تاريخ الاردن وعشائره / الحلقة التاسعة لـ عويدي العبادي
تأليف المؤرخ والمفكر الأردني
د . احمد عويدي العبادي
عضو مجلس النواب الاردني سابقا لمرتين
oweidi2005@yahoo.com
العشائر الاردنية ودورها في الصراع الداخلي بين المماليك وفي هزيمة التتار نهائيا قرب حمص وظهور المماليك البرجية / الجركسية واهمالهم التام للاردن ووقوع الظلم على العشائر الاردنية
توضيح من المؤلف
يبدو ان هناك نفر من الناس يرون ان بناءهم لأنفسهم وارتفاعهم او رفعتهم لا تكون الا بتدمير الاخرين . اما انا فأرى انهم لو كرسوا جهودهم لبناء انفسهم لكان خيرا لهم وللاخرين , وساهم في تقدمهم وتقدم الوطن والشعب .
ويبدو ايضا ان هناك نفر يرى انه لا يحقق تاريخا او مجدا لنفسه او لشعبه الا اذا دمر او انكر تاريخ الاردن وحاول التطاول على رجالاته وانجازاته , وان ما يكتبه د . احمد عويدي العبادي ليس الا قصصا خيالية ومسلسلا تلفزيونيا حوله الى تاريخ . ولا نسمع مثل هذا القول عند كتابة او قراءة تاريخ الاخرين , بل ان اوهامهم تتحول الى تاريخ لانهم يدونونها , وذلك ضمن مبدأ التاريخ لمن يكتبه لا لمن يصنعه . فقد كتبوا عن تاريخنا ما هو مجافي للحقيقة وظالم لنا واخذونا بجريرة غيرنا واسندوا الينا افعالا لا علاقة لنا بها ولم نستشر ( بضم النون ) بها , ولم يسمع ( بضم الياء ) راينا بل وتم سجن الوطنيين الاردنيين الاحرار , وانا واحد منهم , لمجرد انهم يعبرون عن ارائهم ضمن القانون . وان الكتابة الكاذبة عنا فيها من التجني بحيث صار الغريب وابن البلد كلاهما على حد سواء يشك ويشكك بنا وبهويتنا وكياننا .
واستعر ( اشتعل ) هذا التحامل والتجني على شخصي بسبب كتابتي لهذا التاريخ , وتوالت النصائح الخفية لي والعلنية بالتوقف عن الكتابة والنشر في هذا الموضوع كي لا اكون ضحية مؤامرة سياسية جديدة . وجواب هو : لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم , وبعدين مع هالشغلة ؟ .
مع هذا فنحن ماضون باذن الله ضمن مشروعنا ورسالتنا , مما يضفي على انجازي هذا نكهة خاصة , وهي نكهة الصراع من اجل البقاء والصراع من اجل الاردن والأردنيين , والتحدي للعراقيل والعقبات وتجاوزها . فقد يموت المتهم ولكن العدالة لا تموت. وقد يموت الشعب وتفنى الاجيال وتضحياتها , ولكنه اذا دون تاريخه فانه يبقى حيا في الذاكرة , فالموت الحقيقي للشعوب وللقيادات هو موتها من التاريخ وموتها من التدوين ودفنها في مقبرة التاريخ وليس في المقابر العادية ., واما ما عدا ذلك فان الخلود هو صفة الله سبحانه وما اراده الله جل وعلا ان يكون , لا يشاركه بها احد. واما من يدون التاريخ , ويدونه التاريخ فان جسده يموت ولكن اسمه وذكره يبقى بمقدار ما كتب التاريخ عنه وبمقدار ما فعل في التاريخ ونقش لاسمه حروفا او بنى صرحا في خضم التاريخ الواسع .
وكما قال حاتم الطائي لزوجته عندما لامته على كرمه وبذلك الطعام لاضيافه :
اماوي ان المال غاد ورائح === ويبقى من المال الاحاديث والذكر
من هنا فاننا وبكتابتنا عن الاردن وعشائره, انما نقول لاهلنا وللاخرين ان هذا شعب لن يموت . وقد ينهزم يوما او بعض يوم , في معركة او معارك , ولكن الحروب سجال والايام متداولة بين الناس , وقد يغفو او يكبو وهذه صفة الخيل المسومة , لكنه لن يموت الا اذا لم نكتب تاريخه فحينها فهو ميت وهو حي وميت وهو ميت .
فالتاريخ هو اوكسيد الحياة للشعوب والقادة, وبدون تدوين التاريخ فان الرياح متحركة ومتنقلة ؟؟؟ والامواج لا تهدأ على حال أبدا , واذا طلعت الشمس فلا بد لها من غياب , ولكن تدوين ما يحدث ذلك اليوم يجعله باقيا وان غابت الشمس ثانية او طلعت مرة اخرى .
ونحن لا نمنع احدا ان يكتب التاريخ في تخصصه وشعبه , ونشجعه على ذلك , ونامل ايضا ان يشجعنا على ما نقوم به . وسواء تقدم منا بالتشجيع او التثبيط , فان ذلك لا يغير عندنا من الحال شيئا ابدا . فانا صاحب رسالة وعقيدة سياسية لا تتغير تبعا للمغانم او المغارم او لطلوع الشمس اوغيابها . وانما نحن ماضون وعلى الله سبحانه متوكلون .
واذا كان الشيء بالشيء يذكر , فان من خصوصية الاردن ان ركوب الراس فيها يعود بالماساة على من يركب راسه .فللاردن خصوصية هي ان ركوب الراس يعني نهاية من يركب راسه . وحتى الشعوب الاردنية من قوم صالح ولوط وشعيب في مدين وشعيب في الايكة عندما ركبوا رؤسهم جاءتهم قارعة من السماء وباءوا بغضب من الله سبحانه وبانتقامه .
ومن خصوصية الاردن ايضا انه بلد كان لا يعيش فيه الا القوي , وان كان القوي الان يعاني , وكان البقاء فيه للاقوى وليس للافضل . لذا لم يستطع غريب ان يستقر ويستمر بينهم حتى ولو استوطن لعدة قرون , ولم يستطع واحد او ضعيف ان يعيش بمفرده الا اذا التحق بعشيرة اكبر منه تحميه ويضاف الى قوتها فتقوى به ويقوى بها وياخذ اسمها
من هنا كان الاردن دائما وبسبب تعرضه للاحتلال وعبور الجيوش وتعرضه للاوبئة والقحط والتصحر والزلازل السياسية والحربية والطبيعية , اقول كان مركز طرد سكاني وتصدير قيادات خارج الاردن , حيث لا يقوى على العيش فيه ضعيف او عابر سبيل .
فاذا ما عادت الامور الى نصابها من الامن والامان وسبل العيش عاد الأردنيون المهجرون الى ديارهم ثانية ولو بعد قرون , وقد فصلنا ذلك في حلقات سابقة ولا زلنا نعطي الامثلة على هذه النقطة في سياق الكتاب .
فعندما انطلقت الفتوحات الاسلامية لفتح الاندلس مثلا في عام 90 / 91 للهجرة عام 710 للميلادي شكل موسى بن نصير الجذامي الأردني جيشا من جند الاردن من سائر القبائل وكان جلهم من قبيلته جذام وانطلقوا وفتحوا الاندلس واسسوا لدولة عربية اسلامية اشادت حضارة عظيمة لا تزال أثارها سالمة واضحة الى يومنا هذا , وغيرت من مسار الغرب , واثرت مسيرته بالحضارة .
وبالتالي كان دور الأردنيين ليس تثبيت ملك بني امية فحسب , بل وفتح الاندلس ايضا , وبالتالي دورهم في نشر الحضارة في اوروبا لتكون اساس حضارة العالم فيما بعد .
وهنا لا بد من الرد على المشككين بكياننا الاردني الوطني منه والسياسي والاجتماعي والتاريخي , فنقول لهم : لكل بلاد في الدنيا كيانان : كيان وطني وكيان سياسي . اما الكيان الوطني فهو الذي يضم ارض الوطن التاريخية , واما الكيان السياسي فهو الذي تقوم عليه وبموجبه السلطة السياسية . وقد يتطابق الكيانان حينا او بعض حين , وقد لا يتطابقان .
وفي حالة الاردن فانه عندما كانت تقوم على كيانه الوطني عدة ممالك فان كل مملكة كانت تشكل كيانا سياسيا غير متطابق مع الكيان الوطني الاردني وانما قائمة على جزء منه فكانت الممالك بمجموعها تشكل الكيان الوطني مع تعدد الكيانات السياسية .
وبالتالي ان فان الكيان الاردني الطبيعي موجود عبر التاريخ وان تعددت الاسماء الجغرافيه لاجزاء هذا الكيان ( ادوم , البتراء , مؤاب , حشبون , عمون , باشان , مديان , المؤنفكات , الايكة , مدائن صالح , البلقاء , الشراة , عكا , صور , طيرية , الغور , فهذه مناطق جغرافية ضمن الكيان الوطني الاردني وان كانت تحمل اسماءا جغرافية هي بمجملها ضمن الكيان الوطني الاردني / اي المساحة الجغرافية التي يتالف منها الوطن الاردني باكمله .
اما الكيان السياسي فكان عدة ممالك وكان يحمل عدة اسماء احيانا , فمثلا حمل الاردن في مطلع الفتوحات الاسلامية اسم جند الاردن وكانت تسمية ادارية عسكرية غير متطابقة مع الكيان الجغرافي . وحمل قبلها اسماء ممالك كما قلنا , وبعدها في العصر الاسلامي حمل اسماء متعددة , مثل: مملكة الكرك , وامارة شرق الاردن زمن الصليبيين والايوبيين والمماليك , وكان الكيان السياسي يتحول تارة الى كيان اداري وبخاصة في العصر العثماني حيث كان يشار اليه باللواء والاقضية ثم بالالوية . ولكنه كان في جميع الاحوال جزءا من ولاية الشام . وان المفهوم السياسي لكل جيل يختلف عن الجيل الاخر , لكنني لم اجد تباينا في مفهوم الكيان الوطني عند الاردنيين منذ زمن الوثنية الى يومنتا هذا
ونقطة اخرى ان الكيان السياسي قد اختفى من الاردن عبر حقب التاريخ عدة مرات بعد سقوط مملكة الانباط والامارة الغسانية , ولكن الكيان الوطني بقي قائما ومفهوما للدولة والناس . من هنا فان البعض ينظرون الى فترات غياب الكيان السياسي من الاردن لينكروا الهوية الاهم وهي هوية الكيان الوطني . فالمخلصون للاردن ينسبون انفسهم للوطن / اي للكيان الوطني , وليس للسياسة / اي ليس للكيان السياسي .كما ان اسماء وعناوين ومساحة الكيان السياسي يمكن ان تتغير بين حين وحين وقد يتعرض للالغاء , اما الكيان الوطني فقد يتعرض للتقلص والتمدد ولكنه لا يتعرض للالغاء .
الحلقة التاسعة
وبذلك تكونت جبهة قوية ضمت بلاد الشام كلها ضد السلطان قلاوون، الذي وجد أن احتلال الكرك هو الأولوية الأولى لإخماد هذه الثورات، وهي الأقرب مكانا إلى مصر، والأخطر شأناً على عرش السلطنة، ونلاحظ هنا أن الخلاف بين المماليك كان من أجل السيادة والقيادة، وليس لديهم فكر او رسالة او برنامج وطني او قومي , وكل منهم اتخذ أهل البلاد التي هو فيها وقُوداً للحرب ضد الآخرين، فتقاتل الأخوة المصري مع الشامي مع الأردني كل ضد الآخر من أجل عرش هذا المملوك أو ذاك، وليس من أجل مصلحة البلدان العربية وشعوبها، وكانت وسيلة هؤلاء المماليك الذين صاروا سلاطين وملوكاً وأمراء، بذل المال الذي نهبوه أصلاً من شعب عربي هنا أو هناك، ومصادرة أقوات الناس.
أدى هذا الصراع إلى أمور عدة منها:
1. ظهور العصبية الجغرافية في أن الأردني تعصب لأردنيته مقرونة بالضدية للمصري والشامي، وكذلك الشامي والمصري متعصباً لحاضرته (القاهرة، أو دمشق) وشعبه ضد الآخرين. وقد خرج عن هذا الإطار والمعادلة فئة القبائل البدوية التي ظهرت قوية ناضجة زمن السلطان قلاوون، وهم الأمير عيسى بن مهنا بن حيار الطائي أمير عربان البادية الشرقية. والأمير البدوي أحمد بن حجي أمير العربان القبلية ( السردي ) .
وهنا لا بد من تعريف الشمالية الشرقية، والعربان القبلية، أما الأولى وهي التابعة للأمير عيسى بن مهنا، فكانوا يمتدون من الحدود التركية شمالاً، وجزيرة الفرات فيما يعرف الان ما بين الحدود العراقية والسورية، والمناطق الغربية من العراق الحالي، ثم البادية السورية حتى محاذاة جبل الدروز شرقا ، ومهمتهم الحفاظ على الشريط الذي يمتد شمال الاردن في منطقة الحرة الحالية , عبر وادي السرحان والجوف ودومة الجندل وتيماء والجوف حتى تبوك.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى أمراء العرب في دومة الجندل قبل الإسلام، وزمن الآشوريين والبابليين واليونان والرومان، نجد أن ابن مهنا الطائي قد حل محلّهم جغرافياً وعمليا ، وصارت مهمته هي ايجاد منطقة عازلة ما بين التتار في شمال العراق وبين الإمارات الإسلامية في بلاد سوريا، وبين إمارة الكرك في جنوب الأردن، ولقد قرأنا كتاب الرحالة بيركهارت (سويسري إنجليزي) الذي زار سوريا والأردن وفلسطين وجزيرة العرب ومصر والنوبة فيما بين 1810 ـ 1817 وهو الذي كتب عدة مؤلفات وسمى نفسه الحاج إبراهيم حيث أدى فريضة الحج مدعياً الإسلام، أقول لو قرأنا كتابه: ملحوظات عن البدو والوهابيين <والذي ترجمناه إلى العربية، لوجدناه يفصِّل عشائر بدو الشمال، وعشائر بدو القبلة (أي الجنوب)، وأن عشائر السردية والسرحان وأهل الجبل في المفهوم السابق كانوا من عشائر أهل القبلة , لان التصنيف كان قائما على سوريا الطبيعية وليس ضمن الحدود السياسية الحاضرة التي لم تكن موجودة في حينه .
أما مفهوم بدو الجنوب والوسط والشمال في الأردن عبر القرن العشرين وإلى الآن , فإنه مختلف تماماً عن التصنيف التاريخي السابق، ذلك أن الأردن الأن بلاد لها حدود سياسية وكيان سياسي ، وأن من كان من عشائر البدو في شمال البلاد يطلق عليهم الان بدو الشمال ولهم الان دائرة انتخابية خاصة بهم وتشمل: أهل الجبل، والسردية والسرحان والشرفات والعظامات ونعيم والشرعة... الخ. أما بدو الوسط فجميعهم من بني صخر وأما بدو الجنوب فهم الحويطات والنعيمات والأحيوات. أقصد الحويطات بجميع فروعهم ومن لف لفهم من العشائر الأخرى.
أما اصطلاح عرب الشمال ـ أي بدو الشمال، وعرب القبلة (أي بدو القبلة) في العصر المملوكي، فإنه مقتصر على فئتين هما: الشمال والقبلة فقط، وهو مرتبط بالمفهوم السياسي والطبيعي السوري في ذلك العصر في أن البلاد تعتبر دولة واحدة ضمن الخلافة الإسلامية، وأن الممالك التي تقوم في سوريا والأردن كل منها تحاول استقطاب هذه العشائر لصالحها، إلا أن هذه العشائر كانت من الذكاء والدهاء والفهم السياسي واستيعاب المعادلات القائمة في حينه، أنهم كانوا يتصرفون بما يضمن لهم البقاء، الصراع من أجل البقاء conflict for survival.
وقد استغلت هذه العشائر وجود التتار شرقاً ودولة المماليك غرباً، والأمراء والولاة الذين يثورون على المماليك، واستفادت منهم فائدة كبيرة، وكان شيوخ هذه العشائر يوزعون أدوارهم ومهماتهم بما يضمن لهم البقاء في دائرة الإيثار لدى كل من دولة العرب المسلمين ودولة التتار. وقد بيّنا ذلك مفصّلاً في جزء آخر من هذا الكتاب وهو التاريخ السياسي للعشائر الأردنية المكتوب باللغة الإنجليزية Political history of the Jordanian tribes .
وكان العمق الشرقي للأمير عيسى بن مهنا بن حيار،( جد عشيرة العيسى / بدو الشمال بالاردن حاليا والعيسى في الصريح ) هو أرض شمال العراق وبادية العراق والدليم (الأنبار) وجزيرة الفرات التي تتوزع الآن بين العراق ( شمال غرب ) وسوريا ( شمال شرق ) . أما عمقهم العشائري فهو قبيلة طيء القبيلة العربية العريقة الكبيرة، الموجودة في هذه الديار (شمال وشمال غرب العراق) منذ أوقات الجاهلية إلى الآن، وقد امتدت سلطات الأمير عيسى بن مهنا إلى أواسط سوريا، وإلى شمال الأردن، وبنى ما سمي: الإمارة الطائية وأدى خدمات جُلّى للسلطنة المملوكية، وكان على علاقات ودية مع التتار، ولعب وأولاده دوراً سياسياً بارزاً وذكياً من الدهاء والتعامل مع المستجدات، بحيث لم يستطع أي من الدولتين( التتار والمماليك ) إغضابه او اهماله او التخل يعنه ، بل كانوا حريصين على رضائه، وهو جدّ عشيرة العيسى الحاليين وهم عشيرة كريمة من عشائر بدو الشمال بالأردن .
ومن آل حيار أيضاً ( الجد الأعلى للشيخ عيسى بن مهنا ) ، عشيرة الحيارات في السلط وعمان ، وهي عشيرة كبيرة وكثيرة، ومعروفة بتاريخها الوطني، ومستوى التعليم المبكر في أبنائها، وهي من أكبر عشائر السلط ان لم تكن اكبرها الآن.
أما الأمير أحمد بن حجي أمير العرب القبلية ( السردي / كندة ) ، فإنني لا أعرف من هم أولاده وأحفاده، ولكن البلاد القبلية المقصودة هنا هي بادية الأردن من منطقة الحرة شرقي المفرق وجنوب سفح جبل الدروز إلى محاذاة الموجب والسد السلطاني، في أعماق البادية، أما امارة ابن مهدي/ الجذامي و إمارة الجرمي/ العبادي/ الجذامي ( وكلاهما صار في زمن الظاهر بيبرس كما سبق وقلنا ) , والعجرمي/ الجذامي ( زمن الايوبيين من قبل ) ، فكانت تغطي عربان الأردن في البادية والجبال الاردنية الشرقية حتى نهر الأردن، أي أن مهماتهم لم تكن مقتصرة على مرافقة الحجاج فحسب ، بل على حفظ أمن القبائل ايضا ، وضمان موالاتهم للدولة المملوكية، وذلك داخل إمارة الأردن المملوكية وخارج نطاق الامارة الطائية ، وبالتالي لم يكن لهؤلاء الامراء الجذاميين اتصال سلمي او تعامل ومودة مع التتار أو أعداء السلطنة، وإنما إذا تجاوزوا حدود أدوارهم فإنهما يتصلون بالثوار أو يؤيدونهم أو يقفون موقف الحياد منهم.
واما كلمة المحفوظ هو لقب يدل على الإمارة والسيادة والفروسية ومرتبط بشيخ السردية ، وليس اسماً حقيقياً له، لذا فإن الروايات الشعبية تذكره وتسميه: بالمحفوظ السردي، وأن كلمة الحفظ والمحفوظ، ويحفظه الله متداولة في مخاطبة الشيوخ والأمراء والملوك عند العرب إلى يومنا هذا. واعتقد ان كلمة الحجي جاءت من مهماته في مرافقة مواكب الحج وقدرته وسطوته في الحفاظ عليها من اعتداءات القبائل البدوية في زمن الايوببين وصدر عصر المماليك مقابل مبالغ من المال يسمى الصر ) ويعطى له كل عام . ثم صارت فيما بعد لبني صخر في القرن السابع عشر اثناء مشيخة سليمان الخريشة على الصخور , كما سياتي ان شاء الله
إذن كان في بلاد سوريا والأردن ثلاثة خطوط / جبهات:
1. خط الدولة المركزية المملوكية وهذا خاضع للمؤامرات والانقلابات وتجييش الجيوش كل ضد الآخر، ثم الصلح وأحياناً القتال وهكذا.
2. خط أمراء العربان في الداخل حيث أن كل ملك أو أمير مملوك في المدن من حلب إلى الشوبك إلى العلا (جنوب الأردن آنذاك) كان يستميل العربان من حوله ليكونوا درعاً بشرياً لحمايته من جهة، وليكون لديه شعب يقدم له ما يحتاجه من الجنود والخيول والميرة والغلال والرجال وعدة الحرب وعدة البناء. وكانوا يسندون هذه المهمات الى امراء من القبائل لتنفيذ هذه السياسة .
3. الخط الثالث هو خط البادية البعيدة عن القرى والأمصار وهؤلاء يتحركون بين مختلف المناطق والدولة، وهم أقدر القبائل والبدو على استغلال الظروف والاستفادة منها، ولا يؤدون مهمة إلا بالمقابل من مال أو سلطان أو دعم عسكري وأسلحة، أو بيع لإنتاج الخيول والإبل، وكل شيء لا يكون إلا بثمنه، وقد عمل ملوك الشام جهدهم على استمالة عيسى بن مهنا ( العيسى ) وأحمد حجي ( السردية ) ، لأنهم ملاذ هؤلاء الأمراء والملوك إذا تعذرت الحياة عليهم في عواصم ملكهم أو بين ظهراني الخط الثاني من فئات الشعب والعشائر, او بحثوا عن ملاذ امن عن المؤامرات .
إذن صار السلطان قلاوون في مواجهة الحقيقة المرّة بانفصال سوريا والأردن عن سلطته، ورأى أن السيطرة على الأردن تعني السيطرة على سوريا، أما السيطرة على سوريا فلا تعني السيطرة على الأردن، إنها معادلة حفظها قبله اليونان والرومان والخلفاء الراشدون والأمويون والصليبيون، لذا بدأ كما بداوا جميعا من قبله , اقول بدا بالأردن كما سبق وقلنا ، ووجد أنه يجب أن يأخذ أهم قلعتين فيها وهي الكرك والشوبك ثم يتحرك إلى قلعة السلط ثم الى قلعة بني عوف في عجلون، وبذلك يقطع مدداً حيوياً لوالي الشام الذي تمرّ?Zد عليه، ومن ثم يحتل دمشق.
لم يسلك السلطان قلاوون بجيشه عبر صحراء سيناء ووادي عربة، بسبب جفاف المنطقة، ومن الواضح أن الشتاء ذلك العام كان شحيحاً أو معدوماً في سيناء والتيه ومنطقة أيلة والشراة , وماطرة في وسط الارن وشماله وغوره , وبالتالي كانت خصبة في وسط الاردن وشماله ، لذلك تحرك السلطان عبر فلسطين في شهر آذار من عام 1280م حيث الأجواء ربيعية والبرد في طريقه للتلاشي، فدخل غزة ثم إلى أريحا حيث أجواء الأغوار الرائعة وطقسها وربيعها، ثم تجاوز إلى غور الكفرين ونمرين ثم إلى حسبان، ومنها إلى ذيبان ثم اللجون في راس وادي الموجب ثم الى الكرك، وكانت رحلته عبر الجبال الخضراء لأن هذا الشهر أحد أشهر الربيع في مناخ الأردن وطبيعته.
عسكر جيش السلطان قلاوون حول الكرك لضرب عصفورين بحجر واحد , وهو تعطيل دور والي دمشق الثائر من أن يدعم الكرك أو يأخذ منها دعماً، فينفرط عقد التحالف بينهما لأن والي الشام لم يرسل نجدة لأمير الكرك، وبالفعل تحقق هذا الهدف إذ أن الثائر الشامي وهو سنقر الأشقر أرسل جيشاً لحماية نفسه وعسكر في إربد لمنع تقدم جيش السلطان قلاوون الى دمشق ، الذي كان يقوده ( جيش قلاوون ) المملوك أيبك الأفرم مرسلاً ( اي سنقر ) للأفرم كتاباً يهدده إن هو تقدم نحو دمشق، ولم يذكر شيئاً يخص الكرك: أما الملك المسعود بن بيبرس ملك الكرك فقد صمد للحصار وفشل الأفرم في احتلالها، مما أضعف من معنويات جنوده، وخشي من تحريك جيشين: أردني من الكرك، وشامي من دمشق والانقضاض عليه وعلى قواته ويتعرضون للابادة ، فأثر الانسحاب إلى غزة يجر اذيال الخيبة .
إن هذا الفشل الذي لقيه الأفرم قائد قوات قلاوون أسال لعاب الأشقر (دمشق) الذي أرسل جيشاً للانقضاض على قوات الأفرم السلطانية في غزة انتهت بهزيمة الجيش الشامي الذي لم يكن معه من الجيش الأردني أحداً، لأنه أراد أن يحقق نصراً ومجدا لنفسه فقط، بدون الدعم الاردني , فخسر النصر وخسر نفسه، لكن أمراء العرب عيسى بن مهنا وأحمد الحجي ( السردي ) قد آزروه بالجنود من عربانهم، مما حقق له انسحاباً مشرّفاً قبل أن يشتبك مع الجيش اللجي (الكثيف) الذي أرسله السلطان قلاوون لمحاربة الأشقر.
لم يغفر السلطان قلاوون للأشقر عمله هذا فأمر جيشه بالزحف إلى دمشق واحتلها بعد أن تخلّى عن واليها جنوده والعربان فلجأ إلى قلعة صهيون وتحصّ?Zن فيها وبذلك تم للسلطان قلاوون احتلال دمشق في معركة واحدة، أما قلعة الكرك فإنها أمر صعب المنال، لكنه صار أكثر يسراً بسبب تفسّخ الحلف الشامي الأردني . ثم قام السلطان قلاوون بالسيطرة على قلعة بني عوف وعلى سائر ديار عجلون والسلط وحسبان وعمان حتى وادي الموجب، حارماً إمارة الكرك من هذه الأراضي ومن أهلها ومواردها , وكان قد أخذ الشوبك فصارت الكرك منطقة محدودة ومنعزلة، ومع هذا فهي منيعة مليئة بالأموال والميرة والرجال، وفيها عنصر الخطر الداهم ألا وهو الملك المسعود ابن الملك الظاهر بيبرس صاحب الشرعية الحقيقية .
وجد الملك المسعود بن بيبرس نفسه كركيّاً يحبّ الكرك واهل الكرك طوعا او كرها , ووجد الكركيون أنهم معه رغم أنوفهم ( مكره اخاك لا بطل ) ، وصارت محبة المصير، وادركوا جميعا أن سقوط أي طرف يعني القضاء عليه وعلى الطرف الآخر،انها وحدة المصلحة والعهد والمصير , وقد كان الملك المسعود يتأمل أن يقوم أمراء المماليك الموالين لوالده الظاهر بيبرس باغتيال قلاوون وينادوا به (بالمسعود) ملكاً يجلس على عرش والده الذي اغتصبه قلاوون، وبالفعل تأمر مماليك الظاهرية (الذين كانوا يتبعون الملك الظاهر بيبرس ونسبتهم إليه) للقيام بها الدور ، وقد كانت خطتهم واضحة وهي الاتصال بسنقر الأشقر والي الشام سابقاً والذي صار في قلعة صهيون. والاتصال بالفرنجة في عكا لدعم حركتهم مقابل امتيازات صليبية على حساب بلاد فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، ثم مع الملك المسعود حيث ستكون له البيعة مقابل امتيازات عالية لهم، وقد نجحت هذه الاتصالات، وفشلت خطة الاغتيال، حيث وردت رسالة من أحد المطلعين على مكاتباتهم مع الفرنجة وطلبهم عدم مصالحة قلاوون ولو أعطاهم ما أعطاهم، فأرسل إلى قلاوون يخبره بالمؤامرة حيث قبض عليهم في بيسان في غور الأردن، وكان عدد من قبض عليهم ثلاثة وثلاثين أميراً مملوكاً، فر الباقون إلى الكرك وآخرون إلى قلعة صهيون، فقتل رؤوس المؤامرة في بيسان وأخذ الباقي وسجنهم في قلعة دمشق حيث كان في طريقه إليها.
وهكذا شعر الملك المسعود بالكرك أنه بقي وحده في الساحة في مواجهة سلطان مصر والشام فأثر المفاوضات حيث طالب المسعود أن تشمل إمارته ما كانت عليه زمن الناصر داود الأيوبي من نهر اليرموك إلى العلا، ومن غور الأردن إلى الجوف مقابل الاعتراف بشرعية قلاوون ، ولكن قلاوون ظل يماطل، ثم حدد له أراضي إمارة الكرك فيما بين الموجب شمالاً، والحسا جنوباً فوافق المسعود , لأنه خرج من المعركة بخسارة كبيرة، ولكنه لم يخسر كل شيء واشترط إرسال إخوانه وأخوته وأولادهم وحريمهم من القاهرة إلى الكرك، وأن يرد لآل الظاهر بيبرس أملاكهم في مصر، وبالفعل التزم الطرفان بالمعاهدة، وتم تسليم الكرك للسلطان قلاوون، وتوحدت الجبهة الداخلية، وبذلك صارت مصر والشام والأردن دولة واحدة وسلطان واحد لم يبق عليه إلا التفرُّغ لمقارعة التتار والفرنجة أي ترتيب الجبهة الخارجية.
من الواضح أن الصراع بين الأمراء والملوك زمن الأيوبيين والمماليك صراع تمثيلي، إذ أن المعارضة أو العصيان أو سوق الجيوش وزحوفها ، لم يكن إلا لتحقيق هدف شخصي لهذا السلطان او ذاك أو الأمير، أو الملك، وكل يستخدم الناس من أجل تحقيق مئآربه، حتى إذا ما شعر أحدهم بالخطر على نفسه أو أسرته أو أمواله جنح للسلم: ولم أجد في هذين العهدين (الأيوبي والمملوكي) حاكماً منهم رفض الدعوة إلى الصلح والمفاوضات أبداً، ولم أجد منهم من وضع مصلحة الناس والاوطان في اعتباره، ولم أجد منهم احدا شاور الناس والرعية في قرار هام , بل يتخذ ذلك من عندياته وإذا توسع استشار المماليك والعبيد والنساء والجواري ، ما عدا في حالتي الناصر داود الأيوبي، والمغيث واللذين كان لكل منهما مجلسه من العلماء والفقهاء وأهل الحل والعقد في الكرك ، ومع هذا كان قراره هو الرأس والأساس، وكانت المشاورات للمجاملة في أغلب الأحيان , واعطاء الشرعية لما يريد تارة اخرى ..
واضح أن السلطان قلاوون كان يريد دخول التاريخ، وكان يدرك أنه إذا لم ينشغل الناس والحكام بعدوٍّ خارجي عام ومشترك، فإن هذه الجبهة سوف تتفسّخ في أية لحظة، بسبب أو بدون سبب، ووجد أن العدو الذي سيؤدي إلى التوحيد هو كل من الفرنجة والتتار، حيث أنهم غرباء على بلادنا ديناً ووجوداً وحدوداً وعرقاً وثقافة ومصالح، وأن هذه ديار عربية وشعب عربي ودولة عربية اسلامية ، ويجب أن تبقى كذلك، ولن تبقى إلا بالقضاء على القوتين، وهذا لا يكون إلا بتقوية تماسك الجبهة الداخلية.
كان يستحيل عليه محاربة الطرفين والجبهتين في آن واحد، فوجد أن يبدأ بالعدو الأقوى وهو التتار، من خلال مهادنة الفرنجة في معاهدة صلح لعشر سنوات، ثم إعلان الجهاد المقدس ضد التتار، وقبول اشتراك الجميع في هذا الشرف العظيم، بما فيهم المعارضة مثل ملك الكرك، وسنقر الأشقر، وأحمد حجي السردي أمير عربان القبلة، وعيسى بن مهنا الطائي أمير عربان الشمال وهما كانا مع سنقر الأشقر في تقدمه الي فلسطين ضد جيش قلاوون.
وبالفعل نجحت خطة قلاوون ووقع الهدنة مع الفرنجة وأعلن الجهاد المقدس والتحق به المعارض والمؤيد، ومنهم الملك المسعود بن الظاهر بيبرس ملك الكرك , الذي خرج بنفسه على رأس قوة اردنية من إمارة الكرك الاردنية والتحق بالسلطان في دمشق، وكذلك أمير عربان القبلة أحمد حجي ( السردي ) الذي كان معه آلاف الفرسان من أتباعه، كما تقدم سنقر الأشقر من قلعة صهيون على رأس قواته، وبذلك التقى الجميع، واحتفى بهم السلطان، وتوحّ?Zدت كلمتهم.
أما التتار فقد طلبوا مؤازرة الأرمن والروم، وتخلّ?Zى عنهم العربان الذين كانوا حلفاء لهم، لأن هذه حرب دينية إسلامية مقدسة، ومن يتخلى عنها يخضع إلى لعنة التاريخ، وقد بلغت قوات التتار حوالي ثمانين الف فارس مضافاً إليها المدد الرومي والأرمني: وكان ميدان المعركة قرب حمص يوم الخميس 14 رجب 680هـ، 29/10/1281، وكتب الله سبحانه النصر للقوات العربية الإسلامية التي استطاعت تحطيم قوى التتار وأوقعت بهم هزيمة نكراء، وساهمت القوات الأردنية ضمن فئتين: تلك التي كانت بقيادة الملك المسعود، وتلك التي كانت جزءاً من جيش ولاية دمشق، وبذلك اشترك الأردنيون ثلاث مرات في ضرب التتار: الأولى عندما نهبوا خيولهم في زيزياء وقتلوا فرسانهم، والثانية عندما ثار الأردنيون في معركة عين جالوت مع بقية العرب، والثالثة في معركة حمص هذه حيث شاركوا في صياغة هذا النصر والحمد لله رب العالمين.
ورغم ما حققه قلاوون من نصر على التتار وسحق جيوشهم وجيوش حلفائهم، ورغم ما قام به من تحسين إدارة البلاد وتنشيط التجارة والاتفاق مع الفرنجة بحرية التجارة بين المسلمين والصليبيين بدون حدود أو عقبات لما تدرّه من دخل لواردات الدولة، إلا أن الكرك بقيت شوكة في خاصرته، لأنها ستبقى ملاذاً آمناً لكل من يتمرد عليه أو يرفضه، ولكل ثائر، ولكل مطلوب من الرؤوس الكبيرة، وبالتالي ستبقى مركزاً للتآمر عليه (في عرفه). لذا فإن قلاوون لم يقنع بالاتفاق السلمي مع الملك المسعود، بل يريد اقتلاعه منها، وعودتها كاملة للسلطان من رأسها إلى أخمص قدميها.
أما الملك المسعود فكان بالمقابل يرى أنه الوريث الشرعي لعرش أبيه الظاهر بيبرس، وأنه يجب أن يكون سلطان مصر والشام بدلاً من قلاوون، وبالتالي فان قلاوون غير شرعي، لأن أحداً لم يبايعه إلا بالقوة، لذا بقي حلم السلطنة يراود المسعود، وذلك يعني الإطاحة بالسلطان قلاوون، وصادف ذلك أن نائب الملك المسعود انشق عليه ( اي على الملك المسعود ) وهرب إلى القاهرة حيث أفشى بأسرار المسعود إلى السلطان قلاوون ، وتحدث عن طموحات المسعود وأطماعه بالوصول الى العرش .
جرد السلطان قلاوون جيشاً وأمّر عليه أحد مماليكه ليحاصر الكرك، إلا أن الجيش الأردني الكركي كان يغير على قوات السلطان فيقتل وينهب ويُرْعب الجيش الغازي ثم يدخلون القلعة آمنين، مما سبّب الذعر في صفوف جنود السلطان، فوجد قائدهم أن الأسلم هو الانسحاب، ولكنهم قبل مغادرة الديار خرّبوا الزروع وكانت في طور النضج في شهر حزيران 1283، ودمّروا الثمار، وانسحب منتظراً فرصة أخرى لعلّه يسيطر على هذا الحصن الاردني المنيع .
أدى هذا الانسحاب، رغم ما رافقه من تدمير الممتلكات، أقول أدى إلى رفع الروح المعنوية للناس والجيش والملك، واحتفلوا وغنوا الأهازيج الحربية ورقصوا بالأسلحة، فاستقطب بذلك كل متمرد من مصر والشام، وانحاز إليه من كان صامتاً أو متردداً من عربان الأردن بسبب مالحقهم من جيش قلاوون المنسحب ، وصارت الناس في الأجزاء الأخرى، من وادي الموجب إلى وادي اليرموك، تنظر للكرك أنها الأمل بعد الله في إعادة الكرامة الأردنية لأهلها، وإعادة توحيد أجزاء البلاد ضمن كيانها الوطني الاردني . وبالفعل شعر الملك قلاوون بالغيظ العظيم ووجد أن كرامته صارت ممتهنة، وأنه قاهر التتار , فكيف يعجز عن قهر الكرك؟ مما يقوي من عزائم الفرنجة والتتار، وقد يؤدي بهم إلى تحالف واجتياح جديد للبلاد.
من هنا قرر السلطان قلاوون احتلال الكرك مهما كلّفه ذلك من ثمن , وأرسل إليها جيشاً كثيفاً، ومعدات حربية من المجانيق، وقطع عنها الميرة، وحال بين القلعة والمدينة من جهة والقرى والعربان من جهة أخرى , وأرسل أمراء من المماليك ومعهم الأموال، ووزعها على زعماء عشائر الكرك والأردن ليقفوا على الحياد وذلك أضعف الإيمان، وخاطبهم بالمودة واللطف، ووعدهم بالخير والإحسان، مع شيء من التهديد الضمني أيضاً.
وقد عملت الأموال عملها عند العربان، الذين تسللوا لواذاً من القلعة والمدينة، وانضموا لجيش السلطان قلاوون باعتباره رأس الشرعية الدينية والسياسية (؟!؟)، ووجد الملك المسعود نفسه وقد تخلّى عنه أهل الكرك والأردن، وكانت قوته من قوتهم وصموده من صمودهم واستمراره من وجودهم معه، ولا بد من القول هنا أن أهل الأردن بعامة وأهل الكرك بخاصّة قد حفظوا الدرس عبر آلاف السنين، فبلادهم وقلاعهم كانت ولا زالت هدفاً للجيوش والاجتياحات والاحتلالات، وأن هذه الرياح العاتية تأتي على الأغصان التي لا تتحرك بمرونة وتقضي عليها ، أما المرنة منها، فتتجاوب مع الريح ثم تعود حيث كانت، فتبقى وتستمر، أما الرياح فتذهب وتختفي.كما ان اهل الاردن وجدوا ان الخلاف صار بين المماليك ولم يعد من مصلحتهم ان يبقوا لهوة رحى بين حجري الرحى, وطالما حققوا البقاء والمصلحة معا مع تجنب الصدام والتورط في الحروب , فان الافضل هو الاستفادة من الصراع وليس التورط فيه , والاستفادة من السلطان وليس مجابهته , وبالتالي بطيخ يكسر بعضه . وتبقى المقولة الاردنية :(الدولة دولة والناس ناس)
ونحن نرى أنه لا فرق بين المسعود وقلاوون، فهم جميعاً مماليك، وكل يسعى لنفسه فقط ولتوريط عشائرنا في القتال والتضحيات من اجل الغرباء فيما لاناقة لهم به ولا جمل . لذا فان الانحياز الى السلطان القوي يؤدي إلى بقاء أهلنا واستمرارهم , بغض النظر من هو الحاكم. فالأيام دول وتداول، ومن حكم اليوم يذهب غداً، والبقاء بعد الله للأرض والإنسان , أما ما عدا ذلك فهي زوال متحركات، وبذلك نجد أن أي تصرف آخر بالمقاومة دفاعاً عن المسعود سيؤدي إلى قتل العربان وتدميرهم،وحرق مزارعهم ومصادرة اموالهم المنقولة وربما ترحيلهم من بلادهم , كما حدث لبني عباد زمن صلاح الدين , وسوف يقوم المسعود بخذلانهم في اللحظة التي تناسبه بمغادرة القلعة أو تسليمها أو عقد الصلح مع السلطان دون أن يستشير أهل البلاد. اذن فالاردنيون لعبوها لعبا ذكيا وصحيحا .
كما أن أمراء وشيوخ العربان يتقاضون المال من القاهرة وبالتالي فإن انحيازهم هنا أو هناك إنما يكون لتحقيق مزيد من المكاسب، لأن الصراع بين الحكام يؤدي إلى أن يتقدم كل طرف منهم يخطب ود الأردنيين وشيوخ الاردنيين ، ولهذا الطلب ثمن وهو المال، والناس حفظت الدرس، وأتقنت ممارسة الصراع من أجل البقاء، وجلوس القرفصاء أمام الريح الهوجاء او حتى اخذ الارض , فالمهم هو البقاء وكما يقول المثل الاردني ( السلامة هي راس المال ).
وعندما رأى المسعود ذلك طلب الصلح مع الناصر قلاوون الذي وافق على ذلك، وسلّ?Zم القلعة للسلطان، حيث كان لا زال فيها الكثير من عربان الكرك الذين لم يؤخذ رأيهم من المسعود، وتم ترحيل كثير من العربان المخلصين للمسعود إلى قلعة دمشق عقاباً لهم على إخلاصهم للمسعود، وقام مندوب السلطان بالإحسان إلى العربان الذين وقفوا على الحياد وأمراء العربان وبذل المال الوفير الكثير لهم، وصدر الأمر السلطاني بتعيين قائد الجيش المنتصر نائباً للسلطان قلاوون في الكرك.
ويعيد التاريخ نفسه، سبحان الله، ومثلما تدين تدان، فقد سبق للسلطان بيبرس ان احتل قلعة الكرك وساق أبناء الملك المغيث الأيوبي أمير الكرك آنذاك إلى مصر، وكذلك حدث لأبناء بيبرس إذ ساقهم حاكم الكرك الجديد من معاقلهم بالقلعة الحصينة إلى القاهرة، فاستقبلهم السلطان وجعلهم في حاشيته وتحت إمرة كل واحد منهم مائة فارس، وبذلك صفا الجو للسلطان قلاوون مثلما صفا من قبل للسلطان بيبرس، وكانت الكرك في الحالين والعهدين هي مسك الختام،ونقطة البدء في ان واحد , بل ومركز التوازن , وبدونها لايكتمل النصر والملك , وبدونها فإن شرعية السلطان ووحدة الدولة تبقى متأرجحة، ولا يوجد سلطان يرضى أن يكون عرشه في مهبّ الريح/ اي بدون الكرك / الاردن .
إذن قطعت خطوات السلطان قلاوون شوطاً بعيداً حيث وحّد الجبهة الداخلية، وسحق التتار، واحتل الكرك التي كانت بالنسبة له لا تقل أهمية عن كل ما حققه، وكانت فتيل الأزمة الذي قد يعصف بعرشه في أية لحظة. وهنا أراد إقناع الأردنيين أنه خير لهم وافضل من بيبرس وولديه السعيد والمسعود، وأنه نعمة من الله عليهم، وليس نقمة منه عليهم، ويريد أن يقول لهم: أن مهر الأردنيين مرتفع جداً، وأنهم أولى شعب في السلطنة يحظى بحبه واحترامه ودعمه، وأن الأردن هي بلده الأول وبلد أولاده من بعده.
وبالفعل سار قلاوون على خطى الأيوبيين والظاهر بيبرس في جعل الأردن بعامة والكرك بخاصة ملاذاً امنا لأولاده، فلو أن بيبرس لم يرسل أولاده وأمواله وسلاحه ورجاله إليها، ولو أنه لم يتودد إلى أهلها لانتهى أمره بكأس السم الذي شربه في دمشق، إلا أن بعد نظره (نظر بيبرس) وإدراكه لأهمية الكرك والأردن قد وضع أولاده من بعده على الخارطة السياسية والحربية والاقتصادية والتوازنات لسنوات طويلة ، بل إنه ورغم رفض الأمراء المماليك للوراثة التي ابتدعها بيبرس فإن لجوءه وأولاده إلى الكرك جعل من الوراثة أمراً واقعاً وقوياً ومقبولا ، وصار نقطة انطلاق للسلطان قلاوون أن يجعلها معقلاً لأولاده عندما يعملها هو (قلاوون) على توريث العرش في أبنائه.
أراد السلطان قلاوون أن يجعل الأردن بما فيها الكرك رحماً مناسباً لحضانة أولاده، وتفريخهم وتجذرهم في هذه الديار، فأرسلهم إليها وتعلموا عادات أهلها ، وتعرفوا على أمرائها وشيوخها وعربانها وأراضيها، وتكلموا لهجتهم ولبسوا لباسهم مثلما كان يفعل بيبرس من قبل، واستفاد قلاوون من جميع الخطوات الإيجابية للظاهر بيبرس، وزاد عليها ما يتفق مع المستجدات، وأمر بإعمار البلاد والقلعة، وموارد الإمارة وزاد التحصينات في الكرك والشوبك والسلط وعجلون، ووفر الأمن للتجارة والحجيج من خلال العلاقات مع العربان لقاء أجور خدمات مغرية ومجزية، ونظر إلى الأردن على أنها الجبهة الشرقية لحماية فلسطين من التتار، وأنها الجبهة الجنوبية والغربية لحماية الشام والبادية من الفرنجة.
سلك قلاوون النهج نفسه الذي سلكه بيبرس من الإحسان إلى أهل الكرك واتخاذ قلعتها مستودعاً لأسلحته وأمواله وعياله، وملاذاً آمناً في أية لحظة يحتاج إليها، وعيّن نائباً جديداً لها، ضمن سياسة عدم استمرار ولاة الكرك طويلاً خشية أن تراودهم أنفسهم بالعصيان والتمرّد والاستقلال . وقد عمل الوالي الجديد على إعمار البلاد، وقد عانت من قبل من تخريب الجيوش لمزارعها وقراها وغلالها، وقطع الثمار والكروم. فقام بنهضة هائلة، وملأ البلاد بالزراعة، وشاء الله سبحانه فجاء بالمطر الغزير مما ساعد على حسن النوايا وصدقها أن أثمرت جميعاً مزيداً من الازدهار والإنتاج.
وقد طلب السلطان قلاوون بتزويده بكتائب من جيش الأردن الكركي وسار هو وولده نحو عكا، وحاصرها، وحدد كل جيش زاوية من الزوايا من أسوار القلعة: حيث أن تحريرها سيعني التحرير النهائي للبلاد من الفرنجة، وإذا تحقق له ذلك يكون قد دخل التاريخ الإسلامي كمحرر للبلاد من التتار والصليبيين وهذا إنجاز عظيم حقاً، فأعلن الجهاد المقدس، وانضم إليه سائر الأمراء والجيوش في الشام والأردن ومصر، وطلب من كل قرية إرسال عدد محدد من المجاهدين، ليكون شرف التحرير والجهاد موزعاً على جميع البلاد والعباد. وقامت العشائر الاردنية بالتطوع مضافا الى الاعداد التي التحقت بجيش قلاوون , وارادت العشائر الاردنية ان تسطر موقفا جهاديا يرضي الله ورسوله ويضيء حروف التاريخ انهم دائما هم من يحرر فلسطين من الاحتلال الاجنبي فحرروها من الصليبيين في المرحلة الاولى ومن التتار والان بقي عليهم تحريرها في المرحلة الثالثة والنهائية من الفرنجة وبقاياهم . وقد شاركت جميع العشائر الاردنية , التي كانت شاركت في حرب حطين وعين جالوت ولا داعي لتكراراسمائهم .
وعندا اكتملت التجهيزات لغزو عكا، أصابته ( قلاوون ) علّة الموت التي لا دواء منها وانتقل إلى الرفيق الأعلى في 6 ذو القعدة 689هـ/ في العاشر من تشرين الثاني 1290م، وهنا آل الملك إلى ولده الملك الأشرف خليل الذي أرسل خزائنه وحريمه وأولاده إلى قلعة الكرك وقد حرص على وصاة والده : ان الاردن هي الملاذ الامن وهي الافضل شعبا وارضا وامنا للسلطان , لان اهلها ( الاردنيون ) لايعرفون الغدر والخيانة وهم صادقون في الحب والموالاة , اذا صدقهم الطرف الاخر .
أما جيش الكرك فقد حمل معه آلات الحصار والمجانيق، ورافقه الرماة والحجارون والنجارون، والعلماء والفضلاء، والمجاهدون من أبناء العشائر الاردنية التي ذكرناها في معركة حطين وعين جالوت , وبلغت قوات المسلمين ستين ألف فارس وستين ألفاً من المشاة، وكان جيش الكرك بقيادة نائبها بيبرس الدوادار قد أبلى بلاءً حسناً حيث اقتحم صور المدينة تحت جنح الليل بقواته الاردنية الباسلة ، ووضعوا ستارة من اللباد المشبع بالزيت فوق الخندق المحيط بالسور، والجنود الاردنيين تحته لا يصيبهم أذى العدو، وملأوا الخندق بالتراب والأخشاب ومخالي الخيل حتى صار من الممكن للجنود أن يعبروا فوقه سيراً على الأقدام وبذلك مهد جيش الكرك الاردني لفتح عكا تمهيداً عظيماً، وفتح ثغرة في هذه التحصينات القوية فزحفت بقية قوات المسلمين نحو الأسوار يتبعون الجنود الأردنيين فكتب الله الفتح للمسلمين لهذه المدينة التي بقيت قرناً وبضع سنوات بعد فتح القدس على أيدي صلاح الدين وكان يوم فتحها الجمعة 17 جمادى الأولى عام 590هـ.وبذلك قام بمهمة الفتح والتحرير جنود العشائر الاردنية بعد ان دفعوا والمسلمون ثمن عدم سماع صلاح الدين لراي الاردنيين في ضرورة القضاء على الفرنجة جميعهم .
وبذلك كان للجنود الأردنيين شرف الإقدام وخرق الخندق وطمره وخرق السور، وفتح الباب أمام بقية الجيش، وسقطت عكا، وعلى أثرها سقطت المعاقل الصليبية في بلاد الشام، وبناءا على نصيحة الاردنيين لصلاح الدين سابقا أعمل الملك الأشرف خليل بن قلاوون السيف فيمن قبض عليه من الفرنجة، وأبادهم عن بكرة أبيهم متجنّباً ما كان من خطأ صلاح الدين الذي تسامح، ودفع المسلمون ثمن تسامحه قرناً ونيف من المعاناة، كما أن العديد من الفرنجة غادروا إلى قبرص وأوروبا تحت جنح الليل قبل سقوط المدينة .
كان هذا الفتح فأل خير حسن للسلطان الجديد الأشرف خليل بن قلاوون، فتوجه إلى دمشق وجرى استقباله بما لم يحظى به ملك قبله في هذه الديار , وكذلك احتفل به أهل مصر بنفس المستوى وأزيد، وبذلك كان العرش أسهل على الأشرف خليل، مما كان قبله لأبيه، وبيبرس، لأن مبدأ الوراثة صار مفهوماً ومقبولا لدى المماليك , وقبلت به الناس عندما شرعه بيبرس من قبل , كما أن باكورة أعمال الأشرف خليل كانت تطهير البلاد من فلول الصليبيين. وبذلك شاء الله أن يقطع الرجل خطوات كثيرة جداً ووجد نفسه مشدوداً إلى الكرك والأردن وأهلهما، وأنها ستكون ملاذه، وملاذ أولاده، ومعقلهم في الشدائد، لأن الملك ليس سهلاً أن يستمر مريحاً , ( فالراس الذي يضع التاج لايعرف الراحة) كما قال شيكسبير uneasy lies the head .
بعد أن توحدت أركان الدولة وأقطارها وجيوشها، ولو في ظاهر من الأمر، شرع السلطان الأشرف خليل بن قلاوون في جولة إلى الأردن وسوريا، وكانت محطته الأولى في الكرك، حيث عيّن عليها والياً جديداً، وأصلح أمور القلعة وحصّن أبراجها، وواصل سيره في رحلة صيد حتى حطّ رحاله على بركة زيزياء في البلقاء ومعه ملك حماه وعمه، وقاموا بصيد الفهود من مناطق الكرك والبلقاء.وفي زيزياء التقى السلطان الاشرف خليل بن قلاوون مع قبائل جذام من بني صخر وعباد والعجارمة وبني حميدة ولخم ( الغنيمات فيما بعد ) والازد ( الازايدة فيما بعد ) وبني حسن والدعجة , وحضرت عشائر كثيرة من سائر انحاء الاردن لتهنئته بالنصر المبين . كما شكرهم على ارسال المجاهدين المتطوعين لتحرير عكا , وقد كان للقبائل الاردنية شهداء على اسوار عكا حتى صارت مثلا اردنيا ( عكا لو خافت من هدير البحر لرحلت من زمان ) .
وهنا نتوقف عند هذه النقطة، ففي قصر هشام بأريحا نجد صورة لأسد يعض غزالاً وقد ظفر به بعد المطاردة، وكذلك نجد نقوشاً في وادي رم وفي القصور الأموية بالبادية الاردنية للأسود والفهود والغزلان،وفي خارطة الفسيفساء بمادبا وفي ام الرصاص وفي جرش , وذلك تعبير وبرهان واضح عن وجود هذه الحيوانات بكل أطيافها في الديار الأردنية، وبقي النمر في جبال البتراء والشراة حتى مطلع السبعينات من القرن العشرين، وذلك ما رواه لي أهلها في حينه، عندما كنت أقوم باستطلاع صحفي لمجلة الشرطة عام 1974، وكنت رئيساً لتحريرها.
والأخبار موجودة في المراجع التاريخية ان صدقت عما كان يقوم به يزيد بن معاوية من صيده بالفهود في البادية الأردنية، والأخبار أيضاً في زمن المماليك قد وردت عن أمطار عام 692هـ/ كانون الثاني عام 1293م وهو العام مدار حديثنا عن الأشرف خليل بن قلاوون، حيث برقت السيول في فلسطين والأردن وجرفت الوديان كل شيء امامها بما فيها وحوش البرية المفترسة، إذ وجد الناس أحد عشر أسداً ميتاً وقد جرفتها السيول، وهذا دليل على أن أعتى الحيوانات المفترسة وهي الأسود والفهود والنمور كانت تعيش في بلاد الأردن في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، كما يورده ابن كثير في كتابه : البداية والنهاية/ الجزء الأول , وكما اورده ابن الفرات في تاريخه.
تحرك السلطان خليل بن قلاوون ومن معه، محاطاً بجنود من الكرك والمماليك ومصر، وبرفقته ملك حماة وأخوه، أقول تحركوا باتجاه دمشق حيث أمضى فيها وقتاً قصيراً للراحة والاستجمام، ثم ذهب لممارسة هوايته بالصيد في بادية حمص، وهناك تلقاه أمير العربان في البلاد الشرقية والشمالية الأمير عيسى بن مهنا بن حيار الطائي وأخواه محمد وفضل وابنه موسى، وكانوا يحسبون رغم ما عندهم من ذكاء وحصافة أن الأشرف خليل سيرحب بهم باعتبارهم أمراء ومراكز قوة، ومراكز توازن بين قوات التتار شرقا والقوى الاجنبية غربا فضلا عن اهميتهم في البادية وقبائلها ايضا , وتوقعهم انه سيعمل على كسب ودهم سنداً له، إلا أن السلطان لم يغفر للأمير عيسى بن مهنا موقفه مع الأشقر حاكم دمشق في تقدم الأخير إلى غزة لمواجهة قوات السلطان خليل بن قلاوون هناك ، ولم يغفر له علاقته مع التتار، تلك العلاقة التي كان عيسى بن مهنا يتقن لعبها إتقاناً عجزت عنه الملوك والأمراء الآخرون، فإذا غضب من التتار مال نحو المسلمين وأوعز لأخيه أن يفتح خطوطاً مع التتار، وإذا غضب من دمشق والقاهرة مال نحو التتار وأوعز لأخيه لفتح الخطوط مع العاصمتين العربيتين، وبذلك حفظ توازنه ومصالحه لفترات طويلة واستفاد ايما فائدة مادية ومعنوية وسياسية ، واستفاد من صراع القوى، ولم يدخل طرفاً في اي صراع الا ماكان من زلة قدمه وغياب حصافته بموقفه العلني مع سنقر الأشقر حاكم دمشق الذي لجأ إلى قلعة صهيون.
كانت هذه خطيئة يمكن ان تطيح بعرش السلطان , لذا فلم يكن السلطان ليغفرها . وهنا كشر السلطان خليل عن انيابه , واستعمل صلاحياته وافرغ مافي قلبه من غضب وحقد وسموم على ال حيار الطائي , واعلن لهم انه لن يسمح لهم مافعلوه ولن يتسامح مع شيء قد يفعلوه , فقد تولى زمن اللعب السياسي الى الابد , وامر بارسال الامير عيسى وأخويه وابنه في حالة اعتقال إلى القاهرة، لأنه يريد محاسبتهم بهدوء فيما بعد، ولم يلتفت قلاوون إلى عرض الأمير عيسى عليه الخدمة والاحترام والطاعة , لانه يعرف انها خدعة الخدمة التي كانت مقبولة بسبب وجود القوتين على الساحة وهما الفرنجة والتتار , اما الان فقد تغيرت الدنيا والمعادلات وهو مايستوجب الحساب والعقاب لال حيار على الاعيبهم السياسية من قبل .
سار خليل بن قلاوون ضمن ثلاث سياسات:
= الصيد وهي الهواية التي أنهت حياته قتلا بالسيف تقطيعاً كما سيأتي،
= وهدم القلاع الاسلامية المحصنة كي لايستخدمها اعداؤه , وكان يستهوي ويستطيب تدمير القلاع حجرا حجرا ،
لماذا هذا التشظي العربي تجاه سورية
رسالة مفتوحة الى دولة رئيس الوزراء
المدرج الروماني يحتضن حفلاً احتفاءً بالأعياد الوطنية
حماس: جاهزون بجدية للدخول فوراً في المفاوضات
الأردني أبزاخ يفوز بالضربة القاضية في الفنون القتالية
الحرائق تلتهم غابات اللاذقية والألغام تعرقل الإطفاء
هل ستقبض فرنسا على بشار الأسد .. تفاصيل القرار
البرلمان العربي: العالم اليوم يواجه مرحلة خطيرة
فرق تفتيش على مركز تحفيظ القرآن بالكورة
تواصل فعاليات مهرجان صيف الأردن
تطور لافت بالصفقة .. مهم من مسؤولي حماس
ترامب يستعد للتوقيع على مشروع قانون ضخم
مدعوون للامتحان التنافسي في مؤسسات حكومية .. أسماء
مهم للأردنيين الراغبين بالسفر براً عبر السعودية
مطالبون بتسديد أموال مترتبة عليهم لخزينة الدولة .. أسماء
مرشحون للتقدم للإختبار التنافسي لإشغال وظيفة معلم
تعيين أول سيدة برتبة متصرف في الداخلية .. من هي
حبس وغرامة تصل لـ 500 دينار لمرتكب هذه المخالفة
محاميان: منع الطلبة من الامتحانات تجاوز أكاديمي خطير
الحكومة ترفع أسعار المحروقات بنوعيه البنزين والديزل .. تفاصيل
انخفاض جديد على أسعار الذهب محلياً السبت
استئناف النقل البري بين أوروبا والأردن بعد انقطاع دام 14 عامًا
انسحاب منتخب الأردن يثير غضب الإعلام العبري .. تفاصيل
المفرق: بوابة الأردن الشرقية ومطار المستقبل
غدًا .. تشغيل خطي نقل عمّان إربد وجرش رسمياً