لغة اللافـــا .. هذيان بلون الوحدة

mainThumb

01-12-2023 03:20 PM

سارة فجر

قد تظن في البداية أنك تقرأ رواية عادية، لكنك سرعان ما ستكتشف أنّك تقرأ أصنافاً أدبيةً متنوعة في كتاب واحد، وقد تتنقّل من قصيدة إلى رسالة، إلى قصة قصيرة! لكن السؤال الأهم ما المقصود باللافا؟
رواية "لغة اللافا" هي الإصدار الجديد للكاتبة الأردنية لميس نبيل أبو تمام، والتي تقوم على المشاعر العميقة للشاعرة، وصراعها مع ذاتها ومجتمعها في رحلة التعافي من الوحدة والهلوسات، والتخبط في مرحلة البحث عن عائلة تلغي الماضي المليء بالأسرار.
رحلة أنثى خلال عام من الوحدة بعد رحيل والدتها، تقرر في عزلتها بناء حياة افتراضية موازية لعالمها الواقعي، باسم والدتها، حتى تصل إلى أخيها الذي افترق عنها قبل 20 سنة بسبب الأب الظالم.
تتركنا الكاتبة بأسلوبها المميز في روايتها التي تنتمي لمدرسة الحداثة بصحبة ومضات أمل وهمية في أجزاء من القطع المتوسطة تحمل كل منها عنوان أقصوصة، تثريها بالأشعار والموسيقى، ورسائل واضحة حول مفاهيم العزلة وما قد توصل صاحبها له.
"كم تشبهني صناديقي المزدحمة بالكراكيب العثَّة، مُمتلئةً فارغة. تُقهْقهُ الجُدران الرمادية في أذني وهمًا كالأزل. لو اجتمعوا في أروقتي قبل أعوامٍ ما وجدوا مساحةً يَستظلُّون بها من ازدحام التفاصيل وغلبة الأحبَّة، لكنِّي أستلقي اليومَ على بلاطي المُغبَّر معتقدةً أن أحدًا لا يراني". هكذا تبدأ الكاتبة روايتها؛ وصف عميق لحالة الوحدة والاغتراب التي تمر بها شخصيتها المحورية بعد وفاة والدتها، لتؤكد لنا بأن الحياة بعد الأم، لا تُحتمل..
ولا تنتهي الوحدة أبداً طيلة فصول الرواية، وإنما تستمر كأنها وحدة متجددة، في كل خريف لها طقوسها. حتى المارين فوق كلماتها العابرة، ليسوا إلا دروساً في الحياة، يجلدون وحدتها دون شفقة، فما كان منها إلا أن بدأت تتعلق بكل قشة أمامها تظن أنها ستنقذها، فهل تفعل حقاً؟
منحت الكاتبة للشخصيات هويتها الثقافية المعاصرة، وسردت تفاصيل المكان وكأنه مجهول، مثلها تماما، واكتفت بالتوصيف الجغرافي البسيط لتكشف بعد ذلك محاولاتها في الانتماء معتمدة على التسلسل المنطقي للأحداث، ثم تطرح التساؤلات لتحاكي الوعي لدى المتلقي وتترك له الإجابات، وتعود لتحيل الأحداث خلال السرد شيئا فشيئا إلى الزمان والمكان والأسماء المقصودة.
وبعيداً عن سمة التقليدية في الروايات، تتركنا الكاتبة لنتعرف على شخصيتها المحورية (الشاعرة) في أجزاء متقدمة من الرواية وتترك لنا الخيال في استكشاف المعالم الجغرافية والملامح الشخصية للأبطال شيئاً فشيئاً خلال السرد، معتمدة على لغة الراوية ذاتها في الكشف عن مكنوناتها.
فحين تخبرنا عن نفسها تقول “طفلة تقرأ قصتها للمرة الأولى دون صوت حنون يملس شعرها قبل النوم، وتتساءل.. كيف لاسمها - بصحبة ذئب - نصيب بأن يمرّ على كل بيت عربي يغفو به طفل حالمٌ بغد جميل لا ذئاب فيه". وحين تصف المكان تقول "من مدينة في قارة على سطح كوكب، أجلس هنا في البقعة الأشهر في محيطها، أتذكر السنوات الماضية ‏وأفكر في القادمة. ثلاثون عاما على شاطئ البحر الأحمر، مرّ آخر عقد فيها كقيلولة".
كما اعتمدت الكاتبة في روايتها التي وقعتها خلال معرض الشارقة الدولي للكتاب 2023 على أسلوب الراوي والمونولوج المُحكم، واستخدمت لغة شاعرية جذابة مُعتمدة على وصف المشاهد بالصورة البلاغية التي تجعل القارئ يتخيل الحدث دون عناء، واستخدمت الحوار الراقي بين شخصيات روايتها لتضفي روح الإبداع على أسلوبها المتميز.
وتختتم صفحات الرواية في مكتسب ينتظره القارئ بلهفة لكنه يتركه في حيرة من أمره في نفس الوقت، فتعود التساؤلات من جديد، ما هي حقيقة اللّافا ورمزيتها الشفافة في الرواية.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد