كيفك ع فراقي
ثمة أصوات، حين تلامس آذاننا، لا تكتفي بالمرور… إنما تزرع فينا رعشة، كأن شيئاً فينا تذكّر نفسه.
ثمة نبرات تهمس:»أنت كنت هنا، وها قد عدت» .
وهذا تماماً ما فعلته أغنية «كيفك ع فراقي» التي جمعت الأب والإبن، فضل شاكر ومحمد شاكر، في دويتو نادر ، ليس فقط في الشكل، إنما في المعنى، والصدق، وفي التوقيت أيضاً.
في زمن امتلأ بالضجيج، ضجيج الحروب، والشتات، والأخبار التي لا تنتهي، جاءت هذه الأغنية كفسحة هادئة، كنافذة تنفتح فجأة على رائحة قديمة، على قبلة منسية، على رسالة حب نسيت في درج ما منذ عشرين عاماً.
«كذبة وصدقتا، كانت أكبر كذبة عشتا».
منذ الجملة الأولى، نشعر أننا نعود إلى ذلك الليل الطويل، من وحدة لم تشف، من ذاكرة تشبثت بظل حبيب.
صوت فضل شاكر ما زال كما نعرفه، دافئ، منكسر، نبيل.
هو كما عرفناه دوماً يهمس بما عجزنا عن قوله.
ومعه، يأتي صوت محمد، صوت شاب لم يحاول تقليد أبيه، ولكنه احتضنه، وكأننا أمام مرآة زمنية: فضل يغني الماضي، ومحمد يغني احتمالات المستقبل.
هذا الدويتو هو دويتوجودي.
هو لقاء بين الزمنين: من كان، ومن سيكون.
هو حوار بين القلب والظل، بين الأب الذي عاش الحبّ وفقده، والابن الذي ربما لم يعرفه بعد، لكنه ينضح بالحنين كما لو أنّه عاشه منذ ولادته.
في عصر يعج بالصرخات، جاءت «كيفك ع فراقي» كهمسة.
كأن الفن هنا جاء ليربّت على الوجع.
ربما لهذا السبب، اجتاحت الأغنية مواقع التواصل.
لم يشاركها الناس لأنها رائجة، إنما لأنهم رأوا أنفسهم فيها.
فكل واحد منّا، لديه «ع فراق» ، لديه رسالة لم ترسل، وموعد لم يأت، وحضن ما زال يعيش في الخيال.
في زمن الحرب، كل ما يشبه الحبّ يعتبر ثورة.
كل أغنية تتحدث عن القلب، تصبح مقاومة من نوع آخر.
«لو كنت بهاللحظة قبالي، بتشوفي شو وضعي الحالي». ما أقسى هذا الاعتراف.
كأنّ الصوت يقول: «لم أعد بخير… لكنني أقاوم بفكرة أنك موجودة».
من قال إن الغياب لا يغنّى؟
من قال إن الحنين لا يصنع ثورة صغيرة في القلب؟
الجمال في هذه الأغنية لا يأتي من الكلمات وحدها، ولا من اللحن، ولا من الأسماء المعروفة.
الجمال الحقيقي… في الصدق.
وما افتقدناه في الفن مؤخراً هو تحديداً هذا:
أن يقول لنا الصوت، دون مبالغة ولا تصنع: «أنا موجوع… بس عم بغنّي» .
فضل شاكر، الذي عاش المنفى بأبعاده المختلفة، عاد ليعطي شيئاً.
وبصوته، الذي لم تخنه العاطفة يوماً، قدم رسالة بلا خطب، وبلا استعراض.
وإلى جانبه، محمد، الذي لم يسرق الكاميرا من والده، إنما شاركه الضوء.
هذا النوع من الفن لا ينتج كثيرا. لأنه لا يفصَّل حسب طلب السوق.
هو يولد من الحنين، من حاجة داخلية لأن نقول: «أنا اشتقت».
ربما لهذا، شعر الناس أن الأغنية كانت لحظة شعورية جماعية، كأنّ الجميع تواطأ على أن يصغي بصمت.
كأن فضل ومحمد قالا لنا جميعاً: «تعالوا لنخون الحزن قليلاً قليلا».
لو سئلت ما الذي جعل هذه الأغنية تنجح، لقلت:
هي صادقة. وهذا يكفي.
في عالم نرتجف فيه من نشرات الأخبار، ونكاد ننسى كيف تمسك اليد بيد، جاءت «كيفك ع فراقي» كدليل…
أن الحب لا يموت.
أن الصوت يمكنه أن يرمم فينا شيئاً، حتى لو كان مكسوراً منذ سنين.
فشكراً فضل. شكراً محمد. أن أنقذتمونا لخمس دقائق، من هذا العالم، ومن أنفسنا.
عن الفنّ والادّعاء والخيانة الصامتة
ليست هذه الحكاية عن لوحة نقلت، ولا عن اسمٍ سرق.
هذه الحكاية، في جوهرها العاري، عما هو أبعد من الظلال التي يرسمها اللون على القماش. إنها عن الصدق الذي لم نعد نعرف كيف نحتفظ به في زمن العروض والضوء الزائف.
في واحدة من أشهر البرامج العربية، خرجت مها الصغير، بابتسامة ثابتة وصوت واثق، لتعرض مجموعة من اللوحات على أنها من توقيعها.
لكن اللوحة الأبرز، تلك التي حظيت بنصيب وافر من المديح والإعجاب، لم تكن لها. كانت للفنانة الدنماركية ليزا لاش نيلسن، التي رسمت أنوثتها المجروحة على جناحين من طين وأمل، سنة 2019، تحت عنوان: I Made Myself Wings.
لحظة ظهور اللوحة على الشاشة، كانت لحظة سرقة علنية.
ما هو أقسى من السرقة… هو التصفيق لها.
أن يقدَّم المزور كفنان، وتمحى هوية الأصل، ليس مجرد تجاهل، هو طمس متعمد للحقيقة.
وما حدث، رغم ما يبدو عليه من بساطة، جريمة ناعمة ضد ما تبقى من معنى للفن، للهوية، ولحق التعبير الإنساني.
الفنان لا يرسم فقط. هو ينزف، يلقى وجعه على سطح من قماش، يعرّي قلبه كي نراه. والذي يسرق، لا يسرق لوحة. هو يسرق الدموع التي سكبت بصمت، يسرق النفس الذي احتجز بين ضلوع الفنان، يسرق الألم الذي لم يعرف كيف يخرج إلا هكذا، بألوان متكسّرة. وهكذا، احتفينا بالمقلّدة.
وكم يشبه هذا المشهد كل ما يحدث حولنا: نرفع من لا يملك العمق، نزين السطح، ونغفل الحقيقة.
ما أضاء هذا الظلام، كان في موجة الاعتذارات الراقية التي جاءت من قلب كثير من المصريين.
رسائل من رجال ونساء كتبوا للفنانة: «نحن نعتذر… هذه ليست مصر. هذا في ذاته فعل فنّي، أن تتحرّك ضمائر بشر ليقولوا: نحن لا نشبه هذا.
أن يشعرالعشرات بضرورة التوضيح، والتنصّل من الفعل، كأنهم هم من ارتكبوه. هنا، يكمن النبل الحقيقي.
فالاعتذار لا يكون فقط عند الخطأ… إنما عند الشعور بالمسؤولية الجماعية.
لاحقاً، خرجت مقدّمة البرنامج منى الشاذلي، وقدّمت اعتذاراً علنياً، وأكّدت أن اللوحة تعود إلى فنانة أجنبية.
ثم تبع ذلك اعتذار خجول من مها نفسها، لكن هل حقاً كان ذلك مجرد التباس؟ أم كان استسهالاً لمساحات الشهرة؟ هل كانت ورشة، أم كان طموحاً بلا موهبة؟
هل يمكن لمن يحمل ريشة أن يغفل عن اسم الفنان الذي ينقل عنه؟
ليس الهدف من هذا المقال جلد مها الصغير.
هي دعوة للتأمل في زمن صار فيه الانتحال طريقة للنجاة، التزييف فناً موازياً، الاعتراف بالأصل ترفاً لا يهم.
زمن نحيا فيه بين صور منقولة، موسيقى معاد تدويرها، قصائد منقولة تنسب إلى أناس لم يعرفوا في حياتهم معنى النزف على الورق.
زمن مخيف، يكشفنا.
يضع المرآة أمام وجوهنا ويقول: «هذا ما صرنا عليه… فهل أنتم بخير؟»
مها الصغير لم تسرق لوحة فقط، سرقت لحظة شعور وعاطفة وجهد وعذاب، وذلك أقسى ما في من السرقة.
الفنانة لم ترسم جناحين لأنها تملك الألوان، رسمتهما لأنها أرادت أن تطير، حين لم يكن أمامها سوى الجدار.
وهل رأيت شيئاً أقسى من أن تنتزع أجنحتك ويلبسها غيرك؟ ومع ذلك، يبقى الفن حيّاً. الصدق لا يزيف، والحقيقة، حتى لو تأخرت، تظهر كالشمس بعد عاصفة. ولو كانت لي رسالة أوجهها للفنانة ليزا، لقلت: لا تقلقي، ما زالت لوحتك لك.حتى لو ظهرت باسم آخر… من يعرف الضوء، لن يخطئ دفئه.
كاتبة لبنانيّة
بلوك تطلق شخصيات ذكية لاختبار التطبيقات
فرح وارتياح يختتمان موسم التوجيهي اليوم .. فيديو
غسل الكعبة المشرفة بحضور نائب أمير مكة
ميسي يواصل الإبداع في الدوري الأميركي
سيوف العرب .. ملحمة تاريخية بروح معاصرة
الجامعات الأردنية والتصنيفات العالمية .. بين جوهر التعليم وسطوة الأرقام
نهائي مونديال الأندية 2025 الأحد بحضور ترمب
غوغل تطلق أدوات ذكاء اصطناعي للتسويق في الهند
نور علي تتألق في عرض زهير مراد
وقف ضخ المياه عن مناطق في المملكة .. أسماء
مهم بشأن ارتفاع أسعار اللحوم والزيوت ومنتجات الألبان
1039 قطعة أرض للمعلمين في سبع محافظات
بحيرة طبريا تقترب من أسوأ مستوى في تاريخها
بتوجيهات ملكية .. طائرة إخلاء طبي لنقل عائلة أردنية من السعودية
التسعيرة المسائية للذهب في الأردن .. تفاصيل
الحكومة تمنح قروضاً بلا فوائد لهذه الفئة
دفعة تعيينات كبيرة في وزارة التربية - أسماء
مهم من التربية بشأن تصحيح امتحانات التوجيهي
تحذير مهم من مهرجان جرش للجمهور
محافظ الكرك يوقف برد الشفا بسبب منشور الكحول
وفد سوري يزور محطة الباص السريع في عمّان .. صور
الاعتداء على الصحفي فارس الحباشنة أمام منزله في عمّان .. صور