ملاحظات على قانون الانتخاب الاردني الجديد ،وماذا بعد ؟

mainThumb

24-05-2010 10:47 PM

بداية لا بد من التاكيد على ان الانتخابات ليست هدفاً او غايه بحد ذاتها ولكنها وسيله او اليه لتمكين المواطن من المشاركه في عملية صنع القرار وتنفيذه ومراقبة تنفيذه بواسطة ممثلين عنه ينتخبهم لمده معينه وفق مبادىء  الديموقراطيه التمثيليه ، وقانون انتخاب مجلس النواب الاردني لعام 2010 لا يخرج عن هذا الاطار .

 

 ان قراءة متأنيه لقانون الانتخاب الجديد الذي اعلنت عنه الحكومه الاردنيه مؤخراً بعد طول انتظار في ضوء الاجماع الشعبي على ان القانون السابق او ما عرف بقانون الصوت الواحد قد اضعف مجلس النواب اذ لم يؤدي الى افراز مجلس نيابي قادر على القيام بمهامه في الرقابه والتشريع وكذلك ادى ذلك القانون الى نتائج سلبيه بخصوص مسيرة التجربه الديموقراطيه حيث ادى الى تعثر التجربه الحزبيه وتعزيز الولاءات الفرعيه مثل العشائريه والقبليه والطائفيه وغيرها ، ناهيك عن ان الانتخابات السابقه شابها الكثير من العيوب والتجاوزات التي مست نزاهة وسلامة الانتخابات  .

 

 

 

القانون الجديد فيه بعض العناصر الايجابيه وان كانت قليله جدا ، مثل :

 

01            زيادة الكوتا النسائيه الى 12 مقعد بواقع مقعد لكل محافظه .

 

02            مشاركة القضاء في الاشراف على الانتخابات .

 

03            تشديد العقوبات على المظاهر السلبيه التي رافقت الانتخابات السابقه مثل نقل الاصوات والمال السياسي( شراء الاصوات)

 

 

 

اما بخصوص السلبيات فهي كثيره جداً ويمكن تلخيصها على النحو التالي :

 

01            بقاء الصوت الواحد كجوهر او اساس للقانون وان اختلفت التسميات مثل الصوت المنفرد او غير المجزأ او ما شابه ذلك فالقانون الجديد لا يختلف  جوهرياً عن القانون القديم بخصوص صيغة القانون .

 

02            ان تقسيم المملكه الى دوائر وهميه وافتراضيه سوف تفتح المجال للتزوير وذلك لان الناخب يطلب منه فقط ابراز هويته

 

03            لا يوجد ضمانات حقيقيه لنزاهة الانتخابات ومنع التدخلات والنصوص الورادة في القانون بخصوص نزاهة الانتخابات تبقى مجرد نصوص نظرية والممارسة العملية او التطبيق على ارض الواقع امر مختلف كليا والخبرة التاريخية في اجراء الانتخابات تؤكد هذا الحقيقة .

 

04            اضافة اربعة مقاعد اضافيه كانت لمناطق ذات كثافه انتخابيه ولكنه تم تجاهل مناطق ذات كثافه انتخابيه مثل لواء الكوره .

 

05            لم تأخذ الحكومه بالعديد من المقترحات التي قدمتها الكثير من الفعاليات السياسيه  من احزاب ومؤسسات المجتمع المدني وقيادات فكريه لتجاوز ازمة الصوت الواحد وانفردت الحكومه باصدار القانون

 

06            تقليص امتيازات النواب ولا سيما عدم احتساب الخدمة في المجلس خاضعة لاحكام التقاعد وهذا سيؤدي الى فتح المجال للاعطيات والفساد سواء من قبل الحكومة او القطاع الخاص وبالمحصلة اضعاف مجلس النواب .

 

07            تعيين قاضياً نائباً لرئيس اللجنه لا يعد امراً حازما لنزاهة الانتخابات حيث ان القرار النهائي يبقى بيد رئيس اللجنه وليس نائبه .

 

08            كرس القانون مبدأ المحاصصه بزيادة اربعة مقاعد لدوائر ذات تركيز فلسطيني وكذلك 12 للنساء وعدد من المقاعد للشركس والبدو .

 

09            القانون سوف يعزز الانقسامات والولاءات الفرعيه  عشائريه وقبليه ومذهبيه على حساب الولاء للدوله والوطن .

 

10            وصول المرأه الى قبة البرلمان بواسطة الكوتا لن يؤدي الى تمكين المرأه وزيادة مشاركتها في الحياه السياسيه .

 

 

 

نخلص الى القول ان سلبيات القانون اكثر من ايجابياته وهذا ما اكدت عليه العديد من الفعاليات السياسيه والحزبيه والشعبيه وهو نفس القانون القديم لكنه بصيغ جديده ، تغير القانون في الشكل ولكنه لم يتغير في المضمون وقد يكون المجلس القادم اسوأ من الذي سبقه .

 

 

 

وماذا بعد ؟

 

 

 

الحوارات الوهمية على غرار الدوائر الوهمية التي أجرتها الحكومة مع الفعاليات السياسية ظاهرياً بهدف التشاور والتحاور والاستماع إلى مختلف الآراء بغية التوافق على قانون انتخاب ديمقراطي عصري يفرز مجلس نيابي قوي يمارس مهامه على أكمل وجه ويمثل المجتمع الأردني بكافة فئاته تمثيلاً حقيقيا كانت الحوارات محاولة لشراء الوقت أثناء غياب مجلس النواب وذر للرماد في العيون وحوار طرشان فلم تأخذ الحكومة بأي من المقترحات والتوصيات التي قُدمت وهي كثيرة كان من أبرزها ما قدمه المركز الوطني لحقوق الإنسان وهو مؤسسة وطنية مشهود لها بالنزاهة والموضوعية والحرص على تعزيز احترام حقوق الإنسان وتقدم المسيرة الديمقراطية.

 

منذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994م وحتى اليوم فقد تراجعت وانكفأت المسيرة الديمقراطية في البلاد، ونجحت الحكومات المتعاقبة عبر سلسلة من القوانين والإجراءات على اختراق كافة أبنية المجتمع وإضعافها وتفتيتها كما عملت على التضييق على كافة مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الأحزاب السياسية والهيمنة على مجلس النواب بإنتاج مجالس نيابية طيعة للحكومات أو بتغييب المجلس إذا استدعى الوضع وأخيرا إقصاء المعارضة السياسية.

 

وقد كان من ثمار هذه السياسات اضعاف هيبة الدولة وفقدان الثقة بمؤسساتها وارتفاع وتيرة العنف الاجتماعي وفشل ذريع في السياسات الاقتصادية حيث ارتفعت نسب الفقر والبطالة وزادت المديونية وانتشر الفساد وأصبح المؤسسة الأقوى نفوذاً في البلاد.

 

إن الحكومات القوية الواثقة بنفسها القادرة على مواجهة العواصف والتحديات هي التي تحترم إرادة الشعب وتطلعاته في الحرية والتقدم فتجري انتخابات منتظمة حرة نزيهة وتسعى لايجاد برلمان قوي يكون عوناً وسنداً لها لا عبئا عليها وتخلق المعارضة في حال غيابها فالمعارضة هي صمام الأمان للدولة سواء عارضت الحكومة أو أيدتها وهي التي تجعل من قيم الحوار والشفافية والنزاهة والموضوعية ممارسات عملية وأفعالا لا مجرد شعارات وخطب وأقوال .

 

 القوى السياسية التي تحترم نفسها من أحزاب سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات وطنية عليها مسؤولية أخلاقية في هذه المرحلة وعليها اتخاذ موقف واضح تجاه هذا القانون وتجاه أية حوارات وهمية مستقبلية يجريها بعض المسؤولين وهم ليسوا بأصحاب قرار ولا يمتلكوا الإرادة السياسية لأحداث الإصلاح السياسي المنشود، فالخيارات الإستراتيجية التي يتوجب على القوى السياسية دراستها بتأني وجدية متعددة والمقاطعة هي واحدة من هذه الخيارات.

 

وأخيرا أكاد اجزم بأنه إذا ما جرت الانتخابات النيابية في الربع الأخير من هذا العام فان الجميع سيدفع ثمن تبعات هذا القانون حيث ستكون الصراعات وارتفاع منسوب العنف الاجتماعي والاتهامات بالتدخلات والتجاوزات ابرز المظاهر التي سترافق الانتخابات وبالمحصلة سيكون لدينا مجلس نواب اضعف واسوا من الذي سبقه والأيام بيننا! إن هذا المشهد الكئيب للتجربة الديمقراطية في بلادنا نراه ولا نتمناه ونحزن على تراجع وانكفاء هذه المسيرة التي كنا نباهي ونفتخر بها ونتطلع أن تكون التجربة الأنموذج والقدوة في المنطقة، بينما نجد برلمانات ومسيرة ديمقراطية في دول قريبة منا وليست عريقة بالتجربة الديمقراطية تتقدم علينا ومع ذلك نجد الماكينة الإعلامية وعبر أدواتها المتعددة تصور هذا القانون وغيره من الممارسات التي أدت إلى تعثر هذه التجربة على أنها نقلة نوعية في مسيرة الديمقراطية الأردنية وانجاز تاريخي غير مسبوق!.


* د. محمد تركي بني سلامة




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد