رافضو الجوائز والشهرةُ المضادّة
يروون – والعهدة على الراوي- أن الروائي المصري ألبرت قصيري الذي عاش أغلب سنوات عمره في باريس، اعتذر مرة عن عدم قبول جائزة أدبية لسبب يبدو سرياليا، فقصيري الذي كان يلقب بفيلسوف الكسل ونظّر له بقوله «إنّ الإنسان الكسول وحده من يستطيع التأمّل في الحياة»، وكان يسهر الليل كله وينام النهار، لا يمكنه أن يقبل جائزةً موعدُ تسليمها في العاشرة صباحا! تذكرت هذه القصة ـ التي لم أتأكد من مصداقيتها ـ وأنا أقرأ سيل المقالات التي كتبت بعد وفاة الروائي المصري صنع الله إبراهيم قبل أيام (13/08/2025)، وكثير منها ركّزت على رفضه قبل 22 سنة استلام جائزة «ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي»، وعلّل رأيه ببيان ناري، أهم ما جاء فيه «أعلن اعتذاري عن عدم قبول (الجائزة) لأنها صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد، وتسمح للسفير الإسرائيلي بالبقاء (في مصر) في حين أن إسرائيل تقتل وتغتصب.. في ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت، لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته»، وما أعقب ذلك من جدل واصطفاف حاد، أربك السلطة الرسمية وقتها، فوزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني حاول قلب الكفة إلى الجهة التي يمثّلها، فاعتبر رفض صنع الله إبراهيم للجائزة شهادةً للحكومة المصرية، ومناخ الحرية الذي تعيشه مصر، وإن فوزه دليل ينفي ما قاله، بل ذهب في مذكراته أبعد من ذلك، حيث اعتبر رفض صنع الله للجائزة مشهدا تمثيليا باهتا، وما ذلك إلا «ليشحذ مجدا يتوق له». وانضم إليه الدكتور جابر عصفور ممثل السلطة الآخر، وهو الذي نظم الملتقى وكان يومها أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة، فرأى أن «صنع الله إبراهيم لم يرفض جائزة من الحكومة، وإنما من الأمة العربية». وللمفارقة فإن جابر عصفور تنازل بعد سقوط النظام في ليبيا عن «جائزة القذافي العالمية للآداب» ولكنه احتفظ بقيمتها المادية (150 ألف يورو) واعتبرها منحة الشعب الليبي له ولن يردها، علما أن هذه الجائزة رفضها في دورتها الأولى الأديب الإسباني خوان غويتيسولو، تماهيا مع مواقفه المناهِضة دوماً للأنظمة الاستبدادية، كما كتب في مقال له.
ولكن ما الذي يدفع كاتبا لرفض جائزة مرموقة، في عالم يسعى فيه الجميع إلى الحصول على التقدير؟ مع ملاحظة جوهرية أن الرفض قد يُكسب الكاتب شهرة أكثر من القبول، ففي حالة الروائي صنع الله إبراهيم قبل رفضه جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي، بل وبعدها نال جوائز مرموقة مثل جائزة غالب هلسا (1992) وجائزة سلطان العويس (1994) وجائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر (2004) وجائزة كفافيس (2017)، ولكن استأثر الرفض بالضوء.
مثل حالات كثيرة أشهرها على الإطلاق رفض الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر لجائزة نوبل سنة 1964، وإن كانت دوافعه مختلفة، فتصوّره لمهمة الكاتب أن يكون مستقلا عن المؤسسات، وعلاقته بالقارئ مباشرة، إذ «يجب على الكاتب بالتالي أن يرفض أن يتحول إلى مؤسسة، حتى لو كان ذلك في أشكالها الأكثر شرفا، كما هو الحال (في جائزة نوبل)». وكان سارتر منسجما عمليا مع طرحه الفكري، فلم يقبل الأوسمة الرسمية، وهي نوع من الجوائز حينما رفض وسام جوقة الشرف الفرنسي، وهذا الموقف السارتري، دفع بعض الأدباء المشاكسين إلى اقتراح جائزة افتراضية باسم «جائزة سارتر لرفض الجوائز الأدبية»، تمنح معنويا لمن يرفض جائزة ما «لأسباب يراها وجيهة كإدانة الجهة المانحة، لأنها من نظام شمولي أو تعبر عن ممارسات غير ديمقراطية».
وقبل رفض سارتر لنوبل بأربعين عاما، رفض أديب بريطانيا برنارد شو بدوره أيضا جائزة نوبل، وهو أول الرافضين لها قائلا بأسلوبه الساخر «أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت، ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل»، وشبّه الجائزة بـ»طوق نجاة يُلقى به إلى شخص وصل فعلاً إلى بر الأمان، ولم يعد عليه من خطر»، ولكنّ لعباس محمود العقاد رأيا آخر في سبب الرفض، فقد كتب في كتابه «جوائز الأدب العالمية» فصلا عن برنارد شو بعنوان «رافض الجائزة» جاء فيه: «جائزة نوبل ليست من جوائز التشجيع، التي يراد بها تنشيط السابحين في طريقهم إلى بر الأمان، وإنما هي جائزة تتويج وتقدير.. فبرناردشو لم يرفض الجائزة لهذا السبب، ولكنه رفضها لأنه رأى – بحق- أنها تخطته عدة سنوات، ووصلت قبله مرات عديدة إلى أناس لا يساوونه في نظر الناس، ولا في نظر نفسه». والغريب أن برنارد شو رجع وقبِل نوبل بشرط أن تُصرف قيمتها المادية على ترجمة أعمال زميله الكاتب المسرحي السويدي أوغست ستريندبرج من السويدية إلى الإنكليزية. وهذا الموقف من شو المنطلق من العامل الشخصي (الإحساس بالخيبة لأن نوبل تأخرت عن موعدها) الذي غلفه بسبب أكثر تقبلا من الأوساط الأدبية، كرره بعد سنة واحدة فقط (1926) الروائي الأمريكي سنكلير لويس، حين أعلن رفضه لجائزة البوليتزر في رسالة شهيرة ظاهرها مبدئي، حين رأى أن «جميع الجوائز، مثلها مثل جميع الألقاب، خطيرة. فمن يسعون للحصول على الجوائز لا يعملون من أجل التميز الذاتي، بل من أجل المكافآت الخارجية: فهم يميلون إلى كتابة هذا، أو يتجنبون كتابة ذاك بخوف، من أجل إرضاء تحيزات لجنة عشوائية». ولكن مؤرخي سيرته يرجعون رفضه للبوليتزر لأنه شعر بأنه ظلم مرتين حين حرم الجائزة في دورتين سابقتين، وقد تم اختياره لها في البداية. وهذا الموقف المبدئي من الجوائز خالفه سنكلير لويس نفسه حين قبل بجائزة نوبل سنة 1930.
ولعل أكثر المواقف مبدئية في رفض الجوائز ما فعله الكاتب الفرنسي جوليان غراك، فقد رفض سنة 1951 جائزة الغونكور أشهر الجوائز الأدبية الفرنسية، انسجاما مع رأيه بأن الإبداع يجب أن يسوّق نفسه بنفسه وليس بحاجة إلى جائزة أو حتى إعلان، فاعتبر في رسالة شهيرة له قبل رفضه الجائزة عنوانها «الأدب في المعدة» أن الجوائز تحوّل الأدب إلى صناعة تجارية وعرض إعلامي، فهي بعيداً عن مكافأة الجودة الأدبية، تخدم بشكل أساسي في إثارة ضجة إعلامية وتحفيز مبيعات الكتب، ما يخضع الكاتب لضغوط اقتصادية وإعلامية تخنق الإبداع الحقيقي. وطبق غراك هذه الفكرة عمليا فرفض دعوات للظهور في الإذاعة والتلفزيون الفرنسيين، كما رفض بأدب ثلاث دعوات من الرئيس ميتران لتناول العشاء في الإليزيه. وللمفارقة بعد ثلاثة أشهر فقط من رفضه الغونكور ارتفعت مبيعات روايته «شط سيرت» من 3000 نسخة إلى 110000 نسخة. أليس رفض الجائزة في أحيان كثيرة دعاية قليلة الكلفة للكاتب؟
ومن قصص الرفض الغريبة ما حدث مع الكاتب الروسي بوريس باسترناك، فقد وافق في البداية على منحه جائزة نوبل عن رائعته «دكتور جيفاغو» ثم كتب اعتذارا علنيا عن عدم قبولها في صحيفة «البرافدا» بعد أسبوع فقط من موافقته جاء فيه «من منطلق المعنى المضاف لهذا التكريم في المجتمع الذي أنتمي إليه، لا بد أن أمتنع عن قبول الجائزة غير المستحقة التي حصلت عليها.. لا تتلقوا رفضي الطوعي بسوء نية»، معتبرا أنه أخطأ في القبول، ليُتكشف في ما بعد أنه تعرض لضغوط شعبية وتهديدات من السلطات السوفييتية بإرساله إلى أحد المحتشدات في سيبيريا.
ويبقى رفض الجائزة في أحيان كثيرة أكثر أهمية من قبولها، خاصة إذا كان لتسجيل موقف سياسي، وكما كان الوضع الفلسطيني السبب الرئيس لرفض صنع الله الجائزة المصرية، أثر ما يجري في غزة على الوسط الأدبي العالمي بقوة، فقد انسحب 28 كاتبا من 61، منهم تسعة من عشرة من الذين وصلوا إلى قائمة الترشيحات من جائزة نادي القلم الأمريكي PEN مسجلين موقفا مشرفا واحتجاجا صريحا على صمت رعاة الجائزة عما يجري في غزة، وكتبوا السنة الماضية بيانا شديدا جاء فيه «نحن نرفض التستر على التحريض على الإبادة الجماعية بأموال ضرائبنا، ونحن نرفض المشاركة في أي شيء من شأنه أن يلقي بظلاله على تواطؤ منظمة القلم في تطبيع الإبادة الجماعية».
ومهما تعددت أسباب الرفض، سواء أكانت شخصية أو رغبة في البقاء خارج الاعتراف المؤسسي، أو تسجيلا لموقف سياسي، يبقى خيارا حرا لأصحابه يُحترم، وإن خالف توقعاتنا أو خيب آمالنا، وأستذكر ما كتبه أمل دنقل في قصيدته «كلمات سبرتاكس الأخيرة»: المجد للشيطان.. معبود الرياح/ من قال (لا) في وجه من قالوا (نعم)/ من علّم الإنسان تمزيق العدم/ من قال (لا).. فلم يمت/ وظلّ روحا أبديّة الألم.
شاعرة وإعلامية من البحرين
100 مليون فاتورة عبر نظام الفوترة
السعودية تدعو لوقف فوري لجرائم الاحتلال في غزة
أزمة السجون تدفع لندن إلى عقوبات غير تقليدية
الأونروا تجمع 1500 طن نفايات في غزة
هاندا أرتشيل تنفصل عن خطيبها وتثير الجدل
عودة الطلبة إلى المدارس تتطلب تهيئة نفسية من الاهل
ديب سيك تفتح الباب لرقائق ذكاء اصطناعي صينية متقدمة
جامعة البلقاء التطبيقية: ريادة في التعليم التقني والتطبيقي .. صور
شهيد في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان
إرشادات طبية مهمة لمرضى السكري في أجواء الحر الشديد
مودريتش يدخل تاريخ الكالتشيو بعمر 39
مقصّات الحسد: حين يقصّون نجاحك خيطًا خيطًا!
منهج الذكاء الاصطناعي يدخل المدارس السعودية
التربية تدعو مرشحين لإشغال وظيفة معلم .. أسماء
ترفيع وإنهاء خدمات موظفين لاستحقاق التقاعد المبكر .. أسماء
إعلان نتائج التوجيهي جيل 2008 إلكترونيًا وورقيًا نهاية آب
مهم بشأن موعد نتائج التوجيهي 2008
آلية احتساب معدل التوجيهي جيل 2008
مدعوون للامتحان التنافسي في شركة حكومية .. أسماء
إعادة تفعيل رابط المكرمة الملكية ليوم واحد
الجواز الإلكتروني الأردني متاح دون إلزام بتجديد القديم
التربية تحدد مواعيد الدورات التكميلية لجيل 2008
تنقلات واسعة في أمانة عمان الكبرى .. أسماء
التربية تحدد موعد توزيع الكتب المدرسية
غرامات على المخالفين لوضع الحواجز في عمّان
درجات الحرارة تصل إلى 41 اليوم بهذه المناطق