الأعباء الإدارية الملقاة على كاهل المعلم

mainThumb

05-12-2015 09:53 PM

اعداد :  المكتب الإعلامي لنقابة المعلمين الأردنيين
 
يعتقد الكثيرون أن مهمة المعلم تقتصر على عطائه في الغرفة الصفية، وما يقطعه من المنهاج المقرر مع طلبته، ولكنهم لا يعلمون أن هذه المهمة هي الجزء الرئيس والبسيط الظاهر من جهده ، وهناك أعباء إدارية كثيرة ترهق كاهل صاحب الرسالة العظيمة، وتأخذ من وقته وجهده وطاقته الشيء الكثير، مما يؤثر في طبيعة عمله كمربي ومعلم ومهذب للأخلاق.
 
ولقد حاولنا جاهدين في هذا التقرير، أن نتواصل مع أكبر عدد ممكن من معلمي الميدان ، من مختلف التخصصات التدريسية على امتداد جغرافية الوطن ، لنقترب أكثر من الميدان التربوي ونتحسس أوجاعه ، ونحصر معظم هذه الأعباء  لنحاول البحث سويا عن حل لهذه التحديات .
 
#إعداد الخطط الدراسية الفصلية وتحليل المحتوى والخطط العلاجية
 
أولى هذه الأعباء : هي إعداد الخطط الفصلية المطلوبة لكل مادة دراسية وتسليمها  للإدارة ، حيث يتم الاحتفاظ بها لمقارنتها على الدوام مع سير المعلم بالمنهاج خلال السنة الدراسية، بغض النظر عن الأسباب المنطقية التي تؤخر المعلم في المنهاج من عطل مفاجئة أو تغيرات جوية تؤثر على الدوام المدرسي.
 
ومما يلحق ذلك عادة هو تحليل محتوى المنهاج الدراسي، ومعرفة أهدافه المعرفية (الدنيا منها والعليا) وكذلك النفس حركية والوجدانية، ويضع ذلك في سجل أيضا ليطلع عليها المشرف عند زيارته للمعلم لتقييم أدائه، في حين أنه يسجل أيضا ما يتم أخذه من المنهاج (بعدد الصفحات) تباعا في سجل كتابي شهري ، يمثل بطبيعة الحال عبئاً آخر.
 
وحتى يصبح عمل المعلم في هذا الإطار مكتملاً، ينفذ المعلم مع بداية كل فصل دراسي جديد اختباراً تشخيصياً للطلاب ، للوقوف على مستواهم الدراسي وإعداد الخطط العلاجية وفق نموذج صارم يجب التقيّد به ، ومع اكتظاظ الطلاب في صفوفنا الدراسية – العادية والمجمعة منها – غدت هذه المهمة مرهقة .
 
#تعبئة السجلات المختلفة وسلالم التقدير
 
أما إذا تحدثت عن تعبئة سجل الطالب في بداية كل عام دراسي وخاصة في الصفوف الثلاثة الأولى ، فهذا أمر مرهق جداً ، حيث يقوم المعلم بقياس طوله ووزنه وفحص نظره، وبمعلومات دقيقة يرصدها من كل طالب على حدا ، ولك أنت تتخيل واقع المعلم عندما يزيد عدد طلابه عن 40 – 50 طالب ، فكيف ستكون حالته بهذا الملف فقط ... ؟؟ وإذا أراد التعامل مع مشاكلهم السنية أو حتى مطاعيمهم الدورية، فمن أين له الوقت الكافي ؟؟
 
وإذا سألت عن سجل الحضور والغياب لطلاب الصف فهذا جهد آخر ، حيث يضطر مربي الصف يومياً لمعرفة حضور الطلاب وغيابهم، وتلخيص ذلك في نهاية كل شهر بعملية إحصائية لعدد غيابات كل طالب ورصدها، وذلك لغايات متابعة غياب الطلاب خلال السنة وتسجيلها لكل طالب على الشهادة المدرسية.
 
إن استراتيجيات التقويم الحديثة، فرضت على المعلم طرقاً في التقييم، زادت من العبء ولم تخفف منه كما كان يظن سابقاً، فسجلات سلالم التقدير توجب عليه وضعها أمامه في كل حصة، وقياس مهارة محددة بصدق وشفافية ووضع علامة للطالب على أساسها ، وهذا أمر يحتاج إلى يوم دراسي كامل، ناهيك عن صعوبة تطبيقه على الطلاب ، مما يضطر المعلم إلى اللجوء مرة أخرى لطريقة تقييم الطلاب بامتحان أو ورقة عمل، حاملاً معه سلالم التقدير للبيت، لتعبئتها حسب الامتحان أو ورقه العمل لقلة حصص الفراغ .
 
#إعداد أوراق العمل ووسائل الشرح المختلفة
 
لتنويع أساليب التدريس، يعمل المعلم على تجهيز أوراق عمل دراسية متنوعة مع إجاباتها النموذجية ، حيث يضع المعلم أهدافه القياسية لها ، ليقوم بتوزيعها على الطلبة ومن ثم تصحيحها، وتوزيع إجاباتها النموذجية لاحقاً ، وكذلك إعداد وسائل الشرح المختلفة من لوحات ومواد مختبرية أو مواد من البيئة ، لكي يضيف إضافة نوعية لفهم الطلبة لمادتهم الدراسية ، وهذا يحتاج إلى وقت وجهد إضافيين، ناهيك عن عدم توفر الجانب المادي عادة في ميزانية المدرسة، مما يجعله يتكلف بها شخصياً أو بجمع التبرعات من الطلاب.
 
#إعداد الامتحانات ورصد العلامات
 
لا يتوقع القارئ عادة ما هي العمليات التي تسبق وتتماهى وتلي ورقة الامتحان المدرسي ، فيظن أنها أعدت من جملة من الأسئلة غير المدروسة ثم وضعت في ورقة وطبعت بعدد الطلاب ثم تم تصحيحها ، ولكن الحقيقة تقول : إن إعداد ورقة امتحان يلزم تحديد المادة المقطوعة، وتحديد الأهداف الرئيسة المراد قياسها وطبيعة الأسئلة التي تتوائم معها ، وبعد طباعتها وتصويرها للطلاب ومراقبة أدائهم فيها ، تبدأ عملية فرز الورق وتصحيحه وعمل تحليل له من احتساب للمتوسط الحسابي للعلامات ومعرفة أعلى علامات وأدناها ونسبة النجاح والرسوب ، ثم يتم رصد العلامات على سجلات خاصة وتدوينها على المنظومة الإلكترونية "الإيديويف".
 
وإذا نظرت إلى سجلات العلامات المتعددة، تجد أنها عبء ورقي لوحدها ، فمنها سجلات الخاصة برصد الامتحانات الشهرية ، والجانبية لرصد الأنشطة والفعاليات اليومية ، والأساسية النهائية التي تعتبر وثائق رسمية، ويجب رصد العلامات فيها بمنتهى الدقّة لكي يتم رفعها للوزارة واعتمادها .
 
مع التقدم التكنولوجي ، فرضت وزارة التربية والتعليم التعامل مع المنظومة الإلكترونية "الإيدويف" لرصد علامات الطالب وحضوره وغيابه إلكترونياً ، حيث يخصص لكل معلم صفحة خاصة يوثق من خلالها علامات طلابه  وحضورهم وسلوكهم العام ، وهذه المنظومة – على فائدتها - معطّلة فنياً معظم الأحيان – بسبب عدم صيانتها الدورية وبرامجها غير المحدثة ، وقد ذكر ذلك في تقرير ديوان المحاسبة – وتحتاج إلى وقت وجهد، ولذلك هي عبء ثقيل على معلمي الميدان .
 
#مهام المناوبة وحصص الإشغال
 
مهمة المناوبة توزع على كل المعلمين في المدرسة، ليتحملوا تبعات مراقبة سلوك الطلاب عند حضورهم للمدرسة، وأثناء الاستراحات بين الحصص، وفي الفرصة وأثناء شرائهم من المقصف المدرسي، ولعبهم في الساحة وحتى عند عودتهم إلى بيوتهم ، في متابعة دقيقة لحركاتهم لكي لا يتعرضوا لأذى .
 
أما حصص الإشغال ، فهي تقطع على المعلم حصة فراغه التي ينتظرها، ليكمل فيها بعض المهام الإدارية الموكلة إليه أصلاً ، فيخرج لحصة الإشغال التي طلبت منه لغياب أحد الزملاء ، ويضطر للجلوس مع صف قد يكون لا يُدرّسه أصلاً ، في حين أن كثيراً من المعلمين قد اقترحوا سابقاً، أن يتم توكيل أحد الإداريين بهذه الحصص للتخفيف عنهم، على اعتبار أن بعض الإداريين تكون مهامهم محصورة بجزء معين من السنة، ولكن من يصغي ويستجيب لاقتراحاتهم ؟؟؟.
 
#النشاطات اللاصفية المتعددة
 
منها تنظيم الطابور الصباحي والإذاعة المدرسية ، حيث يُطلب من المعلم ضبط الطلاب في الطابور، وتدريب عدد منهم لأداء فقرات في الإذاعة حسب الجدول المتفق عليه ، وكذلك الإشراف على الصحة المدرسية ومتابعة تقاريرها المختلفة ، والمشاركة في المسابقات الأدبية أو الدينية أو الفنية أو العلمية أو الرياضية، وما يستلزم ذلك من تحضير المعلم للطلاب حسب فئاتهم العمرية ، ناهيك عن اللجان الأخرى؛ كلجنة التغذية المدرسية بتقاريرها الدورية ، لجنة الرحلات المدرسية التي تنظم كل الرحلات في المدرسة ، لجنة الدفاع المدني التي تنظم المحاضرات، والدورات التدريبية للطلاب على الإخلاء والإسعافات الأولية ، وكذلك لجنة المرور ومتابعة دخول وخروج الطلاب من المدرسة، وركوب مختلف الحافلات الخاصة بهم وتنظيم المحاضرات والدورات لقواعد السير ، ولا ننسى لجنة الهلال الأحمر ولجنة متابعة النظافة الصفية، ومنها أيضاً متابعة البرلمان المدرسي، وعمل محضر لاجتماعات الطلاب وحضور اللقاءات التي تعقد لهم خارج المدرسة ، وهذه اللجان وغيرها عادة ما تكون من نصيب معلمي الرياضة والفن والمهني والموسيقى ، فيأخذوا نصاباً جديداً فوق نصابهم الطبيعي .
 
#النصاب المدرسي المرتفع
 
ونقصد به عدد الحصص الصفية المطلوبة من المعلم (تحضيراً وأداءً) في الأسبوع ، فقد ارتفع النصاب هذه الأيام ليصل إلى (24-27) حصة أسبوعية ، أي بمعدل 5 حصص يومياً ، ولك أن تتخيل الإرهاق والضغط النفسي والجسدي، الذي يتعرض له المعلم بعد إعطائه هذا الكم من الحصص بشكل يومي، مع ما يتقاطع معه من تحضير وإعداد ، ليجد نفسه يتقلب من غرفة صفية لأخرى ليحافظ على مقدار ما يتم انهاءه من المنهاج وقتياً ، وما ذكرناه من أعباء هي كالأثقال على ظهره تأخذ من وقت راحته وعائلته أحياناً كثيرة .
 
#معوقات عامة وتحديات مستمرة
 
إن من أبرز التحديات التي تواجه المعلم في تطبيقه لهذه الأعباء المضافة لطبيعة عمله التدريسي والتربوي، هي اكتظاظ الصفوف بعدد الطلاب (40 – 50) طالب ، الأمر الذي يجعل من مهمة متابعة جميع الطلبة وتصحيح دفاترهم وتمكينهم من القراءة والتسميع وحل المسائل على السبورة، مهمة شبه مستحيلة ، ناهيك عن وجود الصفوف المجمعة التي تقسم وقت الحصة وعطاء المعلم وتفكيره إلى نصفين .
 
ومنها أيضاً افتقار معظم مدارسنا لغرفة المصادر ، التي تأخذ عن كاهل المعلم مهمة إعادة تأهيل الطلبة ذوي التحصيل العلمي المتدني وإلحاقهم بزملائهم ، ناهيك عن زخم المناهج وكثرة المعلومات فيها مقارنة لعدد الحصص الفصلية لها ، وعدم موائمة بعض المناهج لبعضها أفقياً "أي مع مواد أخرى لنفس الصف"، أو عامودياً "أي مع نفس المادة في الصفوف الأدنى"، مما يجعل معلم الفيزياء مثلاً يدرس تطبيقات رياضية ومعلم التربية الإسلامية يدرس بعض قواعد اللغة العربية.
 
يتضح مما سبق أن المطلوب من المعلم الحقيقي هو إعطاء الحصص بشكل منتظم ومبدع، وتغطية كافة الأعباء الإدارية آنفة الذكر بكل إخلاص ، وأن يتحمل نصابه العالي ويتأقلم مع افتقار مدرسته للحد الأدنى أحياناً من المرافق المتعددة، عدا عن زخم المنهاج الذي يؤديه ، دون اهتمام حقيقي لوضعه النفسي  والمادي والاجتماعي، وأن لا يؤثر كل ذلك سلباً على المعلم ويقلل من عطائه أثناء الحصة ، وهذا غير منطقي البتة .
 
لذا ، إذا وضعت الدولة المعلم في سلم الأولويات وعملت على إعادة الاعتبار المادي والاجتماعي له ، ووفرت كل ما يحتاجه لأداء مهنته على أكمل وجه ، وخففت من أعبائه الإدارية لكي يركز أكثر في رسالته ، ثقوا تماماً عندها "أن المعلم سيبني هذا الوطن ويغرس في نفوس طلابه الأمل والعمل" ، فهو الأب والأخ والصديق ، صاحب أسمى مبدأ وأرقى رسالة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد