آرمات عمان .. خطّاب هواية قادت إلى متحف
السوسنة - فريال الشحام - "خطاب" الاسم الذي لطالما تكرر على مسامعنا، واعتادت عيوننا على رؤيته في الجانب السفلي من يسار أغلب آرمات المحلات واللوحات الإعلانية، هو غازي محمود خطاب، مواليد الأول من نيسان لعام 1962، في الأردن - مخيم الوحدات، والذي يعد إحدى أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في العاصمة عمان، هوايته الخط العربي، ونشأ في أسرة تتكون من 10 إخوة، ودرس في مدارس وكالة الغوث، وانهى تعليمه الثانوي في مدرسة حسن البرقاوي والتي كانت مقامة تحت مسجد أبو درويش في منطقة الأشرفية، وسافر بعد ذلك إلى ألمانيا حيث أخيه يدرس، ودرس فيها تخصص فن تصنيع اللوحات الإعلانية.
شغفه في الخط العربي
يروي غازي تفاصيل شغفه بالآرمات واللوحات الإعلانية حيث يقول "هوايتي في الخط العربي جعلتني شغوفاً في الآرمات، حيث كنت ارتاد حافلة نقل من مخيم الوحدات إلى وسط البلد ذهاباً وإياباً، حمن مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع؛ وذلك فقط بغرض التأمل والنظر في الآرمات التي تعلو المحلات والدكاكين". ويقول "خلال مرحلة دراستي الثانوية كنت اعمل في دكان والدي حيث يبيع بعض الحاجيات، ما وفر لي إمكانية التجول في عمان، والتمعن في الآرمات يومياً وأنا عائد من عملي، وأن أحظى بنظرةٍ كبيرة عن اللوحات وأشكالها وألوانها".
ويضيف "عملت في محل تخطيط بيومية مقدارها نصف دينار أردني، حيث أقوم بالتنظيف والترتيب وتجهيز فُرَش التخطيط فقط، إلى أن بدأ يستعير فرشاة التخطيط في يوم عطلة المحل من كل أسبوع، دافعاً له حبه للخط العربي بأن يجول بها في يوم عطلته في شوارع عمان، يخطط لوحات المحلات الصغيرة التي لم تكن قادرة على شراء لوحات إعلانية كبيرة أو على أبواب المحلات، تاركاً له أثراً في المحلات والدكاكين الصغيرة.
يروي غازي واصفاً ما كان يجول في عقله قائلاً " كنت أبلغ من العمر 17 عاماً تقريباً، كنت أجلس بجانب شباك إحدى الحافلات العائدة من شارع سليمان النابلسي في وسط البلد إلى مخيم الوحدات، أتأمل الآرمات على اختلاف أشكالها وأرى ضوء القمر في سماء عمان، كنت أشعر أن القمر هوايته الخط العربي أيضاً، فيسير معي ليتمعن في جمال آرمات عمان، وفي مراتٍ أخرى كنتُ أعتقد أن القمر يسير معي ليضيء لي الآرمات كي أراها بشكلٍ جيد وسط ليل عمان الداكن"، ذاكراً أنه كان يرفض الركوب في الحافلة إن لم يكن هناك مقعد فارغ بجانب إحدى الشبابيك.
أول صورة (20. حزيران. 1980، الخميس)
يذكر غازي "أخبرني أحد أصدقائي بأن آرمة جديدة تم تعليقها في وسط البلد للخطاط تيسير السادات، ما لبثت حتى انتهيت من تقديم آخر امتحان في الثانوية العامة، حتى ذهبت إلى وسط البلد لرؤية تلك الآرمة، ويقول أنها كانت أرمة جميلة وعظيمة وتحمل فكرة جديدة، استخدم في كتابتها الخط الكوفي الحديث مرسوما بأبعاده الثلاثة، ولم يُكتب على تلك الآرمة إلا كلمة واحدة وهي "صرصور"، اكتفى بها صاحب المحل فربما كانت توحي عن الثقة التي كان يتمتع بها. ويضيف " في ذلك الوقت كان يتواجد المصورون الذين يحملون كاميرات "البولارويد" أي كاميرات التصوير الفوري، في شارع الملك فيصل حيث يأتي الناس لالتقاط صور مع نجوم السينما في ذاك الوقت أمثال عمر الشريف وناديه لطفي، فذهبت مسرعاً لإحدى المصورين؛ طالباً منه أن يأتي معي إلى شارع بسمان لأخذ صورة لي عند تلك الآرمة، وبينما كانت تكلفة الصورة الواحدة عند المصور هي نصف دينار، إلا أن صورتي مع لوحة محل "صرصور" كانت بتكلفة دينار واحد وهذا ما جعلها أكثر تميزاً".
ويقول "بعد إنهائي مرحلة الثانوية من المحاولة الثانية - فقد فشلت في المرة الأولى حيث لم اجتز متطلبات النجاح في ست مواد - سافرت إلى ألمانيا لاستكمال دراستي، حيث كان أخي يدرس أيضاً، حينها قررت أن يصبح شغفي واقعاً، فاخترت دراسة تخصص فن تصنيع اللوحات الإعلانية، بينما كانت صورتي مع آرمة "صرصور" رفيقة لي طيلة سنوات دراستي الست".
ويكمل "عدتُ إلى عمان بعد إنهاء دراستي عام 1986، وكانت المفاجئة أنني حصلت على آرمة محل "صرصور" بذاتها، وذلك بعدما تمت توسعة المحل فأصبحت الآرمة غير مناسبة له، ما دفع أحد أصدقائي إلى أخذ اللوحة حتى يعطيني إياها فور عودتي من ألمانيا، لعلمه بحبي الشديد للآرمات، فمن كان يدري أنني ساحصل على آرمة محل "صرصور" بعد ست سنوات من صورتي بجانبها".
أول قلم تخطيط، وأول فرشاة..
يروي غازي "لا أنسى صوت شقيقتي وهي تقول لي: "لو اشتريت قصة بدل القلم أحسن لك"، حين جئت عائداً من المدرسة وأنا سعيد بشرائي لأول قلم تخطيط في حياتي والذي كلفني 6 قروش، كنت قد ادخرتها من مصروفي".
أما عن أول فرشاة تخطيط اشتراها غازي بعد أن قام بتجميع ثمنها من يوميته أثناء عمله عند إحدى الخطاطين، فيقول "بكت أمي حين علمت أنني اشتريت فرشاة التخطيط بـ 6 دنانير، في وقتٍ كانت فيه الستة دنانير تكفي لسد تكاليف أجرة شهرية لبيت من بيوت مخيم الوحدات، ذاكراً أنه لا زال يحتفظ بتلك الفرشاة إلى هذا اليوم".
دخوله إلى عالم صناعة الإعلانات
عام 1988 أنشأ غازي وأخيه محمد مشروعهما الخاص باسم "مؤسسة خطاب إخوان لصناعة اللوحات الإعلانية"، ويقول أدخلتُ إلى السوق تقنية الأحرف الطباعية الجاهزة، ولكن بشكل يدوي، حيث كنت أقوم بتكبير الحرف ليتناسب مع حجم اللوحة، وما كان من باقي الخطاطين إلا أن يقابلوا الفكرة بالرفض فقد كانت سابقة لأوانها، حيث أنه بعد خمس سنوات انتشرت الأحرف الطباعية في الأسواق وبشكلٍ أكثر تطور.
ومع مرور الوقت أصبح ذاك الفتى الشغوف في الخط العربي خطاطاً، ومع وجود الخبرة والجودة وسرعة الإنتاج، وتطور الآلات والأدوات أصبح ذلك الخطاط مالكاً وأخيه لـ " الشركة الهندسية لصناعة الإعلان"، حاملين رسالة عنوانها تعزيز سوق صناعة الإعلان المحلي بالخبرة ومواكبة التكنولوجيا.
ورغم عمله في مجال اللوحات الإعلانية إلا أن غازي لا زال شغوفاً في الخط العربي الكلاسيكي، وفي آرمات عمان تحديداً، طالما اعتبرها إرث فني وتاريخي، فقام بجمع أي لوحة كان سيكون مصيرها مكب النفايات، حتى أنه في بعض الأحيان كان يشتري الآرمة من أصحابها، وهناك من غيّر مهنته، أو توسع في محله، أو من قام بتبديل لوحته القديمة بأخرى حديثة، وهكذا جمع غازي عشرات الآرمات واللوحات الإعلانية محتفظاً بهم في مكان عمله، حتى بات المكان لا يسعهم، ليس هذا فقط إنما أصبح الكثير من الخطاطين يزورون المؤسسة بغرض التمعن في اللوحات.
متحف ألف آرمة وآرمة
انطلاقاً من إيمان غازي بأن "ما تريد الحفاظ عليه لا تخبئه، بل اسمح للآخرين أن يشاركونك به" جاءت فكرة إنشاء أول متحف في العالم يضم الآرمات واللوحات الاعلانية القديمة، ليوثق تاريخ عمان وإرثها الذي لا يُنسى، فضم فيه أسماء محلات تجارية، ونوفوتيهات، وفنادق، ومكتبات، ومقاهٍ، وأطباء، وخياطين، ومؤسسات حكومية، جمعيها خُطت باليد،تحت ما يسمى بـ "متحف آرمات عمان"، فتم افتتاح المتحف في شهر كانون الثاني لعام 2020، في وسط البلد فوق مقهى "السنترال"، أحد أقدم المقاهي وسط العاصمة عمان، في شارع الملك حسين. وعلى مساحة تبلغ 160متراً حمل غازي في قلبه ما يزيد عن 70 عام من الذكريات والتاريخ والمهن والأشخاص والحنين والشوق.
" عمان المملكة، والمملكة عمان" هكذا وصف غازي عمان، قائلاً أن عمان كانت تعتبر السوق المركزي لكل المحافظات والمناطق في المملكة لذا فهي تزخر بمختلف المحلات والمهن، والآن يعتبر متحف آرمات عمان بمثابة حاضنة لكل المحلات والمكتبات والمقاهي التي كانت موجودة قبل 40 عاماً وأكثر، فيأتي الزوار إلى المتحف ليستذكروا عبق الماضي، ذاكراً أن المتحف يستقبل 200-300 شخص يوميا، أما في المناسبات الوطنية والأعياد فيصل عدد الزوار إلى 400-500 شخص، مؤكداً غازي أن تذكرة الدخول إلى المتحف مجانية، فما يعطيه الزوار من حب وتقدير للمكان هو أفضل ثمن.
يتحدث غازي عن أبرز الآرمات في المتحف قائلاً أن اقدم آرمة في المتحف تعود إلى عام 1949، وذلك إلى زمن حكم الملك عبد الله الاول، وتحمل اسم "المخزن الملكي الهاشمي بإرادة صاحب الجلالة الملك المعظم"، وتعود الآرمة إلى التاجر الشهير الآرمني روبين كتشجيان، الذي كان يعتبر من أهم التجار المستوردين في الأردن حيث كان وكيلاً لشركة كوداك العالمية، ووكيلاً لساعات دوكسا السويسرية؛ ونظراً لعلاقته الجيدة مع الملك عبد الله الأول فقد سمح له باستخدام هذا الاسم على آرمة محله. كما ويشير غازي إلى أن المتحف يحتوي أيضاً على آرمات من أماكن أخرى فهناك لوحات من سوريا، ولبنان، والعراق، ونابلس.
وبين غازي أن متحف آرمات عمان بات متحفٌ تفاعلياً؛ خاصةً بعد استحداث "ركن الضاد" كجزء من المتحف، وهو عبارة عن زاوية بها طاولة وعدد من الدفاتر والأقلام، التي يستطيع أي زائر أن يدون فيها ما دار في باله بعد أخذ جولته في المتحف وما انتابه من مشاعر وحنين إلى الماضي التي تحمله كل لوحة من لوحات المتحف.
ويشير غازي أنه يستضيف في المتحف أندية صيفية من خلال التنسيق مع أمانة عمان الكبرى، كما تتم استضافة طلاب أتراك يدرسون اللغة العربية بالتنسيق مع مدارسهم خلال إجازتهم العلمية، طالما تعبّر آرمات عمان القديمة عن أصالة اللغة العربية، عدا عن دورات الخط العربي التي يقيمها بعض الخطاطين في ركن الضاد.
رحلة عبر الزمن
لا تدري حين تزور المتحف أهو مكاناً أم أرضاً أم بناءً، ليس متحفاً في وسط عمان، بل أن ذكريات عمان تتوسطه، سوف تستقبلك شخصيات لم تقابلها في حياتك، ستشعر بهمسهم وقصصهم، ستخال للحظة أن المكان ينطق بكل قصة وذكرى تحملها كل آرمة وضِعت في هذا المتحف، فكلما يضيق بك المكان أو كنت تائهاً في مرةٍ من المرات فإن متحف آرمات عمان سيكون وجهتك الدافئة.
نتنياهو يبحث مفاوضات الدوحة وسط اتهامات من حماس
أنشيلوتي: فوز مستحق لريال مدريد أمام مايوركا
رفع العقوبات عن سوريا يعيد تنشيط التجارة مع الأردن
وزير الشباب يرعى تكريم الفائزين بـ اقرأ وارتقِ
الذكاء الاصطناعي .. وفرص وتحديات في الأردن
حماس تتهم نتنياهو بإفشال مفاوضات وقف إطلاق النار
تقارير: تعقيدات تهدد تجديد عقد رونالدو مع النصر
ارتفاع الدخل السياحي وحوالات المغتربين في الأردن
الأردن يوقف رحلاته إلى مطار معيتيقة في طرابلس
منصة تعليمية دامجة لذوي الإعاقة في الأردن برؤية شاملة
بمشاركة 53 سائقا .. انطلاق سباق السرعة الأول غدا
أمجد الشطرات رئيساً لجامعة العقبة للعلوم الطبية
الدخل والمبيعات تحصل على الآيزو بإدارة أمن المعلومات
الصفدي يشارك في اجتماع وزراء الخارجية التحضيري للقمة العربية
إنجاز كبير .. بلدية أردنية بلا مديونية
هام بخصوص تأجيل السلف والقروض لمنتسبي الجيش
متى تنتهي الموجة الحارة وتبدأ الأجواء اللطيفة
تحذيرات من موجة حر غير معتادة .. آخر مستجدات الطقس
تراجع كبير بمبيعات السيارات الكهربائية محلياً .. لماذا
الأردنيون على موعد مع انخفاض ملموس في درجات الحرارة
اعتماد رخص القيادة الأردنية والإماراتية قيد البحث
بعد الأردنية .. الهاشمية تتقدم محلياً وعربياً .. تفاصيل
مهم للأردنيين بشأن أسعار الأضاحي هذا العام
الهيئة الخيرية الهاشمية ترفض أكاذيب موقع إلكتروني بلندن .. تفاصيل
حب ميرا وأحمد يُشعل سوريا .. خطف أم هروب
مطلب نيابي بتأجيل أقساط القروض لشهر أيار 2025 .. وثيقة
خبر سار لمتقاعدي الضمان الاجتماعي