بين المركزية واللامركزية

mainThumb

19-05-2009 12:00 AM

لطالما ذكرت - في مقالات قديمة سابقة - ان المركزية واللامركزية مسألة عقلية أولاً أكثر منها مسألة إدارية، أي أن الإدارة تصبح مركزية اذا كانت عقلية المسؤول الأول فيها مركزية وإن كانت وحداتها لا مركزية الشكل او التنظيم، والعكس صحيح.وبما أن التاريخ الإداري العربي الحديث (والمعاصر) كان مركزيا?Z، فقد تكونت عند العربي عقلية مركزية يصعب تغييرها.

وبالنسبة للأردن أدى الترفيع المستمر للنواحي الى أقضية، والأقضية الى ألوية، والألوية إلى محافظات الى نوع من اللامركزية لا يتوقع من نظام الأقاليم الذي كان مقترحاً بلوغه، فتقسيم الأردن الى ثلاثة أقاليم او أربعة يعني القضاء على لا مركزية المحافظات التي يتكون منها الإقليم. وعندئذ نصبح أمام مركزية جديدة . إنها مثل تحويل الولايات الأمريكية المتحدة الخمسين إلى عشر ولايات او خمس بحجة اللامركزية.

واللامركزية تكون بواحدة من إثنتين أو بكليهما: 1- بتوسيع الصلاحيات او تفويضها من المركز الى التوابع الإدارية. وفي هذه الحالة يمكن سحب التفويض في أية لحظة يكون المسؤول الأول فيها مركزي العقلية، لأن تفويض الصلاحيات او السلطات يعني بقاء المسؤوليات في المركز.

2- وبما أن المسؤوليات لا تفوض( وان استخدم بعض الأساتذة والمسؤولين الكلمتين بترادف يدل على جهل قانوني وإداري مطبق) ولمنع السحب المزاجي للصلاحيات، فإنه لا بد من توزيع او تجزئة او قسمة المسؤوليات بين المركز والإدارة المحلية لتتحقق اللامركزية. ولكن ذلك غير ممكن بدون التشريع. وفي هذه الحالة تسقط الحاجة الى الأقلمة لأنها تصبح قائمة بعنوان آخر، لأن الأقلمة التي كانت مطروحة تؤدي الى مضاعفة عدد الإداريين والموظفين... والمتقاعدين والأعباء المالية، وتحتاج الى تشريعات شتى. بينما المطلوب في حالة تمكين المحافظة من المسؤوليات اللازمة للامركزية، قليل من التشريعات وتمثيل المواطنين في كل محافظة بمجلس منتخب او مختلط منهم لاتخاذ القرارات... بل إنه يمكن إعادة ترتيب التشكيلات الإدارية للمملكة وبحيث تتكون من أربع أو ست محافظات كبيرة بدلاً من اثني عشر، يتكون كل منها من عدد من الألوية يصبح كل منها بالتمثيل في مجلس المحافظة المنتخب أقوى منه بالمحافظة الراهنة دون تمثيل ، مما يجعل الناس بالتوعية الرشيدة يقبلون تحويل محافظتهم (السابقة) الى لواء.

قيل في تأييد الأقاليم ان خمسة وتسعين في المائة من التعيين والنقل والترفيع ... في دوائر الحكومة المركزية، يتم بالواسطة والمحسوبية، وإن إنشاء الأقاليم سيقضي عليها. ومع احترامي الشديد للقائل، فإنني أعتقد أن الواسطة والمحسوبية لن تزولا بالأقاليم، وإنما ستصبحان لا مركزيتين بها، لأن العقلية السائدة هي عقلية أو ثقافة الواسطة والمحسوبية التي تربى المواطن والمسؤول عليها، ولا يجعلها في الحد الأدنى سوى الشفافية وحرية التعبير.

الناقد وقضاء وطني قوي مستقل وعادل، واقتصاد مزدهر، ولا أقول التعليم لأن كثيراً من حملة أعلى الدرجات الجامعية أو من خريجي أرقى الجامعات يلجأون اليهما، لأن التيار يجرفهم لدرجة تناقل الألسنة رضوخهم للواسطة والمحسوبية في نتائج طلبهم.

كنا نتوقع وقف التقليد المخرب للوحدة الوطنية الذي يشجع أو يقصر العمل في الدوائر والمؤسسات الرسمية في المحافظات على أبناء المحافظة الواحدة وبناتها وكأن المحافظة دولة مستقلة ذات سيادة وليست جزءاً من الدولة، والشعب الأردني شعوب وقبائل لا تعارف بينها.

إن أبناء وبنات كل قرية ومدينة ومحافظة يفضلون المعلم والطبيب والمهندس والموظف ... الأفضل أو الأكفأ من أية محافظة جاء ? أو حتى من أي قطر أو كوكب جاء - على المعلم والطبيب والمهندس والموظف... السيء او الأسوأ او الأقل كفاءة، وإن كان ابن المحافظة أو ابنتها. اسألوهم او إسألوا أنفسكم إن كنتم تشكون في ذلك.

وعندما ينقل ابن القرية او المدينة او المحافظة او يعين رأساً فيها يكتسب مناعة إدارية تعجز السلطة عن تحديها او كسرها عندما يلزم ذلك ، لأن ذلك يستدعي ? بدوره - رفض المحافظات الأخرى استقباله . لعل هذا التقليد يفسر النتائج المخيبة للامال في كثير من المدارس الحكومية في امتحان الثانوية العامة، لأن معلميها ومعلماتها هم من أبناء القرية او المدينة، ويصعب على وزير التربية والتعليم نقلهم الى خارجهما وإن قصّروا.

لقد كوّنا بهذا التقليد عقلية او ثقافة معادية للوحدة الوطنية والتقدم الإجتماعي. كان ابن معان او الكرك او إربد او المفرق... يعين في الماضي في نابلس او طولكرم او جنين او الخليل... او ينقل اليها او بالعكس. وكان الجميع يعتبرون ذلك أمراً عادياً لا يجوز التمرّد عليه على الرغم من صعوبة المواصلات. وكان الناس يرحبون (بالغريب) لأن عمله أفضل من عمل (القريب) لأن الغريب يركز على عمله ولا يتدخل في الشؤون الخاصة أو يشارك في الصراعات المحلية وكأنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم. ولعله لهذا يفضل المواطنون في العالم ? عندما يتاح لهم ? العمالة الوافدة على العمالة الوطنية، بالإضافة طبعاً إلى كلفة العمالة الأولى الأقل، فمن الذي فتح باب العصبية الجهوية والعشائرية وتفكيك المجتمع الذي تشهد جنباته كل يوم شغب الجامعات والملاعب...؟ وأي أجندة كان يخفي او يخدم عندما فتحها؟! بفتح المحافظات للجميع يتحول المجتمع من مخلوط (عمودي) الى مركب (أفقي) يصعب فصل أجزائه وتفكيكه، وبالتركيب يحقق المجتمع أعلى مراحل الوحدة الوطنية.

الوحيدون الذين يجب أن يكونوا من المحافظة هم المنتخبون من المواطنين فيها لمجالسها التمثيلية كالبلديات، ومجالس المحافظات في حالة تشريع ذلك، يليهم موظفو البلديات الذين يجب أن يكونوا من أبناء البلدية وبناتها المقيمين فيها، والدافعين للضرائب والرسوم لها لأنه لا ضرائب دون تمثيل ولا تمثيل دون ضرائبوللوظائف التي لا يوجد من أبناء المدينة او القرية أو بناتها من يملأها. الرأي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد