خريجو العلوم السياسيه .. بين الطموح المشرق والواقع المر

mainThumb

07-06-2011 11:52 PM

بالامس كنت مدعوا لحضور حفل تخرج زملائي من قسم العلوم السياسيه في جامعة اليرموك ، كم كان جميلا ان ترى الفرحة في عيون الخريجين والدمعة في عيون امهاتهم وهن يهزجن ويزغردن  بعد ان انهى فلذات الاكباد شباباً وصبايا سنوات الدراسه وجاؤوا في هذا اليوم ليحملوا الشهادة الجامعية ثمرةً لما قدموه وعانوه على مدى سنوات  تحملت فيها الاسره كل الاعباء ، خاصة في هذا الزمان ، زمان الضنك وقلة الحيلة وضيق ذات اليد ، فقد كانت رحلة البحث عن توفير الرسوم الجامعية للطالب او الطالبه رحلة مضنيه وفي بعض الفصول كادت تعصف بمستقبل الابن والبنت  او كانت تضطرهم الى تأجيل الدراسة لفصل او فصول ، كما كان الاخوة يعانون من الحرمان من بعض المطالب الملحة أو تأجيلها ان كانت تحتمل التأجيل في سبيل توفير ادنى مقومات الحياه للطالب الجامعي الذي يتطلب منه وضعه في الجامعه ان  يكون قريبا الى ادنى درجة من زملائه الميسورين في الجامعه من ناحية اللباس او الاكل او الشرب ، وتظل الاسرة تتحمل هذا الوضع الى أن يأتي يوم التخرج ، فتظن الاسرة ان الحمل قد خف ، وان الهم قد انزاح ،  فتأخذهم الحياه الى الفرح والرقص والغناء ، يحملون الخريج الى البيت في موكب مهيب ، يطلقون ابواق السيارات ، ويلوحون بالاعلام ،  حتى يصلون الى البيت ، فيجدون جموع المهنئين تنتظرهم لتبارك لهم تخرج ولدهم او ابنتهم ، وتبدأ فناجين القهوة الساده تتراقص بين ايدي الحضور ، وصحون الحلوى تحوم في المكان ، وقطع ( الشوكولاه ) (والتوفي ) تتطاير في كل مكان ، والصغار من القوم يلهون ببث الثلج من علبهم الصغيره  ، فيملؤون المكان بهجة وسرور ، وما هي الا  ايام وبعد ان ينتهي ، الاقارب والاصدقاء والاحباب من تقديم التهاني والمباركه ، تعود الحياه في البيوت الى سابق عهدها ، وتبدأ رحلة البحث عن عمل ، لعل هذا الابن او تلك الابنه يسدون جزءاً من الدين في اعناقهنم الى اسرهم ، ويعوضون الاخوة والاخوات عن جزء من الحرمان الذي لفهم على مدى سنوات الدراسة  الجامعيه ، وهنا يصطدم الطالب بالواقع المر وتبدأ رحلة المعاناه .



في كل عام تخرج جامعاتنا الاردنيه اعداداً لا بأ س بها من تخصص العلوم السياسيه ، والمعلوم ان شواغر التوظيف لهذا التخصص في مواقع محدوده وبأعداد محدوده ولأسماء محدوده ، فليس كل من يتخرج بتخصص العلوم السياسيه يمكنه العمل في وزارة الخارجيه  ، او الداخليه ، او في اي من مؤسسات الدولة ذات الصله ، انما هذه المواقع تكون حكرا على فئة معينه ، فلا يجوز لابن الحراث مثلا ان يكون دبلوماسياً ، اوسفيرا الا من رحم ربي ، او من كانت له واسطه بثقل جبال عمان السبعه ، وما التعيينات الاخيرة في الخارجيه الا دليلاً على  ذلك ، فلا يكون لهؤلاء الخريجين الا الانضمام الى صفوف البطالة على ارصفة الشوارع للذكور ، اما الاناث فليس لهن الا ان يبدأن تعلم المهن البيتية كصنع اللبن والاجبان مثلا او الحياكة والتطريز ، او ان يكون الخيار الاخر القبول  بنبذ ثقافة العيب ـ المطلوب من الفقراء وابناء الطبقات  الكادحه  ـ ويقبل الخريج بالعمل في مطعم او مقهى او في محطة لتصليح البناشر ، او ان تعمل الفتاه سكرتيرة لدى طبيب او مهندس اومحامي ـ مع احترامي لجميع اصحاب تلك المهن ـ  وبعائد مادي لا يكاد يغطي اجور المواصلات ، وتعلق الشهادة  في صدر المنزل حتى يعلوها الغبار ولا تجد من ينفضه عنها .



واقع مر يصطدم به خريجو العلوم السياسيه ، فيتنازلون عن الطموح المشرق ، او هو يتنازل عنهم  فيجد الواحد منهم انه اضاع ستة عشر عاماً من عمره في دراسة غير مجديه  لم تعد عليه بأي نوع من أنواع الفائده ، اللهم الا المعلومات التي اكتسبها ، والتي تبدأ بمغادرة الذهن عاماً بعد عام أمام قوة التفكير في البحث عن مستقبل مجدي بعيداً عن حسابات العلم والشهاده .



حتى  العمل في مجال التدريس مثلاً يكون محرم على حملة هذا التخصص ، على الرغم من ان مناهج التعليم لدينا تحمل في ثناياها الكثير من المباحث التي هي في صميم تخصص العلوم السياسيه ، كالتربية الوطنية مثلا اوالثقافة العامه وحتى التاريخ ، فبدلا من تعيين هؤلاء لتدريس هذه المباحث للتخفيف من البطالة في صفوفهم وتخفيف المعاناة عن كاهل اسرهم وذويهم ، يسند تدريسها لمن يحملون تخصصات لا علاقة لها بذلك لا من قريب او بعيد كتخصص التربية الابتدائية او معلم المجال او الجغرافيا ـ مع احترامي للجميع ـ ولدى اثارتنا لهذا المطلب في  عهد حكومات سابقة كانت الحجة ان الموازنة لا تسمح بذلك ، في الوقت الذي كانت  وما زالت تسمح فيه بتعيين آلاف المستشارين برواتب بعشرات الالاف ، وهم لا يستشارون ، ولا يعملون في الشهر الا يوما ً يذهبون فيه لقبض رواتبهم ،  ومياوماتهم ، ومخحصصاتهم ، ومكافآتهم .



نعم كان الطموح المشرق لهؤلاء الخريجون بأن يستطيعوا استثمار شهاداتهم وما تعلموه في عمل يجنون منه الفائدة الماديه لمساعدة اسرهم من جهه ، واثراء معرفتهم وعلمهم  بالتطبيق العملي لم تعلموه من جهة  اخرى ، الا انهم يفاجئون بالواقع المر  الذي  ينذرهم بانه لا مكان لهم في فكر ذوي الجاه والقرار والسلطان وما عليهم الا انتظار رحمة الله . 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد