عندما تصبح الشهادة المزورة بوابة للجامعة

عندما تصبح الشهادة المزورة بوابة للجامعة

15-12-2025 04:27 PM

تشكل قضية شهادات التوجيهي الاجنبية المزورة واحدة من اخطر القضايا التي تمس منظومة التعليم العالي والعدالة الاكاديمية. فهي لا تتعلق فقط بتزوير وثيقة تعليمية، بل تمتد اثارها الى تكافؤ الفرص، ونزاهة القبول الجامعي، ومستقبل الطلبة الذين التزموا بالمسار القانوني الصحيح. اعتقد ان التعامل مع هذه الظاهرة يجب ان يتجاوز المعالجات الشكلية، وان ينتقل الى تفكيك الاسباب والبنى التي سمحت لها بالانتشار.

تشير المعطيات الرسمية التي اعلنها وزير التربية والتعليم والتعليم العالي عزمي محافظة الى حجم الظاهرة وتعقيدها. فمنذ عام 2023 وحتى اليوم تم التعامل مع 1882 شهادة ثانوية تركية، وردت اجابات رسمية على 1835 شهادة، فيما بقيت 47 شهادة قيد الانتظار. ارى ان هذه الارقام وحدها كافية لتؤكد اننا امام ملف ممنهج وليس حالات فردية معزولة.

الاخطر في هذا الملف ليس فقط وجود 404 شهادات ثبت عدم صحتها، بل وجود 49 شهادة وردت بشأنها ردود متناقضة، مرة باعتبارها صحيحة ومرة باعتبارها غير صحيحة. هذا التناقض يفتح الباب امام تساؤلات مشروعة حول الجهات التي تتلاعب بالبيانات، وحول وجود لوبيات تعمل على تمرير شهادات معينة او تعطيل الحسم فيها. استنتج من ذلك ان الاكتفاء برفض الشهادة المزورة لا يحقق العدالة ولا يمنع تكرار الجريمة.

لا بد ان يكون هناك توجه واضح لكشف هذه اللوبيات، سواء كانت مكاتب تجارية، او وسطاء تعليم، او شبكات تنسيق عابرة للحدود تستغل ثغرات التحقق والتأخير الاداري وحجج حماية البيانات الشخصية. فمحاسبة الطالب وحده وابعاده عن الجامعة، كما حدث مع 92 طالبا في العام الماضي، لا تعني ان جذور المشكلة قد عولجت.

من جهة اخرى، يظهر من تصريحات الوزير ان نحو 1400 طالب ليست لديهم اي مشاكل، ويحملون قيود معادلة ويدرسون بشكل طبيعي. هذا المعطى يفرض ضرورة اعادة تقييم اليات معادلة الشهادات الاجنبية بشكل شامل. ارى ان المطلوب ليس فقط فحص صحة الوثيقة، بل اعادة معادلة كل شهادة اجنبية لم تعادل وفق الاسس القانونية الصحيحة المتبعة، وبمعايير موحدة وشفافة لا تقبل الاجتهاد او الاستثناء.

كما ان اعتماد امتحاني القدرات والتحصيل كاداة للتحقق الاكاديمي خطوة مهمة، لكنها غير كافية وحدها اذا لم تترافق مع ضبط صارم لمسار اصدار الشهادة من المصدر، ومساءلة كل من يثبت تورطه في تسهيل التزوير او التلاعب بنتائج التحقق.

في المحصلة، اعتقد ان هذه القضية تمثل اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة على حماية التعليم من العبث، وحماية الطلبة من الظلم، وصون قيمة الشهادة الاكاديمية. لا بد ان يكون الهدف هو بناء منظومة تحقق عادلة، تكشف التزوير، وتحاسب المتورطين، وتعيد الثقة بمعادلة الشهادات الاجنبية بوصفها مسارا قانونيا لا بوابة خلفية للالتفاف على النظام.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد