المجالي يحاضر في "الدفاع الوطني": مجلس النواب المقبل سيكون "قويا وصعبا"

mainThumb

25-08-2010 10:31 PM

عبر العين عبد الهادي المجالي (رئيس حزب التيار الوطني) عن قناعته أن مجلس النواب المقبل سيكون مختلفا وقويا وصعبا على الحكومات وسيحاول أن يفرض كامل إرادته في تصميم السياسات الوطنية انطلاقا من قراءة المستقبل وأخطاره.. وضروراته وموجباته..

 

وقال في محاضرة له ألقاها اليوم (الأربعاء) في كلية الدفاع الوطني  حول "موقع النظام النيابي في تصميم السياسيات الوطنية" أن النظام النيابي يؤثر فعلا في تصميم السياسات الوطنية تأثيرا حدّدته آليات دستورية، وأن التأشير على جوانب الخلل في النظام النيابي هدفه التصحيح لإنضاج الأداء ومنجزه ليكون مثاليا قدر الإمكان.
 

وأوضح المجالي أن أكثر ما يجعل الدستور الأردني راقيا ومهما واستثنائيا في شموليته وانحيازه للنظام النيابي تأكيده على أن نظام الحكم في الأردن "نيابي ملكي وراثي" وكذلك في موقع آخر من الدستور أكد أن "الأمة مصدر  السلطات".

 

وقال: أن نظامنا النيابي لم يستقرّ بعد على شكل قانون الانتخاب ولا زلنا نتجادل حول طبيعته منذ سنوات، بهدف الوصول إلى الصورة الفضلى..
 

وحدد المجالي أسباب تفاوت قوة  المجالس النيابية إلى ضعف في نوعية العديد من أعضاء مجلس النواب مما قال (المجالي) أنه يخلق أحيانا  إشكالات وتعقيدات في طبيعة الأداء النيابي.. ومردّ ذلك أن ثقافة  النائب  ووعيِه بالشؤون العامة ليست في كثير من الأحيان شرطا مركزيا عند انتخابِه.

 

والعامل الآخر الذي يزيد حالة الضعف أن الأحزاب ليست صاحبة حضور كمي ونوعي في مجلس النواب. ويرى المجالي أن الأحزاب كي يكون لها دور في تصميم السياسات الوطنية لا بدّ لها من برامج واقعية وموضوعية وكذلك مرجعية تضبط سلوك النائب الحزبي أو الكتلة الحزبية.

 

وشدد المجالي على أن النظام النيابي الأردني يؤثر في السياسات الوطنية ويمارس فعلا سياسيا مهما في كثير من القضايا الوطنية وهو يأخذ مواقف تشريعية ورقابية قوية.. لكن مشكلة المجالس أنه نتيجة تفاوت مستواها فإن الأداء لا يكون دائما عميقا ولا جوهريا ولا يحدث فرقا في بعض تفاصيل المسار..
 

وقال: كل ذلك بتقديري ليس سببه النص الدستوري، وإنما أننا نختار كناخبين نوابا مستوى وعيهم السياسي أقل من اللازم، ونختارهم بلا امكانات ذاتية تثري العمل النيابي.. وسببه أيضا تراخي الأحزاب وضعفها وتقصيرها في تطوير نفسها وتفضيلها المستمر تحميل القوانين مسؤولية فشلها الدائم من غير أن تتحدث عن تقصيرها الذاتي.. وسببه أيضا أن النواب لم يراكموا أعرافا وتقاليد برلمانية.
 

وتاليا نص المحاضرة:

بسم اله الرحمن الرحيم

عطوفة الأخ آمر كلية الدفاع الوطني..

الأخوة الضباط المحترمين من الأردن والدول الصديقة والشقيقة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

لحظات طيبة هذه التي أقضيها معكم وبينكم، وهي تبعث فيّ الزّهو ، لأنها، على المستوى الشخصي، تذكـرني بسنوات جنديتي.. وعلى المستوى الوطني تستحضر من الذاكرة تاريخ مراحل وطنية منها السهل ومنها الصعب. وكلّها لا يستطيع أيا كان أن يمحوها.. لأن فيها تاريخ الوطن، ماضيه الذي أسس لحاضره ويؤسّـس لمستقبله..

 

وهذه اللحظات تزداد طيبا وألقا.. وشهر رمضان المبارك يظـلّـها بروحانيات تسمو بالنفس الإنسانية وترقى بها في مسعى يعظم ما بين هذه النفس وخالقـها .. فكل عام وأنتم بخير، وجعـلـه الله سبحانه شهر رضى ومغفرة ورحمة وعتق من النار..
الأخوة الضباط.. بوصف جوهر ما سنتحدث به الآن، هو "موقع النظام النيابي في تصميم السياسات الوطنية" فاسمحوا لي أن أؤسس للحديث والحوار بالقول: عنوان المحاضرة كبير ومهم، أبعاده كبيرة وكثيرة، وتناوله يعني حتمية تناول الدستور وأثر القانون..

 
وكذلك تناول المعطيات والحيثيات السياسية التي تحدد المسار العام للدولة وخياراتها للتعامل مع المستجدات التي تتفجر في الإقليم منذ الاستعمارِ الذي توّج بنكبة 1948 وبدء ضياع فلسطين ودول وأجزاء من دول عربية.

والأردن، كما العالم العربي، كله مستمر في العيش ضمن مخاضات إقليمية هي نتاج تلك الحقبة الاستعمارية ولعناتِـها..
 

من هنا، فان الحديث عن موقع النظام النيابي في تصميم السياسات الوطنية، لا يحتمل فصل المهمة التشريعية والرقابية عن السياسية.. ولا فصل نوعية النائب عن طبيعة المنجز النيابي.. ولا فصل المؤثراتِ السياسية والقانونية عن طبيعة ذلك النظام ودوره.

وبلغة أدق، فان القراءة والتقييم يجب أن تمزج بين البعدين النظري والواقعي.. وتأخذ بالحسبان أن الدول تكبر وتنضج  تطور أدواتها وتراكم خبراتها وتنوّع خياراتها ضمن الاستراتيجية الوطنية الكبرى التي تحدد على أساسها موقـعها ودورها ومكانتها ومحوريتها.

وثمة وضوح كاف في مكانة السلطة التشريعية بجناحيها (النواب والأعيان) ضمن المنظومة الوطنية المحكومة بالدستور..

 

وألفت هنا إلى أن الاشتباك السياسي والتشريعي والرقابي، يمكن أن يصل إلى حدّ زوال سلطة تحت ضغط سلطة أخرى، وهو أمر يكاد يكون حصراً بين السلطتين التشريعية، بوصفها سلطة منتخبة، والتنفيذية بوصفها سلطة معينة.. شرعية وجودها واستمرارها مرهونة بثقة مجلس النواب.

 

والدستور الأردني، الذي يعتبر من أقدم الدساتير، تحيطه حالة إجماع وطني، وأكثر ما يجعله راقيا ومهما واستثنائيا في شموليته وانحيازه للنظام النيابي أنه أكد في أول مواده أن نظام الحكم في الأردن "نيابي ملكي وراثي" وكذلك في موقع آخر من الدستور أكد أن "الأمة مصدر  السلطات".

 

ماذا يعني ذلك؟
يعني ذلك أن الحكم الهاشمي للأردن منذ تأسيس المملكة، وحتى منذ عهد الإمارة، آمن بأن الدولة الأردنية لا يستقيم وجودها واستقرارها من غير أن تكون دولة نيابية ديمقراطية مصدرها الشعب ويتطور مشروعها الشوري الديمقراطي مع تطور الزمن ومراكمةِ المنجز.

 

والدستور الذي رسخ قيمة النظام النيابي منحه صلاحيات واسعة، ويمكن أن تتوسع مستقبلا.. فمجلس النواب يراقب ويحاسب ويحاكم الوزراء ضمن آلية دستورية ويستجوب ويـقّـر الموازنات ويرفضها وله أن يعدلها، ويمنح الحكومات الثقة وله أن يسحبها ويسقط الحكومة.

 

ولنا منذ عودة الحياة النيابية في العام 1989تجارب مع حكومات منها من استقال ومنها من أقيل تحت ضغط البرلمان واستجابة لمذكرات سياسية وقـعت من أغلبية نيابية.

وببساطة شديدة، فقياس دور  النظام النيابي وموقعه في تصميم السياسات الوطنية تؤكده المعطيات التالية..

 
أولا: أن الموازنة العامة للدولة تمثل سياستها المالية وخطتها الاقتصادية في الإنفاق الجاري والرأسمالي. وأن هذه الموازنة لا سبيل لتنفيذها إلا بموافقة مجلس النواب، ما يعني أن المجلس شريك مفصلي في تصميم السياسة الوطنية في بعدها الاقتصادي والمالي..
ثانيا: الحكومة، أي حكومة، لن تستطيع أن تمارس ولايتها العامة من غير أن تحصل على ثقة مجلس النواب، والثقة تمنح أو تحجب وفقا لاعتبارين، الأول: شخوص الفريق الوزاري، وكلنا نتذكر حكومات كادت تسقط بسبب وزراء رفضهم النواب..
 

والاعتبار الآخر: البرنامج الحكومي، وانا صراحة ممن يرغبون في أن يكون الحكم على الحكومات بناء على برنامجها وليس أشخاصها رغم أهميتهم، لان البرنامج هو الأساس الذي يحدد السياسات العامة للدولة داخليا وخارجيا.

وأوضح أنه في نهاية مناقشات النواب حول الثقة أو الموازنة، عادة تردّ الحكومة على تلك المناقشات، ومن يفحص الردود بدقة يجد أنها تحمل تغييرا تعيد الحكومة فيها تصميم الكثير من تفاصيل البرنامج لتتواءم مع ملاحظات النواب وتوصياتِهم..
 

ثالثا: أن مجلس النواب الجهة الوحيدة المخولة بإقرار القوانين، ونعرف جميعا أن القوانين تمثل الأساس الذي يحدد العلاقة بين مكونات الدولة، وهي التي تنظم الشؤون العامة وتحدد قواعد الاشتباك بين الحكومات والشعب وبين المواطنين أنفسهم في كلِّ شؤونهم..
ويسمو الدستور الأردني إلى الحد الذي لم يعط صلاحية تعطيل القانون أيّ طرف لدرجة أن القانون الذي يقرّه النواب ولا يصادق عليه الملك يصبح نافذا بعد ستة أشهر..
 

رابعا: النظام النيابي هو الذي يدقق في تقارير ديوان المحاسبة بوصف الديوان ذراعا رقابية لمجلس النواب.. والمجلس هو الذي يحاسب الوزراء ويطلب محاكمتهم وهو الذي يطلب من النائبِ العام السير في محاكمة أيّ مؤسسة أو موظف تورط في قضية فساد ..

كما أن المجلس يلعب دورا في المحافل الدولية، خصوصا البرلمانية ويؤثر فيها ويسعى ليكون تأثيره أعمق وأوسع لتكريس مفهوم "دبلوماسية البرلمان".   
أليست هذه كلّها دلائل واقعية على أثر ودور النظام النيابي في تصميم السياسات الوطنية.. وأن الحكم مؤسس على أنه نظام نيابي بمنهجه وأدواته وأن هذا النظام بوابة إلزامية لكسب السياسات شرعيتها ..

 

الأخوة الضباط.. ان انتخاب أول مجلس نيابي في 20/10/1947 برئاسة هاشم خير رحمه الله وهو بالمناسبة رئيس حزب النهضة العربية آنذاك، كان ترسيخ لمنهجية التفكير الهاشمي في بناء الدولة الأردنية الديموقراطية..

 
وبرغم إنقطاعات  مؤقتة، استحقت بفعل عوامل خارجية، إلاّ أن المسار النيابي لم يلغ.. وكلنا نتذكر تعطل انتخاب نصف أعضاء مجلس النواب بعد نكسة 67..

وحتى لا يفهم أن سياق عهد الأمارة لم يكن متصلا بما بعده، أشير إلى أنه بعد تشكيل أول حكومة في عهد الإمارة قرر المغفور له بإذن الله الأمير عبد الله الأول، تأليف  ما أسماه مجلس الشورى.. ورغم أنه لم يعبِّر عن الحياة البرلمانية بمفهومها الكامل، إلا أنه أسّس لاحقا لإنشاء مجلس نيابي.

 

وأقول بلغة حاسمة أن الأردنّ اختار  المنهج الديمقراطي والنظام البرلماني من قناعة ذاتية لم تفرضْ من الخارج أو استحقاقا لضغوطات من أيّ جهة، بل نتاجا وطنيا في سياق تناغم فريد بين القيادة والشعب منذ التأسيس.

 

والذي ذكرت للتو، لم يستحضرْ من خيالات السياسيين أو أحلامهم، بل هي وقائع وحقائق التاريخ، فأنت تستطيع مثلا ان تتلاعب في الجغرافيا.. إلاّ أنك لن تستطيع التلاعب بحقائق التاريخ.

وحتى أكون موضوعيا وواقعيا ومفيدا لكم وللتاريخ لابد من الإشارة إلى جزء من الواقع لتكتمل الصورة التاريخية اكتمالا يحيط بالنظام النيابي ودوره في تصميم السياسات الوطنية إحاطة سليمة لنؤسس بذلك قواعد التقييم الموضوعي الذي يصحح الخطأ ويصوب الخلل لتحقيق الأفضل للوطن ومنهجه الديمقراطي المتدرج..

 

وأقول أننا في إطار ديمقراطيتنا ونظامنا النيابي لم نستقرّ بعد على شكل قانون الانتخاب ولا زلنا نتجادل حول طبيعته منذ سنوات، بهدف الوصول إلى الصورة الفضلى.. فالجدل مستمر حول موضوع القائمة النسبية والصوت الواحد.. وقضايا اخرى.

 

والأمر الآخر المهم والمؤثر هو أن هناك ضعف في نوعية العديد من أعضاء مجلس النواب مما يخلق أحيانا  إشكالات وتعقيدات في طبيعة الأداء النيابي..
ومردّ ذلك أن ثقافة  النائب  ووعيِه بالشؤون العامة ليست في كثير من الأحيان شرطا مركزيا عند انتخابِه..

عامل آخر  يزيد حالة الضعف وهو أن الأحزاب ليست صاحبة حضور كمي ونوعي في مجلس النواب..
واعتقد أن الأحزاب كي يكون لها دور في تصميم السياسات الوطنية لا بدّ لها من برامج واقعية وموضوعية وكذلك مرجعية تضبط سلوك النائب الحزبي أو الكتلة الحزبية.

وهنا أرجو التركيز على ما سأقوله تاليا: صحيح أن النظام النيابي الأردني يؤثر في السياسات الوطنية ويمارس فعلا سياسيا مهما في كثير من القضايا الوطنية وهو يأخذ مواقف تشريعية ورقابية قوية..
لكن مشكلة المجالس أنه نتيجة تفاوت مستواها فإن الأداء لا يكون دائما عميقا ولا جوهريا ولا يحدث فرقا في بعض تفاصيل المسار..
كل ذلك بتقديري ليس سببه النص الدستوري، وإنما أننا نختار كناخبين نوابا مستوى وعيهم السياسي أقل من اللازم، ونختارهم بلا امكانات ذاتية تثري العمل النيابي..
وسببه أيضا تراخي الأحزاب وضعفها وتقصيرها في تطوير نفسها وتفضيلها المستمر تحميل القوانين مسؤولية فشلها الدائم من غير أن تتحدث عن تقصيرها الذاتي..
وسببه أيضا أن النواب لم يراكموا أعرافا وتقاليد برلمانية.
مع ذلك، أيها الأخوة.. أظنُ أن مجلس النواب المقبل سيكون مختلفا وقويا وصعبا على الحكومات وسيحاول أن يفرض كامل إرادته في تصميم السياسات الوطنية انطلاقا من قراءة المستقبل وأخطاره.. وضروراته وموجباته..
واختصر القول أن النظام النيابي يؤثر فعلا في تصميم السياسات الوطنية تأثيرا حدّدته آليات دستورية.. وأن التأشير على جوانب الخلل هدفه التصحيح لإنضاج الأداء ومنجزه ليكون مثاليا قدر الإمكان..

ولتجاوز إشكالية نوعية النواب، لابدّ من إعادة بناء منظومة الوعي الفردي و الجمعي لتغيير الأسلوب النمطي والتقليدي في اختيار الناخب نائبه.. وإن حققنا ذلك أظن أن النظام النيابيّ سيكون أكثر نضجا وأعمق تأثيرا.
إخوتي، اعتقد أن تحاورنا وتبادلنا وجهات النظر  يعظم فائدة وقيمة هذا اللقاء..
ولا أنسى الترحيب بالضباط الضيوف من دول شقيقة وأخرى صديقة.. فأهلا وسهلا بكم أخوة أعزاء في بلدكم الثاني، في وطن القائد المحدث جلالة الملك عبد الله الثاني حفظهُ الله وسدد خطاه، وزاد الله سبحانه مؤسساتنا العسكرية منعة واحترافا لعزة الوطن.

 

أشكر كلية الدفاع الوطني على كريم الدعوة وأشكر لكم حسن استماعكم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد