صحيفة السوسنة الأردنية

أستغرب حتى هذه اللحظة لماذا لم يتم إلقاء القبض عليّ أو حتى استدعائي ..ليس من قبيل التحركش بي ؛ بل لأنني فاسد ..وفاسد كبير ..كنتُ أضع يدي على قلبي عندما تزداد نبضاته كلّما رنّ التلفون أو نظر إليّ أحدهم بكشرة صارمة وهو يسوق سيارته ..

واحتياطاً لأي محاسبة لي على فسادي ؛ فإنني سأعترف ببعض هذا الفساد و أخبّئ الفساد المتبقّي لأن الجن الأزرق لن يعرف به ..واعترافي لكم ليس من أجل أن أتطهر من هذا الفساد أو من أجل التوبة ؛ بل من أجل أن أستفيد من الحكم المخفف بعد محاكمتي إن حاكومني ذات يوم ..

نعم ..لديّ فساد ..وأمارسه كل يوم ..وأعرقل بهذا الفساد مسيرة الإصلاح ..فأنا ذات مرة كنتُ في إحدى الوزارات و نفسي شفّت على ورقة بيضاء ..و خليت خالي أتفرج على المكتب و سحبتُ ورقة من الطابعة ووضعتها سريعاً بين الأوراق التي معي ..والله وعدّت وما حدا شافني ..وذات مرّة نفسي شفّت على ساندويشة شاورما ..فكّرتُ و فكرتُ كيف أُطيع نفسي الأمّارة بالسوء ؛ فوجدتُ أن أفضل طريقة هي أن أستخدم مخزون الاحتياطي من الفساد الرابض داخلي ؛ فذهبتُ إلى أول محل شاورما و قلتُ للرجل الجالس على الكاش : ما معي إلا ثلاثين قرشاً وكان ثمن السندويشة أيامها خمسة وثلاثين قرشاً و نفسي شافّة ؛ فقال لي: مسامحك بالشلن ..وأكلتُ السندويشة و الحقيقة أنه كان بجيبتي ست ليرات أعطتني إياهن أمي عشان أجيبلها ( دوا للتنحيف ) من عند العطار ..

ومرة أقنعتُ مسؤولاً بمقابلة مواطن عادي ..ومرّة تدخلتُ في صندوق التنمية الاجتماعية و ادعيتُ إنني أعرف أحدهم لكي يصرفوا له معونة طارئة ..و مرّة طلبت خمس ليرات من واحد كدين لأن سيارتي ليس بها بنزين يوصلني البيت ..استحيت أحلف له أن البيت ليس به رغيف خبز بل خفتُ ألا يصدقني ..ومرّة حكيتُ تلفوناً خاصاً من تلفون أرضي تابع لمؤسسة عامة على تلفون خلوي لمدة دقيقتين إلا أربع ثواني ..

تعالوا و اقبضوا عليّ ..مشان الله ..أريد أن أريح ضميري من كل هذا الفساد ..وأريد أن أبدأ حياتي من جديد ؛ ولكن بعد أن تقتلوا بداخلي الفاسد الكبير ..

كامل النصيرات

الدستور