الأردن يعزز مكانته عاصمة لفن الفسيفساء

mainThumb

11-07-2025 06:59 PM

السوسنة - منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، ظل فن الفسيفساء جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية والإرث الثقافي، يحظى برعاية خاصة من القيادة الهاشمية، حتى بات يُجسّد رمزًا للفن والتاريخ في آنٍ واحد. وقد توّجت مدينة مأدبا هذا الإرث العريق بكونها العاصمة التاريخية لفن الفسيفساء في الشرق الأوسط، حيث تجتمع في طابعها المعماري أصالة الماضي وروح الحرفة الفنية.

وتشير البيانات إلى أن قصبة مأدبا وحدها تحتوي على 1600 متر مربع من الفسيفساء المتقنة، التي استطاع الأردن حمايتها وتوثيقها كجزء من تاريخه الممتد عبر العصور. ويؤكد أستاذ علم الآثار والتراث في الجامعة الهاشمية الدكتور محمد وهيب، أن هذا الفن يُشكّل عنصرًا جوهريًا في السردية الوطنية، إذ تعود أقدم أرضية فسيفسائية في الأردن إلى القرن الأول قبل الميلاد في مكاور، وقد نُفذت بحجارة محلية بلونين يعكسان روح البيئة الأردنية.

وشهد فن الفسيفساء في الأردن تطورًا ملحوظًا، إذ انتقل من تزيين الأرضيات إلى الجدران والأسقف، وبلغ ذروته في القرنين السادس والسابع الميلاديين، خاصة في كنيسة الخارطة في مأدبا التي تُعد من أقدم الخرائط المصورة عالميًا، وكنيسة القديس استفانوس في أم الرصاص التي تُعد من أجمل الأعمال الفسيفسائية التاريخية.

وتُعد المملكة من أغنى دول الشرق الأوسط في هذا الفن، حيث تضم أكثر من 400 أرضية فسيفسائية مكتشفة، ساهم في إنتاجها فنانون أردنيون مثل المعلم "سلمانوس" الذي أدار مدرسة خاصة للفسيفساء في القرن السادس الميلادي. وهذا يدل على أن الفسيفساء لم تكن مجرد حرفة، بل ثقافة راسخة انتقلت عبر الأجيال.

ويواصل الأردنيون اليوم هذا الإرث العريق، إذ تمكن أبناء مأدبا من إنتاج أكبر لوحة فسيفساء يدوية ملونة في العالم، بمساحة 180 مترًا مربعًا، مسجلين إنجازًا عالميًا جديدًا يربط بين الماضي والحاضر، ويعكس استمرار مكانة مأدبا كمركز عالمي في هذا الفن.

وفي السياق ذاته، يواصل معهد فن الفسيفساء والترميم في مأدبا، وهو المؤسسة الأكاديمية الوحيدة من نوعها في الشرق الأوسط، دوره الريادي في إعداد الكفاءات الفنية. ويمنح المعهد درجة الدبلوم في الترميم، ويعتمد على مزيج من التعليم النظري والتطبيق العملي ضمن مواقع أثرية، مما يعزز من قدرات الطلبة ويوفر دعائم علمية للحفاظ على التراث.

وقد تأسس المعهد عام 2007 من خلال شراكات دولية، ويُعد ركيزة في استراتيجية الأردن لصون التراث الثقافي، خاصة وأنه حاصل على اعتمادات رسمية من مجلس التعليم العالي.

ويُشيد الخبراء مثل مشهور الطفيحات، رئيس قسم الترميم في المعهد، بالدور المحوري لمأدبا التي تحتوي على كنوز فسيفسائية من الفترة البيزنطية، مثل كنيسة سان جورج التي تحتضن خارطة فسيفسائية فريدة توثق معالم دينية في الأردن وفلسطين وسيناء.

كما أن المعهد مسؤول عن صيانة كافة الأرضيات الفسيفسائية في المملكة، باستخدام أحدث تقنيات الترميم، وقد حصلت مأدبا على المركز الأول عالميًا عام 2018 في مجال الفسيفساء الحجرية وترميمها.

بهذا التكامل بين الأصالة والتحديث، يؤكد الأردن ريادته كمنارة ثقافية في صون الفنون التاريخية، وجعل الفسيفساء مرآة حية لهوية وطنية تستمد عمقها من عبق الحضارات التي مرت على هذه الأرض.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد