية، وتتحول إلى مسار أممي طويل الأمد يرتبط بإصلاحات الأمم المتحدة ذاتها، مثل مبادرة الميثاق من أجل المستقبل والجهود الرامية لتقوية بنية بناء السلام.
ورغم ما يحمله القرار (2807) من تقدم سياسي واضح في إعادة تثبيت أجندة الشباب والسلام والأمن ضمن الحد الأدنى التوافقي داخل مجلس الأمن، إلا أنه يظل محكوما بسقف التفويض المؤسسي للمجلس بوصفه هيئة معنية بالسلم والأمن الدوليين، لا بالتنمية أو إعادة توزيع الموارد. وهو ما يعني أن القرار، على أهميته، لا يحسم بمفرده التحديات البنيوية التي واجهت أجندة الشباب السلام والأمن خلال عقدها الأول، وعلى رأسها فجوة التمويل، وضعف تحويل الاعتراف السياسي بدور الشباب إلى دعم مالي مستدام للمبادرات التي يقودونها. كما أن الانتقال من منطق المشاركة إلى أفق القيادة الشبابية المسؤولة يفرض بدوره سؤال المساءلة والتمثيل، بما يضمن ألا تتحول هذه القيادة إلى مساحات رمزية جديدة أو نخب شبابية محدودة، بل إلى أدوار حقيقية قائمة على التنوع، والقدرة على التأثير في صنع السياسات، والمشاركة في التنفيذ والمتابعة والتقييم. ومن هذا المنظور، فإن القرار (2807) يفتح نافذة سياسية مهمة، لكنه يترك عمدا عبء الترجمة العملية على عاتق الدول والجهات المانحة، وعلى قدرة الأجندة ذاتها على الانتقال من منطق الاعتراف إلى منطق الالتزام القابل للقياس.
ومع دخول الأجندة عقدها الثاني، يتضح أننا أمام مرحلة انتقالية جديدة تتطلب رؤية عملية تتجاوز التوصيات إلى التنفيذ، وتنتقل من المشاركة الرمزية إلى القيادة الشبابية المسؤولة. فالسنوات الماضية أكدت أن الشباب ليسوا فئة متجانسة، بل مجموعات متعددة تمتلك تجارب وسياقات متنوعة، وأن قصص النجاح التي صنعوها في البيئات الهشة كانت في كثير من الأحيان أكثر تأثيرا من البرامج واسعة النطاق. كما أثبتت التجربة أن التمكين الحقيقي لا يأتي فقط من التدريب بل من منح الشباب الموارد والمساحة والثقة المسؤولة لكي يقودوا بأنفسهم الحلول، ويشاركوا في صناعة السياسات والتنفيذ والمتابعة والتقييم.
أما على مستوى التوقعات المستقبلية، فإن القرار (2807) يفتح الباب أمام عدد من التحولات، أبرزها ازدياد عدد خطط العمل الوطنية، وتعزيز دور مكتب الأمم المتحدة للشباب كمحور تنسيقي، وتوسيع نطاق الأجندة ليشمل قضايا جديدة مثل الهجرة والأمن السيبراني والتغير المناخي. كما يتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تنافسا دوليا على توظيف الأجندة في السياسات الخارجية، سواء لتعزيز النفوذ أو لدعم الإصلاحات الوطنية، وهو ما يجعل الأجندة ساحة جديدة للتفاعل بين الأبعاد التنموية والسياسية للأمن الإنساني.
وبينما تتباين المواقف داخل المجلس وتتعدد مقاربات الدول، تبقى الحقيقة التي أكدتها التجربة خلال العشر سنوات الماضية واضحة، أن الشباب حين تفتح أمامهم المساحة يصبحون شركاء في بناء مستقبل أكثر أمنا واستقرارا. وأن الانتقال من مرحلة التنظير إلى الفعل لن يتحقق إلا من خلال مأسسة دورهم، وتوفير الموارد لهم، وتعزيز قيادتهم، وإشراكهم في كل مراحل النزاع من الوقاية إلى إعادة الإعمار. وفي هذا السياق، يقدم القرار (2807) لحظة مفصلية تعيد التأكيد على أن بناء السلام ليس مهمة ينجزها المجتمع الدولي نيابة عن الشباب، بل مشروع يصنعه الشباب بأنفسهم حين يصبحون جزءا من طاولة صنع القرار.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد