انا من طرف فلان

mainThumb

20-11-2010 02:31 AM

كثير ما يسمع المدير عبارة  «انا من طرف فلان»، وهي كلمات سحرية تفتح أحياناً كثيرة لصاحبها الابواب وتذلل له الصعاب ، إنها تعبر عن واقع الفساد الاداري المتمثل بالواسطة التي يمكن أن تلغي حقا أو تحق باطلا، ولهذا تعتبر فسادا يعاقب عليه القانون، لأنه اعتداء على حق الآخرين وعلى أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. وكثيراً ما نسمع هذه العبارة تردد في المجالس "عندك واسطة..؟ الأمر سهل..! ما عندك واسطة الأمر مختلف ، الواسطة أصبحت قارب النجاة الذي نبحث عنه لنقضي حاجاتنا سواء كانت كبيرة أو صغيرة.



أصبحت الواسطة جزءا من تعاملاتنا الحياتية و أصبحنا جزءا لا يتجزأ منها، غدت الواسطة في مجتمعنا واجب اجتماعي وعمل فاضل و خدمة   جليلة ، الواسطة عندنا " ليست مجرد وسيلة للحصول على مكسب، أو حقّ، أو لحلّ مشكلة، ولكنّها باتت أسلوب حياة...وهذا يتنافى مع الذكر الذي نردده خمس مرات في اليوم بعد كل صلاة "اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت".



 لقد أصبح فيتامين ( واو) شر لا بد منه في شتى ميادين العمل والدراسة. فنحن  نحتاج لواسطة في المركز الصحي للحصول على أمر علاج، وواسطة في ادارة المستشفى لقبوله، وواسطة لدى الطبيب لتحديد موعد قريب، وواسطة في التعليم لقبول أبنائنا في المدارس والجامعات، وواسطة للتعيين في الوظائف والنقل . وواسطة للحصول على شهادة الميلاد بسرعة قياسية. وواسطة في الخطوط الجوية  لتأكيد الحجز في المواسم وترقية درجة المقعد من السياحي إلى الأولى مجاناً . وواسطة للحصول على تأشيرة حج . وواسطة للحصول على رخصة قيادة ، وواسطة لنكون ضمن تشكيلة المنتخب الوطني ،ووسطة للحصول على مقعد في الباصات العامة عند الأزمات  ووسطة ل.....الخ. أصبح الناس يتغنون بـ " الواسطه تبني بيوتاً لا عماد لها ."



إن آثار الواسطة لابد أن ينعكس على المواطن، فيفقد ثقته بالحكومة وبأجهزة الدولة، كما تضعف سيادة القانون والقيم الأخلاقية وتتأخر التنمية السياسية. وقد تنتشر الجريمة نتيجة لشعور المواطن بالحقد والكراهية لغياب أسس العدالة. لقد أصبحت الواسطة فوق القانون في عالمنا العربي.. فهي داء لا نعرف له دواء حتى الآن، فالواسطة بكل تأكيد تلغي الكفاءة والخبرة.. وتحرم الوطن من الاستفادة من عقول أبنائه المنتجة والمبدعة، كما أنها نتاج طبيعي للجهل والتخلف المخيف. ومن أبرز سلبيات الواسطة أنها تتسبب بترهل الجهاز الإداري وعدم تطبيق القانون، وبالتالي فإن تأثيرها يكون رهيبا على المجتمع، فمن لا واسطة لديه تتعطل أعماله وتتوقف حياته. للأسف استنزفت الواسطة الكثير من الموارد العربية، ودفع في سبيلها اكثر مما تم دفعه على تمويل الأبحاث العلمية. خلاصة القول: «الواسطة» تسهم في شعور  الفرد بأن كفاءته وخبرته لا تساويان شيئاً إنْ لم يكن لديه «واسطة»، فلاشك أن قيمة  العطاء وقيمة الانتماء سيتدنيان.



أما بخصوص العلاج، فالأمر ليس سهلا على الإطلاق، فقد وقعت «الفاس بالراس» ومن الصعب الحد منها بعد تلف النفوس وترهل الأجهزة الإدارية وخراب الذمم وغياب المحاسبة و المساءلة . فالداء قد استشرى في الجسد ونخر عظامها، وبالتالي لا يمكن أن تتبخر الواسطة او تختفي من حياتنا إلا إذا عملنا بإخلاص ولسنوات وسنوات حينها فقط قد نتمكن من الحد من تفاقمها. أننا بحاجة إلى زرع ثقافة جديدة بين المواطنين ، ثقافة من يعمل يحصد، هذه الثقافة المختفية واقعاً في عالمنا العربي . كما نستطيع القضاء عليها  من خلال الالتزام بالقوانين والأسس الموضوعة لأي هيئة أو مؤسسة حكومية. وعلى الصعيد الشخصي، أرى أنه اذا التزم الانسان بالمبادئ السوية وابتعد عن النفاق، فسوف نجد أن الواسطة تنتهي من مجتمعاتنا.



أرجو أن لا نصل إلى مرحلة  علموا أولادكم فن الواسطة! كيف تكون الواسطة، من أين تؤتى الواسطة . وإن الواسطة علاج فتاك تحل بها كل معضلات القبول وكل أزمات التوظيف و النقل   وخلافه وما شابهها من أزمة أسره في المستشفيات ومن الدوران الغثيث في الدوائر الحكومية . وفي النهاية أقول هناك قناعة لدى جل الناس  إن ثمة حاجة  للواسطة منذ ولادة المواطن  وحتى وفاته في يومه المحتوم، فالواسطة من المهد إلى اللحد .. والعزاء  الوحيد أنها تنتهي عند هذا الحد .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد