حقائق نووية .. والسير بالاردن الى طريق مجهول

mainThumb

30-10-2012 02:34 AM

د. نضال الزعبي

 

 الحديث الذي ادلى به معالي سلامة حماد وزير الداخلية الاسبق وعضو مجلس ادارة الشركة الاردنية الفرنسية لتعدين اليورانيوم في خيمة الحرية يجسد حالة التشوه التي آل اليها المشروع النووي الاردني، بسبب المعلومات المغلوطة والإشاعات التي يتم الترويج لها، وبسبب سياسة الأقصاء للخبرات النووية الاردنية. أن اعتماد الحكومات المتعاقبة على مصدر واحد لأستقاء المعلومات حجب عنها حقائق جوهرية ادت الى تضليل صناع القرار والى قرارات خاطئة هدرت الملايين وأضاعت الفرص ونقلت هذا المشروع من فشلٍ الى اخر.

 
يقول عضو مجلس ادارة الشركة الاردنية الفرنسية لليورانيوم «عندنا 50-60 الف طن يورانيوم في منطقة خان الزبيب وسواقة» وهذا تقريباً نفس الرقم بمعدل تركيز 628 جزء في المليون الذي قامت بحسابه مجموعة غير مؤهلة من الهواة، وقد اثبتت الدراسات المحلية والدولية ان هذه التقديرات خاطئة بكافة اشكالها، ومن خبرتي الطويلة في الطاقة النووية فأنني أؤكد ان الكميات الموجودة في افضل حالاتها لاتتعدى 10% من هذا الرقم بنفس معدل التركيز وبحسب المعايير الدولية، ولن تستطيع تمويل بناء اي مفاعل نووي. 
 
وينفي معاليه وجود اتفاقية لتعدين اليورانيوم قائلاً « ان الحكومة وقعت اتفاقية لأستكشاف اليورانيوم وليس للتعدين، وانه لغاية هذه اللحظة لم يجري اتفاق مع اي جهه للتعدين» وهنا أؤكد ان الحكومة الاردنية وقعت اتفاقية تعدين يورانيوم (MA) مع اريفا الفرنسية بتاريخ 21/2/2010 والأتفاقية منشورة في الجريدة الرسمية، وكبدت الحكومة اكثر من مليون دينار مصاريف لأعدادها، وكان من المفروض انتاج وتصدير اليورانيوم هذا العام حسب التأكيدات الرسمية لهيئة الطاقة الذرية .
 
ويضيف قائلاً «الهند معظم انتاجها للمفاعلات النووية عندها من الفوسفات اللي يأخذوه من الاردن» والحقيقة ان هذه واحده من اكبر الاشاعات التي يتم الترويج لها ولا اساس لها من الصحة، فالهند لديها سبعة مناجم لليورانيوم وقد بدأت باستخراج وتعدين اليورانيوم من اراضيها منذ عام 1967. ومن المعلوم ان اليورانيوم موجود كناتج ثانوي في خامات الفوسفات في كافة ارجاء العالم وليس فقط في الفوسفات الاردني. 
 
ويقول معالي الوزير السابق «اريفا الفرنسية عام 2008 قدمت للأردن 40 مليون دولار» والحقيقة ان هذا الكلام غير دقيق حيث لم تستلم الاردن او هيئة الطاقة الذرية قرشاً واحداً من الفرنسيين، والمبلغ المذكور هو الحد الاقصى التي ستتحمله شركة اريفا الفرنسية لتغطية مصاريفها ورواتب موظفيها خلال عمليات الاستكشاف، وأي مصاريف اضافية سيتوجب على الاردن دفعها مناصفةً.
 
يتابع معاليه ان تكلفة المفاعل النووي ستكون 4 مليارات دولار وان «كلفة الكيلواط ساعة ستكون على الاردن ما يقارب 8 سنت» وهو ما يتنافى مع نتائج الدراسات الحديثة والتي تبين ان كلفه المفاعل النووي ستكون بين 10-15 مليار دولار، اما كلفة انتاج الكهرباء فستتجاوز 15 سنت لكل كيلواط ساعة. وهنا لابد من الاشارة الى ان القرارات الخاطئة بأستبعاد بعض الموردين النوويين بالاضافة الى سوء الأدارة وعدم الخبرة قد اضاعت على الاردن فرصة بناء برنامج نووي. وهذه بعض الامثلة لتكلفة بناء مفاعلات في مشاريع نووية حديثة:     
 
محطة هنكليبوينت النووية في بريطانيا، تكلفة بناء مفاعلين 23 مليار دولار  
 
محطة ليفي كاونتي النووية في امريكا، تكلفة بناء مفاعلين 24 مليار دولار 
 
محطة فلاموفييل النووية في فرنسا، تكلفة بناء مفاعل واحد 9 مليار دولار  
 
ان تفشي هذه المعلومات المغلوطة والاشاعات بين النخبة السياسية وصناع القرار، بل وتبني البعض لها دون علم او دراية، قد ساهم في تكريس ازمة الطاقة والسير بالاردن الى طريق مجهول، فالادارة المتفردة في هيئة الطاقة الذرية الاردنية قد فشلت في التقدم بهذا البرنامج ولو خطوة واحدة على ارض الواقع وفقدت مصداقيتها امام المواطن الاردني عبر خمسة سنوات من التخبط والمعلومات الخاطئة والاشاعات، وقد حان الوقت لصناع القرار للبحث عن مصادر موثوقة لمعلوماتهم والاعتماد على اصحاب الخبرة والاختصاص من الكفائات الاردنية القادرة على ايجاد حلول ناجعة لأزمة الطاقة والمياه.
____
الكاتب: خبير نووي متخصص في تصميم وهندسة المفاعلات ‏وإدارة الوقود ‏النووي، بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في الهندسة النووية. مؤسس قسم الهندسة النووية في الاردن، مؤسس ومدير مشروع مختبرات اليورانيوم ومخزن النفايات المشعة وأول منشأة نووية اردنية، مدير عام الشركة الاردنية لمصادر الطاقة الأسبق، مفوض دورة الوقود النووي الأسبق.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد