وجدت النقابات المهنية والعمالية في الاردن ومنها نقابة المعلمين لخدمة أعضائها بكل الوسائل المتاحة وحمايتهم مادياً ومعنوياً من أرباب العمل وقوانينهم وما يقع عليهم من ظلم , وبالتالي فإن كل التشريعات(قوانين وأنظمة) الناظمة لعمل النقابة يتوجب أن تكون بوصلتها تتجه صوب خدمة المعلم وفك القيود المحيطة به وبعمله.
النظام الداخلي أفرد من بين مواده 14 مادة(84 - 97) تتحدث عن ما يسمى لجنة التأديب(المجلس التأديبي) حيث يستطيع مجلس النقابة من خلاله محاسبة الأعضاء , ولا نختلف مع المجلس من حيث المبدأ من ضرورة وجود بعض المواد تكون قادرة على محاسبة العضو عند ارتكابه بعض الأخطاء المحسوبة على المهنة وممارستها خوفاً من الإساءة لرسالة وأخلاقيات هذه المهنة, وما جاء في النظام الداخلي في مواد المجلس التأديبي وخاصة المادة(84) ونصها:" كل عضو يخل بواجباته المهنية خلافا لأحكام قانون نقابة المعلمين رقم 14 لعام 2011وأي نظام صادر بمقتضاه أو يرتكب خطأ مهنيا أو يتجاوز حقوقه أو يرفض التقيد بقرارات المجلس أو يقدم على ممارسة عمل يمس شرف المهنة وكرامتها أو يتصرف في حياته الخاصة تصرفا يحط من قدرها، يعرض نفسه لإجراءات تأديبية أمام لجنة التأديب" حيث نجد أن هذه الصياغة قد تحدثت عن عموميات فضفاضة يندرج أسفلها أبسط المخالفات التي قد تحدث من العضو أثناء أدائه لعمله حتى تصل إلى أكبرها, وفي ظل هذه العمومية من قبل النقابة التي لا تعطي للمعلم أي انطباع عن المحظورات والمخالفات أثناء أدائه لعمله وبالتالي تبقيه أسيراً للشكوك والظنون مما يؤدي إلى محاصرة المعلم في حريته المهنية المنضبطة بالقانون أصلاً(قانون التربية والتعليم, نظام الخدمة المدنية, قانون نقابة المعلمين) إضافة إلى ذلك كبح جماح الإبداع خوفاً من الوقوع في الخطأ أو ارتكابه للمخالفة وهذا يقودنا إلى ضرورة وضع نوعية المخالفة المحظورة على المعلم وما يقابلها من عقوبة آخذين بعين الاعتبار عملية التدرج في حجم المخالفة وأثرها على المهنة وبالتالي التدرج بالعقوبة مقابلها, وعمليات التكرار في ارتكاب بعض هذه المخالفات وما يترتب عليه من عقوبات مضاعفة.
المعضلة الأخرى التي ستكون أمام المجلس التأديبي في المخالفات والعقوبات عملية التداخل الذي سيحدث أثناء ممارسة المعلم لمهنته من خضوعه لقانون الوزارة وأنظمتها وتعليماتها التي تلزم المعلم التقيد بها وعدم مخالفتها وبالتالي معاقبته من خلالها والتي تبدأ من أبسطها التنبيه وتصل في أقصاها إلى الفصل من المهنة, إضافة إلى أن النقابة وقانونها خاضعين لقانون وزارة التربية والتعليم الأردني ونظام الخدمة المدنية وتشريعات أخرى وذلك حسب المادة(5)الفقرة(ب) ونصها:" مراعاة أحكام قانون التربية والتعليم ونظام الخدمة المدنية والتشريعات الأخرى", مما قد يخلق حالة من التداخل في المخالفات وعقوباتها وبالتالي تصبح احتمالية الخوف على المعلم من وقوع عملية تأديبه على المخالفة الواحدة من أكثر من طرف, وهذا ما لم يسعى له المعلم من إنشاء النقابة ومشاركتها لوزارة التربية في العقاب والتأديب, بل على العكس, سعى المعلم إلى هذه النقابة لتحصيل حقوقه والمحافظة عليها وعلى كرامته وأن تقوم بفتح الآفاق أمامه للإبداع والتشارك مع وزارة التربية في إعادة بناء العملية التربوية وبالتالي إعادة صياغة الكثير من التشريعات التربوية والمناهج.
أما التخوف الآخر هو استغلال المجلس التأديبي وهذه العمومية الفضفاضة في المخالفات التي تطرق لها في المادة(84) من النظام الداخلي حيث يمكن استغلالها من قبل الكثير من الأطراف للنيل من المعلم وتنفيذ الكيدية ضده وبالتالي تصفية الحسابات المختلفة وفي مقدمتها الانتقام الإداري من معلم الميدان وليس فقط المصالح النقابية لبعض الأطراف, ولا ننسى مشهد اقتياد الشرطة للمعلمين من المدارس لشكوى كيدية من طالب أو ولي أمر, والسؤال الذي يطرح نفسه هل النقابة قادرة من خلال هذا المجلس التأديبي منع مثل هكذا مشاهدات..؟!!, وهل العقوبة التي ينالها المعلم من المجلس التأديبي تحميه من خضوعه لعقوبات أخرى ومن جهات أخرى..؟!! وهل تحولت النقابة إلى صفة الجابي في ظل وجود عقوبات على المعلم كغرامات مالية أقلها 100دينار وأقصاها 500دينار, ورفع رسم الاشتراك الشهري إلى 3 دنانير..؟!!
التوصيات:
- إعادة صياغة مادة أو مواد تتطرق إلى نوعية المخالفات التي قد نصنفها إلى سلوكية(أخلاقية) ومهنية ذات أثر سلبي على المهنة ويقابلها نوعية العقوبة.
- عند صياغة العقوبات وتسميتها العمل على عدم تكرار العقوبة على المعلم من عدة أطراف(الوزارة,النقابة, القضاء).
- أن لا ينسى المشرع ما جاء في قانون النقابة من مواد تتحدث عن زوال عضوية المعلم من وهي المادة(7) والتي تتحدث عن شروط العضوية وبزوال هذه الشروط تزول العضوية, والمادة(10) أيضاً حددت أربع حالات لمن أراد الاطلاع عليها صلاحيات المجلس في اتخاذها لقرار فصل العضو من النقابة.
- وضع برنامج عقابي يبدأ بالتوجيه وإعداد الدورات الخاصة لرفع سوية المعلم مهنياً والتي يرى بها المجلس بأنها تؤدي إلى اختفاء بعض السلوكيات السلبية أو المخالفات المهنية من قبل المعلم, بمعنى معرفة سبب قيام المعلم بهذا السلوك والبحث عن علاج له.
- تعزيز المعلم بناءً على ما يقدمه من سلوك ايجابي خلال العام الدراسي باحتساب الأفضلية في تنافسه على ما تقدمه النقابة من بعض الخدمات مثل لا الحصر(القرض الحسن, الابتعاث للدراسات العليا, الدورات ذات العائد المادي على المعلم, بعثات الحج), وبذلك يتولد شعور لدى المعلم العضو بأن النقابة هي البيت الآمن الذي طالما بحث عنه هروباً من الاستبداد والتهميش الذي مورس عليه من الوزارة ومنعه من المشاركة في بناء التشريعات والمناهج.
* أرسطو