العين المجالي : الأمير زيد بن شاكر كان رجل تفكيك الأزمات

mainThumb

25-07-2010 06:30 AM

 قال العين عبد الهادي المجالي أن الأمير زيد بن شاكر، رحمه الله، كان رجل تفكيك الأزمات العديدة التي مر بها الوطن منذ حرب حزيران 67 وما تلاها من أحداث في الـ 70، فضلا عن دوره في الأزمة الاقتصادية التي عصفت  بالوطن في العام 89 وتشكيله أول حكوماته في ذلك الوقت والتي أجرت انتخابات مجلس النواب الحادي عشر.

 

وقال المجالي في ندوة ركن الشخصية التي أقمت السبت ضمن فعاليات مهرجان الفحيص وخصصت لشخصية الأمير زيد بن شاكر أن "الأمير كان رجل جيش ورجل سياسة" وأنه نجح في الأمرين..

 

ولفت المجالي إلى العلاقة الوثيقة التي ربطت بين الراحل العظيم جلالة الملك حسين، رحمه الله، والأمير زيد.. وكيف أن الملك حسين كان يعتمد عليه في الأزمات والتحديات الصعبة التي تمر بالوطن.

 

وتحدث في المناسبة كل من سمير الحباشنة وإبراهيم عز الدين وفاضل علي فهيد، وحضرها جمهور غفير..

 

وتاليا نص كلمة المجالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الأشراف

صحاب الدولة والمعالي

الحضور الكريم..

 

السلام عليكم جميعا، سلاما طيبا مباركا.. والسلام على رجل عندما فاضت روحه إلى بارئها فاض حزننا.. رجل منذ عرفته صار لي أخا وصديقا ورفيقا.. عرفته فارسا وفيا، ورجل دولة رفيع الطراز، أبدع في الجيش كما أبدع في السياسة..

 

كان حالة فريدة، ونموذجا لرجال الوطن، وفرسانه.. ومثالا في العطاء والتضحية، لا ينتظر منّة ولا حمدا.. إنسانا ودودا كريما.. معشره جميل يفيض تواضعا، ومحبة لكل الناس.

 

قريب من القلب، لا تملك إلاّ أن تحبه، وإن أحببته لا تستطيع أن تنساه، يمكث فيك يتملكك لجميل صفاته، وكريم خلقه، وعمق فهمه، وبعد نظره. ذلك كله وأكثر تجليا في شخص الأمير زيد بن شاكر، رحمه الله، وهو الذي كان الأقرب للعظيم الراحل أبي عبدالله، مذ رأت عيناه النور، تربى كما تربى  الهاشميون، كريم الخلق، ونبيل الصفات.. فشب أردنيا عروبيا مسلما..

 

لم يكن فيه شيء لنفسه، كان لوطنه وأمته.. يفكر في ما آلت إليه أحوالهما، وفي سبل النهوض بهما.. دائم القلق عليهما من المؤامرات وعاديات الزمان.. قلقا ظل ممتدا إلى أن غادرنا إلى جوار ربه.. لم يتبدل ولم يتغير، بقي فارسا ملتزما، صاحب موقف ورأي، لا يخشى في الحق لومة لائم..

 

الحضور الكريم

ما لا يقبل الجدل أن قرب أبي شاكرٍ من الملك الحسين، رحمهما الله، لا يرتبط بالمواقع التي تبوأها، بل كان قربا دائما متصلا، لا انقطاع فيه.. قربا كانت العلاقة فيه بين الملك والأمير، حالة استثنائية، فيها صداقة عميقة، وأخوة متجذرة، وفيها ثقة راسخة..

 

كان أبو شاكر يفهم ما يدور في رأس الحسين، رحمه الله.. يستشعر طموحاته.. ويعي مخاوفه ومصادر قلقه.. لذلك كان موضع ثقته.. ثقة لم تأت من فراغ، بل من وقائع وحقائق وتجارب جعلت من أبي شاكر رجل المهمات الصعبة.. يعتمد عليه في الملمات والشدائد. 

 

من هذا الجانب، فان حكمي على مسار (أبو شاكر) ليس حكم البعيد، بل القريب، حكم من زامله في القوات المسلحة وكان إلى جواره، وعاصره في السياسة فكان على مقربة من فكره ونهجه ورؤيته.. وفي كلا الحالين لا يخطئ العاقل، بعيد النظر، وعميق الفكر، أن الرجل كان رجل الأزمات، يتقن التعامل معها، ويملك القدرة على تفكيكها..

 

ولنا في حرب حزيران 67 وما تلاها من أحداث الـ 70 وفي الأزمة الاقتصادية 88-89 أمثله تؤسس لقراءة أكثر دقة وأكثر فهما لطبيعة الرجل وما تمتع به من صفات القيادة والحنكة في التعامل مع الأخطار، صغيرها وكبيرها..

 

الأخوة والأخوات الحضور..

بدأت علاقتي المباشرة بالمغفور له أبو شاكر في مرحلة صعبة.. كان هو قائد لواء..، وكنت أنا مساعد قائد لواء سلاح الهندسة.. وكنا نحضر معا لحرب 67.. أبو شاكر كان يريد الدخول بلوائه إلى الضفة الغريبة للحرب، وكانت مهمتي تسهيل هذا الدخول.. فكانت الحرب وكان لها ما لها من نتائج.. وعليها ما عليها من ملاحظات..

 

بعد تلك الحرب مباشرة تولى، رحمه الله، قيادة السلاح المدرع.. وتوليت قيادة سلاح الهندسة.. فتعمقت علاقتنا.. وكثرة حواراتنا ومناقشاتنا في كل الشؤون الوطنية والعربية.. وبتركيز على حرب 67..فلمست حزنا شديدا ومرارة تختلجه بسبب نتائج تلك الحرب لحجم الخسارة التي مني بها الأردن والأمة بفقدهما الضفة الغربية والقدس الشريف، وما تركته من آثار نفسية ومعنوية بالغة القسوة..

 

وأقول لكم، وللتاريخ، أن الرجل لبراعته في التحليل العسكري وقراءة الواقع وفهم التوازنات السياسية، كان مقتنعا أن الأردن والأمة العربية كلها لم تكن جاهزة لتلك المعركة، وحذر من ذلك مبكرا.. لكن المعركة اشتعلت وخضناها من غير تحضير مناسب، لا سياسيا ولا عسكريا..

 

خضنها بفعل الزيف الذي مارسه بعض العرب، من أن الأمة جاهزة ولديها إمكانات استعادة فلسطين.. فكانت الحرب.. وكانت الهزيمة نتيجتها.. والتاريخ كفيل بأن يجيب على أسباب فشل العرب في إنشاء تنظيم دفاعي عربي قادر على تحقيق النصر. في تلك المرحلة الصعبة تعاظم وعيه، رحمه الله، بضرورة بناء القوة الأردنية، وضرورة تعميق التطور السياسي والعسكري والاقتصادي..

 

فذهب اهتمامه إلى بناء القوات المسلحة وتطويرها، بهدف تمكين الأردن من الاعتماد على ذاته، في سياق اقتناعه، أن الاعتماد على النفس يمنع عنك الاتكال على مساعدات قد لا تأتي أبدا.. ويجنبك مفاجآت إدارة الظهر من الأشقاء قبل الأصدقاء.

 

الحضور الكريم..

تلك كانت محطة صعبة، لم نفق من صدمتها، حتى وجدنا أنفسنا في مواجهة صدمة أخرى، صدمة أحداث الـ 70 العصيبة.. وفيها تخلى بعض الرجال عن تحمل المسؤولية، ولن أقول هربوا من تحملها، وصمدت فئة قليلة من المخلصين بقوا يقفون إلى جانب الملك الحسين، رحمه الله، يشدون على يده.. يقوون عزيمته..

 

ولم يكن مستغربا أن على رأس الصامدين أبو شاكر، رحمه الله.. وممن يسجل لهم التاريخ أنهم أخرجوا  الأردن من أزمة السبعين.. كان وقتها بقرب الملك وإلى جانبه يدير الأزمة، يحفز الجيش ويثير حماسته، يتابع معه لحظة بلحظة.. وأد الفتنة.. ووأد المؤامرة.. ووأد العبث بالوجود الأردني، دولة ونظاما وشعبا.

 

مرت أحداث السبعين، بكل مراراتها وآلامها.. وتولى أبو شاكر رئاسة أركان القوات المسلحة في الـ 74، وكنت حينها مساعدا لرئيس الأركان، وبقيت إلى جانبه حتى عام 81.. كانت تلك فترة البناء والتحديث والتطوير الحقيقي لكل أجنحة الجيش.

 

وهنا اسمحوا لي أن أسجل هذه الملاحظة الإنسانية.. أن أبا شاكر لم يكن رئيسا لأركان القوات المسلحة وقائدا عاما.. بقدر ما كان أبا وأخا وصديقا لكل الضباط والأفراد.. كان قويا من غير قسوة، ولينا من غير ضعف.

 

وتلك صفات جعلته تاريخا لن ينسى في مسيرة الجيش.. يتذكره باعتزاز وحب كل من خدم معه.. وحتى من سمع عنه، ولم يخدم معه، أحبه واعتز به.. فكان قائدا فريدا يتذكره رفاقه كما يتذكرون حابس المجالي رحمه الله لنزعتهما الأبوية.

 

الحضور الطيب..

وكما هو الحال دائما، كان جلالة المغفور له الملك الحسين في الأزمات الحقيقية والمفصلية، يجد أبا شاكر إلى يمينه، يعتمد عليه، يثق بقدرته على المعالجة وحكمته في الإدارة..

 

فكان عام الـ 89 ..وكانت الأزمة الاقتصادية الصعبة الكارثية.. ومرة أخرى يكون أبو شاكر الخيار.. فولج إلى الحياة السياسية بصورتها الدقيقة في أول حكومة شكلها لاحتواء الأزمة الاقتصادية وتداعياتها.. ونجح في ذلك.. وعلى يديه جرت انتخابات مجلس النواب الحادي عشر إذانا بعودة الحياة النيابية.. وهي انتخابات جميعكم تعتبرونها استثنائية ونموذجا..

 

وأصدقكم القول أن أبا شاكر كان يجد نفسه عسكريا أكثر من أي شيء آخر.. وطالما سمعته يقول أنه يجد نفسه في الجيش لا في السياسة، لكني بحكم قراءة التجربة ومعايشتها أقول لكم: أثبت، رحمه الله، أنه رجل جيش ورجل سياسة بامتياز.. فكان خيار الملك في هذه وتلك..

 

ولا زلت أذكر بألم الفترة التي مرض فيها جلالة المغفور له الملك الحسين، وما شكلته وفاته، رحمه الله، من صدمة لنا جميعا، وصدمة أبو شاكر كانت مضاعفة فالرجل فقد أبا وأخا وصديقا وقائدا..

 

واذكر تلك الليلة التي جمعنا فيها الحسين، رحمه الله، قبل سفره الأخير لاستكمال العلاج.. تحدث إلينا حديث الأب والقائد.. حديث المودع والمفارق..ولن أنسى حديث جلالته لأبي شاكر عندما قال له.." يا أبو شاكر أنت كبير العائلة.. وأنا استخلف بينكم أبني عبد الله.. وأرجو من الجميع أن يعينوه على تحمل المسؤولية لأني أتوسم فيه كل الخير للوطن..".

 

الأخوة والأخوات..

تلك نفحة من سيرة الرجل، الوطني الصلب، والمسؤول الرفيع، وإذا كان الولد سر أبيه.. فإن المغفور له الأمير زيد سر أبيه المرحوم شاكر بين زيد..

 

الرجل الهاشمي الذي أسس مع الهاشميين الأخيار الأمارة فقويت وتصدت لكل الصعاب حتى بلغنا المملكة، مملكة العز والفخار بقيادة آل هاشم الأطهار.. الذين صانوا الأمانة جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض وما عليها..

كان أبو شاكر، رحمه الله، مثابرا ومبادرا .. عالي الهمة.. وكان نبيلا أصيلا وشهما كريما.. وشجاعا مقداما.. امتاز بالوعي والثقافة، والقدرة على اتخاذ القرار، وتحمل المسؤولية..

 

أبا شاكر..

ثق أنك لم ترحل بغير جسدك عنا، فأنت باق فينا، خالد في الوجدان والضمير.. فرجل بمثل قامتك، اسمه كما رسمه، يحفر في الذاكرة مكانا دائما يستقر فيها.. لا ترحل روحه، وإن ترجل جسده رغما عنا لأنها مشيئة الله سبحانه.. ولا اعتراض على مشيئته... فهي ماضية فينا.

 

أبا شاكر..

بعض الرجال يمرون في الحياة، لا أعمال تخلدهم..ولا مواقف تذكر بهم، يمرون هكذا، مرورا عابرا، كأنهم لم يكونوا شيئا.. لا فعلا ولا قولا.. أما أنت يا صاحب الروح الطاهرة.. فتركت فينا أعمالا ومواقف، لا يطويها النسيان.. وتركت أفعالا واقوالا تشهد على عظمة قيمتك وسمو شأنك..

 

أبا شاكر..

لا أظنك تنام قرير العين..وأنت ترى أمتك متردية الحال.. ضعيفة منكسرة.. يتجبر بها الغزاة والعتاة.. خيرها ليس لها، خيرها لجبابرة لا يخافون الله..

 

نعم، لا أظنك تنام قرير العين.. وأرى فيك وجعا وحسرة.. وفيك ألم الوطني الموجوع على وطن تتربص به المنون وتنتظر أيادي الغدر فرصتها لتمتد إليه.. وأقول لك لا تخف على وطن فيه قائد ورجال.. أشاوس أبطال.. أرواحهم لا قيمة لها أمام قيمة الوطن.. لا يفرطون ولا يساومون..

 

أبا شاكر..

يا أخي وصديقي ورفيقي.. ..نم وقرَّ عينا.. لقد استودعتك عند من لا تضيع عنده الودائع.. رحمك الله وجعل مقرك ومستقرك بين الشهداء والصديقين في الغرف العليا من الجنة..

 

طاب مساؤكم..ومساء الوطن.. والقائد المسكون بهمومنا، الطامح إلى رفعتنا.. وطاب مساء من نظموا هذا الندوة.. ندوة الوفاء لرجل يستحقها بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد