الانتخابات النيابية على أبواب الفشل

mainThumb

14-08-2010 09:23 PM

أيمن فضيلات - يوما بعد يوم تتسع دائرة الداعين لمقاطعة الانتخابات النيابية القادمة، وتتنوع بين شخصيات ومبادرات وطنية، وأحزاب إسلامية ويسارية ووسطية، وانضمام لجنة المتقاعدين العسكريين، وتهديد لجنة نقابة المعلمين. وليس بعيدا عن ذلك تلويح أحزاب وسطية بالمقاطعة، مثل الحزب الوطني الدستوري، فيما تهدد أحزاب مثل الجبهة الأردنية الموحدة بإعادة النظر في قرار المشاركة في الانتخابات التي كانت الهيئات القيادية اتخذته.
أكثر الأحزاب الأردنية مشاركة في الانتخابات متمثلة بـ"حزب الرسالة، والرفاه، والوسط الإسلامي، والجبهة الأردنية الموحدة، والتيار الوطني، وحزب العدالة والتنمية، والشعب الديمقراطي، والحركة القومية للديمقراطية، والحزب الشيوعي، والبعث التقدمي، والبعث الاشتراكي.
بينما يقاطعها جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي (صاحب القاعدة الشعبية الأوسع والحضور النيابي)، وحزب الحياة، وحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي.
انطلاق شرارة المقاطعة
"شرارة" الدعوة لمقاطعة الانتخابات أطلقتها ما بات يعرف بـ"شخصيات المبادرة الوطنية"، وعزت تلك الشخصيات مقاطعتها لعدة أسباب أبرزها "قانون الانتخاب بالصيغة المعهودة "قانون مؤقت"، والذي أقر بعد حل المجلس النيابي الخامس عشر بدون مسوغ قانوني"، حسب المبادرة.
ويرى منظرو المبادرة الوطنية أنه "ليس من الحكمة عدم إدراك حجم المتغيرات الهائلة التي حدثت منذ 1997، وعلى رأسها تعمق الأزمة على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما وسع بشكل كبير دائرة المتضررين من هذا النهج، وزاد من القرف المتنامي من التزوير المستمر لإرادة الناخبين، ومن حل المجالس النيابية بشكل اعتباطي وبدون مبرر دستوري، والتمادي في سياسة تفكيك الدولة، وبيع مؤسسات الإنتاج الوطني، وبناء مؤسسات موازية للمؤسسات الدستورية، وخارج الرقابة، وكذلك تفتيت المجتمع، وجر أبناء العشائر إلى حروب الحارات والشوارع والجامعات".
مضيفين: "لقد تنامى الوعي الشعبي بأن نهج التبعية القائم، هو مصدر الأزمات المتتالية والمتعمقة، وأن شرط الخروج النهائي من هذه الأزمة، لن يكون ممكناً دون الخروج من هذا النهج، من خلال كسر التبعية، وتحرير الثروات وتحرير الإرادة السياسية، وتنامى الوعي الشعبي بأن الأزمة تتعمق من خلال الرضوخ لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، والسير في طريق المشاريع المشتركة مع الكيان الصهيوني وعلى حساب مصالح الشعب والوطن.
مؤكدين ان "الدعوة للمقاطعة العملية الانتخابية يجب أن يفهم على أنه تعبير عن حق الشعب في اختيار نهج الحكم، وطريق التطور ومن يمثل وكيفية التمثيل، وخطوة في طريق رفض تمزيق الشعب إلى مجاميع متصارعة ومتحاربة، وخطوة في طريق توعية الناس بأن تحقيق مصالحهم لا يتم من خلال العودة إلى حضن المجاميع البدائية "العشائرية والإقليمية والجهوية...الخ"، بل في النضال معا، من أجل تحقيق المساواة بين المواطنين كافّة، وتحقيق عدالة توزيع الثروة في مجتمع المواطنة، وبناء الدولة المنتجة والمجتمع المنتج، ومقاومة مخططات الأعداء الحقيقيين".
الأحزاب منقسمة بين المشاركة والمقاطعة
الأحزاب المقاطعة للانتخابات أعلنت المقاطعة سواءً ترشحاً أو انتخاباً، وذلك احتجاجاً على قانون الانتخابات الجديد، وذلك لـ"عدم ثقته بالحكومة وبإجراءاتها".
مؤكدين انه في ظل "الواقع الذي يعيشه المواطن، فإنه أصبح محبطا من العملية السياسية وطروحات الإصلاح السياسي، أضف إلى ذلك أن ممارسات الحكومات المتعاقبة من تزوير لإرادة الناخبين أفقدت المواطن الثقة بنزاهة الانتخابات، لا سيما أن الحديث عن نزاهة الانتخابات وشفافيتها أصبح عبارة عن "نكتة" لعدم ثقة المواطن بالعملية الانتخابية، وخاصة أن هذه العملية بصورتها الحالية تؤسس لها وزارة الداخلية وتديرها وتراقب عليها كذلك، وتعلن نتائجها".
موضحين أن "الشارع الأردني وصل إلى حالة من الإحباط من المشاركة في العملية الانتخابية والسياسية في البلاد، بحيث لم يعد المواطن يثق بنتائج هذه العملية، وهذا مؤشر خطير".
معتبرين أن "الحكومة لم تقدم أي خطوة عملية تعيد الثقة إلى المواطن أو تزيل الصورة القاتمة لـ"مجزرة انتخابات 2007"، سوى أنها وضعت قانون انتخاب جديد أسوأ من السابق يعتمد الدوائر الوهمية، وكان ممكنا أن تأخذ الحكومة بطرح بعض المؤسسات التي تتواجد فيها، مثل لجنة الأجندة الوطنية التي شكلت بإرادة ملكية، حيث وضعت مقترحات متوازنة، وكان لها أن تتبنى هذه المقترحات عوضا عن طروحات أحزاب المعارضة، باعتبارها تمثل الحدّ الأدنى من تطلعات الشعب"، حسب الأحزاب المقاطعة.
بينما ترى الأحزاب المشاركة أن واجبها تجاه الوطن يملي عليها المشاركة الفاعلة في الانتخابات النيابية القادمة، معبرة عن ارتياحها للإجراءات الحكومية لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات.
مضيفين أن الأحزاب ستشارك بالانتخابات النيابية القادمة لحرصها على تعميق قيم الديمقراطية والتعددية السياسية في البلد.
المتقاعدون العسكريون والمعلمون وحقوقيون
وفي تحرك يعتبر "سابقة" في تاريخ مقاطعة الانتخابات النيابية لحق بركب الأحزاب المقاطعة من المجتمع الاردني من ليس له أي دور سياسي، لكن "الضغوط" الرسمية على تلك الشرائح هي ما دعا للمقاطعة، أو التلويح بها.
وأبرز تلك الشرائح "اللجنة الوطنية العليا للمتقاعدين العسكريين" التي أصدرت بيانا قبل أيام أكدت فيه "مقاطعتها للانتخابات النيابية ترشيحا وتصويتا ومشاركة ومساهمة".
ومن غير المستبعد انتقال عدوى المقاطعة إلى أوساط مهنية وقوى حزبية غير محسوبة على المعارضة التقليدية، لكنها تلتقي مع المقاطعين على قائمة واحدة من المطالب تعتقد أن من الواجب تلبيتها لاستعادة الثقة بالعملية الانتخابية، ومبدأ توسيع المشاركة السياسية في عملية صنع القرار.
ويرى محللون أن خيار المقاطعة يتضخم يوماً بعد يوم بفعل تداخل البعد السياسي المتوتر، بالوضع المعيشي المتردي، وتعمق فجوة الثقة نتيجة تغيرات جذرية خلال السنوات السابقة باتجاه اقتصاد السوق من دون صمامات أمان وتـغيير مفهوم دولة الرعاية.
يشار إلى أن مؤسسة المتقاعدين العسكريين هي المظلة الأوسع منذ تأسيسها عام 1973 لخدمة المتقاعدين وعددهم قرابة 140 ألفاً. في عام 2002، شكّلت لجنة عليا من 27 ضابطاً لمتابعة شؤون المتقاعدين وتحسين أحوالهم المعيشية، وذلك بعد اجتماع موسع ضم 480 ضابطاً متقاعداً في ذلك الوقت، ارتفع عددهم إلى 600 ليشكلوا هيئة عامة بموازاة المؤسسة الأم، التي يعين مديرها بقرار مجلس الوزراء بموجب تنسيب من رئيس هيئة الأركان.
لجنة إحياء نقابة المعلمين لوحت بمقاطعة الانتخابات احتجاجا على "الحملة الحكومية التي أطاحت بعدد كبير من المعلمين وعدد من المدراء في وزارة التربية الشهر الماضي".
وحسب تصريحات لعضو اللجنة في محافظة الكرك معاذ البطوش قبل أيام، فإن اللجان التحضيرية لإحياء نقابة المعلمين تدرس بشكل جدي مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة. متوقعا أن لدراسة هذا المطلب الذي تقدمه به عدد من المعلمين العاملين في عدد من المحافظات الأردنية خلال اجتماع الأسبوع الجاري، مشيرا إلى أن "رد المعلمين سيكون بحجم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بحق أكثر من 30 معلما بعد أن أحالتهم إلى الاستيداع والتقاعد".
وفي ذات السياق، يعكف ناشطون حقوقيون على تنظيم اجتماع يدعو إلى مقاطعة الانتخابات النيابية، وذلك في إطار الاحتجاج على تعسف السلطة التنفيذية في إصدار القوانين المؤقتة غير الدستورية، وفق الناشط الحقوقي رئيس مركز الجسر العربي للتنمية وحقوق الإنسان أمجد شموط.
ولفت شموط في كتابه الذي وجهه لمحافظ العاصمة لطلب الموافقة على تنظيم الاجتماع، والذي تلقت "السبيل" نسخة منه، إلى أن قانون الانتخابات واحد من القوانين المؤقتة غير الدستورية، تبعته إجراءات قانونية غير فاعلة، خاصة ما تعلق منها في آليات الطعن والاعتراض على جداول الناخبين.
خيارات الحكومة صعبة
محللون سياسيون يرون أن مقاطعة الانتخابات من قبل فعاليات سياسية ووطنية، وشرائح اجتماعية مختلفة ستؤثر على نسب المشاركة في ظل عزوف المواطنين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات السابقة، مشيرين إلى أن الحكومة أمام مقاطعة بعض الأحزاب والقوى الشعبية للعملية الانتخابية باتت في موقف لا تحسد عليه.
وأشاروا إلى أن حالة المقاطعة التي خيمت على الأجواء السياسية في البلاد تتخذ طابعا شعبيا لا نخبويا فقط، مؤكدين أن قاعدة عريضة من المواطنين تشعر بالإحباط، وبعدم جدوى اللعبة السياسية والخشية من تزوير نتائج الانتخابات من أبرز العوامل التي تدفع بهم لمقاطعة العملية الانتخابية.
ويرى المحلل السياسي محمد أبو رمان في ندوة لـ"السبيل" قبل أيام أن "الرهان الحكومي على نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، سيحدد سياستها المقبلة باتجاه الانفتاح السياسي، كما أنه سيعد مؤشرا على نجاح الانتخابات، إضافة إلى أن هناك قراءات حكومية تعتبر مقاطعة أحزاب معارضة للانتخابات أمرا مقلقا، خصوصا في المحافظات الكبيرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتكاسة في نسبة المشاركة الشعبية وضعفا في نسبة المقترعين".
مشيرا إلى أن "انتخابات 2007 شهدت نسبة اقتراع ضعيفة بالرغم من وجود الأحزاب، فكيف إذا عزفت تلك الأحزاب عن المشاركة في الانتخابات، أضف إلى ذلك أن قرار مقاطعة الانتخابات المقبلة جاء في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، وأجواء سياسية محتقنة، ناهيك عن حالة إحباط خيمت على المواطنين، ورسخت في نفوسهم أن صندوق الانتخاب لن يؤدي إلى تغيير نوعي".
متسائلا: "هل الحركات الاحتجاجية التي ظهرت كالمعلمين والمتقاعدين، وحالة الإحباط ستؤثر على نسبة المشاركة، أم أن العامل العشائري سيبقى الفاعل رقم واحد وسيدفع الجميع إلى صناديق الاقتراع تحت وطأة المنافسة العشائرية، وليس تحت وطأة الوصول إلى مشاركة سياسية حقيقية؟
مشيرا إلى انه عند طرح هذا التساؤل يصعب التنبؤ بتأثير الحركات الاحتجاجية على المدن الأخرى، ولكن بلا شك سيكون لها شكل من أشكال التأثير.
منوها بأن "حالة المقاطعة التي خيمت على الأجواء السياسية في المملكة تعتبر مقاطعة شعبية وليست نخبوية، وكانت على مستوى شريحة واسعة من الجمهور الأردني، ونابعة من شعور قاعدة عريضة من المواطنين بعدم جدوى اللعبة السياسية، والتي عبرت عن عدم ارتياحها إزاء إجراءات العملية الانتخابية.
وحول ما إذا كانت الأحزاب محقة بتحميل الحكومة مسؤولية التزوير لانتخابات 2007، قال بو رمان: "أعتقد أن الحكومة قدمت للعملية الانتخابية -باستثناء قانون الانتخاب الذي يعتبر كارثة سياسية- إجراءات جيدة لتعزيز ثقة الناخب بالعملية الانتخابي، إلا أن هذه الإجراءات تصب أساسا في جوانب فنية وليست سياسية، وهناك شهادة من منظمات حقوقية أن هناك تدقيق ومراقبة في عملية تسجيل الناخبين الجدد، وعرض القوائم الانتخابية، إضافة إلى قيامها بالتدقيق في عملية نقل الأسماء، ثم عرضها على شبكة الانترنت".
مؤكدا ان "أجواء المقاطعة ستجعل عمل الحكومة في الانتخابات أصعب بكثير، من لو أنها قامت بإجراءات انفتاحية على الأحزاب، وتحاورت مع القوى الوطنية والمعارضة".
مبديا استغرابه من "الأجواء السياسية التي نعيشها، فبدلا من اتخاذ سياسات انفتاحية تم إقرار إجراءات انتخابية تُؤزم العملية الانتخابية، وتشعل النيران على أبوابها، وتصعب من تسييرها، وإذا استمر هذا التأزيم فإن ذهاب المواطن إلى صناديق الاقتراع سيصبح تحديا حقيقيا للحكومة، عوضا عن التفاؤل بنتيجة الاقتراع".    " السبيل "



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد