صحيفة السوسنة الأردنية

اربد - السوسنة - محمد بني ياسين - عندما يطرق الموت أبوابنا وتحل الفجيعة بنا فإن هناك من تأسره الحياة وترسم على وجهه ملامح الشقاء والتعب، فتبدأ قصة معاناته وتضحيته أمام مرحلة شائكة طويلة تحتاج إلى كفاح وصبر لا بل تحتاج إلى التضحية بالنفس من أجل أرواح فقدت أغلى ما تملك.

إنها ليلة شديدة الظلمة، سماؤها صافية، نجومها براقة وكأنها تريد أن تخبر أم مازن بوفاة زوجها، وبعد ساعات من انقضاء الليل أشرقت شمس حارقة تعلن عن وفاة أبو مازن لتبدأ بعدها سلسلة من الأسى والمعاناة على زوجته وأبناءه.

بدموع اختصرت معاناة أرملة غطى الشيب رأسها، ونفخ البرد جسدها، ومسحت الرياح العاتية ملامح وجهها ... أرملة أخلصت من أجل أولادها، تروي أم مازن الستينية التي تسكن في عمان لـ"السوسنة" قصة معاناتها مع الواقع المرير الذي تعيشه قائلة "كان زوجي هو المعيل الوحيد لأسرتنا التي تتكون من 12 فردا، ثمانية شباب وأربع بنات، تزوج منهم سبعة شباب وبنت واحدة".

وتضيف "في عام 2002 مرض زوجي ولم يعد قادرا على تأمين احتياجاتنا، فاضطررت إلى العمل لتأمين مصاريف العيش والسكن، ولم يكن بمقدور أبنائي المتزوجين مساعدتي إلا بالقليل لان لديهم عدد لا بأس به من الأطفال، وفي عام 2007 توفي زوجي وأصبحت المسؤولة الأولى عن إعالة ابنائي وانصبّ تفكيري وهمّي الوحيد بكيفية الحصول على المال الكافي لتربية ابنائي وتوفير طلباتهم واحتياجاتهم".

"أحتاج إلى علاج لا أستطيع شرائه" عبارة رددتها أم مازن أكثر من مرة حينما تحدثت عن وضعها الصحي فقد أوضحت أنها تعاني من أمراض "الضغط" و"القلب" و"الشبكية" ولا تملك أي تأمين يساعدها في الحصول على العلاج، حيث تنفق ما يقارب 70 دينارا شهريا على بعض العلاجات والبعض الآخر مرتفع الثمن لا تستطيع شرائه.

على الرغم من ألوان الحاجة والعوز والجوع الذي ذاقته أم مازن وأبنائها بمجرد وفاة زوجها فقد قررت أن تسهر وتكافح وتلبس ثوب الرجولة من أجل قرة عينيها، فاتخذت صنع الربابة وبيعها مصدرا تناضل من خلاله لإطعام أبنائها من الحلال على حساب صحتها وتقدم سنها.

وتبين أم مازن لـ"السوسنة" أنه في بداية مرض زوجها تعرفت على جماعة تصنع الربابات وتبيعها وطلبت منهم أن يساعدوها على تعلم كيفية صنع الربابة (آلة موسيقية)، وبعد مرور سنة أصبحت أم مازن قادرة على صنع الربابات ولكنها واجهت صعوبات كبيرة في بيعها في عمان فقررت التوجه إلى محافظات الأردن الأخرى آملة بزيادة البيع لكن سارت الرياح بما لا تشتهي السفن فبالإضافة إلى كلفة صنع الربابة أصبح هناك كلفة جديدة هي المواصلات.

"أخجل أن أعمل في هذه المهنة ولكنني مجبورة" عبارة تدل على تضحية امرأة كريمة النفس وعفيفة، تصبر على جوعها وفقرها دون أن يسأل لسانها مساعدة أحد، تلجأ في بعض الأحيان إلى بيع الربابة بسعر أقل من تكلفتها لسد رمق أبنائها دون مساعدة أحد، وعندما تغلق أبواب الرزق في وجهها يساعدها أبناؤها المتزوجون، وإذا تقطّعت بها السبل تستعين بالديّن من الآخرين.

كغيرها من ربات البيوت تحلم أم مازن بأن يكون لديها بعض الأجهزة الكهربائية كالثلاجة والغاز كونه لا يوجد في بيتها أيا منها.

أم مازن تعتمد على قواها الجسدية لتحصيل لقمة العيش، لكنها تتنبأ في المستقبل أنها لا تستطيع القيام بأي عمل مهما كانت الظروف، فهي تعاني من ضائقة مادية في بعض الأشهر مما يؤدي إلى تراكم فواتير الكهرباء والمياه، لذلك تطالب الجهات المعنية والمسؤولة أن تساعدها في تلبية أقل الحاجيات التي تلزمها وأبنائها للبقاء على قيد الحياة.