زياد الرحباني… شاعر سرقته الموسيقى
يحدث في لبنان أن يصف شخص شخصا آخر يفعل الشيء دون مقدمات، بجملة «سَعيدَة يابا، ودَعْوِسْ»، أو يتهكم شخص على بلادة آخر قائلا «ابنِكْ ذكي يا ثريّا»، وحين يتصل شخص كاذب الوعود والمواعيد فالوصف جاهز «تلفن عياش». هذه العبارات وكثير غيرها، مما أصبح من نسيج اللهجة اللبنانية ويجري على الألسنة كالأقوال المأثورة مستمد من مسرحيات زياد الرحباني، وكلمات أغانيه. فلا يوجد – بشهادة خصوم زياد قبل محبيه – من أثّر في جيل الحرب اللبنانية وما بعدها مثله، بل غالى في حبه المعجبون فوصفوا أعماله بالنبوءات، وهي التي صحت توقّعاتها مرارا مثلما حدث مع مسرحية «نزل السرور»، التي ألفها وأخرجها عام 1974 ورسمت مشاهد من الحرب الأهلية في لبنان قبل اندلاعها بسنة.
ولعل موهبة زياد الاستثنائية في كتابة الأغاني والموسيقى والمسرح رسّخت صفة العبقرية التي أُطلقت عليه، فحتى والدته السيدة فيروز وصفته بها حين سُئلت عنه، فأجابت بذوق الفنانة وإحساسها، إن «زياد عبقريّة فنيّة، أخذت ملامحها من رأيه بالحياة والإنسان والوطن والشعب».
استعمل زياد الرحباني هذه اللغة الفجة أحيانا، والواقعية جدا في مقابل اللغة الحالمة والوردية، التي كتب بها والده وعمه (الأخوان رحباني) فأنزل والدته من سفارتها بين النجوم لتأكل الطعام وتمشي في الأسواق، وتحولت المرأة الملائكية التي صاحبت القمر من صغرها، وكتبت اسم حبيبها على الحور العتيق، إلى سيدة عادية تمارس النميمة النسائية (ولُو شو بِشْعا مَرْتو) في أغنية «ع هدير البوسطة»، وبعد أن كانت فيروز مستعدة لتكون ظلا لحبيبها مع عاصي ومنصور، أصبحت لا تتوانى أن تصف هذا الحبيب بالكذب مع ابنها زياد (كذّاب مِش كذّاب/ رد الباب هلأ بس). وكم كان صعبا أن يتقبل الجمهور الفيروزي النخبوي هذا الانقلاب الأبيض، الذي قام به الابن المتمرد المشاكس على إرث والده وعمه، بل كم كان صعبا على فيروز نفسها أن تخرج عن الدروب المعبّدة فنيا، التي سارت فيها من قبل ولادة ابنها زياد لتتبعه في مسالك وعرة ومجهولة، لولا حس المغامرة وحب التجديد عندها، وحسنا فعلتْ فلو بقيتْ في منطقة الراحة والأمان لما سمعنا «كيفك أنت» ـ وقد ترددت فيروز سنوات قبل أن توافق على غنائها ـ ولا «كبيرة المزحة هاي» و»زعلي طوّل» و»ما شاورت حالي» وكثير غيرها طبع مسيرة الفنانة الكبيرة بعد انفصالها عن المؤسسة الرحبانية الرسمية.
سرعان ما خرج زياد من عباءة الأخوين رحباني وأخيهما الأصغر إلياس، فمسرحيته الأولى «سهرية» وقد عرضها سنة 1973 وهو في السابعة عشرة من عمره، كانت امتدادا وتقليدا موفقا لمسرحيات عاصي ومنصور، ولكن بعد سنة واحدة اجترح لغته الخاصةـ وبعد ذلك خطه الموسيقي وتوليفته اللحنية المطعّمة بالجاز في ما عرف في ما بعد بالجاز الشرقي. علما أن أغلب أغانيه هو من كتب كلماتها، سواء تلك التي غناها رفيق دربه وتوأمه الفني جوزيف صقر، أو تلك التي غنتها السيدة فيروز بعد ذلك.
ولغة زياد الرحباني المختلفة الصادمة أحيانا والذكية في جُمَلها، تخفي في زوايا تراكيبها شاعرا كبيرا، لولا أن الموسيقى والمسرح سرقاه، وأصبح متداولا على نطاق كبير، خاصة بعد وفاته في الأيام القليلة الماضية، وكثرةِ الكتابات عنه أنه بدأ شاعرا، أو الأصح أن والده أراد له أن يكون شاعرا، ويروي مروان نجار أن عاصي الرحباني طلب منه أن يعلم زياد أوزان الشعر، وقد علّق نجار على ذلك قائلا «ملَّا كارثة حدا يجرّب يعلّم زياد»، ولا أعتقد أن طبيعة زياد المتمردة تقبل بقيود العروض التي اشتكى منها حتى بدوي الجبل الشاعر الكلاسيكي الكبير فقال: أنا أبكي لكلّ قيد فأبكي… لقريضي تغلّه الأوزان، ولكن الوالد كان مقتنعا بموهبة ابنه الشعرية، مثلما كان مقتنعا بموهبته الموسيقية فجلب له من صغره من يعلمه عزف البيانو، وحين قرأ عاصي الرحباني بعض النصوص التي كتبها ابنه وهو لم يجاوز الثانية عشرة من عمره، جمعها وقصد أحد المطابع لنشرها على نفقته الخاصة، وقد صدرت هذه المجموعة بعنوان «صديقي الله» سنة 1971 وزياد في الخامسة عشرة من عمره، علما أنه كتب قصائدها ما بين سنتي 1967 و1968 كما جاء في مدخل المجموعة، وقد ورد فيها أن زياد الرحباني يتابع دروسه في مدرسة الجمهور، وفي هذا الديوان المكون من 49 نصا دون عناوين، تتجلى بذرة موهبة شعرية واعدة ليست إلى درجة ما كتب بعضهم بمبالغة «لو كتب زياد ديوانا آخر بعد «صديقي الله»، لأزاح أسماء كثيرة من واجهة المشهد الشعري، لأنه بدأ من حيث يجب أن يصل الشعراء، لا من حيث نجدهم يبدؤون، فلا بد من إنصافه بوصف (تجربته) واحدة من أكثر التجارب النثرية صدقا وتفوقا في بيروت الستينيات»، بل أجد في بعض النصوص سذاجة طفولية واضحة، وفي بعضها الآخر تأثرا بما قرأه في المدرسة أو سمعه في بيت كان الشعر والموسيقى خبزه اليومي، كتأثره بقصيدة ميخائيل نعيمة الشهيرة «اعصفي يا رياح.. وانتحب يا شجر/ واسبحي يا غيوم.. واهطلي بالمطر/ واقصفي يا رعود.. لست أخشى خطر/ سقف بيتي حديد.. ركن بيتي حجر»، فكتب زياد «متى عدت إلى بيتي/ فأمطري يا سماء/ لن يتبلّل ثوبي الأحمر/ متى عدت إلى بيتي/ فاغضبي يا رعود/ متى سكّرت الباب/ وقفلته مرّتين/ فصرّخي يا ريح أمام الأبواب/ أنا في الداخل/ والباب موصد/ والنار مشتعلة/ فيا شتاء أقبل».
وإن كان في المجموعة وعي يفوق إدراك ابن الأعوام الإثني عشر حين يكتب مثلا عن أثر الحرب على الأطفال فنقرأ هذا النص الجميل: «أتيتُ الأولادَ المشردين بالأوراق/ وسألتُهم أن يرسموا أشجارا/ فرسموا أغصانا طويلة فارغة نائمة على الأرض وعليها مدفعٌ وعسكر/ فقلتُ: لا، إلاّ هذا ارسموا زهرا وبيتا/ فرسموا زهورا ملقاة في مياه المطر والعسكرُ يدوسُها/ وقلتُ: لا، إلا هذا ارسموا عصفورا يغني كما كنتم ترسمون مِن قَبل/ فرسموا عصفورا يبكي والمطرُ يهطل/ فسكتُّ وأخذتُ الأوراق وذهبت»، كما نجد بعض المقاطع اللماحة أشبه بقصيدة الومضة تبشر بولادة شاعر كبير «تعبتُ فجلستُ/ ومرّتْ بي فتاة وقالت/ ما بك تجلس على الوقت»، أو كقوله «لا يوجد فستان بشع/ ما دام لكل فستان واحدة تحب أن ترتديه». ولكن بعد هذه المجموعة الشعرية أعرض زياد عن الشعر باللغة العربية الفصحى، واقتصر على المحكية اللبنانية، وإن كان أغلب ما كتبه تحوّل إلى أغان حفظتها الذاكرة وترنمت بها الألسنة.
وقبل أعوام واضب على نشر بعض ما يكتبه من شعر محكي في إحدى الجرائد اللبنانية التي كان يكتب بها أسبوعيا. ولعل الذي صرف زياد الرحباني عن مواصلة الكتابة بالفصحى أنه وجد الشعر الفصيح نخبويا، يحتاج قارئا متذوقا وخاصا، في حين أن المحكية ابنة الحواري الضيقة والأسواق المكتظة والناس الغلابى، الذين انتصر لهم زياد دائما، لذلك نجده في مسرحية «بالنسبة لبكرا…شو؟» التي عرضت سنة 1978 يصوّر الشاعر يعيش في برج عاجي يتحدث بما لا يفهمه الآخرون، كهذا المقطع الذي أجراه زياد على لسان الشاعر المثقف «متعاقب أنا في أصل الصورة/ عاهدت اللوز والأشياء الأخر/ بأنّني غدا على قرميدك المهزلة/ سأمتطي…أمتطي…أين أمتطي؟/ متعاقب أنا فيكِ يا أينك/ يا أينك من أصل الصورة/ تسكنني اللامركزية/ ساورتني شكوك الصوف/ وكان هيلاسيلاسي جاثما عند باب المستودع/ اخلع عنك هذه البلابل المشبوهة/ فإنّ اللون السابع بعد الألف أرجواني» وحين يسأله العامل في المطعم عن معنى ما يقول، يجيبه الشاعر بفوقية، أن هذا الشعر يفوق مستوى العامل ولا يمكن أن يفهمه الجميع. وهذه الصورة التي رسمها زياد للشعراء والمقصود بهم الشعراء الذين أوغلوا في الحداثة، اعترض عليها الشاعر زاهي وهبي في مقال له فكتب: «زياد الرحباني قدّم نموذجا لشاعر يردّد كلاما مبهما بوصفه شعرا حديثا على شاكلة: هوت سنونوّتي على الرماد/ تناثرت صورا وأوراقَ اعتماد». وللإنصاف إن مقدرة زياد الرحباني اللغوية وحساسيته الفنية الفائقة كانتا تؤهلانه ليكون شاعرا ذا بصمة خاصة، لو أخلص للشعر إخلاصه للمسرح والموسيقى. ولكن (الحلو ما يكملش)، وحسبه أنه طبق حرفيا نصيحة سعيد عقل، التي غنتها أم زياد يوما وكأنها توصي ابنها: «علّمتني حلوة الحلوين/ انْ فلّيت إترك عطر بهالكون».
شاعرة وإعلامية من البحرين
إصابة 4 جنود إسرائيليين بينهم حالة خطيرة في حادث بغزة
طائرة مغربية تتفادى اختراق المجال الجوي الجزائري في اللحظة الأخيرة
أستراليا تقدم 20 مليون دولار لغزة
4379 قرار تسفير لعمال وافدين في النصف الأول من 2025
الملك تشارلز يعرض طائرة الملكة إليزابيث الفاخرة للبيع
سوريا : اعتقال تاجر مخدرات خطير مرتبط بماهر الأسد
لبنان يحذر حزب الله من الانتحار السياسي
زياد الرحباني… شاعر سرقته الموسيقى
الدور العربي في وقف حرب السودان
ليست مجرد نتيجة .. إنها آخر فرحتنا
رئيس الحكومة اللبنانية يتأثر ويبكي خلال جلسة عن انفجار المرفأ
مهم للأردنيين المتقاعدين مبكراً والراغبين بالعودة الى العمل
كم بلغ سعر كيلو الدجاج في الأردن .. تفاصيل
إنهاء خدمات 39 موظفاً للتقاعد المبكر .. أسماء
مئات المدعوين للامتحان التنافسي .. أسماء
السفارة الأردنية تحذر الأردنيين المقيمين في ولايات أميركية
حدائق الحسين تمنع الأراجيل وتبدأ تفتيش المركبات
التربية تحدد موعد إعلان نتائج التوجيهي 2025
مهم بشأن تصنيف طلبة التوجيهي لغايات التقديم للجامعات الرسمية
بعد تعرضها لاعتداءات .. الأردن يطالب بحماية بعثاته والعاملين فيها
الاحتلال يسحب دبلوماسييه من الإمارات فجأة
سعر الذهب عيار 21 في الأردن اليوم
وفاة الدكتور علي الرحابنة تفجع أسرة جامعة اليرموك