بين العشيرة والحزب : الشِّق الذي لا يلتئم في قلب المجتمع الأردني

mainThumb
يعيش الأردنيون في مجتمع يزدهر على قواعد العشائرية

08-09-2024 03:02 AM

عمان - السوسنة - خالد الطوالبة - في الأردن، تبدو الحياة السياسية وكأنها تراوح مكانها بين خيارين لا يلتقيان: الولاء للعشيرة والولاء للحزب. يعيش الأردنيون في مجتمع يزدهر على قواعد العشائرية، حيث يمتد الولاء للعشيرة إلى ما هو أبعد من السياسة. لكن مع دخول مفاهيم جديدة إلى الحياة العامة، كالأحزاب السياسية والحياة المدنية، بدأ شرخ يظهر بين تلك الانتماءات.

لطالما كانت العشيرة بمثابة الحصن الذي يلجأ إليه الفرد في مواجهة تحديات الحياة. هي ليست فقط شبكة اجتماعية بل قوة اقتصادية وثقافية، تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة. وفي عالم السياسة الأردنية، تلعب العشائر دورًا كبيرًا، حيث يختار الناخبون ممثليهم بناءً على الروابط العشائرية لا البرامج الانتخابية أو الخطط التنموية.

اسم العشيرة وحده يكفي لجعل مرشح معين يعتلي القمة، بغض النظر عن كفاءته أو رؤيته المستقبلية. هذه الحقيقة تُبرز التحديات التي تواجه انبثاق أحزاب سياسية قوية في بيئة تفضل الانتماءات العائلية.

الحياة البدوية والحياة المدنية: صراع الانتماءات

بينما يزداد توجه بعض الأردنيين نحو حياة مدنية كاملة، تعتمد على الحزبية والانتماء الفكري، يبقى جزء كبير من المجتمع متشبثًا بجذوره البدوية. في المجتمع البدوي التقليدي، الولاء للعشيرة هو أمر لا يُفكر فيه كثيرًا، بل هو غريزة تُكتسب مع الولادة. هذا الانتماء، القوي في نفوس الكثيرين، يجعل من الصعب تخيل أن الولاء لحزب سياسي قد يأتي في المرتبة الأولى يومًا ما. الأحزاب، بفكرها المدني الجامع، تجد نفسها تواجه عقبة هائلة في جذب الناس بعيدًا عن شعورهم العميق بالانتماء العشائري.

الحزب كفكرة جديدة في مجتمع قديم

ظهور الأحزاب في الأردن يعد فكرة جديدة نوعًا ما في مجتمع اعتاد على نمط تقليدي من الحكم والقيادة. الأحزاب تحاول أن تجمع الأردنيين تحت مظلة فكرية واحدة، بغض النظر عن أصولهم العشائرية، لكن هذا المفهوم يتصادم مع واقع اجتماعي تربى على الولاء العشائري أولًا وأخيرًا. وبالتالي، تظل الأحزاب السياسية تعاني من ضعف القاعدة الشعبية، ويظل معظم الأردنيين، حتى اليوم، يرون أن انتماءهم للعشيرة أهم وأقوى من أي حزب سياسي.

كيف ينظر الأردني إلى التغيير؟

في مجتمع مثل الأردن، يبدو التغيير في الولاءات السياسية بطيئًا وصعبًا. الثقافة العشائرية متجذرة بعمق في النفوس، والناس يرون أن العشيرة تقدم لهم ما لا يمكن للحزب أن يقدمه: الدعم الاجتماعي، الأمان الاقتصادي، والتعاضد في الأوقات الصعبة. أما الحزب، فهو ما يزال في نظر الكثيرين فكرة نظرية بعيدة عن الواقع.

حتى اليوم، عندما تُجرى الانتخابات، تجد الناخب الأردني ينجذب تلقائيًا لاسم العشيرة. ويبدأ السؤال: هل سيكون هناك يوم يقف فيه الأردني ليقول إن الانتماء للحزب أقوى من الانتماء للعشيرة؟ أم أن فكرة الحزب ستظل غريبة على مجتمع يتمسك بتقاليده العريقة؟

الحلقة المفقودة: كيف يُمكن ردم الفجوة؟

يبدو أن الحل يكمن في إيجاد توازن بين العشيرة والحزب، بين البدوي والمدني. لا يمكن تجاهل دور العشيرة، لكنها أيضًا لا يجب أن تهيمن على المشهد السياسي بشكل يعطل نمو الأحزاب. يمكن للحزب أن يصبح امتدادًا للعشيرة من ناحية القيم والأخلاق المشتركة، لكن يجب أن يحمل رؤية تتجاوز حدود العائلة الواحدة.

في النهاية، يبقى السؤال: هل يستطيع المجتمع الأردني أن يجد هذه الحلقة المفقودة بين الماضي والحاضر، بين الولاء للعشيرة والانتماء للحزب؟






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد