تبنى الخدمة بعين متلقيها

تبنى الخدمة بعين متلقيها

21-12-2025 10:08 PM

الميدان هو الاختبار الحقيقي لجودة الخدمات
لم يعد متلقي الخدمة اليوم يكتفي بأن تُنجز معاملته، بل يريد أن يشعر بأن إنسانيته كانت حاضرة في كل خطوة.
فالتجربة لم تعد تفصيلاً هامشياً في العمل الحكومي، بل أصبحت المعيار الحقيقي الذي تُقاس به جودة الأداء، وصدق النوايا، وقرب المؤسسات من الناس.
في زمن التحول الرقمي، تغيّرت توقعات الجمهور بسرعة فإن متلقي الخدمة لا يرى الأنظمة ولا الهياكل، ولا يعنيه كم إدارة تقف خلف الخدمة؛ ما يهمه ببساطة هو أن تكون رحلته واضحة، سهلة، ومتسقة.
أن يبدأ من أي قناة، وينتقل إلى أخرى، دون أن يُثقل بتكرار البيانات أو تضارب المعلومات.
بالنسبة له ، الجهة واحدة، والتجربة واحدة، وأي خلل يُحسب على الصورة كاملة.
هنا تتجلّى حقيقة لا يمكن تجاوزها: تجربة متلقي الخدمة ليست شعاراً يُرفع، بل لحظة اختبار صادقة تتحول فيها الخطط والاستراتيجيات إلى واقع ملموس.
الاتساق بين القنوات، واحترام وقت متلقي الخدمة وسلاسة الإجراءات، لم تعد كماليات تشغيلية، بل مؤشرات نضج مؤسسي تعكس مدى فهم الجهة لدورها الحقيقي في حياة الناس.
غير أن الواقع يكشف أن كثيراً من الخدمات تُصاغ بعناية على الورق، لكنها تتعثر عند أول احتكاك بالميدان، فالميدان ساحة لا ترحم الاستراتيجيات الورقية.
الفجوة بين ما نخطط له وما يعيشه متلقي الخدمة فعلياً ما زالت قائمة، ولن تُردم إلا حين نغيّر زاوية النظر، ونصمم الخدمات بعيون من يستخدمها لا بعقلية من يديرها.
ومن هذا المنطلق، يصبح الابتكار والكفاءة ممارسة يومية لا موسمية. الابتكار ليس فكرة لافتة أو مبادرة مؤقتة، بل سؤال دائم: هل جعلنا حياة الناس أسهل؟ وهل أضفنا قيمة حقيقية لتجربتهم؟ أما الكفاءة، فهي أن نحقق أثراً أفضل بموارد أذكى، وأن نقيس النجاح بما تغيّر على أرض الواقع، لا بعدد الاجتماعات أو التقارير.
واللافت أن هذا التحول لا يحتاج دائماً إلى استثمارات ضخمة،أحياناً يكفي تحسين إجراء، أو توحيد معلومة، أو الاستماع بصدق لملاحظة متعامل، لصنع فرق ملموس.
هذه التحسينات الصغيرة، حين تتراكم، تبني ثقة كبيرة، وتشعر الناس بأن المؤسسات تتطور من أجلهم، لا بعيداً عنهم.
وفي الأردن، حيث تقوم العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة على تاريخ طويل من المسؤولية المتبادلة، تصبح تجربة متلقي الخدمة انعكاساً طبيعياً لقيم أصيلة لا طارئة.
جوهر السياسات والخدمات عليها ان تتغلغل في عمق مع قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، حيث يكون هذا التكريم حاضراً في طريقة الاستقبال، سهولة الإجراء، احترام الوقت، والإنصات الحقيقي.
وقد أثبتت تجارب إقليمية رائدة، وفي مقدمتها تجربة دبي، أن السير في حذاء متلقي الخدمة ليس فكرة نظرية، بل ممارسة قيادية واعية، تبدأ من الميدان، وتلتقط التفاصيل الصغيرة، وتحول الملاحظات اليومية إلى قرارات تحسين ملموسة.
إنها مقاربة إنسانية تجعل من الجهة شريكاً في جودة حياة الناس، لا مجرد منفذ للإجراءات.
والأردن، بما يمتلكه من كفاءات بشرية، ووعي مؤسسي، وقدرة على التعلّم والتطوير، قادر على بناء نموذجه الخاص في التميز الحكومي؛ نموذج يستلهم أفضل التجارب دون أن يفقد هويته، ويضع الإنسان في قلب الخدمة، لا على هامشها.
وفي النهاية، قد لا يتذكر المواطن أسماء الخطط أو المبادرات، لكنه سيتذكر دائماً كيف عُومل ؛ فالخدمة ليست معاملة تُنجز فحسب، بل تجربة تُعاش، واحترام شعور متلقي الخدمة والمواطن هو أعلى مراتب الكفاءة، وأصدق تعبير عن دولة تعمل بروح قول الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾،
وبهدي قول النبي ﷺ:
«إنَّ اللهَ رفيقٌ يحبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كلِّه».
بهذا الفهم، يصبح التميز الحكومي فعلاً يومياً هادئاً، يقترب من الناس بالفعل لا بالخطاب، ويبني الإنجاز خطوةً خطوة… بثبات وثقة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد