القَدس .. تاريخ يرفض التهويد

mainThumb

11-12-2023 02:03 AM

عمّان- السّوسنة- زياد الرباعي


تَمادى العدوُّ الصهيونيُّ في غَيِّه، وأبى إلّا أنْ يَنال ومتطرفوه من المستوطنين من حرمة الأقصى، فاستباحوا ساحة الحرم القدسيّ تحت حمايةِ شرطة الاحتلال، لتشرَعَ إسرائيل بتهويدِ القدس ضمن سلسلة إجراءاتٍ صادَقَ عليها الكنيست، منها عَقْدُ جلسةٍ لحكومةِ الليكوديِّ المتشدّد بنيامين نتنياهو تحتَ سراديب الأقصى، والسماح لليهود بإقامة مسيراتِهم واحتفالتهم في ساحاته، لتمضي في اعتبار أنّ القدس عاصمةٌ أبديةٌ لاسرائيل، وأنّها صاحبةُ السيادة في القدس الشّرقية.

حقائق تاريخيّة 
القدسُ عنوانُ العروبةِ الأبديّ، خانَتْها الجغرافيا السياسية منذُ وعدِ بلفور عامَ 1917، ومهَّد الاستعمارُ البريطانيُّ والضعفُ العربيُّ لاحتلالِ جزءها الغربيّ عامَ 1948 والشرقيّ عام 1967.
يتوجب على العالم العربي والإسلاميّ، معرفة الحقائق التاريخيّةِ حول القدس والمسجد الأقصى، ودحضِ الروايات الإسرائيلية حولهما بالتحديد؛ لأنّ أخطر ما يواجه القدس التهويد والتهجير، وتهديد الهوية العربية فيها، والحفريات أسفل المسجد الأقصى، ولأنّ كانت أطماع المحتلين فيها منذ بدء التاريخ، لقدسيتها لدى جميع الأديان، فإنّ تحريرها من نير الاحتلال مجرَّدُ وقت، وإنْ طالَ البَغيِ والظلم، فقد فتحها عمر بن الخطاب من المحتلّ البيزنطي، ووقع فيها العهدة العمرية لضمان حرية المعتقد والعبادة للمسيحيين، وحرّرها صلاح الدين من الصليبيين الذين جعلوا من الأقصى اسطَبلًا لخيولهم، وبقية تحت ولاية العثمانيين حتّى احتلها الإنجليز، وتبحثُ الآنَ عن مخلِّصٍ في ساعات الحسم، بعد أن بدأت خطوات التحرير بانتفاضات متتالية، ومنها انتقاضة أطفال الحجارة والأقصى وأخيرًا "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين أول 2023، ونحن على أعتاب العقد الثامن من حقبة تاريخية تؤشِّر لزوال إسرائيل.
التاريخُ يقول: إنَّ الكنعانينَ العرب هم أصحاب القدس وفلسطين، وحجارة القدس تشهد لعروبتها منذ بدء توارث الأجيال العربية لها، وما وجود اليهود سواءً في فلسطين أو الدول العربية إلا مجرد قبائل عاشت بين العرب بديانتهم اليهوديّة، ولم يكن لهم مملكة، ولا هيكل مزعوم تحت بنيان الأقصى، وعلماء التاريخ والأثار سواءً كانوا يهودا أم أجانب أثبتوا ذلك، فلم يجِدوا حجرًا ولا أثرًا يدلُّ على وجود الهيكل أو مملكة يهودية في القدس. حتى أنّ إسرائيل كانت تحاول الحصول على الردم والحجارة التي أخرجت خلال عملية تأهيل المسجد المرواني لأغراض خبيثة.
ذهبتْ بعض الأسرائيليات التي تحاول الصهيونية غرسها في الكتب والأذهان، بأنّ المسجد الاقصى في فلسطين غير الأقصى الذي عرج منه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء، واستندوا في ذلك إلى تفسير لكلمة الأقصى بمعنى الأبعد عن المسجد الحرام مُغفلة عدم وجود مساجد في محيط الحرم المكي في تلك الحقبة الزمنية.
وتعمل إسرائيل على تعزيز المقاهيم الخاطئة التي تنتشر في الأذهان والإعلام، بأنَّ قبة الصخرة هي المسجد الأقصى، وهذا إسقاط متكرر يساهم في إبعاد الأنظار عن المسجد الأقصى، كما تحاول دحض ما يذكره المؤرخون أنه أينما ذكر لفظ الأقصى فإنَّ ذلك يعني المسجد الاقصى وكل الحرم القدسي بمساحته البالغة 144 دونمًا بكل المصليات والمصاطب الـ 36، والساحات والأبواب الـ 16، والجدران، وليس 7 دونمات كما تريد إسرائيل، وتحصرها بالمسجد الاقصى كبناء ومحيطه فقط.

التقسيم الزمانيّ والمكانيّ
وتسعى إسرائيل إلى تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا (ثماني ساعات للمسليمن ومثلها لليهود في اليوم)، ومكانيًا كما هو الحال بالحرم الابراهيمي في الخليل، (يكون ذلك من خلال إقامة كنيس يهودي في جزء ملاصق للمسجد الاقصى، أو على أحد أبوابه لتثبيت حقهم المكاني في الحرم القدسي).
وتسمح إسرائيلُ بتأدية طقوس دينية تسمى الصعودَ إلى الهيكل، كما تقوم جماعات الهيكل من خلال مدخل حقوق الإنسان باقتحام الإقصى، خاصةً في الأعياد اليهوديّة وأيام السبت لإقامة طقوسهم الخاصة، كما تسمحُ للمجموعات السياحيّةِ بزيارة الأقصى كأثرٍ إسلامي أقيم مكان هيكلِ سليمان المزعوم.

الوصاية الهاشميّة والحيلولة دون التقسيم
كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر القرار رقم 271 سنة 1969 الذي يؤكِّد حق المسلمين بإدارة الأماكن المقدسة في القدس، واستمر الأردن في ذلك ضمن الوصاية الهاشمية والمنصوص عليها في "معاهدة السّلام" بين الأردن واسرائيل، ما حال دون التقسيم المكاني والزماني في الأقصى، الذي لا يُستبعد أن تلجأ إليه إسرائيل في حال إلغاء معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل.
ويشدد الأردن على الوصاية الهاشمية للحفاظ على عروبة القدس، والحيلولة دون تهويدها وتنفيذ الأطماع الإسرائيلية في جزئها الشرقيِّ بالتحديد، إذْ يعتبر جلالة الملك عبد الله الثاني أن القدس خط أحمر ويقول بكلام واضح "ستبقى بوصلتنا فلسطين وتاجها القدس"، ويدين جلالته كل تصرف تقترفه إسرائيل والمتطرفين اليهود بحق القدس والحرم القدسي الشريف والمقدسات الإسلامية والمسيحية .
ويرى جلالته: " ...أن الحفاظ على فرص السلام على أساس حل الدولتين، يتطلب وقف كل الانتهاكات الإسرائيلية، والاقتحامات في المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، ومحاولات التقسيم الزماني والمكاني التي تعيق فرص تحقيق السلام المنشود، فأي محاولة للمساس بالوضع التاريخي والقانوني القائم، ستكون لها انعكاسات سلبية على أمن واستقرار المنطقة بأكملها".
كما يواصل الأردن مشاريع الإعمار الهاشميّ في القدس ووصل عددها إلى خمسة، وتم خلالها إعادة بناء منبر صلاح الدين الذي وضع في المسجد الأقصى عام 2002 ، وتذهيب قبة الصخرة، وكسوة سقف الاقصى بالواح الرصاص، وانارة المساجد ومباني الحرم القدسي الشريف، اضافة للنظام الصوتي والميكانيك، وترميم دائم للمباني واللوحات الفسيفسائية والمخطوطات، واصلاح كل ما تدمره سلطات الاحتلال، وهناك مشروع لبناء مأذنة خامسة للمسجد الاقصى.
كما تم تعيين حراس إضافيين، وفرش المسجد وإدامة الخدمات تحت اشراف وولاية وزارة الاوقاف الاردنية ومتابعة لجنة اعمار الاقصى.

التضييق على القدس وأهلها
رغم أنّ قرار مجلس الأمن 252 سنة 1968 اعتبر كلَّ الإجراءات الإسرائيلية في القدس الشرقية والأقصى باطلة، إلا أنّ إسرائيل تستولي على الأبنية القديمة ومساكن المقدسيين، وتعتمد العديد من الإجراءات لتهجير المقدسيين، بحجج قانونية وأحكام قضائية، تستند إلى قانون أقرَّه الكنيست عام 1987 يتيح بالاستيلاء على أملاك الفلسطينيين تحت مسمى "أملاك الغائبين"، والتضييق عليهم في إصلاح مبانيهم وتنقلاتهم، وتجلب السياح إليها باعتبارها أثرًا وتراثًا يهوديًا.
وتعمل المنظمات الاستيطانية على جمع التبرعات لمشاريعها تحت مسمى "إنقاذ الأرض"، كما تم إنشاء صندوق الدعم اليهودي الذي تشرف عليه "العاد" وتتلقى التبرعات من شركات لشخصيات يصعب معرفتهم، كونها مسجلة في الجزر البريطانية التي لا تسمح قوانيها بالاطلاع على اسماء اصحابها.
وتعي هذه المنظمات أنّ توطين عائلة يهودية في القدس، يعني إبعاد عائلة مقدسية قسرًا، وفي الوقت الذي فشلت فيه جماعات الهيكل بالضغط على الكنيست بإناطة إدارة المسجد الأقصى وأوقاف القدس لوزارة الأديان الإسرائيلية ورفع الوصاية الهاشمية عن المقدسات في القدس التي يقطن شرقها أكثر من 200 الف يهودي، ضمت اسرائيل القدس الشرقية، وأخضعتها لقوانيها متناسية القرارات الدولية، التي تعتبر القدس الشرقية محتلة،وترفض الاعتراف بشرعية المستوطنات.
فبالتاريخ المزيف، والخرافات، والبَغْي استحوذتْ الحركة الصهيونية على فلسطين كدولة، والقدس كعاصمة تهود بتهجير أهلها، والتضييقِ على سُبُلِ معيشتهم بشتى السبل، لكن هيهات لهم ذلك؛ لأنّ جذر الأرض عربي خالص، ومهما نمت أغصان صهيونية فمصيرها البتر، والزمن كفيل بذلك في ظل مقومات الحق الذي لا يضيع ما دام ورائه ورثة شرعيون تناسلوا من رحم العروبة والاسلام.
فالنبش أسفل الأقصى بحثًا عن هيكل مزعزم، وإحراق منبر صلاح الدين من قبل المتطرف "دنس مايكل روهن" والسير بإجراءات تهويد القدس، ومنها إطلاق تسمية حائط "المبكى" على حائط البراق البالغ طوله 50 مترًا وارتفاعه 20 مترًا، لأنهم يزعمون أنه جزء من معبد سليمان المزعوم، واستمرار التنكيل بالمصلين، وزوار المساجد والكنائس، والحارات العتيقة لا يمكن السكوت عليه.

طوفان الأقصى أول عتبات النصر
جاء طوفان الأقصى لأجل القدس والأقصى، بعد أنْ تمادى المتطرفون اليهود في استباحة المسجد الاقصى وساحاته، والاعتداء على المصلين والمرابطين والنساء، واستفزار المسلمين تحت حماية الشرطة الاسرائيلية ودعم الساسة المتشددين والداعين لطرد المقدسيين. ما أدى الى توقف استفزار المستوطنين للفلسطينيين في الحرم القدسي الشريف، وتوقف حركة الحياة في القدس والمدن الفلسطينية، وجاء الفعل العسكري من غزة ومن كتائب المقاومة وعزالدين القسام - المجاهد الذي ثار على الفرنسيين في سوريا، ولجأ إلى فلسطين ليستشهد في أحراش جنين وهو يحارب المحتل البريطاني عام 1936.
فالقدس عنوان العودة والتحرير والحرب جولات قد تخسرها مرات، لكن نهايتها انتصار الحق، وزوال المحتل بعد أول هزيمة تلحق به، وطوفان الأقصى أول عتبات طريق النصر نحو القدس، بعد حركات نضالية بدات عام 1918 في مؤتمر فلسطين الأول الرافض لتقسيم القدس وتهوديها ومرورًا بثورات 1929 و1936 والانتقاضات المتلاحقة وخاصة أطفال الحجارة والأقصى.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد