الاتفاق الروسي الأمريكي القادم والذي نشر جزء منه في وسائل الاعلام للتنسيق الأمني في سورية ، وتوحيد العمل لقصف جبهة النصرة وتنظيم الدولة ، واعلان وقف الأعمال العدائية في سورية (وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة) والعمل على ضمان سريانه بعدم قصف الأمريكان للنظام وبالمقابل المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة عدم تعرضها للقصف من الروس والنظام السوري ، وعند قراءة الاطار التنفيذي مع وجود الإلتزام من الأطراف المعنية ، نجد أنه يذهب إلى فكرة التقسيم المتداولة حاليا" في الأوساط السياسية _والذي تحدثنا عنه قبل سنوات_ بحيث تصبح سورية مجموعات إثنية عرقية لها مسلحيها تسيطر على مناطق جغرافية وتقوم بإدارتها ، وبالتالي هي عملية تقسيم للدولة السورية جغرافيا" وبشريا" تفصل بينهما حدود ملتهبة رسمت خطوطها بالدم العربي وتعزلها جدران الكراهية وصادق عليها الاتفاق الأمريكي الروسي.
إذا كتب لهذا الإتفاق النجاح على أرض الواقع بإلتزام الأطراف المتصارعة ستشهد هذه الكنتونات عمليات نزوح بشرية تبادلية على أساس طائفي وبالتالي تعزيز الانقسام المجتمعي في سورية والذي حتما" سيقود إلى الانقسام الجغرافي لتصبح حدود الدم حدودا" سياسية ، ويحتفظ التاريخ في ذاكرته (السودان ، الهند_باكستان) عمليات نزوح تبادلية إثنية.
الأمريكان والروس منذ وقت طويل بدأوا في الاتفاق على ضمان كل طرف لمصالح الآخر في المنطقة ومنها سورية وبالتالي سيذهبون سويا" باتجاه حل الأزمة السورية بما يتناسب مع مصالحهم ومجالاتهم الحيوية وفي ذات الوقت ما يضمن أمن إسرائيل ، وسيسعون من خلال توظيف امكاناتهم وتأثيرهم السياسي في المنطقة والعالم لتأمين نجاح الاتفاق _ولا يقلقون كثيرا" ما هو شكل سورية في المستقبل_.
لقد تم التخلص من غالبية المؤثرين في الأزمة السورية والمعطلين للمحاولات السابقة ، الأوروبيين ، وفي مقدمتهم فرنسا بالإنكفاء للداخل بحثا" عن الأمن لمجتمعاتها والذي بات يؤرقها بسبب العمليات الإرهابية المتتالية التي تحولت إلى كابوس يستحوذ على تغكير القادة الأوروبيين.
تركيا والانقلاب العسكري الفاشل ثم الانقلاب الأردوغاني على الدولة بكل مكوناتها لتحقيق طموحاته وطموحات حزبه "العدالة والتنمية" حيث لا زال يمارس تفريغ الدولة من بيروقراطيتها (الدولة العميقة) وما تبقى من طبقيتها الموروثة في المجتمع التركي وبالتالي إفراغ مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمؤسسات المدنية من الخبرة التي تشكل عمادها ومحرك الانتاج فيها وبالتالي تراجع الدولة أمنيا" وسياسيا"إضافة إلى الاقتصاد المتراجع أصلا" في آخر ثلاث سنوات ، وإحكام السيطرة على الإعلام والجهاز القضائي ، بداعي حماية الديمقراطية والدولة ، وقد سبق ذلك عملية إستدارة في مواقفه وسياساته الخارجية بالعودة إلى إسرائيل وروسيا والتي تتطلب إعادة النظر في سياساته ومواقفه وخاصة تلك المرتبطة بالأزمة السورية لتأمين الداخل التركي باتجاه ما يسعى له أردوغان وحزبه في تطويع المجتمع التركي والقوى السياسية المنافسة في إطار دستور جديد ودولة جديدة نظامها رئاسي شمولي ويحكمها الحزب الواحد ، لأجل التماهي مع المشروع الأمريكي الروسي _وقف العمليات القتالية_ ومشروع أردوغان الداخىي يحتاج إلى تأييد شعبي وذلك باخططاف الشارع التركي من أحزاب المعارضة باتجاه ما يسعى له ، ولكن ، تحت عنوان الخوف على الديمقراطية والحكم المدني وخوفا" من الارهاب ، وبالتالي انشغال تركيا بشأنها الداخلي مما يتيح المجال للاتفاق الأمريكي الروسي النجاح.
معركة حلب التي استعرت قبل أيام ومنحت الروس والنظام السوري بعض الأفضلية ، استفزت الأمريكان حيث ذهبوا في تهديدهم بفتح جبهة الجنوب السوري المتاخمة للعاصمة دمشق _وهي قادرة على ذلك لتوفر كل العوامل والدوافع_ وهي رسالة في حقيقتها للروس ، أن لا تتلاعبوا في التوازنات الميدانية التي أجريت عليها الهدنة السابقة في ظل انكفاء تركيا إلى الداخل وعدم السعي للمحافظة على التوازن في الشمال(حلب) حيث يتوفر البديل في الجنوب السوري القادر على قلب كل الموازين.
عربيا" ، وبعد عزل تركيا من خلال ما تم ذكره سابقا" ، لم يبقى سوى مملكة آل سعود التي غرقت في المستنقع اليمني الذي إستنزف إمكاناتها وطاقاتها وزاد من عنتريتها الذي يمنعها من الانسحاب والخروج من اليمن وترك شعبه يقرر مصيره ، إضافة إلى معركة النفط التي لم تحسن إدارتها فعادت عليها بنتائج عكسية زادت من استنزافها مما استدعاها إلى بيع حصصها في ممتلكاتها الاقتصادية الضخمة وعلى رأسها مجموعة شركات "أرامكو" وهي بداية الطريق في عنوان الخصخصة ، ويزيد من غرقها انسحاب عباءات الخليج الأخرى من حولها.