عمان – السوسنة – محرر الشؤون المحلية – جدد خطاب العرش السامي الذي القاه جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح مجلس النواب التاسع عشر، مواقف الاردن الثابتة من القضية الفلسطينية على رأسها وضع مدينة القدس المحتلة .
وتضمن الخطاب خطوطاً حمراء يرتكز عليها الموقف الاردني ابتداء من مطلع القرن الماضي الى يومنا هذا يستند الى الوصاية والرعاية الهاشمية التي تعد امتدادا للإرث التاريخي الهاشمي في المسجد الاقصى ومدينة القدس المحتلة، وقد توسع الخطاب لما تتعرض له مدينة القدس من حملة يهودية واقليمية تهدف الى تغيير معالم المدينة واللعب بالنار .
الوصاية الهاشمية :
في عام 1924م أعلن الأتراك رسمياً انتهاء الخلافة العثمانية التي حكمت القدس وبلاد الشام قرابة 410 أعوام، فسارع وجهاء القدس يتقدمهم المجلس الإسلامي الأعلى في القدس بالطلب من الشريف الحسين بن علي أن يترأس عمارة الحرم الشريف وأن يتولى ابنه الأمير عبد الله الإشراف المباشر على الإعمار الهاشمي للمسجد الأقصى وكان ذلك في نص رسالة البيعة الرسمية .
وواصل الهاشميون حمل مسؤولية حماية المدينة المقدسة ومقدساتها الاسلامية والمسيحية ضد محاولات التهويد الإسرائيلية حيث وقع جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان بتاريخ 31 أذار 2013م اتفاقية تاريخية تؤكد أن جلالة الملك هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف وتعد هذه الاتفاقية إعادة تأكيد الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في مدينة القدس منذ بيعة عام 1924م وأن لجلالة الملك الحق في بذل الجهود القانونية جميعها للحفاظ عليها وخصوصاً المسجد الأقصى ، المعرف في هذه الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف وتؤكد الاتفاقية أيضاً المباديء التاريخية المتفق عليها أردنياً وفلسطينياً حول القدس ، وبذل الجهود جميعها بصورة مشتركة لحماية القدس والأماكن المقدسة من محاولات التهويد الإسرائيلية وتهدف إلى حماية مئات الممتلكات الوقفية التابعة لمسجد الأقصى المبار .
معاهدة السلام
كما اعترف الإسرائيليون بالدور الهاشمي في القدس من خلال معاهدة السلام "وادي عربة"، باعتبار أن الإلتزام الدولي هو أمر مفروض على إسرائيل ، وعليها أن تحترمه ، وأن تحافظ عليه دون أية إستثناءات ، ذلك أن الإعتراف بالولاية الهاشمية على الأماكن المقدسة لم تأتِ بشروط في المعاهدة. كما أن هنالك التزاما دوليا آخر من خلال اتفاق شفوي تم في العام 2014 بين جلالة الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، وبشهادة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري .
وتضمنت المادة التاسعة من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994 بخصوص الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية ما يلي:
1 – سيمنح كل طرف للطرف الآخر حرية الدخول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية.
2 – وبهذا الخصوص وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.
3 – سيقوم الطرفان بالعمل معاً لتعزيز حوار الأديان بين الأديان التوحيدية الثلاثة بهدف بناء تفاهم ديني والتزام أخلاقي وحرية العبادة والتسامح والسلام .
وفي ظل تزايد الأطماع الإسرائيلية في المسجد الأقصى المبارك وتزايد الاعتداءات الإسرائيلية عليه وما تبعه من ردود فعل جماهيرية غاضبة في الساحة الفلسطينية، ارتأت الإدارة الأميركية بضغط إسرائيلي عمل اتفاق فرعي حول المسجد الأقصى بين إسرائيل والأردن برعاية أميركية بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول 2015، تضمن هذه البنود المعلنة:
1- أن تحترم "إسرائيل" "الدور الخاص" للأردن كما ورد في اتفاقية السلام بين الطرفين، و"الدور التاريخي للملك عبد الله الثاني".
2- "إسرائيل" ستستمر في تطبيق "سياستها الثابتة في ما يخص العبادة الدينية"، في المسجد الأقصى بما فيها الحقيقة الأساسية بأن "المسلمين هم من يصلون" وبأن "غير المسلمين هم من يزورون".
3- "إسرائيل" ترفض تقسيم المسجد الأقصى، وترفض "أي محاولة" للقول بغير ذلك.
4- "إسرائيل" ترحب بالتنسيق المتزايد بين السلطات الإسرائيلية وإدارة الأوقاف، بما في ذلك "التأكد من أن الزوار والعبّاد يبدون الانضباط ويحترمون قداسة المكان انطلاقاً من مسؤوليات كلٍّ منهم".
5- موافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على اقتراح الأردن "بتوفير" تغطية مصورة على مدار 24 ساعة لكل المواقع داخل المسجد الأقصى، مما يوفر سجلاً "شاملاً وشفافاً" لما يحصل فيه، وهذا قد يثبط كل من يحاول تشويه قداسة المكان" .
تحذير ملكي .. وما هو التقسيم الزماني والمكاني ؟
وترجمة للوصاية الهاشمية التاريخية، فقد تضمن الخطاب الملكي تحذيراً واضحا على لسان جلالة الملك فيما يتعلق بالممارسات الاسرائيلية تجاه الاقصى بانه "لا شراكة زمانية ولا مكانية في الحرم القدسي الشريف، وان أي مساس واي استخفاف بعقيدة المسلمين والمسيحيين فيما يتعلق بالقدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية يمكن ان يؤجج الصراع من جديد في المنطقة".
ويهدف المشروع الصهيوني إلى تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين وإسرائيل يحمل شقّين وهما، التّقسيم الزّماني والتقسيم المكاني، وكانت إسرائيل قد بدأتهما بشكل عملي بالفعل، أما الأول فيعني تخصيص أوقات معيّنة لدخول المسلمين المسجد الأقصى وأخرى لدخول اليهود، ويقتضي منه اقتسام ساعات اليوم وأيام الأسبوع والسنة بين اليهود والمسلمين، ومن خلاله يرى الجانب الإسرائيلي أنه يستوجب على المسلمين على مغادرة الأقصى من الساعة 07:30 حتى 11:00صباحاً، وفي فترة الظهيرة من الساعة 1:30 حتى 2:30، وفترة ثالثة بعد العصر، لتخصيص هذا الوقت لليهود بحجّة أنه لا صلاة للمسلمين في هذا الوقت ليتمّ السماح لليهود بأداء ثلاث صلوات في اليوم داخله، كما يتمّ تخصيص المسجد الأقصى لليهود خلال أعيادهم، والتي يقارب مجموع أعدادها نحو 100 يوم في السنة، إضافة إلى أيام السبت التي تخصّص لليهود أي نحو خمسين يوماً بمجموع نحو 150 يوماً في السنة، كما يحظّر رفع الأذان خلال الأعياد اليهودية.
أما التّقسيم المكاني فيعني تخصيص أماكن بعينها في المسجد الأقصى لكلٍ من الطرفين، إذ يهدف إلى تخصيص أجزاء ومساحات من المسجد الأقصى يقتطعها الكيان الإسرائيلي ليحوّلوها لكنائس يهودية لأداء صلواتهم فيها، وقام الاحتلال خلال الفترات السابقة بتصويغ طرق ومسارات خاصة لهم للتمهيد للتقسيم المكاني، ويشمل التقسيم المكاني كذلك بسط السيطرة بالقوّة على جميع الساحات الخارجية للمسجد الأقصى أما الأماكن المسقوفة مثل مُصلّى قبّة الصخرة والمُصلّى المرواني فتكون للمسلمين، ويشمل هذا التقسيم مخطّطات لبناء الكنيس اليهودي والهيكل، فلم تعد تُخفى تلك المطامع، بل بات التّصريح بها أمراً عادياً وحقاً مشروعاً كما يرى الجانب الإسرائيلي.
الاساس القانوني
ويستند الاساس القانوني لما جاء بخطاب العرش السامي الى قرارات الشرعية الدولية التي اجمعت على ان اسرائيل هي قوة محتلة وان ارض القدس هي ارض محتلة حتى يومنا هذا، وان اي ممارسات لتغيير الوضع القانوني والتاريخي في القدس يعتبر امرا باطلا باعتبار ان اسرائيل دولة احتلال لهذه المدينة.
واعتباراً من عدوان حزيران 1967، بدأت هيئة الأمم المتحدة في وصف القدس الشرقية بأنها من ضمن الأراضي العربية المحتلة. وهكذا غادرت المنظمة الدولية مربع التمسك بقرار التقسيم رقم 181 الصادر في 29 تشرين الثاني 1947 الذي كان يصف القدس ـ كل القدس بشقيها العربي والشرقي ـ بأنها تخضع لنظام دولي باسم corpus seperatum وتُدار من قبل المنظمة الدولية.
هناك عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تصف الوضع في القدس الشرقية أنها «أرض محتلة»، كما يلحظ أنه جرى العمل لدى المنظمة الدولية على أنه، كلما ورد تعبير «الأراضي العربية المحتلة» في تلك القرارات يضاف غالباً بعدها «بما فيها القدس الشرقية»، مما يؤكد استمرار الموقف الدولي على هذا التوصيف القانوني.
حين أعلنت إسرائيل «القدس» عاصمة لها رد مجلس الأمن الدولي بقراره رقم 478 الذي يؤكد فيه:
إن تشريع «القانون الأساس» من قبل إسرائيل يشكل خرقاً للقانون الدولي ولا يؤثر على تطبيق اتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين.. في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى المحتلة منذ يونيو العام 1967 بما فيها القدس؛ويقرر أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، والتي غيّرت أو تعتزم تغيير وصف ووضع مدينة القدس المقدسة، لا سيما «القانون الأساس» حول القدس، هي باطلة ويجب إلغاؤها.
ولم تكن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أقل شدة وصرامة من قرارات مجلس الأمن الدولي. ففي احد القرارات قالت الجمعية العامة إنها تعبر عن قلقها العميق على الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، والذي نشأ عن الممارسات والإجراءات الإسرائيلية، وتدين بشكل خاص استخدام القوة المفرط في الأسابيع القليلة الماضية والتي تسببت في مقتل ما يزيد على مئة وستين حالة وفاة وآلاف الجرحى.