تفسير البكاء في المنام

mainThumb
تعبيرية

29-07-2025 12:05 AM

السوسنة - البكاء في المنام من الظواهر التي تحمل تعددًا كبيرًا في دلالاتها، إذ تتأرجح بين الإشارات المطمئنة والدلالات التي تستوجب القلق أو التأمل، وهو من المشاهد التي تختلف تفسيراتها باختلاف حالة الشخص النفسية، وظروفه الحياتية، وطبيعة الحلم وتسلسله الزمني والرمزي. وقد تناول عدد من كبار المفسرين هذه الرؤى بتوجهات متباينة، منهم ابن سيرين، والنابلسي، وابن هشام، ولكل منهم زاويته الخاصة في فهم هذا الفعل الإنساني العميق في سياق الأحلام.
رؤى ابن سيرين في تفسير البكاء
يرى ابن سيرين أن البكاء المصحوب بالعويل والصراخ في المنام يدل على الحزن الشديد الذي يشعر به الرائي إزاء من يبكي عليه، أما إن لم يكن هناك شخص معين يُبكى عليه، فهذا الحلم ينذر بالهموم التي قد يواجهها صاحب الرؤية. وعلى النقيض، إن كان البكاء هادئًا وخاليًا من الصراخ، فإن ذلك يبشّر بالخلاص من الكرب والنجاة من الضيق، بل وقد يحمل إشارة إلى طول العمر أو بشارة بنزول الغيث.
ويضيف أن من يرى نفسه ضمن جماعة تبكي أثناء تشييع جنازة دون عويل، فإن الرؤية تشير إلى زوال الهم وفتح أبواب السرور في حياة الرائي. أما البكاء المصحوب باللطم وشق الملابس أو ارتداء ثياب الحداد، فهو انعكاس مباشر للحزن في الواقع.
وإذا رأى الحالم نفسه يبكي أثناء قراءة القرآن، أو إثر تذكّر ذنوبه، فهذا الحلم يُبشر بفرحة قادمة وسرور غامر. كذلك، فإن رؤية الميت في المنام وهو يبكي، قد تعني أن هذا الشخص المتوفى يشكو من أمر ما، وربما عليه دين لم يُسدّد، مما يتطلب من أقاربه النظر في الأمر ومراجعة أحواله. أما بكاء الميت الذي عُرف في حياته بالصلاح، فهو دلالة على راحته وسلامه في الآخرة، وفي حال كان غير ذلك، فقد يُشير إلى حاجته للدعاء أو التصدق عليه ليزداد رصيده من الحسنات.
تفسير النابلسي: بين الخشية والرجاء
النابلسي يرى أن البكاء المصحوب بالصراخ أو اللطم أو ارتداء الملابس السوداء، أو تمزيق الجيب، هو دليل على الحزن والألم. أما البكاء الذي يأتي خشيةً من الله، أو عند سماع القرآن الكريم، أو نتيجة ندم صادق على ذنب سابق، فهو رمز للفرج والسرور وزوال المنغّصات، بل وقد يحمل دلالة على نزول المطر لمن حُرم منه وكان في حاجة إليه، أو يشير إلى امتداد العمر وزيادة التوحيد والتقوى إن اقترن بذكر الله والتسبيح.
آراء ابن هشام في دلالات البكاء
أما ابن هشام، فقد فصّل رؤيته لتفسير البكاء بحسب طبيعته، فإن كان بغير صراخ، فإنه يرمز إلى فرج من هم وغم، وإن كان بصراخ دلّ على مصيبة تحلّ بأهل المكان. كما يرى أن الدموع التي تسيل دون بكاء تُبشّر بتحقيق المراد، أما إذا لم تخرج الدموع رغم البكاء، فذلك أمر غير محمود.
وفي حال كان الدمع بدلًا من أن ينساب كدمع، يخرج في هيئة دم، فهذا يعني الندم على أمر مضى، والتوبة عنه. كذلك، يرى أن البكاء قد يُفسر بأنه "قرة عين"، أي ارتياح داخلي وسكينة.
ومن يرى نفسه يبكي على شخص يعرفه وقد مات وكان هناك نواح مصاحب للبكاء، فإن الحلم ينبئ بوقوع مصيبة أو حدث سلبي في ذوي هذا الشخص. أما مشهد نواح الناس على موت حاكم أو والٍ، وما يرافقه من تمزيق الثياب ونفض التراب، فهو مؤشر على ظلم هذا الحاكم، في حين أن البكاء من غير نواح خلف جنازة وليّ أمر يدل على سرور قادم للرعية من هذا الوالي.
البكاء نفسه يُفسّر أحيانًا بأنه دلالة على فرح شديد، ولكن إن صاحبه صراخ، فهو إنذار بالمصيبة، لقوله تعالى: (وهم يصطرخون فيها) [سورة فاطر، الآية 37]. وإذا امتلأت العين بالدموع دون أن تفيض، فهذا يُبشر بمال حلال، بينما الدمع البارد يدل على فرج، أما الحار فالعكس تمامًا. ومن يحلم بأنه يبكي ثم يضحك بعدها، فذلك يشير إلى قرب الأجل، في إشارة إلى قوله تعالى: (وأنّه أضحك وأبكى وأنّه هو أمات وأحيا) [سورة النجم، الآية 53].
نصيحة وجدانية للفتيات
في السياق الوجداني، يُنصح الفتيات بعدم تراكم المشكلات اليومية خوفًا من إظهار الضعف، بل من الأفضل مواجهتها بروية. فإذا رأت الفتاة شخصًا غيرها يبكي في المنام، فقد يكون ذلك انعكاسًا لمشاعرها المكبوتة، خصوصًا إذا كانت تستبعد فكرة البكاء في الواقع، مما يجعل من الأسهل عليها التعامل مع رؤية بكاء الآخرين في الحلم بدلًا من رؤية نفسها تبكي.
وفي حالات شائعة، إن استيقظت الفتاة ووجدت الدموع في عينيها أو وسادتها مبلّلة، فهذا يدل على جرح أو حزن مكبوت لم يتم التعبير عنه، وربما لم يتم الشفاء منه، لذا عليها أن تواجه هذه المشاعر وتعالجها بطريقة صحّية كي لا تُعاود الظهور مرة أخرى.

أما رؤية البكاء الصامت دون استجابة من الآخرين، فهي انعكاس لشعور بالإحباط وضعف التواصل مع من حولها، وقد يدلّ على شعور بأنها لا تُسمَع أو لا يجد ما في قلبها من يصغي إليه.

اقرأ ايضاً:

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد