< تطرق كثيرون إلى مواضيع العنف صوره وأشكاله وأسبابه، إن كان لفظياً أو معنوياً، أو جسدياً، والجميع ينبذ هذا العنف لكن بصورته الجسدية فقط، مازال كثيرون مقتنعين ببعض الأساليب الخاطئة في مفهوم التربية، لذا يعطون أنفسهم الحق في الشتم أو الاستهزاء أو الضرب، والقصد منه طبعاً أن يربي هؤلاء الأبناء.
هناك من يمارس الضرب لأتفه الأسباب، ما يجعل الأبناء معتادين على هذا الضرب، ونقوله باللهجة العامية (ميت قلبه)، هو لم يمت قلبه بل أقسى من ذلك، صنعنا معنفاً الذي تلقائياً سيتحول في ما بعد إلى عنيف ومعتدٍ على الآخرين، لتصبح سلسلة من الاضطرابات التي لا تنتهي.
هناك أفراد يعيشون بيننا يعانون للأسف هذه الاضطرابات النفسية التي لا بد أن تظهر على السطح، بعض هذه الاضطرابات تكون مختفية تظهر على فترات متباعدة عند الغضب الشديد، والبعض تظهر لديه، ولكن للأسف نحن في المجتمع ننظر إليه بأنها تصرفات عادية لكنها تميل أحيانا إلى العدوانية، ونلتزم الصمت بحجة أنها تربي أبناءها أو أنه يربي أبناءه، حتى نفاجأ جميعاً بجريمة حصلت سواء أكانت بموت إحدى ضحاياها بعدما تعرضت إلى الضرب المبرح، أو بعدما وصلت إلى مرحلة شديدة البأس من الأمراض النفسية.
ذكرت بعض الصحف المحلية خبر (عبدالغني) المعنف البالغ من العمر 13 عاماً فقط، الذي تعرض إلى أبشع حالات التعنيف والتجويع لمدة سنة ونصف السنة في المدينة المنورة، على يد والدته وليس على يد غريب، التزم الجميع خلال هذه الفترة السابقة الصمت، ما عدا ذلك الأب الذي يعاني صحياً فليس بيده شيء يقدمه، سوى أن أرسل بعض أبنائه إلى عمهم ليمكثوا هناك عنده بعض الوقت. وعلى رغم هذا الوجع والألم أصرت والدتهم على رجوع الأبناء إليها، لتستمر عملية العنف والتجويع، ونبذ وسجن (عبدالغني) في سطح البناية، ظهرت صوره وجسده نحيل برزت عظامه قبل لحمه، أين كان الجميع من أهله وأقاربه عن فعل والدته به؟ (لذا لا بد أن ندرك أن هناك من يعيش بيننا متعباً نفسياً، أو مضطرباً نفسياً، أو مريضاً نفسياً لا يدرك أفعاله، بل يبررها بأنه يربي ويؤدب!).
المريض النفسي ليس بالضرورة أن يظهر في الشارع ليصرخ، ليس بالضرورة أن يكون فاقداً لعقله أي مجنوناً، لا بد أن ندرك أن بعض الأمراض النفسية تمارس حياتها اليومية بشكل عادي، لكنها تخفي نزعة عدوانية نفسية في التلذذ بالألم، البعض يمارس هذا التعذيب على نفسه حتى يمتلئ جسده من الجروح والدماء قهراً لذات، وهذا له أسباب عدة، والبعض يظهر هذا العنف والعداء على أحد أبنائه فيمارس أساليب قاسية جدا، يعذب، يضرب، يجوّع، وأحياناً تصل إلى حالة وفاة.
لذا يجب أن نكون واعين لمن حولنا ممن تظهر عليه (مؤشرات العنف) ألا نصمت لهذا العنف، وأن نبلغ الجهات المختصة، لتمارس دورها في التشخيص لهؤلاء هل هم فعلاً أسوياء أم هم يعانون من شيء ما، وأن تقوم الجهات المختصة أيضاً بحماية هؤلاء الأبناء الذين لا حول ولا قوة لهم، مثل (عبدالغني). وهذا ما قام به مركز التأهيل الشامل في المدينة المنورة في استقبال حالة عبدالغني وأختيه الاثنتين.
نشاهد والد (عبدالغني) صبر كثيراً، وبحكم تعبه الصحي لم يستطع في البداية أن يعمل شيئاً، لكنه عندما شاهد مراحل الانهيار الجسدي والنحول المخيف بلّغ عن زوجته لوقف هذا العنف والوحشية.
سؤال: ماذا خلف هذا العنف في نفسية عبدالغني؟
متعب جداً الجواب!
ليس كل من يمارس التربية بصورة خاطئة أو عنيفة نقف له بصمت، أو نقول إنهم أبناءؤه فلا يجب أن نتدخل، بل هي رسالة واضحة وصريحة ألا نقف متفرجين على من يعذبون وتنهك أرواحهم وأجسادهم طغياناً وإهانة وضرباً، بل نسارع في التبليغ عنهم فوراً، فهؤلاء الذين يمارسون هذا العنف أكيد أنهم يعانون من اضطرابات مرضية، خصوصاً من يتلذذ بتعذيب أبنائه ويكرر فعله بصورة دائمه ووحشية، علينا أن نوقف هذا العنف بالتبليغ، هنا نحن نحرر روحاً وجسداً من حياة الهون والعذاب.
صورة جسد (عبدالغني) كافية أن توقظ فينا حس المسؤولية، وألا نقول لا يعنينا، فكم (عبدالغني) موجود في بيوتنا يتعرضون للضرب والسب والشتم والإهانة بحكم الاعتقاد بأنها تربية صحيحة، لا ليست تربية صحيحة، إنه عنف مغلّف بصمت الآخرين ومرض من يمارس هذه الأفعال.
أخيراً تحتاج مثل هذه الأم إلى كشف وتشخيص حالها النفسية، وألا تترك هكذا، فهناك إخوة لعبدالغني، وإن ثبتت صحة نفسيتها وأنها لا تعاني من شيء فإذاً يجب أن يوقع عليها العقاب لتكون عبرة لغيرها، وأن تعرف هي ومن يمارس العنف أن (الأبناء) ليسوا ملكاً لنا أو متاعاً نتفنن في تهذيبه وتقليمه كما نشاء، لا بد أن يدركوا أن هناك قانوناً مفعلاً ضد هذا العنف سواء العنف اللفظي أم الجسدي، وأنه شيء منبوذ من الجميع، ولا يتقبله عاقل كامل في قواه العقلية والنفسية. إذاً لا للصمت.