محام سوري يكتب عن مشاهداته للقضاء الاردني

mainThumb

27-07-2011 11:46 PM

مضى الدرب بي إلى عمان مطلع الأسبوع الساري والقصد بنية القاصد وعظم المقصود دخلت مدينة لا شجر فيها ولا وبر استحكم الاسمنت في نواحيها فغلب على لونها الظلام، واختفى الأخضر من جنباتها ندر الماء فيها، حتى اخترعوا حالات وترتيبات من التقنين، قد لا تخطر في بال الهانئين بماء الفيجة وبقين، تلك التي تتفجر من ينابيعها على مدار الساعة، ليملأ بعض السيارة دلالهم قصدت محكمة شمال عمان، فوجئت ابتداءاً بقلة المتواجدين لدى الباب، إذ ظننت أني سأقف بدوري –خلف الجهاز- كما أقف على باب قصر العدل، أو ربما أطاحش –كما العادة- على باب الزبلطاني!

 ظننت أن المحكمة مغلقة، خاصة وقد كان ذلك أول أيام الأسبوع، إلا أني كنت مخطئاً دخلت دائرة الكاتب بالعدل، وثلاثة موظفين خلف نوافذ زجاجية وشاشات رقمية، من ورائهم طاولة كبيرة لرئيس الدائرة، الكاتب بالعدل بدأت بالسلام على رئيس الدائرة، وأتبعتها باستفسار عن صور الوكالات وهيئتها والمسموح منها والممنوع وما يجوز وما لا يجوز، وكم عدد الصور وعدد الطوابع وأنواعها ومكان تواجدها وكم للأصل وكم للصورة وقد ملأت يدي بمجموعة من الدنانير!!!

نظر الي الكاتب فاغراً فاه يا سيدي: الموكل موجود قلت نعم، قال هاته!! أتى الموكل، وقع الوكالة، تناولها الموظف الأول، أدخلها على الحاسب، ناولها لرفيقه، طلب منا رسمها –ستة دنانير- أخذها الأخير، ختمها وأعطاني إياها تفضل صعقت بالسرعة والتسهيلات والتبسيطات قلت: إن أردت استخدامها في الخارج، قال: عليك بخاتم رئيس المحكمة! رئيس المحكمة هو رأس المحكمة، ولا أدري ما قد يشبه عندنا، فهو كبير القضاة، الذي يُرجع إليه في كل هامة ولامة في المحكمة المحاكم تتجمع في طابق، ثم القضاة في طابق آخر، مكاتب متجانبة، بشكل طولي، المكتب الواحد كأكبر ما قد يتمتع به قاض، قبع القاضي في صدره خلف طاولة تليق بهيبته، وعن يمينه الكاتب أو الكاتبة وأمام كل منهما حاسب وشاشة أرق من سماكة جوالك!

دخلت غرفة رئيس المحكمة مسلّماً ومعرفاً بنفسي بأني المحامي فلان، وقد كنت معتاداً ألا أسمع إجابة على سلامي فضلاً عن تعريفي، إلأ أني حين قلت: قاضينا الموقر خالد بيك –وقد علمت أن القضاة لديهم يحملون لقب بيك، كما كان المحامون من قبل لدينا وقد تبقى منهم بقية- المحامي عصام من دمشق أجاب حي الله! مر ما تشاء فقدمت الورقة وقعها وأتبعها بالخاتم قائلاً: ديرتك وبلدك!!

انقلبت مسرعاً لأحصل على خاتم الوزارة والخارجية، وهما في مكانين مختلفين وبعيدين عن المحكمة إلا أن أحدهم قال لي: لكل من الوزارات المعنية مندوبين مجتمعين في عدة مناطق، فعليك بهم انطلقت إلى أحدهم مسابقاً الساعة وصلت في الثانية وعشر دقائق، الباب مغلق، مجموعة من المراجعين في الخارج، وعليه ورقة مكتوب عليها: ينتهي الدوام الساعة الثانية ولكني معتاد أن أحاول جهدي مهما كلف الأمر، بالحسنى أو بغيرها فتح الباب آخر الموظفين يحاول الخروج، أقبلت إليه قائلا: أنا محامي سوري رفع يده مقاطعاً: لا تكمل ساورني أن أقترح بعض الحلول عليه، وقد دخل الشيطان في بعضها حيث أمسك بيدي وأدخلها في جيبي وقال: يا عصام (بدك ترجع ع الشام اليوم، وأنت تعلم أن الدراهم مراهم)، رفعت نظري إلى الموظف وإذ به يقول تفضلوا جميعاً حاولت تأخير نفسي، وأبقيتني على جُنبٍ أرى ما يقصد هذا الموظف من إدخال هؤلاء جميعاً لم يتركني أفكر فقد نادى أين المحامي السوري أتيت قال يا أخوان: أنتم تعلمون أن الدوام منتهٍ، ولكني أستحي أن أعيدكم خائبين، وقد تأخرت وتأخرت، فهاتو جميعكم أوراقكم واسمحوا لي أن أبدأ بالمحامي السوري فهو ضيفنا!! حياكم الله فقالوا جميعهم: حيّ النشامى! أنهى كلامه وأوراقي وهو يحسب أني صدقته، تواريت لأحسب بكم خرج من تأخيره؟ صدقوا أو لا تصدقوا خرج ب حي النشامى!!

من جهتي أظن أن عمان قد حرمت من الماء والخضرة، وهي بيقين لن تتسم بما تتسم به دمشق جنة الدنيا إلا أنهم أثروا فيّ باحترامهم ومحبتهم ونشامتهم حي النشامى من إخواننا في الأردن وحيّ النشامى ممن يسير على درب الحق العدل أساس الملك .


المحامي محمد عصام زغلول" سوري" **


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد