التنمر الالكتروني و آثاره السلبية على مستقبل الطفل وصحته النفسية

mainThumb

16-05-2014 04:24 PM

كتبت - أماني أمين شموط - تعيش مجتمعاتنا انفتاحا معرفيا وثورة تكنولوجية عارمة ، وإزاء هذا الانفتاح اللامحدود على العالم بثقافاته وعاداته وتقاليده أصبح من العسير على المجتمعات المحافظة كمجتمعاتنا ضبط مدخلات ومخرجات جيل تربى على غياب الرقابة التي كانت أكثر قابلية للتطبيق قبل هذا العصر. فعلى سبيل المثال ، إن شبح استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أصبح يطارد أكثر من نصف أطفال المرحلة السنية من( 12–17) من البيت إلى المدرسة إلى كل زاوية من زوايا محيطهم، وذلك للتعبير عن أنفسهم والكتابة عن تجاربهم الشخصية والتواصل مع الأصدقاء من خلال الصور ومقاطع الفيديو والمعلومات. لكن لكل عملة وجهان فان تلك المواقع لا تقتصر على ذلك فقط إنما قد أسهمت بظهور ظاهرة " التنمر الالكتروني " وهي استخدام تلك المواقع من أجل إيذاء أو تهديد أو إحراج الشخص المستهدف وعادة ما تستخدم بين فئة الأطفال والمراهقين . ويمكن للتنمر الالكتروني أن يحدث بشكل واضح كأن يقوم أحد الأشخاص، بإرسال رسائل نصية مهينة للطفل المستهدف ، ومن الممكن أن يحدث بشكل أقل وضوحا ،من خلال قيام أحد الأشخاص، بانتحال صفة المستهدف على شبكة الانترنت والقيام بوضع بيانات أو عرض صور ولقطات فيديو مصممة لاستهداف الضحية واهانته. هنالك عددا من العواقب الوخيمة للتنمر الإلكتروني على مستقبل الطفل و صحته النفسية على المدى البعيد ، فعلى سبيل المثال : صعوبة الثقة في الناس والعزلة , و الاكتئاب ، و فقدان التركيز ،  والاضطرابات النفسية .

تعد صعوبة الثقة في الأصدقاء أو في أي شخص بشكل عام من التأثيرات السلبية على نفسية الطفل على المدى البعيد. إذ يكون المتنمر من المقربين لمحيط الضحية في أغلب الأحيان . فانه من الطبيعي أن يتأثر ويشعر بالألم والخوف الدائم والإحباط ،لأن ليس هناك من يلجأ إليه ويساعده في الدفاع عن نفسه . وعلى الرغم من أن الطفل في هذه المرحلة يكون بحاجة ماسة للدعم من محيطه للتغلب على التأثيرات السلبية الناتجة عن التنمر ، لكنه غالبا ما يختبئ وراء مخاوفه الكبيرة وينتهي الأمر به إلى العزلة . فيبدأ الضحية بتجنب أصدقائه واقاربه وتجنب المشاركة بالأنشطة وفي كثير من الأحيان تكون هذه نية المتنمر الإلكترونية . وذالك الهاجس يتغلغل داخله و يؤدي إلى انغلاقه على نفسه وعدم دخوله في صداقات جديدة على المدى البعيد مستقبلا .

إن من أكثر التأثيرات السلبية المدمرة للتنمر الالكتروني على حياة  الطفل هي الاكتئاب. عندما يفقد الطفل راحته في محيطه اثر الإيذاء والتنمر الالكتروني  فكل شيء يبدو وكأنه يتساقط وينهار أمامه , وعندها يجد نفسه وحيدا  فلا يجد أي مساعدة من أي شخص في بيئته المدرسية أومن قبل أهله ، فتبدأ تنتابه حالة من الاكتئاب . حيث يشعر الطفل فجأة وكأنه عالق في حفرة ولا يستطيع الخروج منها ، فيشعر الضحية بالضعف ، فغالبا لا يذكر من هو هذا المتنمر عليها خوفًا من انتقام المتنمر.  فيؤدي ذالك إلى شعور الطفل بفقدان الاهتمام و عدم الإحساس بما يشعر ، وهذا يؤثر على نفسيته  ، ويؤدي إلى تدمير ذاته تدريجيا . وقد تكون أحيانا حملات التنمر الإلكتروني مدمرة جدا لدرجة أنها تكون سبب في انتحار الضحايا.  فعلى سبيل المثال، يوجد ما لا يقل عن أربعة حالات في سن المراهقة في الولايات المتحدة انتحروا بسبب التنمر الإلكتروني .ومن الجدير بالذكر للأسف أن طفلا يبلغ من العمر 8 سنوات  ينهي حياته لسخرية زملائه شنقا بواسطة “حزام” في محافظة الزرقاء  أيضا . وعند عدم أقدامه على هذا الفعل المشين قد يصبح على المدى البعيد أسيرا للاكتئاب المزمن .

تبدأ حالة فقدان التركيز عند الطفل مصاحبة لمشكلة التنمر الالكتروني إذ يظهر الطفل تأخرا ملحوظا في المهارات الدراسية من قراءة وكتابة أو حساب حتى أنه قد يرفض الذهاب إلى المدرسة . وان تأخر الطفل في هذا المهارات يعود لانشغاله وقلقه الدائم بما يقال عنه اليوم أو بما سوف يقال عنه غدا وليس إلى عدم قدرته على فهم أو استيعاب معلومات تلك المواد تحديدا . تفكير الطفل المستمر بذالك  يؤدي إلى ضعف تركيزه فتظهر صعوبة إتمامه نشاط معين وإكماله حتى النهاية ، وصعوبة المثابرة والتحمل لوقت مستمر (غير متقطع) ، وصعوبة تذكر ما يطلب منه ، وفقدان الأشياء ونسيانها ، وقلة التنظيم ، وانتقاله من نشاط لآخر دون إكمال الأول . وان التعامل مع هذه المشكلة بأسلوب العقاب قد يفاقم الأمر ويؤدي إلى فقدانه التركيز كليا نتيجة من ردة فعل الأهل بالإضافة إلى الخوف المستمر من المتنمر عليه . وقد تبدو المشكلة بسيطة ولكن عدم النجاح في تداركها وحلِّها مبكرًا قد ينذر بمشاكل حقيقية مستقبلا عليه. 



إن ظهور الإضرابات النفسية عند الطفل من الممكن أن يكون بسبب التنمر الالكتروني  و هذه الاضطرابات لها أثرها على  حياة الطفل على المدى الطويل، إذ تختلط مشاعر الحزن بالغضب إلى الرغبة في الانتقام في نفسه. وفي هذه الحالة نجد أن الطفل يشعر بأنه المسؤول عما حدث له من تنمر بسبب خوفه المستمر وعدم إبداء المقاومة المطلوبة والدفاع عن نفسه  . وهنا يشعر بالذنب ويتوجه عدوانه نحو ذاته إذ يمنع نفسه من الشعور بالسعادة فيشعر بالحزن فتتكون مشاعر الغضب تجاه المتنمر عليه إلى الرغبة في الانتقام منه بسبب وجوده الدائم مما يشعره لافتقار الأمان  . و لكن عند عدم معرفته لهويته يتفاقم غضبه فيغضب تجاه كل من حوله . ربما لا يقوم الضحية برد فعل انتقامي حينها ولكن حالة الغضب تبقى مأسورة داخله مستقبلا  . فقد توصلت دراسة أمريكية حديثة إلى أن الأطفال الذين يكونون ضحايا التنمر هم أكثر عرضة بستة أضعاف للإصابة بمشاكل صحية في سن الرشد بسبب كبت الغضب مؤدية بهم إلى التدخين بشكل مستمر لتنفيس عن غضبهم  أو لأن يصابوا بمشكلة نفسية مقارنة مع الأشخاص الذين لم يتعرضوا للتنمر .

لابد من الاعتراف بأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من الحتميات في العالم العربي نظرا لانتشارها المتزايد والإقبال الشديد عليها .  فبالرغم من أهمية هذه المواقع للتواصل فيما بيننا و في إيصال المعلومة إلى أبعد نقطة ممكنة في أقل وقت ممكن، لكن لا يمكن نسيان من جهة أخرى أن لهذه الوسائل التكنولوجية جانبا سلبيا يعود علينا . فلابد أن ندرك خطورة هذه المواقع على حياة و مستقبل أبناءنا’  سواء كانوا أطفالا أم مراهقين’ . فلابد أن نعرف مدى خطورة هذه الظاهرة  التي تعرف " بالتنمر الالكتروني "  لما لها من آثار سلبيه على الصحة النفسية لأطفالنا وعلى مستقبلهم على المدى البعيد والعمل على نشر الوعي للحد منها .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد