«الدولار المجمّد» و«الدولار الأسود»… كيف تصنع الخرافة المالية؟

«الدولار المجمّد» و«الدولار الأسود»… كيف تصنع الخرافة المالية؟

21-12-2025 09:23 PM

في أوقات الأزمات والحروب، لا تنهار الدول فقط، بل تنهار معها المفاهيم، ويُفتح المجال واسعًا أمام الخرافة المالية لتتسلل إلى وعي الناس، مستغلة الخوف والطمع وضعف المعرفة. من أبرز هذه الخرافات التي عادت للظهور بقوة: ما يُسمّى «الدولار المجمّد» و«الدولار الأسود».
أولًا: هل يوجد شيء اسمه دولار مجمّد؟
التجميد ليس صفة للأوراق النقدية، بل إجراء قانوني–مصرفي ينطبق على حسابات وأرصدة إلكترونية داخل النظام المالي الدولي.
عندما تُجمَّد أموال دولة أو جهة، فإن ذلك يتم عبر قرارات سيادية أو عقوبات دولية، ويطال احتياطيات مودعة في بنوك مركزية أو مؤسسات مالية خارجية، وليس أوراقًا نقدية داخل خزائن.
بعبارة أوضح:
لا يوجد نقد كاش مجمّد، ولا يمكن تجميد ورقة نقدية من حيث المبدأ.
ثانيًا: من أين جاءت قصة «الدولار الأسود»؟
ما يُعرف بالدولار الأسود لا يمتّ للواقع المالي بصلة، وأصله يعود إلى أسلوب احتيالي قديم يُعرف عالميًا باسم Black Money Scam، انتشر منذ ثمانينات القرن الماضي، خصوصًا في البيئات الهشّة ومناطق النزاعات.
تعتمد هذه الخدعة على إقناع الضحية بأن هناك دولارات أصلية مغطاة بمادة سوداء «لأسباب أمنية»، وأنها تحتاج مادة كيميائية خاصة أو موافقة حكومية لفكها. والحقيقة أن هذه الأوراق ليست نقودًا أصلًا، بل مجرد وسيلة بصرية لخداع الضحية وسحب أمواله على مراحل.
ثالثًا: الحقيقة التي جرى تحريفها
الخلط جاء من وجود أنظمة أمنية حقيقية تستخدمها البنوك وشركات نقل الأموال، مثل نظام تحييد الأوراق النقدية (IBNS).
هذا النظام، عند تعرّض الأموال للسرقة، يطلق حبرًا أمنيًا دائمًا يلوّث الأوراق ويجعلها غير صالحة للتداول نهائيًا.
الحبر لا يُزال، ولا توجد جهة في العالم «تفكّه» لاحقًا، والهدف منه هو إلغاء قيمة المال المسروق، لا إخفاءه.
رابعًا: ماذا عن حالات انهيار الدول؟
في حالات نادرة، مثل انهيار مؤسسات الدولة أو غياب الرقابة لفترة مؤقتة، قد يخرج نقد إلى السوق ويُتداول دون تدقيق. لكن هذا لا يجعله:
أموالًا مجمّدة
ولا أموالًا مشروعة
ولا حالة قابلة للتكرار أو القياس عليها
وغالبًا ما تظهر المحاسبة لاحقًا، عند عودة الدولة أو النظام المالي.
الدولار المجمّد لا يُصرف، والدولار الأسود غير موجود أصلًا،وكل قصة تبدأ بـ«فرصة استثنائية» وتنتهي بطلب «رسوم خاصة» أو «مادة سرية»، هي في حقيقتها احتيال مالي مغلّف بسردية سياسية.
في زمن الأزمات، أخطر ما يمكن أن نخسره ليس المال فقط، بل الوعي.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد