هوامش حول الحراك الأردني (1) - ناهض حتر

mainThumb

14-11-2011 07:50 AM

في الحراك الشعبي في المحافظات, تعالت صرخات وتكررت شعارات وظهرت مواقف.

صرخات الغضب,على حدّتها, هي نداءات عتب حارّ وتذكير يستعجل الانتباه, وتوضيح إلى ما وصلت إليه خلجات الوجدان. ولكنها ليست شعارات ولا مواقف.

بالمقابل, فالشعارات مسؤولة وواقعية ومحددة تدور حول نقاط عيانية: استئصال الفساد الكبير, والتراجع عن نهج الخصخصة ¯ بوصفه ماكنة الفساد وبوصفه مضادا للروح الأردنية ¯, وعودة الدور القيادي للقطاع العام في المجال الاقتصادي والاجتماعي, وتنمية المحافظات, وضمانات الهوية الأردنية العربية.

أما المواقف, فهي تدلّ ¯ ولا فخر ¯ على ترسّخ القيم الوطنية والقومية لدى نشطاء الحراك الأردني, وذلك على خلاف ما رأيناه, للأسف, في حركات شعبية عربية أخرى. لقد رفض نشطاؤنا تدخّل السفارات, ولم يفكروا ¯ ولن يفكروا ¯ لحظة بالاستقواء بالعم سام او غيره, أحرقوا, مرارا, أعلام الولايات المتحدة وحلف الناتو وإسرائيل, واعتصموا أمام السفارتين, غاضبين, ووصموا بالعار أولئك الذين فضحتهم وثائق ويكليكس من المتعاملين مع دبلوماسية التدخل الأميركي في شؤون البلاد.

لم يبدأ الحراك الأردني من مطلع 2011 بل من ربيع 2010 مع المعلمين والمتقاعدين العسكريين والعمال. وخلال عام ونصف العام من الحراك المستمر والغاضب, لم يكسر متظاهرو الحراك الأردني, لوحا من الزجاج, ولم يؤذوا شجرة ولا مبنى, وتجنّبوا الصدام مع قوى الأمن حتى حينما كانت تستفزّهم, بل واستوعبوا البلطجية وتسامحوا معهم, مصممين على ألا تكون هنالك قطرة دم واحدة في الحراك الأردني.

ووراء كل ذلك, فرسان شجعان من أبناء البلد, نذروا أنفسهم لتنظيم الهبة الجماهيرية, وتأطيرها في السياق الوطني الأردني, وتصويب نهجها, وتركيز مطالبها. ولهؤلاء, يعود الفضل ¯ أولا وأخيرا¯ في الانضباط الأمني للاعتصامات والمظاهرات, ولهم ¯ وليس للجهات الحكومية والأمنية ¯ ترجع القدرة على عزل الأجندات غير الوطنية المتطرفة التي أطلت برأسها هنا وهناك, بحثا عن مغامرات كان لها حماة الوطن الشعبيون من العقبة إلى عقربة, بالمرصاد.

كلّفت اعتصامات ومسيرات ولقاءات الحراك الأردني على مدار شهور وشهور, عدا عن التطوّع بالوقت والجهد, آلاف الدنانير, لم يأت منها فلس واحد من مصدر أجنبي أو حزبي دولي أو سوى ذلك من مصادر التمويل, بل جمعها النشطاء من عرق الجبين, مسددين نحو الوطن كل الواجبات في نزاهة كاملة وإخلاص متين.

لا أجندات, ولا مطالب فئوية أو حزبية, ولا سفارات, ولا استنصار إلا برابطة الدم والأرض,ولا تمويل,ولا متفرغين, ولا تغطية إعلامية إلا تغطية المواقع الالكترونية المحلية, ولا صدام ولا سعي نحو الصدام, ولا انحراف عن الخط الوطني والقومي. ولا يأس ولا حقد ... بل إصرار على إعادة بناء الوطن والدولة, ذلك الإصرار غير القابل للإحتواء أو القمع...

هكذا, نضع اليد على أفضل نتائج الحراك الأردني. وهو ولادة نخبة شعبية من النشطاء السياسيين والقادة الميدانيين من طراز جديد, لم تنتجهم المواقع القيادية في الدولة بامتيازاتها وما تتركه من حس سلطوي, ولا الأحزاب التقليدية وارتباطاتها وأمراضها, ولا مراكز التمويل الأجنبي ولا السفارات, ولا رشى "برنامج التحوّل" سيىء الصيت, ولا الزعامات الفردية, ولا الأجهزة, بل أنتجتهم حركة المجتمع الأردني في أصفى تجلياتها الوطنية والشعبية.

هؤلاء, معقد الأمل لتجديد النخبة السياسية الأردنية, البريئة من الشللية والفساد والأجندات والصلات الخارجية, والقادرة, بالتالي, على بناء الأردن الجديد. وتجديد النخبة السياسية الأردنية, لا يعني شطب كل أعضائها السابقين, بل تجديد معمارها وقيمها والحفاظ على أفضل عناصر التكنوقراط المستقلة والقيادات المخلصة فيها , وإحداث التدامج في نخبة وطنية تكتنز البعد النضالي والحسّ الشعبي والخبرات, معا.

حول فرسان الحراك, نشأت دوائر من الفتية والفتيان, اللواتي و الذين تمت إعادة تربيتهم في الحراك على قيم الوطنية والنزاهة والتضحية والهمّ العام, بل وانتشلهم الحراك من المناهج الدراسية التي تفصل بينهم وبين قضايا وطنهم وشعبهم وأردنّهم, إلى أفق الالتحام بالفضاء الوطني وقدح العقول وإشعال القلوب. وينبغي أن تنفتح الدروب لهؤلاء في فرص التعليم الجيد والتأهيل التنموي والثقافة الوطنية والحرية... والأمل.

ynoon1@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد