دعوة للمعارضة للقيام بدورها في اقتراح خطط للإصلاح

mainThumb

10-11-2009 12:00 AM

أ.د محمد الحموري
سرعة تغيير الحكومات وفقدان المؤسسية في تشكيلها او جد شعورا لدى المواطن الاردني بأنه لا يحقق الحد الادني من طموحاته

تصاعد الضعف في اداء مجالس النواب أوصلنا الان الى اضعف مجلس نواف في حياتنا السياسية

في 75 سنة , تشكلت وتغيرت عندنا 72 حكومة في حين تغيرت في بريطانيا 74 حكومة خلال 288 سنة

الاردن يستحق من هذه المعارضة وكل من يحب هذا الوطن اختيار كفاءات من الاردنيين تتولى المتابعة في كل حقل ميدان تماما وكأن هذه الكفاءات هي حكومة ظل بطواقهما تتابع الاداء الحكومي وتقيمه وتكشف للناس عيوبه وأوجه الاصلاح المطلوبة له

خلال صيف هذا العام قمت بتدريس موضوع الحقوق والحريات في الأنظمة السياسية المعاصرة لطلبة الدراسات العليا في كلية الحقوق/جامعة فريبورغ/سويسرا. ورغم معرفتي بهذا البلد من خلال مؤتمرات وندوات وشواغل قانونية مهنية سابقاً, إلا أن وجودي هناك هذه المرة, كان فرصة للتفكير والتأمل في قواعد شرعتها البشرية من أجل منع استعباد الإنسان للإنسان, والمقارنة بين حال العالم الغربي وحال أمتنا الممزقة التي تعيش في هوان. وكان من الطبيعي أن يخطر ببالي وأنا في هذا البلد المنضبط والملتزم بالقانون, أن أدخل على تفصيلات المقارنة بين سويسرا وبين بلدي الأردن, كعادتي كلما عشت في بلد أشعر أن واقعه يتطابق مع أحكام دستوره. فوجدت أن مساحة سويسرا (41800 كم2 وأربعماية متر), وهذه المساحة أقل من نصف مساحة الأردن. أما عدد سكانها, فهو السبعة ملايين نسمة, وهو عدد يقترب منه سكان الأردن. وفي سويسرا جيش وجهاز أمن ينفق عليهما بسخاء, تماماً كالحال عندنا حيث لا نبخل على جيشنا وأمننا. وفي الوقت الذي نتميز فيه عن سويسرا من حيث أن أبناء الأردن ينتمون إلى قومية واحدة, فإن أبناء سويسرا ينتمون إلى أربع قوميات هي, الألمانية, والفرنسية, والإيطالية, ثم الرومانش الذين ينحدرون من القبائل الجيرمانية التي غزت سويسرا في العصور الوسطى ولا زالوا يتناسلون في جبال الألب ولهم لغتهم الخاصة بهم.

ومن حيث ما هو مدفون من مصادر طبيعية في باطن الأرض, فلدينا في الأردن أفضل مما لديهم, كما أن الحاملين للشهادات الجامعية والدرجات العلمية العليا في الأردن أكثر مما هو موجود في سويسرا. وفوق ذلك, فدستورهم ليس بأفضل من دستورنا عند صدوره عام .1952 وسألت نفسي: كيف صنعت عقول أبناء سويسرا من بلدهم أعجوبة للعالم في كل الميادين, فأبدعت في إدارة كل شأن من شؤونه, وبشكل خاص في مجال الديمقراطية والاقتصاد والمال, والتعليم, والعدالة, والصحة, والشفافية ونظافة اليد, وغير ذلك من المجالات, في حين أن عقول الأردنيين لم تتمكن من تحقيق التقدم المطلوب لوطنهم, بل ولا حتى إصلاح أوجه الخلل التي لم يمكنّا وجودها من الصعود على سلم العالم الثالث. وأجبتُ نفسي: بأن أبناء سويسرا طبقوا دستورهم تطبيقاً سليماً, وأوجدوا نظاماً قانونياً وقضائياً يستجيب لمتطلبات هذا الدستور, والتزموا بحكم القانون ليسري على الجميع, وفعّلوا أجهزة الرقابة البرلمانية والقضائية والشعبية على أداء الحكومات والأجهزة والمؤسسات, فساد حكم القانون على صاحب المال والوزير كما ساد على الخفير. وكانت هذه المحصلة نتيجة طبيعية لإفادة سويسرا من عقول جميع أبنائها, فلم يتقزم فيها حزب, ولا استحوذ فيها جهاز على سلطة استبعاد عقول بحجة عدم موالاة أصحابها, ولا اخترق فيها صاحب المال حرمة السلطة لتسمين ثروته, ولم يُسمح لصاحب منصب عام أن يستثمر مركزه أو يثرى من وراء وظيفته, ولم تزور فيها انتخابات, ولم يهجر فيها برلمانيوها واجباتهم التي أقسموا على القيام بها وتحولوا إلى طلاب منافع, ولم تحاول فيها سلطة أو مؤسسة أو دائرة الاستئثار بالحكم وإيصال الشعب إلى حد اللامبالاة. بعبارة وجيزة, ظل الواقع في سويسرا يعكس حكم الدستور على أفضل وجه. وهنا قلت لنفسي لو كان واقعنا في الأردن انعكاساً لدستورنا البرلماني على نحو سليم, لأصبح الأردن سويسرا العرب, لكن الحال غير ذلك, ومن ثم لا بد من استنهاض همم الأردنيين.

الواقع الأردني الذي انفكّ عن دستور وطنه:

يكاد الحراك السياسي في الأردن يصل في السنوات الأخيرة إلى أقصى حدود ضعفه. فقد أصبح هذا الحِراك الآن مقتصراً على أحاديث الصالونات السياسية وبعض الندوات والمحاضرات والاحتجاجات, والتصريحات من قبل الأحزاب السياسية وبعض السياسيين. لكن مثل هذا الحِراك, على أهميته, فقد بريقه واجتذابه للناس, حتى للكثير ممن يدّعون اهتمامهم بالشأن العام, وبالتالي أصبح غير مُجدٍ ولا فاعلية له في مواجهة السلطة, إذ لا هي تخشاه أو تهابه, ولا تلقي له بالاً أو تقدّره.

ومن ناحية أخرى, فقد أدت سرعة التغيير للحكومات وفقدان المؤسسية في تشكيلها, إلى أداء يشعر المواطن الأردني بأنه لا يحقق الحد الأدنى من طموحاته. وقد استطاعت هذه الحكومات شكلاً والأجهزة المسيطرة عملاً أن تتغول على ما عداها. ولخدمة هذا التغول, فقد أصبحنا نرى تفسيرات للنصوص الدستورية والقانونية يقدمها لها في كثير من الأحيان من لا يعنيهم الدستور ولا القانون بقدر إرضاء المسؤول, غير آبهين بما يؤدي ما يقومون به إلى استحواذ الأجهزة على سلطات غيرها. وقد أصبح الأردنيون يشهدون ممارسات سلطوية يضع من يمارسونها حدودها بمعزل عن الدستور والقانون, وكأن الدولة دولة أشخاص, في حين أن النصوص الضابطة لشؤون الدولة والناس هي مجرد ديكورات لا تلزمهم.

وإذا كانت مجالس النواب تنتخبها الشعوب لتقوم بمراقبة الحكومات ومحاسبتها, ووضع حد لتمادي الأجهزة, فإن تصاعد الضعف في أداء مجالس النواب الأردنية أوصلنا الآن إلى أضعف مجلس نواب في حياتنا السياسية. أما السلطة القضائية التي نص الدستور على أنها مستقلة, فإن هذا الاستقلال جعلت منه الحكومات استقلالاً شكلياً ناقص المضمون. وفوق ذلك, نجد العديد من المسؤولين يتسترون فيما يقومون به خلف جلالة الملك, حتى غدا أمراً مألوفاً في بلدنا أن يعلن المسؤول أن ما قام به هو بناء على توجيهات جلالة الملك, أو أن ما تم صدرت به إرادة ملكية, وذلك كوسيلة لنجاة هذا المسؤول من اللوم أو الحساب. وتنسى الحكومات في هذا المجال, أن أوامر الملك الخطية أو الشفوية لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم, كما تنسى أن المادة (40) من الدستور تشترط اقتران الإرادة الملكية بتوقيع رئيس الوزراء والوزير المختص, وأن جلالة الملك يوقع إيذاناً بالموافقة على ما تقرره الحكومات, وأنها هي المسؤولة عن إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية وفقاً للمادة (45) من الدستور. وعلى الأردنيين أن يعلموا أن ادعاء المسؤولين أنهم بخروجهم على الدستور والقانون كانوا ينفذون توجيهات الملك, لا يعفيهم من المساءلة والحساب, فضلاً عن أنهم كاذبون, ألا ساء ما يفعلون. ومثل ما سبق من حال, جعل الواقع منفكاً عن دستوره, فتردى الوضع وعمت الشكوى.

توجهات تستهدف الإصلاح:

وأمام ما سبق, فقد تكاثرت الأحاديث الرسمية عن الإصلاح, ولكن ظلت هذه الأحاديث, مجرد ظواهر صوتية علّها تمتص هبات قبل استفحالها أو تخدر أوجاعاً زاد أنين أصحابها. لكن واقع الحال ظل يتطور من سيىء إلى أسوأ. وما دام الأمل بالإصلاح والتطوير الرسمي في تضاؤل مستمر, فإني أعتقد أنه للخروج من هذا الوضع المأزوم لا بد من تفعيل النخب السياسية, وبشكل خاص الناقدين لأداء الحكومات, بالإضافة إلى تفعيل الرأي العام وكل محبٍ لهذا الوطن.

وأعتقد أن الأخذ بعين الاعتبار ما يلي, يمكن أن يساهم في تحقيق المطلوب:

1- إن الدستور الأردني يأخذ بالنظام البرلماني الذي طورته بريطانيا, ويقوم على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث, حيث تقوم كل واحدة من هذه السلطات بممارسة وظيفتها على نحو فيه من ضمانات الاستقلال ما يمنع أية سلطة من الهيمنة أو التغول على السلطتين الأخريين. وهذا النظام نشأت قواعده وتطورت مع نشأة الأحزاب وتطورها ليكون هناك حزب أغلبية يحكم وحزب معارضة أو ائتلاف أحزاب معارضة, تراقب وتقيم أداء الحكومات وتدعو إلى محاسبتها عند وجود خلل في أدائها, وعلى نحو يؤدي افتقاد النظام السياسي والحياة السياسية إلى المعارضة المنظمة المنطلقة من برامج وخطط, إلى افتقاد النظام الدستوري لصفة النظام البرلماني, وتتحول الدولة من دولة قانون إلى دولة أشخاص. وتناوب الأحزاب على السلطة تحكمه برامج تطرحها وينتخبها الشعب على أساسها. وسواء بالنسبة للحزب الحاكم أو المعارضة, فإن ما يصدر عن كل جهة ينطلق من برنامجه وخطته لإدارة شؤون الدولة. ومؤدى هذا, أن يفيد الشعب والوطن من الفريقين, الفريق الحاكم والفريق المعارض الذي يراقب وينتقد وينبه للأخطاء. وفي الانتخابات البرلمانية اللاحقة, فإن أداء كل فريق وبرامجه تكون المعيار عند الشعب, فإما أن يعيد انتخاب الحزب الحاكم ليظل أغلبية تستمر في الحكم طيلة المدة البرلمانية اللاحقة, وإما أن يفوز فريق الأقلية بالانتخابات ويصبح أغلبية تتولى الحكم للمدة البرلمانية للمجلس. ومثل هذا النظام يعطي للشعب الفرصة الكاملة للإفادة من الفريقين كما أسلفنا. وإذا ما قارنا هذا الذي يستوجبه النظام البرلماني بما يجري عندنا, نجد أن غيبة الأحزاب أو تغيبها في الأردن, أفقد النظام البرلماني الذي ينص عليه دستورنا, مدلوله وقيمته, وغدا تشكيل الحكومات وتغييرها عندنا لا يخضع لمعيار أو أسلوب مؤسسي. ودليل ذلك أنه منذ صدور الدستور الأردني عام 1952 حتى الآن, أي خلال (57) سنة, تشكلت وتغيرت عندنا (72) حكومة, في حين أنه في بريطانيا التي تأخذ بالنظام البرلماني وفقاً لنهج مؤسسي تتناوب فيه الأحزاب على السلطة, تشكلت وتغيرت فيها (74) حكومة خلال الفترة من عام 1721 حتى الآن, أي خلال (288) سنة!!

2- وفي ضوء اليأس من جدية الحكومات في الإصلاح, وبالنظر إلى أن ما يدخل تحت عنوان المعارضة من شخصيات وأحزاب ومهنيين ونقابيين, يستهدفون في معارضتهم تحقيق المصلحة العامة للوطن وللشعب, فإنني أدعو أصحاب الطروحات من محبي هذا الوطن إلى اجتماعات دورية غايتها وضع خطة للإصلاح الذي يرونه ضرورياً في الأردن, بحيث تشمل هذه الخطة على برنامج في مجال الشأن الاقتصادي والسياسي والقانوني والصحي والتعليمي, وغيرها من المجالات التي تتحدث عنها الحكومات في بياناتها الوزارية وتطلب الثقة على أساسها من مجالس النواب. والبرنامج الذي أدعو إليه ينبغي أن ينطلق من دراسة الواقع في المجالات كافة ثم خطوات مقترحة للإصلاح والبناء.

3- وتستطيع هذه النخبة الاستعانة بالخبراء الأردنيين الذين تمتلئ بهم الساحة الأردنية, ليقدموا ما لديهم في كل مجال من المجالات المذكورة. وعلى سبيل المثال, فإنه ليس من الصعب دعوة عدد من علماء الاقتصاد والمال والاجتماع لبحث الواقع الأردني من حيث تشخيص الأسباب الحقيقية لتآكل الطبقة الوسطى, وازدياد نسبة الفقر, وتراجع الأداء الاقتصادي الحكومي, وآثار الخصخصة وبيع المؤسسات العامة, ومصير المحصلة المالية لهذا البيع, والكيفية التي تحول فيها الفساد إلى مؤسسة يؤكدها بعض رؤساء الوزارات, ومعرفة المسارب التي نزف من خلالها المال العام, وأوجه الإنفاق اللازمة وغير اللازمة, والكيفية التي يعود فيها السياسي قائداً للأمني وصاحب سلطة عليه, وغير ذلك من الأمور, بالإضافة إلى أثر اتفاقية وادي عربة على واقعنا في المجالات كافة مقارنة بالحال الذي كنا عليه قبلها. وبعد ذلك يقترح هؤلاء الخبراء ما لديهم من برامج وخطط للإصلاح والتطوير في هذا الشأن, لاستقطاب الناس حولها. وكمثال أيضاً, ففي مجال القانون, فإنه ليس من الصعب دعوة عدد من علماء القانون لدراسة الواقع التشريعي غير المنضبط الذي لا مثيل له في دول العالم المتقدمة أو المتخلفة, واقتراح الحلول المتعلقة بتحديث تشريعات الدولة منذ عهد الإمارة حتى الآن, ووضعها في مجموعات يمكن للسلطة التشريعية أن تصدرها على نحو متكامل, بحيث تحتوي كل مجموعة على مذكرة توضيحية لنصوص كل مجموعة, وبعد ذلك يتم ترجمتها إلى اللغات الحية, ليتعرف العالم على نضج ما لدينا من تشريعات, وفي ذات الوقت تفعيل المحاسبة وتحديد المسؤولية لكل من يخرج على هذه النصوص أياً كان الموقع الذي يشغله.

4- وفي مجال الحقوق والحريات, فإنه إذا كان هامش الحريات في الأردن أعلى من الهامش المتاح في عديد من الدول العربية, فإن هذه الحريات تكاد تكون مجرد حريات قولية وظواهر صوتية لا يعرف إلا الله وقبضايات البلطجة السياسية سقفها المتغير كل يوم, وما حدث للأستاذ ليث شبيلات خير دليل. وقد نجحت أجهزة الحكومات في زرع الإحباط لدى الناس, وجعل الظواهر القولية والصوتية لا تجتذب أتباعاً أو أنصاراً تحرك شارعاً يخشى منه ولا تثير احتجاجاً يحسب له حساب. والدليل على ذلك, أنه إذا كانت الممارسة المؤثرة للحرية تفرض الديمقراطية الحقة لا محالة على الواقع السياسي, فإن هذه الديمقراطية مغيبة بأدوات سلطوية, يجسدها قانون الصوت الواحد الذي فكفك لحمة المجتمع, ونظام تقزيم الدوائر الانتخابية, وقانون الأحزاب العقابي, والقانون السالب لحق الاجتماعات العامة, وقانون تصيّد المطبوعات والنشر, وغيرها من القوانين, بالإضافة إلى التفسيرات القانونية التي تصادر الحقوق الدستورية لأعضاء السلطة التشريعية في محاسبة الحكومات. وهكذا جعلت الحكومات الظاهرة الصوتية والقولية للحرية عديمة الأثر. وعلى نخبة الأردنيين الموكلين بدراسة الواقع واقتراح خطط الإصلاح والبناء, أن يحددوا الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها القوانين التي لا تقوم الديمقراطية الحقة بغيرها, كحق دستوري للأردنيين, والطريقة المؤدية إلى عودة التلازم بين السلطة والمسؤولية.

5- وفي مجال القضاء, فإن على نخبة الأردنيين أن تأخذ في اعتبارها قاعدة جوهرية هي أن "العدل أساس المُلك" وأن العدل لا يحققه سوى قضاء مستقل. وفوق ذلك, فإن أداء العدل على نحو أكثر اكتمالاً, يقتضي التفكير ملياً في إمكانية تغيير نظام التقاضي الموجود, فلعل التغيير يجنب القاضي رؤية ثلاثين دعوى أو أكثر في اليوم الواحد. فهناك نظام آخر للتقاضي يمكن أن يرعى العدالة وحكم القانون, تأخذ به دول عظمى, مساحاتها وسكانها واقتصادها أكبر عشرات المرات من الأردن. كما أن إقامة العدل وسيادة القانون, بأمس الحاجة إلى نيابة عامة مستقلة عن الحكومات ورغائبها, يستنفرها المساس بالحقوق والحريات العامة والمال العام, وتكون الأجهزة الأمنية الظاهرة والخفية بإمرتها عند قيام هذه النيابة بواجباتها, بحيث تستطيع هذه النيابة الوصول إلى كل من يخرج على القانون أياً كان موقعه. وعلى نخبة الأردنيين الباحثة عن الإصلاح, اقتراح الوسائل الكفيلة بتحقيق المطلوب للقضاء والنيابة.

6- وبالنسبة للتعليم الجامعي, ينبغي على نخبة الأردنيين أن تعالج موضوع انحدار قيم هذا التعليم ومضامينه. ذلك أنه أصبح أمراً عادياً ومألوفاً في وطننا الاتصال بالأستاذ الجامعي أو رئيس قسمه أو عميده من أجل إنجاح طالب فاشل أو إعطاء تقدير جيد جداً أو امتياز لطالب حقق بالكاد علامة النجاح, ولا مانع عند من يتصل إبداء عذر أقبح من ذنب بالقول أن البعثة الحكومية بانتظار الطالب ولا يحتاج سوى التقدير العالي!! أما نقص المال على الجامعات الحكومية وما تتطلبه البحوث العلمية, فقد أصبح أمراً منسياً, ولا يهم تلك الحكومات أن يغادر أكثر من ألف من الكفاءات الأردنية جامعاتها خلال آخر سنتين إلى حيث تحترم عقول أصحابها وتتوفر متطلبات المعيشة الكريمة لأسرها. ورحم الله أياماً كانت فيها الجامعة الأردنية درة الجامعات العربية. أما الجامعات التجارية التي يُطلق عليها جامعات خاصة, ففضلاً عن أنه من حيث المبدأ لا يستقيم استهداف الربح للجيوب الخاصة مع التعليم الجامعي, فقد أصبح مالك المال في جامعات بعينها لا يقيم وزناً للأستاذية أو الرئاسة الجامعية, ويتعامل مع أصحاب العلم كأجراء لديه, رغم أن هذا المالك بالكاد يحسن القراءة والكتابة, وأخشى أن يكون منطلقاً في سلوكه من أن الطالب في العزبة الجامعية لهذا المالك يهمه الحصول على الشهادة بصرف النظر عن مضامين مدلولها!!

7- وفوق ما سبق, فإن نخبة الأردنيين الذين أدعو إلى لقائهم والخبراء الذين يختارونهم في المجالات كافة, يمكنهم العودة إلى البيانات الوزارية التي قدمتها الحكومات لمجلس النواب ونالت الثقة على أساسها, لمعرفة ما إذا كانت هذه البيانات قد قدمت من أجل أن تنفذها الحكومات حقيقة, وماذا نفذ منها, إن وجد, أم أن هذه البيانات كانت مجرد كليشيهات ينتهي دورها بعد إلقائها أمام النواب وشعبهم, انطلاقاً من قناعة الحكومات أنه لا يوجد في هذا الوطن من يراقبها أو يحاسبها على ما تقوم به, وإعلان ذلك للناس, مع خطط وبرامج موازية في هذا الشأن.

8- وإذا كان ما سبق يحتاج إلى مدة ليست قصيرة من العمل الدؤوب, فإن الأردن يستحق من هذه المعارضة وكل من يحب هذا الوطن, أن يقوم بالمطلوب, وبيان ما هو الواقع الفعلي, وما هي الثغرات فيه, والنهج العلمي والعملي لسدّ هذه الثغرات, بهدف التطوير. فإن توصلت أطياف المعارضة ومحبو هذا الوطن إلى مثل هذا البرنامج الذي أدعو له, فإنها تستطيع أن تختار كفاءات من الأردنيين تتولى المتابعة في كل حقل وميدان, تماماً وكأن هذه الكفاءات هي حكومة ظل بطواقمها, تتابع الأداء الحكومي وتقيمه وتكشف للناس عيوبه وأوجه الإصلاح المطلوبة له, انطلاقاً من خططها وبرامجها الموضوعة مسبقاً.

وأخيراً, فإنني أعتقد أن تحقيق ما سبق, يجعل للمعارضة وكل قانع بعدم سلامة نهج الحكومات, دوراً فاعلاً في الحياة السياسية في هذا الوطن, ويفرض على أي حكومة خلع ثوب اللامبالاة بالأصوات المنادية بالإصلاح. وأؤمن بقناعة تامة أن الأردن يستحق من أبنائه أن يجعلوه سويسرا العرب, وعقولهم قادرة على ذلك, إذ في هذا الوطن كفاءات قادرة على إدارة دولة عظمى, وليس فقط دولة بحجم الأردن العزيز, لكنها مغيبة أو مقصاة من قبل من لا حق لهم بتقرير هذا التغييب أو الإقصاء.
العرب اليوم


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد