الوحدة الوطنية

mainThumb

31-10-2011 07:37 AM

  " الوحدة الوطنية خط أحمر". فلا يجوز لأي كان العبث بها ،جملة قصيرة لكنها تحمل من المعاني الكثير ، وهذة الجملة بالغة الاهمية ، بكل المقاييس والمعايير، نظرا لما تحمله هاتان المفردتان من معانٍ ،ولما لهما من من قدسية عند كل من احب الوطن ،" الأرض والبشر والشجر والحجر". هذه الجملة لا يمكن أن يدرك معانيها ، إلا الناضجين فكريا وسياسيا واجتماعيا،الذين يفهمون معنى الإنتماء ،ويدركون خطورة وعواقب المس بوحدة الوطن واستقراره ،وما قد ينتج عن  هذا المساس من نتائج ممكن أن  تفتح شهية القاصي والداني من الاعداء الذين يتربصون بالوطن ،ولا يريدون له إلا الشر، بل يعتبرون أن  الدخول من بوابة الفرقة والتشرذم هي أسهل الطرق وأيسرها وأقلها كلفة، للنيل من أرضه ومن مقدراته ومن أبنائه.ولا أدل على ذلك الأ محاولات الأعداء المستمرة للنيل من هذه الوحدة والتركيز على مناطق الضعف في البنية السياسية او الاجتماعية ، وآيجاد شرخ في بنية الوطن،وما أكثر التجارب الماثلة أمام اعيننا من الماضي والحاضرن التي تثبت هذا القول،فكثيرة هي الاوطان التيكبت ولم تستطع النهوض  وبقيت جريحة تترنح في مكانها حين تم خدش وحدتها الوطنية والنيل منها.  

          لم نسوق هذا الكلام كمقدمة للموضوع، إلا لأننا رضعنا حب الوطن منذ أن رأت اعيننا النور، فتعلمناه وعلمناه ،ورأينا من خلال التجربة كيف تصبح الأوطان فريسة سهلة للأعداء ، عندما تفتح لهم واحدة من بوابات الدخول لنهش جسم تقطعت به الأوصال فأصبح لقمة سائغة ،يساعدهم على مضغها أؤلئك العابثون الذين يضعون مصالحهم الشخصية فوق كل إعتبار.يساعدهم في ذلك ، ثلة من الجهلة يحبون العزف على أنغام الفرقة، ويجيدون الرقص على حبال النعرات العنصرية والطائفية والإقليمية والمناطقية والفئوية والجهوية وبث روح الفتنة البغيضة  ،ظنا منهم انهم بذلك يحققون مكاسب لصالح هذه الجهة أو تلك ولا يدركون ان الوطن هو الخاسر الأكبر في لعبة التمييز والفرقة والتهميش والتحييد .

             لم تكن الوحدة يوما لتشير إلا إلى المنعة والعزة والقوة . ولم تكن الفرقة يوما لتشير إلا إلى الضعف والهوان والإستكانة والرضوخ . ولم تكن الوطنية الحقة يوما لتشير إلا لعلاقة حب أزلية نسجت خيوطها معاني الإنتماء والوفاء والولاء والعطاء ،ولم تكن الوطنية يوما أيضا لتشير إلا للآيمان  بمباديء العدالة والتسامح .

             لا يمكن للوطن ان يبقى حراً أبيا عصياً على الأعداء، إلا إذا شرع بنيانه على أعمدة صلبة وقوية، تساهم في صنعها مباديء العدالة والمساواة والصدق والأمانة ، تستند في قوتها على عمود أوسط، أطول الاعمدة  وأكبرها حجماً، وأكثرها صلابة وقوة ، ألا وهو "عمود الوحدة الوطنية" . لان سقوط العمود الأوسط "لا سمح الله" سيؤدي حتما إلى سقوط بقية الأعمدة ،وبالتالي سينهار البيت على ساكنيه ،وإن لم يكن سيسبب دماراً وأذىً قد يطول الزمان، قبل أن يتمكن أهلوه من إعادة بنائه ، على أُسس صحيحة تضمن عدم تعرضه للسقوط مرة أخرى .

              وحتى يقترن القول بالعمل ، ويصبح الآيمان بالوحدة الوطنية قابلاً للتطبيق ، وليس شعارا يتسلق جدرانه أصحاب الأجندات الضيقة ،لا بد من تغليب مصلحة الوطن وجعلها فوق كل المصالح .ولا يتأتى ذلك إلا إذا اقترن هذا الآيمان بالوعي الوطني الفردي والجمعي، كنتاج لتربية وطنية مقترنة بالممارسة، تكون جزءاً من السلوك المبني على التسامح، ومحاولة فهم الآخر بل وجذبه لممارسة دوره في الحياة العامة ،لتشكيل نسيج إجتماعي قوي، يحرص كل فرد فيه على توفير الراحة والطماْنينة للآخرين ،على قاعدة ("كلنا أخوه " ،فالوطن واحد والشعب واحد والهدف واحد، والمصير واحد ، نتقاسم لقمة العيش ، ونتقاسم الامل كما نتقاسم الألم .)

             وحتى يتشكل هذا الوعي، ويرسخ في الذهن كمفهوم يتفق عليه الجميع ،لا بد من  أدوات نتوسلها، تشترك في تشكيلها المؤسسات الرسمية والشعبية ،كخطة تشاركية تسهم فيها وسائل الإعلام والمدرسة والأحزاب والجمعيات والهيئات الخيرية والتطوعية والنخب السياسية والإجتماعية بالإضافة للأسرة ،بحيث توجه كل هذه المؤسسات برامجها لصالح تعزيز هذه الوحدة وترسيخها في الذهن كشعار له قدسية،لا يجوز لأي كان تجاوزه او العبث به .

          
            ولا بد كذلك من استصدار تشريعات وقوانين تحرٍِم بل تجِرٍم العبث بالوحدة الوطنية. ويدخل في هذا الإطار "إطار العبث " تفصيل القوانين على مقاسات أشخاص بعينهم ،لشغل المناصب والمواقع والوظائف العامة ، لأن في ذلك خرق  للدستور . يدخل في إطار التجريم كذلك والتعرض للعقوبة أي ممارسة لفظية أو عملية من شأنها تعريض الوحدة الوطنية للخطر،وما تشهده الملاعب الرياضية أحيانا من شعارات إلا نموذجا على مثل هذه الممارسات الخاطئة التي يجب أن تنتهي، والتي تبدأ بالتربية الاسرية وتنتهي بحملة وطنية توعوية  جادة مستندة على قرار سياسي يقترن بالعقوبة ،علنا نستطيع التخلص من آفة التعصب الأعمى .   

            وتلعب الديمقراطية دوراً أساسياً في تعزيز الوحدة الوطنية ،مما لها من قدرة على تشكيل لغة مشتركة، يفهمها من يؤمنون بها كوسيلة من وسائل الحوار والإقناع، وحرية التعبير، و الإلتزام بالحقوق والواجبات كقاعدة يبنى عليها مفهوم المواطنة الصادقة. ديمقراطية تحترم الرأي والرأي الآخر ،بعيداً عن لغة التهويش والعنترية المهترأة ، والصدامية القائمة على الجهل، والتمترس خلف مباديء العصبية، والإقليمية، والجهوية والمناطقية. ديمقراطية يتنافس فيها الجميع لخدمة الوطن ،لا لتفتيته وتقطيع أواصره. ديمقراطية يكون فيها الثواب للأفضل، ويتسابق فيها الجميع كل من موقعه لخدمة الوطن وأهدافه. ديمقراطية تخضع فيها الأقلية لقرار الأكثرية،بعيدا عن وسائل الضغط والتحيُز،وبعيداً عن التهميش والتحييد .

            وحتى يقتنع المواطن بالوحدة الوطنية وأهميتها لا بد من إعتماد الكفاءة، والكفاءة فقط في الإختيار للوظائف العامة، طبقاً لنص الدستور، وليكن تشكيل الحكومات أول الخطوات بهذا الإتجاه ،ولتعتمد الكفاءة كوسيلة وحيدة للإختيار،وليس الإختيار على أسس المحاصصة والمناطقية ،أو على أسس الجغرافيا . ولا بد كذلك ان يتم استصدار قانون للإنتخابات النيابية يستند على العدالة في تقسيم الدوائر الإنتخابية مثلاً،  وعدم التفكير في تطبيق جغرافيا الإنتخابات على أسس الإقصاء والتحييد ، مما يعطي الفرصة لأصحاب الكفاءات المشاركة في الحكم، ليأخذ كل دوره في البناء بغض النظر عن الأصل أو المنبت وبغض النظر عما يحمله المواطن  من أفكار ،لخلق جو من الألفة والمحبة والتعاون ،لنعطي فسحة من الأمل للجميع، ولينظر الجميع نظرة مستقبلية متفائلة ، بدلاً من النظر بعين الحسد والبغضاء والإحساس بالغبن والتمييز.

             وحتى يقتنع المواطن كذلك بأهميًة الوحدة الوطنية ، لا بد من توزيع عادل للمكتسبات والثروات ،ليستفيد منها الجميع وبعدالة ،ولا بد من التخلص من سياسة الإقصاء والتحييد ،فالوطن كما قلنا للجميع ويتسع للجميع ،فليس هناك من افضلية لأحد على الآخر في العطاء والإنتماء فالكل متساوون أمام القانون ، ،متساوون في الحقوق والواجبات ، متساوون في الهوية الوطنية، وأن سبق أحدهم الآخر في الحصول على هذه الهويًة . 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد