الدولة الفلسطينية والفيتو الامريكي

mainThumb

15-08-2011 04:57 PM

بداية نقول أنَ قرار السُلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التَحرير اللجوء إلى الامم المتحدة في العشرين من شهر سبتمبر  عام 2011 للحصول على اعتراف أممي لإقامة دولة فلسطينيه في الضفه الغربيه وغزه ، هو بحد ذاته اعتراف مسبق ومباشر من السلطة والمنظمه  بفشل جميع الاتفاقات التي تم ابرامها مع إسرائيل  منذ عام 1993بدءاً باتفاقات اوسلو التي تم التوقيع عليها في الثالث عشر من سبتمر عام 1993 وما تلى ذلك من اتفاقات مثل: واي ريفر واتِفاق الخليل وخارطة الطَريق وطابا وغيرها من الاتفاقات التي لا يعلم بها الا الله والراسخون  في المفاوضات .
 
 
           اتِفاق  اوسلو المعلن والذي أمضت السلطة الوطنية الفلسطينية ما يقارب العشرين عاما من التفاوض على تطبيقه ، لم يحمل أيِ بند  من بنوده أي إشارة إلى أن المفاوضات ستتوج بإتِفاق يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ، وبذلك تكون هذة الاتفاقات قد  حملت في طياتها  بذور الفشل من البدايات للسبب المذكورولأسباب  أخرى عديدة  ، أهمها عدم توازن القوى بين الطرفين  المتفاوضين  الفلسطيني والإسرائيلي، إضافة إلى أن  الغرب  برمته  بما فيه الولايات المتحدة الامريكية  لم يكن يوما يريد لهذه الإتفاقات أن تنجح، لأن الرَأي الرسمي في الدول الغربية  مرهون للوبي الصهيوني، المرهون بدوره لقوى اليمين الإسرائيلي المتطرف .أضف الى ذلك قبول الطرف الفلسطيني  بتأجيل البحث بالقضايا النهائية وهي قضايا ( القدس و اللاجئين والحدود والمياة ...) والتي تعتبر هي القضايا الرئيسية  الشائكة،التي لا يمكن التوصل إلى حل لأي منها الا على حساب الطرف الفلسطيني، .إضافة إلى  عدم جدية اسرائيل في الوصول الى حل .
 
 
                   هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى ، لا القرار 242، ولا القرار 338 اللذان قبلت  منظمة التحرير الفلسطينية بهما كمرجعية للمفاوضات، يحمل أي منهما  إشارة إلى أن المفاوضات تهدف بالتالي إلى الوصول  لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي التي ستنسحب منها إسرائيل سواءً في الضفة الغربية أو غزة .
 
 
                   فالقرار  242 الصادر عن مجلس الأمن في الثاني والعشرين من نوفمبر عام  1967أشار في الفقرة " أ" البند الأول الى ضرورة  إنسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير .في حين أشارت القفرة" ب" من البند المذكور إلى ضرورة احترام الإستقلال والسيادة لكل دولة في المنطقة، وحقها في أن تعيش بسلام في  نطاق حدود آمنة، وليست فلسطين حتى  تاريخ صدور القرار المذكور دولة  من هذه الدول المشار إليها .
 
 
                     والقرار 338 الصادر في الثاني والعشرين من اكتوبر عام 1973، جاء ليخاطب الأطراف المشاركة إلى وقف اطلاق النار،و لم يشرإلى أي دولة من الدول, في حين أشارت المادة الثالثة، منه إلى إجراء مفاوضات بين الأطراف تهدف إلى إقامة  سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
 
 
 
                    وعليه فإن خيار اللجوء الى الامم المتَحدة ، للحصول على إعتراف بالدولة الفلسطيتية المستقلة جاء متأخرا،  إذْ كان يجب ان يسبق مؤتمر مدريد للسلام، وقبل الخوض في إتفاقات اوسلو, لسبب بسيط هو أن قرارات الامم المتحدة تخاطب دول ، وان المفاوضات كان يجب أن تكون على أساس دولة مقابل دولة لضمان تطبيق مثل هذه القرارات , بعد ان تكون الأمم المتحدة قد اعترفت بحدود الرابع من حزيران عام 1976، كحدود دائمة  للدولة الفلسطينية المستقلة، عندها فقط يمكن المطالبة  بتطبيق هذه القرارات وليس التفاوض على أساسها  كمرجعية للمفاوضات.
 
 
 
 
              سيتقدم الرَئيس الفلسطيني محمود عباس في العشرين من سبتمبر 2011 بطلب للأمين العام للأمم المتحد كوفي عنان يتضمن طلب الموافقة على اقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة ،    متسلحا بموافقة أغلبية أعضاء الجمعية العامة للامم المتحدة على الطلب ،بالإضافة إلى  أن فلسطين تمتلك الشروط الكافية لأقامة الدولة ،فاركان الدولة متوفرة .فالبقعة الجغرافية موجودة بالإضافة الى السلطة والشعب ومجموعة القوانين الناظمة للعلاقات القائمة بين افراد هذا الشعب .  ومن المتوقع ان يحصل الطلب على موافقة أغلبية أعضاء مجلس الأمن، وسيتم إحالته إلى الجمعية العامة للامم المتحدة للتصويت علية ومن ثم إعادته إلى مجلس الأمن لإقراره من قبل أعضاء المجلس،  إذا   نجا" ولن ينجوا" من الفيتو الأمريكي .
 
 
              هنا تكمن المشكلة ،لأن هذا  المشروع سيصطدم حتماً باستخدام أمريكا لحق النقد "الفيتو" عند عرض  المشروع على مجلس الأمن ، فالرَد الأمريكي لا يحتاج الى تأويل، فقد صوت 407 من نواب الكونغرس الأمريكي مقابل معارضة 6 نواب لصالح استخدام أمريكا حق النقض ( الفيتو ) ضد أي قرار يقضي بالموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية  ،ومن المؤكد أن الرئيس الأمريكي لن يكون لديه الجرأة في إغضاب اللوبي الصهيوني لأنه يطمح بفترة رآسية ثانية .  عندئذ ستفشل كل الجهود المبذولة لأقامة دولة فلسطين  ،ونعود والسلطة والمنظمة  إلى المربع الأول .
 
 
               أما الرَد الإسرائيلي فقد اتَسم بالتهديد، وما اتِهام اسرائيل للسلطة انها ستجر المنطقة الى اراقة الدماء ، و التهديد الأسرائيلي بإعادة احتلال الضفة الغربية إلا رسالة واضحة للسلطة وللمنظمة وجميع الأطراف العربية المؤيدة لإقامة الدولة،بأن إسرائيل ستعمل كل ما في وسعها ،وستوظف علاقاتها الحميمة مع واشنطن والعواصم الاوروبية لأجهاض هذا المشروع  .
 
 
               لكن من المؤكد أنَ القرار، سينال موافقة الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة , وخاصة المجموعة العربية والمجموعة الافريقية وبعض دول أمريكا اللاتينية ،لأن كل الشعوب المقهورة في العالم تدرك معنى الإستقلال . وكل شعوب دول العالم الثالث تدرك ايضا أن عهد الإستعمار قد ولَى ،وأنه لم يبق في القرن الحادي والعشرين شعب بلا دولة  الا الشعب  الفلسطيني.
 
 
                 وقد تستفيد السلطة من رآسة دولتين عربيتين لمجلس الأمن والجمعية العامة  هما لبنان وقطر على التوالي في هذا المجال ،فتكون قد أعادت القضية الفلسطينية من جديد الى الواجهة، إضافة إلى أنها  تكون قد وجهت رسالة إلى العالم، تحمل في طياتها اليأس من المفاوضات . بالأضافة لكون ذلك تعبير عن الفشل في تنفيذ الإتفاقيات التي تم ابرامها بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي , وجعل اللجوء إلى الجمعية العامة للامم المتحدة بمثابة بوصلة يمكن من خلالها قياس مدى تعاطف دول العالم مع الشعب الفلسطيني  ، وحشر الدول المؤيدة للإحتلال في الزاوية .
 
 
 
                لكن مع العمل بعد استخدام امريكا لحق النقض "الفيتو" ؟هل تبقى منظمة التحرير الفلسطينة وتكتفي بالحصول على صفة مراقب  ؟ و تكون بذلك قد عادت  سبع وثلاثين سنة من الزمن الى الخلف هي  عمر الموافقة على قبولها كمراقب دائم  في الجمعية العامة للأمم المتحدة.أم ستبحث عن خيارات أخرى تخرجها من دوامة المفاوضات وتحقق أقل من  الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني ؟لأن الحد الأدنى قد تم تجاوزه بمجرد التفاوض على أساس حدود عام .1967
 
 
                   ستكون السلطة امام خيارات ثلاثة  :- اولا: حل نفسها وقلب الطاولة وترك الأمر للشعب الفلسطيني ليقرر ما يريد , وثانيها تغذية الأنتفاضة الثالثة واللعب بهذه الورقة الرابحة  كوسيلة ضغط على اسرائيل والعالم , والثالث اللجوء الشقيقتين الأردن و مصر لأعادة الأوضاع الى ما قبل فك الإرتباط عام 1988 وإلى ما قبل حرب عام 1967 , عندئذ يمكن التفاوض على الإنسحاب الإسرائيلي من الضفة على اعتبار الضفة كجزء محتل من الأردن , وعلى الوضع في غزة كجزءٍ محتل من الدولة المصرية .هل ستتبنى  السلطة أي من هذه الخيارات أم  انها ستبحث عن خيارات أخرى ؟ هذا ما ستظهره الأيام القادمة .  
 
 
                 وختاما نقول ان فهم قرارات الأمم المتحدة ومبادئها والوعي الدبلوماسي لهذه المبادئ ، وأصول عقد وتنفيذ المعاهدة الدولية وقرارات الأمم المتحدة ،   يتطلب عدم الخوض في أي مفاوضات مع إسرائيل، إلا  على أساس الإتفاق المسبق معها  أن المفاوضات ستؤول بالتالي إلى إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود ما قبل الرابع من حزيران عام  ، 1967وتحديد سقف زمني للتفاوض.  وإلا ستكون المفاوضات عبثية، وتجعل من هذه الأراضي مناطق متنازع عليها الغلبة في هذا النزاع للقوي.
 
 
                        كان يجب أن تدرك المنظمة قبل الخوض في دهاليز مدريد واوسلو ،ان الحل الأمثل يتطلب بقاء الضفة الغربية مرتبطة مع الأردن ،لأن العلاقة التي ترسخت عبر التاريخ بين الشعبي الأردني والفلسطيني  لا يمكن باي حال من الأحوال تفكيكها. بالإضافة إلى الجوانب القانونية للموضوع ، وعلية كان يجب خوض المفاوضات تحت المظلة الأردنية ، وعدم  مطالبة  منظمة التحرير الفلسطينية  بنزع الضفة الغربية عن تبعيتها الى الأردن وغزة عن مصر كما كان الوضع قبل عام 1967 ، لأن القانون الدولي  يخاطب دولا  ولا ينطبق إلا على الدُول .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد