معارك برلمانية الحلقة 34 - بقلم د. احمد عويدي العبادي (حصري بالسوسنة)
لقد كان موقف الحركة الوطنية الأردنية صفعة سياسية وطنية لدوائر التحكم , و للانتهازيين وتجار السياسة وباعة الأوطان، وقد قبلت أن أكون الوجه الظاهري للحركة وان أقدم التضحية لإعلان هذه الآراء التي ستأتي بانفلات أهل اللغو والكلاب الضالة النابحة ضدي , رغم أن هذا الفكر هو أيضا رأي الحركة وفكرها أيضا آنذاك، ووزعنا الأدوار على أساس أن يتقدم الأخوة الآخرون في قيادة الحركة في حينه أيضا, لأداء مهمات أخرى ( من وراء الكواليس ) من الحوار أو تخفيف الحملة ضدي , أو التفاهم الوطني مع الجهات الرسمية، أو الجهات الفلسطينية, عندما تقتضي الحاجة.
ولكن كلمة الحركة الوطنية الأردنية , كانت ترعب ( دوائر الحكم والتحكم ) والحكومات بما يزيد عن خوفها (أي هذه الدوائر الثلاثة ومن لف لفها ) من تنظيم العشائر وتسييسها ومن أسلحة الدمار الشامل , لا بل أكثر , لان الحركة الوطنية الأردنية كانت تضم زعامات عشائرية هامة وقوية معظمهم قضوا نحبهم , ومنهم من ابتعد عن الحركة وناى بنفسه عن السياسية والمشروع الوطني , لأنهم ( القيادات ) اكتشفوا كما اكتشفت أنا مؤخرا , أن هذا المشروع السياسي لازال سابقا لأوانه , ولم يدرك الناس أهميته وضرورته , فضلا عن الحرب الشعواء التي تشنها الدولة على هذه الحركة وفكرها ورموزها , وهو أمر لا يستطيع الجميع تحمله ولكنني تحملته ودفعت ثمنه غاليا في صحتي وأسرتي وسمعتي ومكتسباتي وحقوقي وحقوق أولادي وإخوتي وأسرتي , ولكنه يهون في سبيل الأردن وهويته وشرعيته وقضيته .
وعلى كل حال , استطاع الماسونيون ومثلث الغم وأتباع مدير المخابرات الذي كانت خاتمة أعماله بالسجن , وأبواقهم الإعلامية , أن يشعلوا النار بدل الحوار، وأن يتصرفوا بالفوقية والعنجهية بدل العقلانية، وأن يصفوني والحركة الوطنية أننا لا نمثل أحداً، ولسنا مؤهلين للحوار أو الحديث، وليس لنا أية صفة رسمية أو شعبية أو فكرية. كانوا يحبون ذكر إبليس على أن يسمعوا ذكر الحركة الوطنية الأردنية لأنهم يعتبرونها برهان على انعدام شرعية دوائر الحكم والتحكم والمهمات .
كنا في الحركة الوطنية الأردنية نقدم فكرا أولا , ولا بد أن يأتي يوم ليتحول هذا الفكر إلى شموع ثم إلى نور يضيء طريق الأجيال القادمة إن شاء الله . ونقدم بذرة لا بد أن تكون يوما شجرة ثم تتحول إلى غابة وارفة الظلال , وان العمل السياسي لا يعني تحقيق الأهداف بين عشية وضحاها , بل لا بد من التأني والعمل الدؤوب , والذي قد يستمر أجيالا أحيانا .وقد يمر بمرحلة غفوة أو هفوة أو كبوة , لكنه ينهض من عثاره ليستأنف المسيرة , التي لن تتوقف طالما وجد الفكر مدونا ومتوارثا , فلا بد من الحصول على النتيجة عاجلا أم آجلا . فالعمل السياسي الوطني والنضال السياسي لابد له من فكر وقد توفر , ولا بد له من رجال , وهم غير متوفرين في هذا الزمن الرديء , ولا بد من الهمة , والتي اعتقد أن جيلا سيأتي ويكون صاحب الهمة وفيه الرجال الذين تتطلبهم مراحل الإصلاح والبناء والتغيير الحقيقي للأشياء ومحاسبة اللصوص والفاسدين والمستبدين واستعادة الأموال المنهوبة والمقدرات الوطنية المسلوبة .
إنها الحرب على الأردن هوية وشرعية وقضية , وعلى المتنورين من أهله ، ورفض بروز أي فكر وطني مهما كان، وكيفما كان ,وطمس , بل وتغييب أية شخصية وطنية قد تكون مشروعا وطنيا محتملا . إن الدولة بدوائر الحكم والتحكم والمهمات لا تطيق حتى هذا الاحتمال . والحرص قبل ذلك على عدم ظهور أية قيادات وطنية أردنية ، وتشويه صورة هذه القيادات بالأشانة والتلويث، واختلاق التقزز الشعبي من نقائها الوطني , ومع هذا كان القضاء عادلاً ً وأصدر حكمه ، في أن هذا جزء من الفكر السياسي،وهو غير محرم على الناس فقد كفله الدستور والقانون.
كان الإعلام أمامنا مغلقاً , إلا بعض الصحف التي كانت بأيدي مجموعة من الشباب الوطني الشجاع ، الذين تم تطفيشهم بعد اتهامهم وتوقيفهم وإهابتهم مثل شباب صحيفة البلاد , وعلى رأسهم الأستاذ نايف الطورة، صاحب الجريدة في حينه، وخالد الكساسبة , ففقد الأردن مثل هذه النخبة الخيرة , الذين ذهبوا إلى أمريكا بحثاً عن الحرية كما قلنا سابقاً، وتمَّ بيع الصحيفة التي كانوا يتملكونها، ولم يعد أصحابها الجدد قادرين على مقاومة أو مجابهة هذا الضغط الرسمي الهائل ضدهم، فهم مجموعة من الأردنيين العصاميين الغلابى , الذين يريدون لقمة العيش بأدنى هامش من الحرية إن لم يتوفر أعلاها، وبأدنى هامش من الخسارة،إذا كان لابد من الخسارة , إذ لا طاقة لهم بأعلى درجة من الخسارة.
ولكن نجاحي ثانية إلى مجلس النواب عام 1997، فتح لنا هامشاً ومنبرا جديداً لم يكن في حسبان مثلث الغم ودوائر الحكم والتحكم والمهمات ، فقد ضرب الله من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً، وأغشاهم فهم لا يبصرون، وشاء الله أمر نجاحي، وهيأ له أسبابه، وثبت عدم صدقية هؤلاء الأعداء من الماسونيين ومثلث الغم، وكلابهم الضالة الذين يؤدون المهمات القذرة، الذين كانوا ولا زالوا يعتقدون أن مجرّد غضبهم عليّ، وإرادتهم ضدي كافية لعدم نجاحي.
ولم يقرأوا قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون، ولا نجاة الأنبياء والأولياء من كيد وبغي أهل المكر السيئ، ولا شك أن عون الله للصادقين هي إرادة الله تتجسد في كل زمان يريده ويشاؤه سبحانه وتعالى.
ونعود للقول: إن الحياة مسرحية، وما نحن إلا ممثلون على المسرح، والمهم أن يبتدع الشخص لنفسه دوراً يؤديه , وأن يتحكم بأدوار الآخرين، إما أن يستسلم للنص والمخرج ومساعده، فذلك يعني انه سمكة ميتة في تيار متحرك . وكنت حريصاً دائماً على كتابة نص المسرحية والتحكم بشخوصها أو تحريكهم على الأقل ضمن ما أراه، وإن كان الكثير ممن يتعاملون معي لا يعرفون هذه الميّزة عندي .
صحيح أن المعارك السياسية قد تكون اخطر وأقذر من المعارك الحربية، ولكنني كنت أخوض معارك سياسية وأمنية وحربية واجتماعية وإعلامية وعشائرية كلها معاً، وانه وكما قال الشاعر العربي :
إذا لم يكن عون من الله للفتى == فأول ما يقضي عليه اجتهاده.
