السودان والتعليم في زمن الحرب
بعد حرب الخامس عشر من أبريل في السودان، وفي خضم دوي المدافع وأنين الجرحى وصراخ النازحين، يغيب صوت المعرفة والمستقبل، صوت القلم وهمس الطلاب في الفصول الدراسية. 90 في المئة من أبناء السودان في سن الدراسة، حوالي 19 مليونا، ضاع منهم أكثر من عام دراسي، منهم 17 مليونا أخرجتهم الحرب من نطاق التعليم ليشكلوا فاقدا تربويا هائلا وبحجم غير مسبوق في تاريخ السودان.
والأرقام 19 مليونا و17 مليونا ليست مجرد إحصائية صماء، بل هي عنوان لكارثة وأزمة طنية، وصفتها منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، اليونسيف، بأسوأ أزمات التعليم في العالم، وستدوم آثارها السالبة والمدمرة على السودان لعقود طويلة في بلد أصلا تعثر نموه منذ فجر استقلاله، ويعاني من التخلف والتراجع على كافة الأصعدة، التنموية والاجتماعية والمعرفية، بينما التجهيل والدجل والخرافة في تصاعد مخيف. فالرقم 17 مليونا فاقد تربوي يمثل جيلاً كاملاً مهددا بالضياع ومثخنا بجراحات الجسد والروح والعقل، جيلا لن يفقد المعارف الأكاديمية فحسب، بل سيفقد البنية النفسية والاجتماعية التي توفرها المدرسة، مما يجعله أكثر عرضة لمختلف أشكال الاستغلال وبؤر التطرف والجريمة والمخدرات والعداء للمجتمع والوطن. أما المدارس والمنشآت التعليمية، فالحرب دمرت آلافا منها، والتي لم تُدمر حُولت ساحاتها إلى مدافن لضحايا القتال وملاجئ لإيواء النازحين، وأصبح معلموها، أكثر من نصف مليون معلم، يعانون معاناة مزدوجة وجهها الأول تملؤه مشاعر الألم والحزن العميق والإحباط المهني بسبب توقف أداء الرسالة التي كرّسوا حياتهم لأجلها، وبسبب الإحساس بفقدان الهوية المهنية والعجز أمام حجم الكارثة المهولة وآثار الفجوة التعليمية على مستقبل البلاد، وبسبب القلق من صعوبة تعويض هذه الخسارة الكبيرة حتى بعد انتهاء الحرب. أما الوجه الآخر لمعاناة المعلمين، فهو تشتتهم ما بين البحث عن قوت يومهم وملاحقة رواتبهم المعلقة، والبحث عن حرفة أو مهنة بديلة أو الهجرة. ورغم هذه المعاناة الحادة، يستشعر المعلمون السودانيون المسؤولية الوطنية، ويحاولون ابتكار الحلول لصالح استمرار العملية التعليمية في ظل الحرب، ولكل أبناء السودان، في هذه الضفة أو تلك، كما سنوضح لاحقا.
صحيح أن التعليم هو حق، ولكنه ليس مجرد حق، بل هو الأساس الوحيد لمستقبل الأوطان. ولكن الحرب في السودان حولت هذا الحق إلى حلم بعيد المنال، ووفرت كل أسباب تدمير ذلك الأساس. الحرب
أصابت التعليم في مقتل، وحولته من مجرد كونه أحد تداعياتها، إلى أزمة عميقة قائمة بذاتها وجبهة عمل رئيسية ضمن جبهات معارك الحفاظ على السودان وبناء مستقبله. وبالإضافة إلى ما أصاب بنية النظام التعليمي من دمار وتقتيل ونزوح قسري ولجوء، فإن تأثيرات الحرب المباشرة على العملية التعليمية في البلاد، أتت بإفرازات وتداعيات سالبة جديدة ضاعفت من عمق هذه الأزمة وزادتها تعقيدا، وإذا لم يتم التصدي لها ومقاومتها، فإن التخريب والدمار لن يتوقف عند العملية التعليمية وحدها، بل سيعمان كل زوايا وأركان الوطن الأخرى، بما في ذلك وحدته وتماسكه. ومن ضمن هذه الإفرازات والتداعيات السالبة، نذكر:
تسييس التعليم وإدخاله ساحة الصراع السياسي، وتحول العملية التعليمية من وسيلة لبناء الوطن إلى أداة في الصراع حول الشرعية من كل طرف، لا سيما محاولة كل طرف احتكار إدارة العملية التعليمية وحرمان الطرف الآخر من تحقيق نقاط إيجابية عن طريق التعليم، ومحاولات جعله وسيلة لإقرار نتائج الحرب. فهناك عدم اعتراف متبادل بين وزارة التربية والتعليم الاتحادية في بورتسودان والإدارات التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، مما يعني انقساما في النظام التعليمي ووجود سلطتين ونظامين تعليميين غير متواصلين في البلد الواحد، مما يهدد وحدته الثقافية والفكرية وتماسكه الاجتماعي على المدى الطويل. وفي الأسبوع الماضي، جاء في الأخبار أن سلطات الدعم السريع في منطقة نيالا اعتقلت المعلمين في المنطقة الذين وصلتهم رواتبهم من وزارة التعليم في بورتسودان عبر التحويلات البنكية. هذا الاعتقال يمثل تطبيقاً عملياً وبشكل قمعي لسياسة التسييس وعدم الاعتراف المشار إليها. فهؤلاء المعلمون ضحايا، ورواتبهم حق أصيل لهم وهم يسعون ببساطة إلى تأمين قوت عيشهم. وفي هذا الصدد، أصدرت لجنة المعلمين السودانيين تصريحا يرفض ويدين هذا الاعتقال، مؤكدا على استقلالية المعلم وأنه يضع مهنته ومصلحة التعليم فوق الخلافات السياسية.
تجنيد وإشراك الطلاب في العمليات العسكرية، بل وتشجيعهم على ترك مقاعد الدراسة والذهاب إلى جبهات القتال، كما يفهم من قرار وزير التربية والتعليم الاتحادي في بورتسودان بإعفاء الطلبة المشاركين في القتال من الرسوم الدراسية. وبينما يمكن تفسير هذا القرار الخطير، كحافز معنوي، إلا أنه في جوهره تكريس للتجنيد ومكافأة له. لجنة المعلمين السودانيين انتقدت القرار ووصفته بالسابقة الخطيرة ويمثل انتهاكًا مباشرًا صارخًا للمادة (38) من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي تحظر تجنيد أو إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة تحت أي ظرف، وأنه يخلق تمييزاً بين الطلاب بناءً على انتمائهم العسكري، مما يقوض فكرة المدرسة كمنطقة محايدة.
الإخلال بمبدأ المساواة في التعليم بين طلاب الولايات المختلفة، بحرمان بعضهم من الانتظام في الدراسة أو الجلوس لامتحانات النقل من مرحلة لمرحلة، بما في ذلك امتحانات الدخول للجامعة.
*الحرب تسببت في معاناة الأسر وتدني القدرة على توفير متطلبات الحياة الأساسية، ومع ذلك فرضت الحكومة رسوما دراسية على الطلاب، مما يكرس المزيد من التمييز وحرمان آلاف الأطفال من حقهم الطبيعي في التعلم.
إن العملية التعليمية يجب أن تكون بعيدة عن الصراع السياسي، والتعليم هو جسر للسلام وليس أداة لتقسيم البلد، بل هو أقوى أداة لتماسكه. إنه الركيزة التي تبني هوية وطنية جامعة تتسع للجميع، وتستند إلى المواطنة وليس الانتماء الجهوي أو العرقي. أما المقترحات حول كيفية التعليم في زمن الحرب، فسنستعرضها في مقالنا القادم.
كاتب سوداني
السعودية تدعو لوقف فوري لجرائم الاحتلال في غزة
أزمة السجون تدفع لندن إلى عقوبات غير تقليدية
الأونروا تجمع 1500 طن نفايات في غزة
هاندا أرتشيل تنفصل عن خطيبها وتثير الجدل
عودة الطلبة إلى المدارس تتطلب تهيئة نفسية من الاهل
ديب سيك تفتح الباب لرقائق ذكاء اصطناعي صينية متقدمة
جامعة البلقاء التطبيقية: ريادة في التعليم التقني والتطبيقي .. صور
شهيد في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان
إرشادات طبية مهمة لمرضى السكري في أجواء الحر الشديد
مودريتش يدخل تاريخ الكالتشيو بعمر 39
مقصّات الحسد: حين يقصّون نجاحك خيطًا خيطًا!
منهج الذكاء الاصطناعي يدخل المدارس السعودية
الأردن لا يخشى الهراء والهذيان السياسي لنتنياهو
التربية تدعو مرشحين لإشغال وظيفة معلم .. أسماء
ترفيع وإنهاء خدمات موظفين لاستحقاق التقاعد المبكر .. أسماء
إعلان نتائج التوجيهي جيل 2008 إلكترونيًا وورقيًا نهاية آب
مهم بشأن موعد نتائج التوجيهي 2008
آلية احتساب معدل التوجيهي جيل 2008
مدعوون للامتحان التنافسي في شركة حكومية .. أسماء
إعادة تفعيل رابط المكرمة الملكية ليوم واحد
الجواز الإلكتروني الأردني متاح دون إلزام بتجديد القديم
التربية تحدد مواعيد الدورات التكميلية لجيل 2008
تنقلات واسعة في أمانة عمان الكبرى .. أسماء
التربية تحدد موعد توزيع الكتب المدرسية
غرامات على المخالفين لوضع الحواجز في عمّان
درجات الحرارة تصل إلى 41 اليوم بهذه المناطق