رضاك أخيراً
الحرية أغلى ما يمكن للإنسان أن يملك، وأثمن ما يمكن للإنسان أن يعطي. الحرية، في امتلاكها وفي تقديمها للآخرين، تجعلك إنساناً أخلاقياً صادقاً مستقيماً واثقاً من نفسك، تجعلك أباً أو أماً أفضل، تجعلك حاكماً أفضل، تجعلك رب عمل أفضل، تجعلك سياسياً أفضل، وبلا شك تجعلك زوجاً أو زوجة أفضل. الحرية لمن يعطيها تعني الثقة بالنفس وقبول الآخر واحترام كينونته ووجوده، تعني أخلاقية السلوك وتحرر الروح التي في توقها للانعتاق من القيود تعطي هذه الحرية الثمينة للآخرين كذلك. والحرية لمن يمتلكها هي كل معنى للحياة وكل قيمة للنفس وكل احترام للذات وكل صدق في القول وكل فضائلية في السلوك. الحرية نظافة وصدق وثقة ورفعة، من لا يمتلكها يحيا بنصف جسد ونصف روح، ومن لا يعطيها يعلن كم هو جبان مذنب يخشى الانكشاف، فلا يجد لستر عورة نقصه غير الطغيان سبيلاً.
ونجاح أي علاقة ومتانتها وحقيقيتها كلها تعتمد على درجة الحرية الممنوحة من خلالها لكل الأطراف المعنية. ودرجة الحرية هذه بدورها لا تحدد فقط قوة العلاقة ولكن درجة السعادة فيها. فأن يتوفر ما قد يتوفر في أي علاقة من مال وجمال ونفوذ وحلاوة لسان، كل هذه سيختفي أثرها إذا ما تجاورت مع قيود يضعها إنسان في يد آخر ثمناً «للمزايا» المقدمة. وإذا ظهرت القيود اختفت السعادة وغاب الاستقرار وتبخر الاحترام: احترام الذات واحترام الآخر في العلاقة، وساعتها ستتحول تلك العلاقة إلى حلقة يدور فيها قط وفأر، لا هذا قادر أن يلحق بذاك، ولا ذاك مستطيع أن يمسك بذيل هذا. ستتحول العلاقة، حتى في عز بؤسها، إلى كوميديا سوداء يطغى فيها طرف ليحتقره الآخر، ويكذب فيها الآخر ليكشفه الأول. هي علاقة محكومة بالفشل الروحي والتعاسة الأبدية.
أما أنا وأنت فنحن «محكومان بالأمل» كما قالها (بصيغة الجمع) سعد الله ونوس سنة 1996 في رسالته بمناسبة يوم المسرح العالمي، الأمل في حياة أصدق وإخلاص أقوى. أنا وأنت محكومان بالصدق والوضوح والصراحة، بالحرية كمبدأ نحيا به معاً، فلا يطغى أحدنا على مساحة الآخر ولا على اختياراته، وأتصور أن ذلك هو ما يجعل الاحترام قائماً: شعورنا أن لا حاجة لكذب يصغّرنا ولا لتبرير يكشف خوفاً لا يفترض أن يكون في أي علاقة حقيقية مريحة. أنا وأنت محكومان بالمحبة، محبة لم تأت في لحظة ولم يخلقها مال أو جمال، إنما هي محبة شكلناها معاً عبر السنوات، محبة معجونة بالتجارب والتنازلات، محبة صامدة بحكم الاختبارات التي مرت بها وعليها. أنا وأنت محكومان بالأيام والسنوات والذكريات، بأهلي وأهلك الذين جمعناهم في رضانا واتفاقنا، بالأبناء الذين صنعناهم وقدمناهم لهذه الدنيا ثم تصارعنا وأنفسنا لنفلتهم من أيادينا ونطلقهم في رحابها رضوخاً لصرخة جبران أن «أولادكم ليسوا لكم»، وتأميناً على تصريحه المؤلم أن «نفوسهم لا تقطن في مساكنكم فهي تقطن في مسكن الغد». أنا وأنت محكومان بالبيت الذي بنيناه معاً، والصور الفوتوغرافية التي التقطناها معاً، والكتب التي ملأنا بها مكتبتنا، وقطع الأثاث التي نثرناها في بيتنا، والهدايا التي تبادلناها، ولمسات اليد في الرضا والغضب، والأنفاس في لحظات الفرح والبكاء والحب، والدموع في لحظات الضعف، والضحكات في لحظات الرضا. أنا وأنت محكومان بكل تفصيل من تفاصيل حياتنا، تفاصيل عجنت أيامنا في كتلة لا يمكن تفصيصها أو تفريق مكوناتها.
يوم نشر هذا المقال، يوم 23 مايو، سيكون يوم اكتمال السنة الخامسة والثلاثين لزواجنا، ويوم اعترافي أنني محكومة بك، بضحكتك ورضاك وسعادتك، إن تحققت كلها لك تحققت لي، وإن غابت عنك غابت عني وغامت أيامي. أنا محكومة بملامح وجهك وبشكل أصابع يديك وبصوت خطواتك التي تأخذك صباحاً من غرفة النوم إلى غرفة المكتب، وبأصوات أدواتك في ورشتك المزعجة التي تملأ البيت في صباحاته قطعاً ودقاً ونشارة، وبفيديوهات انستغرام التي أتعارك معك بسبب عفويتها واعترافاتك ببعض أخطاء نجارتك من خلالها، وبأغنياتك الصادحة في الورشة تنافساً وأصوات المناشير والمطارق التي دوماً ما أسخر من تنوعها الغريب؛ ما بين تلك التي لأم كلثوم والبيتلز وكوكوش. أنا محكومة بفرشاة أسنانك التي حين أعلنت استخدامها دون علمك أحياناً أثار ذلك حفيظة مغردي «إكس»، وبدشاديشك التي أحب أن أرتب أكمامها حتى تتوالى ترتيباً لونياً وشكلياً مبهجين، وبفوطتك مغمسة برائحتك، وقمصانك تحمل بقايا صمغ ورشتك وألوانها. أنا محكومة برغبتي الحارقة بدوام الحال الذي أدري أنه من المحال، فتراني أريد أن أضع كل شيء في مكانه، وأن يسري اليوم دقيقاً مكرراً في ترتيبه، وأن يكون جدولك ثابتاً واضحاً في سريانه فأجدك صباحاً في المكتب، ثم بعد الحادية عشرة في الورشة، ثم بعد السابعة على سفرة الطعام، وأن أصبّحك كل يوم بهرولة باتجاهك لأحتضنك حضناً صباحياً دوماً يفقدك توازنك ويطلق تلك الضحكة الصافية من حنجرتك، وأن أتعارك معك تلك المعارك التنفيسية المفتقرة لسبب أو معنى، وأن أخبز لك يومياً خبزاً طازجاً يفرض عليك مديحاً مبالغاً به، الذي لو لم تقدمه أمثل حزناً وغضباً معبرين عن دلال لا يليق بسني عمري، وأن أغمض عيني في آخر الليل بعد وصولك للفراش، فيحل الأمان وتستقر الروح ويتدفأ المكان بأكمله لأغط في نومي العميق.
أنا محكومة بابتسامة ذلك اليوم التي أعرف أنها تحمل تعليقاً رفضت أن تخبرني به إلا بعد أن أنتهي من سلسلة مقالاتي هذه، آخرها هذا المنشور اليوم، والذي حين ألححت لمعرفته كشفت عنه قائلاً إنك ما أحببت ذلك المقال الذي كشف حوارنا عن غزة، ورغبتك في إلغاء حفلنا بسبب أحداثها. قلتَ إنني قد أبدو مُبالِغة وقد وضعتك موضع المتظاهر في المقال، قلتُ، بل أزعجك كشفي عن لحظة مشاعر فياضة تخفيها دائماً كعادة كل رجال العرب تحت مظهر القوة واللامبالاة والسخرية من العواطف. قلتَ إنك لم ترد أن تعلق حتى لا تغير مسار كتاباتي وتقسرني على منع نفسي عن البوح بما أريد، وقلتُ إنني سأقول المزيد عن حياتنا وحكاياتنا وبوحنا. قلتَ إنك تعرف وراض ومسامح، فقلتُ ليس الأمر في يدي، فمن في حياتها أنت لا بد أن تحكي عنه. ترى، هل ستزعجك هذه الفقرة من هذا المقال؟
كنت أنوي أن أترك هذا المقال الأخير لك، وألا آتي على ذكر غزة اليوم، فقط اليوم، لأقولها لك صافية من الأحزان والمشاغل والأوجاع، أن كل خمسة وثلاثين سنة وأنت بخير يا كل أيامي، وكل معنى في حياتي، وكل فرحة في قلبي. لكن غزة أصبحت من يومياتنا، أحداثها تغير مسار حياتنا وقراراتنا، أساها يدمي قلوبنا، بل ويبدل علاقاتنا وصداقاتنا. لذا، غزة حاضرة في فرحنا كما نحن حاضرون في وجعها وحزنها. كل أيامك بخير، كل ما يسكن قلبك سعادة، كل ما تشعر هو الرضا، رضاك أولاً وأخيراً.
الاحتلال الإسرائيلي يفرج عن 10 معتقلين من غزة
سعر عيار الذهب الأكثر طلباً لدى الأردنيين الجمعة
ضربات جوية وتفجير روبوتات ومجازر في غزة .. تطورات
الذهب يتجه لأفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر
تفاصيل حالة الطقس بالتزامن مع احتفالات المملكة بعيد الاستقلال
بدء فعاليات الاحتفال بعيد الاستقلال مساء اليوم
صافرات الإنذار تدوي في تل أبيب بعد إطلاق صاروخ من اليمن
الاحتلال يرتكب مجزرة بحق فرق تأمين المساعدات بغزة
أولى قوافل الحجاج الأردنيين تغادر اليوم إلى الديار المقدسة
نائب أمريكي يدعو لقصف غزة نوويًا كهيروشيما وناغازاكي
صرف رواتب المتقاعدين الخميس مع زيادة وتأجيل أقساط
تطور مفاجئ في أسعار الأضاحي .. أرقام
فتاة مخمورة تثير استياء سكان شارع الجامعة في عمّان .. فيديو
كأسا عصير بـ500 دينار في الأردن .. واقعة تثير الجدل
امتحانات وزارية موحدة للصف الحادي عشر لأول مرة .. تفاصيل
مهم بشأن تحويل المركبات من بنزين وديزل إلى غاز
أسعار معقولة للمستهلكين .. مهم بشأن قانون الكهرباء الجديد
غرامة مالية على عبور المشاة من أماكن غير مخصصة
ما حقيقة تسجيل حالات تسمم بالبطيخ .. الزراعة توضح
ما هي القبّة الحرارية التي تضرب الأردن لأول مرة هذا العام
عريس يهرب يوم زفافه في عمّان ووالده يتبرأ منه .. تفاصيل
الضمان الاجتماعي يوضح شروط صرف بدل التعطل عن العمل
أبو حجر يدعو لتعدد الزوجات: لا تكتفِ بواحدة .. الحياة أحلى بأربع جبهات !
بينهم معلمة أردنية .. اعتماد الفائزين بجائزة خليفة التربوية 2025