لذا فإنني اعمل ما استطيع لأن أحوز رضى الله سبحانه , ساجداً وعابداً له , وأساله سبحانه أن يكون معي وإلى جانبي جلّ وعلا , وأداوم باستمرار على التشرف برضى الوالد والوالدة أثناء حياتهما , رحمهما الله، وأسكنهما فسيح جناته فإن أملي بالله سبحانه أن ينصرني على جميع الأعداء والمتربصين.وكانت أمي البدوية الأمية رحمها الله واسكنها فسيح جناته , تدعو لي بقولها : يا وليدي الله يعطيك السعد مثل قصف الرعد , وينصرك على كل من عاداك ومشى ورآك , وتصير مثل الندى على وجه البلاد كل من يشوفه يحبه , ويصير منك الذرى والذرية , الله ينصرك على الإنس والجن والحديد والعبيد
لقد تكالبت علي الأمم، ليس لأنني د. أحمد عويدي العبادي فحسب بمواصفاتي الذهنية والنفسية والعقلية والبلاغية ، بل لأنني رفضت أن أكون ثوراً يوضع النير على عاتقه أو عنقه، وأصرت أن أبقى دكتوراً مسيّساً أتاني الله الفكر والقلم، وأشعر أنني صاحب رسالة، وعليّ تأديتها.
كنت أدرك وأعرف أن اسم الأردن، والعشائر الأردنية، والحركة الوطنية الأردنية، وأية تنظيمات أو تسييس للأردنيين، وتبصيرهم بحقوقهم، وإلقاء الضوء على سياسات وممارسات الاغتصاب السياسي، والانتهاب ألنخاسي (من النخاسة)، يعني شنّ الحرب على من يقود لواء التوعية أو التاريخ أو العشيرة أو الثقافة أو الفكر السياسي والوطني الأردني.فانا إنما أتجاوز المحرمات السياسية , وعلي أن ادفع الثمن عاجلا أم آجلا . وبالفعل دفعته فيما بعد سجنا لمدة سنتين بدون جريمة ( 2007 + 2008 ). فالثار السياسي غير خاضع للتقادم , ولا للمكان والزمان , وإنما خاضع للثار وحده بل وللثار وحده .
وحيث أن الأمور تقاس بالنتائج والعواقب، فإن من يضحك أخيراً يضحك كثيراً، وان الحياة بين كرّ وفرّ، ليس فيها عدوّ دائم، ولا صديق دائم , ولا صداقة دائمة , ولا عداوة دائمة , ولكن مصالح دائمة، وأنا أقول: يجب أن تكون هناك أخلاق دائمة، وكرامة دائمة، وشرف دائم،وذوق دائم , ولكنني اغني في الطاحونة , وفي غير الأوان . وأقول: إن الأيام دول وتداول وسَرج وخُرج.وليل ونهار وجنة ونار وفائت وات وغائب وحاضر وخير وشر .
لقد كان الحرب سجالاً بيني وبين حكومة الثورة البيضاء التي أسماها الناس: «حكومة الدفع قبل الرفع»، وكنت أتوقف في مقالاتي عند إجراءاتها وسياساتها، وأوجه لها اللوم، حتى ضاقت ذرعاً بي وبمقالاتي ومواقفي وانتقاداتي، رغم أنني لم أكن نائباً، ولكن انزعاجها جاء بسبب تأثير مقالاتي وأرائي بشرائح واسعة من الشعب والرأي العام والخارج . ومع هذا فعندما اقرأ الآن ما كنت اكتبه آنذاك , أجد السقف المرتفع للحرية في ذلك الزمن . وأنأ أقول دائما : لا يسمح بالحرية ويتحملها إلا الشجاع الواثق من نفسه . ولا شك أن رئيس حكومة الدفع قبل الرفع كان ذكيا ولماحا وشجاعا في اتخاذ القرار وتحمل الانتقاد , وان كان يكرهني ولم يألو جهدا في إيذائي , وكان بالمقابل ضيق الصدر للأسف الشديد عصبي المزاج , صاحب نزق , ولا يتوانى عن سحق عدوه أو معارضه بأعلى درجات البطش ودونما ضوابط إن استطاع .
ومع هذا عملت تلك الحكومة مع مدير المخابرات الذي ختم حياته بالسجن والذلة والمهانة , على إلصاق تهمة معاداة الوحدة الوطنية بي شخصيا من خلال طر آخر ، وتحويلي إلى المحاكم بتهمة خطيرة وهي التفريق بين عناصر الأمة., مع ما رافق ذلك من حملة إعلامية تشويهية موجهة ومبرمجة بشكل واضح ومقزز .
حيث أن القطعان الضالة من الدخلاء الذين يتكالبون على الأصلاء شنوا علي هجمات تشويهية لا يتصورها العقل ؟ ومع هذا صبرت وصمدت و واستمريت بالحملة المضادة وتغلبت عليهم بالقلم وبالحجة والحمد لله . ولا بد من القول هنا : انه مثلما كان ولا زال لدينا مشروع وطني للنهوض بالأردنيين وتوعيتهم وإثراء هويتهم وتبصيرهم بشرعيتهم , فانه يوجد بالمقابل مشروع المتشرنقين والحاقدين الذين يريدون تجهيل هذا الشعب , واعتبار المناداة بالوطنية ضربا من الخيانة للوطن , بحجة أنها عداوة لما يسمونه الوحدة الوطنية .
وأخيراً اكتشف صاحب القرار صدق كلامي وانتقاداتي لتلك الحكومة، واتفق مع رأيي بها ، ووجه إلى رئيسها أعنف رسالة ملكية توجه من رأس الدولة بالأردن إلى رئيس وزراء في تاريخ هذا البلد , بعد إن كانت الرسائل تقطر ثناء عليه ومدحا له من قبل ( نص الرسالة أدناه )
ومن المفارقات السياسية، أن ما ورد في الرسالة الملكية في حينه تضمن كثيراً من آرائي وكلماتي وعباراتي في مقالاتي وجلساتي العامة والخاصّة حول حكومة الثورة البيضاء. لقد تنبّهت الدولة إلى صدق رأيي وتقييمي لتلك الحكومة، وخَسِرْتُ وتأذيت زمنها وعلى يديها، وهي التي ساهمت في إيغار الصدور والقرارات ضدي . ولكنها ذهبت مكتوية بالنار التي حرقت بها أجسادنا , فطردها صاحب القرار مدحورة بموجب رسالة ملكية عنيفة، نثبتها تالياً، لأهميتها التاريخية.
أما أنا فما أخذت حقي وإنصافي رغم اكتشاف مصداقيتي ،وبعد نظري ودقتي في تقييم الأمور .
ورغم وصول صاحب القرار إلى النتيجة التي كنت وصلتها من قبله بسنة ونيف , وعبرت عنها صراحة وعلنا وقراها الجميع بما فيهم الملك , ذلك أن مقالاتي كانت موضع قراءة وعناية الجهات الرسمية والأمنية والحكومية والسفارات أيضا والقصر ودوائر الحكم والتحكم والمهمات وكان الملك يرد عليها في كثير من خطاباته ويقدمني للناس أنني أسوا شخصية بالأردن , فقد كان الملك الراحل يهاجمني بعنف وأذى وعمل جهده على تدمير سمعتي لأنه لم يكن يطيق وجود شخصية وطنية , ولأنه كان يتوجس مني شيئا من الوهم الذي لم يدر في خلدي إلا بعد التفكير الطويل في سبب التهجم الدائم للملك الراحل ضدي وبدون توقف وفي كل مناسبة على أنني أسوا شخص وصاحب أسوا كتابة , وإنني عدوه شخصيا وعدو لما كان يسميه الوحدة الوطنية ,إلا أن أحدا لم ينصفني أبدا وبقيت أجد العداء من الذاهب والقادم من العالي والوا طي , لأنني احمل مشروعا وفكرا وطنيا أردنيا , لا يحتمله من اخذ متاعه هاربا لواذا مذموما مدحورا , ولا من جاء وهو بدون متاع ليصير بعد المناصب من أصحاب الأموال والأطيان من مال الأردنيين .
وبقيت ضحية في الطريقين والمرحلتين والحالين , بل والمراحل كلها . وبقيت متهماً أنني ضد ما يسمى بالوحدة الوطنية التي تحولت إلى قميص عثمان وربابة يعزف عليها عدوي اللدود , لتكون جسرا يعبر عليه كل من يريد أن يرقى على حسابي . وتمت إثارة الفلسطينيين ضدي من قبل الملك الراحل ودائرتي الحكم والتحكم والإعلام والحكومات رغم براءتي . كنت أعاني من حرب يشنها النظام ضدي بدون هوادة . وما بقي ليسوا إلا مطايا وأدوات عنده لا يسألوه عما يفعل وهم يسالون.
وهكذا هو أمري مع سائر الحكومات والإدارات وأصحاب الألقاب والمراتب والمناصب ، فأنا أكتشفهم بسرعة وفي وقت مبكر، وأعلن رأيي وتوقعاتي، فتقوم هذه الجهات كلها بإيذائي واضطهادي وحرماني من حقوقي الوطنية والقانونية والمواطنة، ورغم أنه يتم دائماً اكتشاف كل حكومة مدار تنبيهنا لأخطائها , وان أصحاب القرار يكتشفون مصداقيتي , إلا أنني لم أُنصف ولو مرة واحدة، بل لا زلت أخسر وأتأذى واضحي , بل ويضحى بي ، ولا زلت مظلوماً، ولا أجد فرصة للعدالة والإنصاف بعد , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وفيما يلي نص رسالة الملك المشار إليها أعلاه , الموجهة إلى رئيس حكومة الثورة البيضاء المسماة شعبيا : حكومة الدفع قبل الرفع. حسبما نشرتها الصحف اليومية بالأردن في حينه .
النص الكامل لأعنف رسالة ملكية لرئيس الوزراء بالأردن
عزيزنا دولة الأخ ( اسم الرئيس / رئيس الوزراء في حينه ... ) حفظه الله
تحية عربية هاشمية وبعد،
فقد تلقيت رسالة استقالة دولتكم وحكومتي التي رأستم حيث قدمتموها على أبواب مرحلة الإعداد للانتخابات ومواجهة الجديد القديم من التحديات والتعامل مع المتغيرات بما يعود على الوطن بالخير والفلاح وهي مرحلة تتطلب دون أدنى شك التجديد والتغيير.
وبناء عليه فإنني اقبل استقالة الحكومة وإنني إذ اقبل استقالة الحكومة برئاستك لأوجه الشكر والتقدير لأعضائها على كل ما قدموه وأعطوه خدمة للأردن والأردنيين من شتى الأصول والمنابت المكونة لأسرته الواحدة العزيزة الغالية واجباً أديتموه تجاه ثقة محضتكم إياها بمجموعة من شباب الوطن وبدعم كامل ودعم عز نظيره في مواجهة العواصف والأنواء طالما سرتم على الطريق الواضح المعالم المبين الأهداف.
أما وقد أشرت في رسالتك إلى المرجعية الواحدة التي استقيت منها القدرة على العمل والعطاء فإنها هي هي بما تمثله هذه القيادة الهاشمية الواحدة من منطلق إدراكها لمسؤولياتها الجسام سواء تمثلت بشخصي وبما اعتز بها مدى الحياة من حيث انتمائي واصلي وأبوتي بعدما مر من العمر لكل الأردنيين دون استثناء أو بما كنت قد كلفت به أخي وولي عهدي وقرة عيني لسنين خلت لمتابعة ومساندة كل الجهود في مجالات مختلفة للعاملين البناة وبخاصة في المجال الاقتصادي وبنفس المرجعية واليها.
لقد كانت البدايات يا دولة الأخ مبشرة واعدة... وأنا اعرف ماذا تعني المسؤولية لمن يتحملها مخلصاً شجاعاً... واعرف أثارها على المسئول والأمواج تحيط به من كل جانب... فان أتعبته اختلطت عليه الاتجاهات نحو بر السلامة والانجاز.
وقد رأيت ولمست تأثير ذلك عليك وعلى الحكومة... وكنت وحتى أيام قليلة خلت... مقبلاً على التغيير والتجديد الذي تفرضه المرحلة في حياتنا الديمقراطية وكان اسمك في الطليعة من أسماء المرشحين لحمل المسؤولية في المرحلة القادمة... وكان السؤال هل أنت في الوضع الذي يمكنك فيه الاستمرار والاندفاع في الخدمة... وهل أنت نفس الشاب الذي اخترته لرئاسة الحكومة دون غيره في المرحلة السابقة.
أما معدنك فلا اشك بأنه معدن نقي صاف... وأما تجارب الأيام الصعبة ومعاناتها فقد وجدتها قد أخذت منك الكثير... فاخترت في مواجهة عنفها التركيز على صورة الرئيس الإعلامية في كل مشكلة وقضية... وعذرَكَ عندي انك متعب مرهق إلى حد ترك الأساسيات التي من اجل معالجتها اخترتك أصلا... وهي إعادة بناء جهاز الدولة على أساس الكفاءة والقدرة والعمل الصادق الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض.
وتذكر يا دولة الأخ اصطحابي إياك لمدينة الحسين الطبية حيث شاهدنا الطفلة التي تم إنقاذ حياتها هناك من طول سوء الرعاية الصحية وهي في عمر الورود خائفة في فراشها من أي إنسان يقترب منها لما عانته من سوء الرعاية الإنسانية... خلال مرضها الطويل الذي لم يشخص حتى كادت تقضي وبمداخلة مباشرة مني عند سماعي بحالتها.. أما لماذا اصطحبتك معي إلى فراشها فأملاً مني بمعالجتك السريعة الفورية لكل أسباب معاناة اليتامى والأبرياء من أبنائي وبناتي... أبناء وبنات الأردن الذين قست عليهم الحياة حتى احتاجوا رعاية الدولة في مؤسساتها التي منها تلك التي حملت اسمي ومنها جاء الاسم مؤسسة الحسين الاجتماعية.
وعندما لم يحدث شيء اصطحبتك معي لزيارة المؤسسة... حيث جلنا في أقسامها وعشنا معاناة الأطفال فيها وشاهدنا شيئاً مما شاهده الناس جميعاً على شاشات التلفاز فيما بعد.. وأرسلته لك برسالة لتحويل قصر الهاشمية لغرض إنساني لجعل القصر بيتا للبراعم البريئة في غياب أدنى حدود الرعاية لهم ليغدوا قصراً باسمه ومضمونه.. تتعالى فيه كما هو حاصل الآن ضحكات الأطفال وهم ينالون لأول مرة الرعاية التي هي من حقهم علينا جميعاً... بدلا من أن يكون دار ضيافة لدولة أغفلت عن مسؤولياتها تجاههم... مما لا يشرف أحدا.
أما الوزير المسئول فقد أشرت إلى انه حتماً من شباب الوطن الذين عرفت في قواتنا المسلحة توسمت فيه أبدا الخير... وهو أقصى ما أمكنني وصفه به... حيث أن المشكلة المأساة لم تبدأ به.. وإنما هي نتاج تراكمات أعوام وحقب من اللامسئولية الإدارية والبيروقراطية والترهل الذي يعاني منه جهاز الدولة كاملاً...
إن أكثر ما آلمني هو تصديك للدفاع عن الوضع المأساوي لمؤسسات رعاية الأطفال وأداء الوزير... بل وتصديه هو أيضا للدفاع عن انجازاته التي لم تغير في صورة ما رأيت آنت وأنأ والناس جميعاً... والى مساء الأمس حيث التقيتك وشرحت لك أسباب جنوحي إلى التغيير الذي يشملك... وكم صعقت لردك بأن منظر وزيرك الباكي أمامك اثر فيك أكثر مما اثر منظر الأطفال ومعاناتهم على خلفية خدمته السابقة... سامحك الله وسامحه... إنني لم اعتد توجيه هكذا رسائل إلى رؤساء حكوماتي لدى استقالاتهم... ولكن إطالتك في رسالة الاستقالة وتناقضك مع نفسك وأنت تتحدث فيها عن مزايا الديمقراطية والحرية وما حققت حكومتك من جهة... ثم انتقادك تلميحاً لفئة قليلة خالفتك الرأي وأتعبتك بما ينقض ويتناقض مع أسس الديمقراطية والحرية... التي تتيح المجال للرأي والرأي الآخر... حملتني على الكتابة على هذا النحو.
أعذرك مرة أخرى وأتمنى لك الراحة لتعود كما عرفتك أردنيا أصيلا ذكياً مخلصاً عاملاً... توسمت فيه الخير وكان عند حسن الظن به حتى أرهقته الأحمال الثقال ... مثالاً في خلقه وإنسانيته التي بدونها لا معنى للحياة وعفة لسانه وحسن تعامله مع أصدقاء عمره والناس جميعاً.
أتمنى ذلك حقيقة وبكل المحبة التي حملت واحمل نحوك... والآمل فيك وفي شباب الوطن.. والفرص المتاحة لك ولغيرك وجل من لا يخطئ... ولكن المحظوظ الواعي هو من يعترف بالخطأ... لا من يصر على تبريره.
والله يرعاك والله من وراء القصد.-انتهت الرسالة الملكية-
انتهى البيان وللحديث بقية إن شاء الله في الحلقة 35