الحرية لفلسطين .. صرخة تهز ضمير العالم

mainThumb

23-05-2025 02:33 AM

في لحظة مفصلية تكثّف فيها الألم الإنساني والغضب المكبوت، دوّى صوت الشاب الأميركي إلياس رودريغيز في قلب العاصمة واشنطن وهو يهتف "الحرية لفلسطين" بينما كانت الشرطة تقيده عقب حادثة إطلاق النار قرب السفارة الإسرائيلية. لم يكن المشهد مجرد خبر عاجل أو حادث جنائي، بل لحظة انفجار رمزي عبّر فيها فرد عن وجع شعوب بأكملها، عن صرخة أحرار العالم التي تجاهلها القادة، وعبّرت عنها شوارع الغرب بعد أن فاض بها الكيل من دعم أنظمة الإبادة.

حادثة واشنطن – التي أسفرت عن مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية أمام المتحف اليهودي – لم تكن في سياقها الأمني فقط، بل حملت أبعادًا سياسية وإنسانية كاشفة، صوّرتها الكاميرات ووثقتها مواقع التواصل، وباتت عنوانًا لمرحلة جديدة في الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل، لا سيما في ظل المجازر المتواصلة في قطاع غزة والتي تجاوزت كل حدود الفظاعة والوحشية.

رودريغيز، الباحث في مجال التاريخ الشفوي، لم يكن مسلحًا بأكثر من صوته وكوفيته وهتافه، الذي تحوّل إلى نشيد عالمي تضامني، وانتشرت صوره كرمز للرفض، للكرامة، وللعدالة الغائبة. ورغم أن الرواية الأمنية الأميركية ما تزال قيد التحقيق، إلا أن مجرد تداول الهتاف وتحوّله إلى وسم عالمي يدلّ على عمق التحول في المزاج الغربي، وعلى تصدّع الجدار النفسي الذي ظل يحصّن إسرائيل من المحاسبة.

لقد اصبحت إسرائيل: عبء ثقيل على الحلفاء ومصدر دائم لعدم الاستقرار. ولا شك أن السياسات اليمينية المتطرفة التي يتبناها نتنياهو تدفع إسرائيل إلى عزلة دولية متفاقمة، وتحوّلها من "حليف موثوق" إلى عبء لا يُحتمل على شركائها الغربيين. ومع كل مجزرة في غزة، وكل تصريح متشنج من تل أبيب، تتسع الفجوة بين إسرائيل والضمير الإنساني، بل وحتى مع حلفائها التقليديين.

وما حدث في واشنطن ليس استثناءً، بل نتيجة حتمية لسلسلة طويلة من الانفجارات النفسية والأخلاقية داخل المجتمعات الغربية، التي سئمت من ازدواجية المعايير ودعم آلة حرب لا ترحم. فقد عبّر الآلاف في منشوراتهم وتعليقاتهم عن تضامنهم مع رودريغيز، واعتبروا صرخته تجسيدًا لضميرهم الغائب. بل إن بعضهم ذهب إلى اعتبارها صيحة تذكير بأن الإنسان، حتى لو عاش في قلب الدولة العظمى، لا يمكنه أن يتجاهل قضايا المظلومين إلى الأبد.

إن حكومة إسرائيل اليوم لم تعد فقط تمارس جرائم ضد الفلسطينيين، بل تسيء إلى صورة حلفائها، وتحرجهم أمام شعوبهم. تصريحات نتنياهو العدائية تجاه قادة غربيين انتقدوا سياساته، والردود الفظة على الإدانات الدولية، تؤكد أننا أمام قيادة سياسية مهووسة بالسلطة والحرب، لا تؤمن بشيء سوى منطق القوة والعنف.

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: إلى متى سيبقى العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، في حالة شراكة أخلاقية وسياسية مع دولة تتنصل من القانون الدولي، وترتكب الفظائع على مدار الساعة، وتُخرج حتى المتعاطفين من داخل حلفائها عن صمتهم؟

ما تحتاجه المنطقة ليس اجتماعات إضافية ولا تصريحات نارية، بل كبح جماح حكومة تتغذى على الدم، وإعادة إحياء صوت العقل، ووقف المجازر التي تملأ الشاشات كل مساء. ما فعله رودريغيز ليس سوى مرآة لأزمة ضمير عالمية.

لقد تحوّلت إسرائيل من "ملاذ آمن" لحلفائها إلى مصدر تهديد للاستقرار الدولي، وها هي تدفع حتى الشباب الأميركيين نحو التمرد. وإن لم يتحرك المجتمع الدولي لوضع حد لهذه السياسات، فإننا سنشهد مزيدًا من الانفجارات، ليس فقط في غزة، بل في شوارع العواصم الغربية.

الحرية لفلسطين لم تعد شعارًا يُرفع في تظاهرة عابرة، بل باتت صرخة تهز ضمير العالم، وتجبر الجميع على إعادة النظر في تحالفاتهم، وخياراتهم، ومواقفهم من القضايا العادلة.

فإما أن ينحاز العالم للعدالة، أو يستعد لدفع ثمن الصمت.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد