صحيفة السوسنة الأردنية

ظهرت هذه الإعلانات «نافشة ريشها» «فاتحة صدرها» تتباهى بمجتمع ذكورى متعصب لأهواء الرجل ومزاجه المشروع وغير المشروع فى تخبط صارخ بين الحلال والحرام.. «العيب» والعرف والتقاليد!.

 

 

متجاهلة فى ذلك - بجرأة شديدة - تأثير رسالتها التجارية على البيت المصرى.. على فكر الشباب.. وعلى الأجيال الذين يشاهدونها!.. حدث ذلك برضاء تام وكامل أثناء حكم «الإخوان المسلمين»! فى تحدّ معلن وازدواجية للمعايير فجة.. فبينما كانت تُبث هذه الإعلانات بهستريا كما ذكرت كان هناك هذا التيار الإسلامى الذى يعارض ويرفض إظهار صور النساء المرشحات - اللاتى كن سيصبحن نائبات عن الأمة! - واستبدال صورهن بصور ورود أو صور أزواجهن باعتبار أن وجوههن عورة - وهو أمر غير موجود فى أكثر مذاهب الإسلام تشددا .. شىء مضحك.. ذكرنى بالأسطورة القديمة «الملك العارى» الذى أقنعوه بأنه سينفرد وحده فى العالم بارتداء قماش غير مرئى من شدة جماله وإذا به يسير فى موكب كبير بلا ثياب دون أن يجرؤ أحد من آلاف رعاياه على مواجهته إلا عندما صاح طفل صغير «الملك عارى»!.

 

 

يعود مرة أخرى هذا الإعلان ليُبث خلال هذا الشهر الكريم ليس بهذه الفترة والفجاجة الذكورية وإن كان فيه من الإيحاء الجنسى.. ولكنه يتعرض هذه المرة للمراقبة والمحاسبة الصارمة من قبل جهاز حماية المستهلك الذى يأمر بوقفه ومنعه من الظهور على الشاشة مع إعلانات أخرى ربما تحمل هى أيضا معانى غير لائقة.. وبالرغم من أنه تم إيقاف الإعلان الذى تكلف عشرات الآلاف من أجل الحفاظ على التقاليد المجتمعية وكرامة المواطن الشخصية والذوق العام إلا أنه فى الوقت نفسه سمح بإثارة التعجب والتساؤل حول هذه الأوضاع الغريبة التى تحرك المسؤولين تجاه الانتباه لبعض المخالفات، بينما هناك المئات من المشكلات الأخرى الأكثر حيوية ولا يتحرك أحد تجاهها، وهو الأمر الذى يدعونا للحديث عن هذه الواقعة الخطيرة التى تستوجب - بحق الانتباه - حيث قام من خلالها مواطن باللجوء إلى حيلة للفت نظر المسؤولين لمشكلته بعد أن فشلت جميع محاولاته لحلها عبر القنوات المشروعة، الأمر الذى دعاه إلى نشر إعلان مزيف فى جريدة الأهرام فى الثامن من يونيو الحالى يعلن فيه عن وفاة «السيدة فضيلة» والدة المرحومين دين ووطن وحق وواجب مع نشر عنوان العزاء! لنكتشف بعد ذلك أنها كانت مجرد حيلة ذكية لإثارة انتباه رئيس حى شرق مدينة نصر من أجل إزالة تعديات أمام عقاره!.

 

 

إذن المشكلة ليست فقط فى هذه الازدواجية أو هذا الفشل الإدارى الذى لا يعمل وفق منظومة إدارية مكتملة لها معاييرها الثابتة وقوانينها التى تستمد حقها منها وإنما فى هذا الانشقاق الفالت الذى أصبح يسمح لكل هيئة، جهة، مؤسسة أو جهاز للعمل بمفرده بعيدا عن هذه المنظومة، وهو ما ساعد وسمح لهذا المواطن بأن ينشأ - أيضا - جهة مستقلة تتولى زمام الأمور لحل مشكلته بعد أن فشلت إحدى الجهات المنوطة بحلها ونجح بالتالى فى إحراج الدولة والمسؤولين معها!.

 

 

إن هذه الواقعة التى لم تنَل تغطية جادة من كل وسائل الإعلام هى دليل حى عن هذا الانشقاق الإدارى وهذه الخيبة من الأمل وهذا اليأس الذى دفع مواطنا لتولى زمام الأمور بنفسه، وهو وإن كان فعلا يبتعد شكلا عن «الأسلوب البلطجى» إلا أنه لا يختلف عنه كثيرا فى المعنى! ويذكرنا فى الوقت نفسه بنظم العشائر والقبائل، والدويلات داخل الدولة الواحدة!.